السلام عليكم ورحمة الله كيف حالكم جميعًا.. شكرًا للجميلة @ρsүcнσ التي أهدتني هذا الطقم الرائع ذوقها في اختبار الصور المناسبة لشخصيات روايتي لهو ذوق مذهل حقا بل وأعطتني فواصل رقيقة فعلًا.. الله يجزيها خير وأترككم مع الفصل المخيف المليء بالحقائق XD رواية عيون لا ترحم [14] مذبحة! -1- [سامي] أحببتُ السيد آسر هذا دون أن ألقاه، وزدتُ إعجابًا به وشغفًا بلقائه مع مرور الوقت، كنت منبهرًا به للغاية! كيف أن رجل أعمال ثريّ مثله لم تعمه الأموال كعادة الأثرياء ولم يطله الفساد المنتشر بين هذه الطبقة الغنيّة، يهتم بفئة مثلنا. فئة من أضعف فئات المجتمع، اليتامى! بل ويوفّر لهم مثل هذا الملجأ الفخم.. حتى جاء ذلك اليوم، كان هناك زائر يطوف بساحات الملجأ ومعه بضعة معلمّين يحدثونه عن كل شيء، شعرتُ أنه شخصية مهمّة من تعاملهم وطريقتهم معه، أصابني الفضول وتسللتُ ورائهم أحاول أسمع ما يدور بينهم، ومع أنني كنتُ واثقًا أنني لم أصدر أي صوت.. إلا أن ذلك الزائر التفت فجأة إلى الخلف، ورأيت وجهه! كان يرتدي حُلّة سوداء فخمة مع ربطة عنق داكنة، كان وجهه الوسيم يحمل تلك العينين الرماديتين الصافيتين التي أصابتني بالقشعريرة، وشعره الأسود الناعم تتدلى منه بضع خصلات على جبينه المستوية، كان صبوح الوجه على الرغم من قسمات الهمّ والحزن الواضحة التي احتوت وجهه! ولا أدري لماذا شعرتُ بأنه هو، السيد آسر نفسه! كنتُ في العادة لن أكشف نفسي، لكنّ حضوره القويّ أشعرني باستسلام تاّم وأنا أخرج من مخبئي وأنظر إليه بانبهار. "آ.. إنه سامي جليل، إنه فتى متفوق ماشاء الله" قال ذلك أحد المعلّمين الذي كان يعرفني، وابتسم ابتسامة مُجاملة وهو يُشير إلى ذلك الزائر بالتقدم، وكأنه يطلب منه أن يتجاهلني..مما أشعرني ببعض الإحباط وتطلعت ببصري في لهفة لأرى إن كان ذلك الزائر سيكمل سيره حقا أم لا، فوجئت به يقول بابتسامة هادئة: هذا يبدو واضحًا من وجهه! ثم يتقدّم إليّ مقتربًا منّي بخطوات بطيئة، ظهر على وجه المسؤلين معه بعض من ملامح الاعتراض، لم يُعرها الزائر اهتمامًا وهو يأتي وينحني إليّ لأشمّ رائحته العطرة وأرى وجهه عن قرب ثم يسألني بهدوء: ما اسمك؟ اتسعت عيناي في انبهار متزايد ثم قلتُ بصوت متماسك: سـ....سامي! ظهرتْ في عينيه ملامح الإعجاب ومسح على رأسي بحنان، فتمالكتُ الرهبة التي غمرتني وأنا أسأله بلهفة: هـ.. هل أنت.. السيد.. آسر؟ لاحت على وجهه ابتسامة واسعة وهو يضع إصبعه على فمه هامسًا: ششش.. نعم! لكن لا تخبر أحدًا، اتفقنا؟ ابتلعتُ ريقي بانبهار وقلتُ بعينين متسعتين لاهثًا: بالطبع يا سيدي.. لا تقلق.. هل.. يمكنني مصافحتك؟! ضحك السيد آسر هذه المرة ضحكة رائعة أشعرتني بسعادة غامرة وهو يمدّ يده لي ليصافحني بيده الواسعة الدافئة، وضغط على يدي بقوة جعلتني أبتسم بفرحة لا مثيل لها وكأني نِلتُ شرف مصافحة رئيس أحد البلاد..! في الواقع كان السيد آسر له مكانة عندي أكثر من أي رئيس، فعلى الأقل السيد آسر احتوانا بهذه الطريقة ورئيس البلاد لم يفعل لنا أي شيء! كنتُ طوال الوقت أحتفظ بتلك الذكرى العزيزة في صدري كوسام شرف، لقد صافحت السيد آسر، مالك هذا الملجأ الحقيقي. كنت فخورًا بذلك أيما فخر، وتشجعت بعدها أكثر للتدريبات، أريد أن أصبح قويًّا مثله، أريد أن أكون واثقًا بنفسي لهذه الدرجة مثله..! كان المسؤلون في الملجأ يعطوننا وقتًا حرًّا لممارسة ما نحب، كان غيري يهتمّ بالرياضة مثلا والفروسية أحيانًا. أما أنا فكنتُ كثيرًا ما أجد نفسي في ساحة الرماية، حيث أصوّب الأسهم على الأهداف بنجاح، وبعدها بدأت أتدرب بالسكاكين، كنت أصوّب على الشجر، على كل شيء! حتى اكتسبت مهارة واضحة في الرمي فاقت كل أقراني حينذاك. وبعد عدّة أشهر من لقائي بذلك الشخص الرائع، بعد أن أكملت عامي الثالث عشر، وقضيتُ ثلاثة سنوات رائعة في هذا الملجأ. استيقظنا فجأة على صراخ وعويل في الليل، كانت هناك فرقة من المرتزقة السفاحين يذبحون الأطفال جميعًا! انتشر جنود تلك الفرقة بانتظام في المبنى الرئيس الذي يحوي غرف النوم، وقتلوا تقريبًا الجميع.. المعلّمون أولًا، ثم الأطفال! كنت أرتجف تحت سريري وزميلي كذلك تحت سريره، على أمل ألا يجدنا ذلك الشخص الذي سيدخل بعد قليل إلى هذه الغرفة بعد قتله للطفلين اللذين في الغرفة المجاورة. لكنه اتجه مباشرة إلى السرير وانحنى لينظر تحته وهو يضحك ضحكة خبيثة، وكأنه يعلم تلك الخدعة السخيفة.. الاختباء تحت السرير! خدعة صبيانية بحتة! ذبح ذلك السفاح زميلي كالنعاج بدون أن يطرف له جفن بعد أن سحبه من تحت السرير، حدث ذلك بسرعة مدهشة ولم أعرف حتى بأن أفكر كيف أنقذ ذلك الطفل؟ ثم اتجه إلى سريري، كان الخوف والذهول يمنعانني من اتخاذ ردة الفعل المناسبة بعد أن ذُبح أحدهم أمامي بكل تلك البساطة! وبشكل لا إرادي قبضتُ على تلك السكين الصغيرة التي أملكها في ثيابي، وفوجئت بيد ذلك الرجل تطوق عنقي بعنف، شعرتُ بالاختناق في البداية لكنني غرزت تلك السكين في صدره بأقوى ما عندي، كنتُ مندهشًا من نفسي كيف استجمعت شجاعتي لأقتله بهذه البساطة؟ لكن غريزة البقاء والدفاع عن نفسي كانت حاضرة لديّ بقوة! شهق الرجل بألم عندما فوجئ بسكيني تنغرز في صدره، وارتخت قبضتاه حول عنقي وتركني أهوي على السرير جالسًا وأنا ألهث بانفعال ورعب، قال الرجل بصوت متحشرج: أي..ها.. الطفل الوغد.. وفوجئت به يرفع خنجره الحاد ليلّوح به أمام صدري ثم يهوي جثة هامدة تحت قدميّ! اتسعت عيناي بهلع وأنا ألمس ذلك الجرح الطويل في صدري الذي سببته تلويحة الرجل الأخيرة، بدأ الدم ينزف بغزارة وشعرتُ برعب شديد على نفسي. هل سأموت الآن؟ لم يكن لدي وقت لأفكر بإجابة على هذا السؤال، فقد فوجئت بأن المجرمين أضرموا النار في المبنى، وفي كل الساحات المجاورة قبل أن ينصرفوا بعد قتلهم لجميع الأطفال. أحدهم مرّ على جميع الغرف قبل إضرام النار وتأكد من أن جميع الأطفال قتلى..! أغمضتُ عيني ومثّلت الموت بجانب جثة الرجل الذي قتلتُه، ونزيف صدري الشديد جعلهم يتأكدون من موتي بمجرد النظر. لكنني سمعتُ أحدهم يطلق سبابا ساخطًا وهو ينظر إلى جثة الرجل قائلًا: ذلك الغبي.. لقد هزمه طفل! بعد اختفائهم من الغرفة قفزتُ من النافذة فقد كانت غرفتي في الدور الثاني، كانت النار تنتشر في كل المباني بسرعة رهيبة مُخيفة! ورغم أنني شعرتُ بآلام رهيبة في صدري مع ذلك الجرح الذي يزداد سوءًا مع الوقت، وتلك الرؤية الضبابية المشوشة التي تسيطر على عقلي، إلا أنني أكملت طريقي في الهرب بخطوات بائسة.. ويبدو أنني نجحت! فبالطبع لن يخطر على بال القتلة الذين رحلوا قبل قليل أن شخصًا مثلي قد نجا! بمجرد خروجي من المبنى المحترق ألقيتُ نظرة للخلف وشعرتُ بغصّة تملأ حلقي كله، من هؤلاء القتلة المجرمين الذين فعلوا هذا؟! تبًّا..زملائي وأساتذتي.. لا أصدق أنهم أصبحوا جثثًا هامدة يحترقون في الداخل. عيوني امتلأت بدموع القهر والألم وأنا أسير متمايلًا في الطريق المؤدي إلى المدينة.. فوجئت بسيارة في الطريق عندما رآني صاحبها توقف، ونزل متجها إليّ وعلى وجهه الهلع، سقطتُ على وجهي بين يديه.. وسمعتُه يهتف بلوعة: يا الله.. ماذا حدث يا فتى؟ أأنت بخير؟ كان هذا هو السيد هيثم، حملني بين يديه ونظر إلى الملجأ المحترق من بعيد قائلًا بغضب مرير: الأوغاد.. فعلوها ودمّروا كل شيء.. لقد كانت تهديداتهم لآسر صحيحة! على الرغم من أنني كنتُ على وشك فقدان الوعي إلا أنني فهمت كل شيء، هذه عملية انتقامية إذن من السيد آسر، همستُ بضعف قلق: هل.. السيد آسر بخير؟ نظر إلى وجهي ورأيت عينيه الغاضبتين وهو يعقد حاجبيه بلهجة منفعلة قال: آمل ذلك! عليّ أن أسرع إليه.. وكذلك علينا أن نسعفك يا فتى! -2- [ياسر] كنتُ أدخل بسيارتي من البوابة ليفتح لي البوّاب وهو يردد عبارات الترحيب كعادته، أوقفتُ السيارة على الجانب وترجّلتُ من سيارتي وقليلًا ما أفعل ذلك، وأنا أسلّم عليه وهو يبادلني السلام بحرارة، تبادلنا السؤال المعتاد عن الأخبار والأحوال وما إلى ذلك ثم استندتُ إلى ظهر سيارتي وأنا أسأله بهدوء: هل نفذت ما قلتُه لك يا عمّ ناجي؟ هلّ وجهه وهو يقول: بالطبع يا سيدّي. فقلتُ: إذن.. وما هي الأخبار؟ ضحك العمّ ناجي بعفوية وهو يحكّ رأسه قائلًا: أنا أفعل كل يوم ما أمرتني به، وأنت تعلم أنني وزوجتي نحب السهر معًا، وقد كنت طوال الليل أراقب البوابة والأسوار الخارجية، وأزلتُ جميع السلالم الخشبية ووضعتُها في مخزن الحديقة.. ولم يدخل أي شخص، لا تقلق! هززتُ رأسي باطمئنان وأنا أقول: هذا جيد! فقال العم ناجي بحيرة: ولكن يا سيّدي ماذا يثير قلقك هذه الفترة؟ أنت تعلم أننا في أمان ولله الحمد، كما أن من الصعب لأي لص أن يدخل من السور العالي هذا، وسيادتك اشتريت الكلب للسيد الصغير، وأظنّ أنه سيقوم بدور رائع إذا دخل شخص غريب للفيلّا.. قلتُ بابتسامة غامضة: ليست المشكلة في أن يدخل شخص غريب يا عم ناجي للفيلّا، وإنما أن يخرج شخص ما! هزّ عم ناجي رأسه في عدم فهم: يخرج شخص ما.. أتقصد أن هناك لص مختبئ في الفيلّا يا سيدي!؟ قلتُ بضحكة: كلّا.. فلو كان هناك شخص كهذا لكنّا في خطر مُحدق، لا بأس.. لا تأخذ كلامي على محمل الجدّ، المهمّ أن تراقب الأسوار الخارجية دومًا في الليل، وتخبرني على الفور إذا لمحت أي شخص سواء يدخل أو يخرج. أتفهمني يا عم ناجي؟ قال عم ناجي باحترام: طبعًا يا سيد ياسر، اعتمد علينا. ابتسمتُ في رضا، وأعطيته مفاتيح السيارة ليقوم بركنها في المكان المناسب، وعدتُ أكمل المسافة القليلة حتى بوابة الفيلا مشيًا، وأنا أقول بتهكم لنفسي: كم كنتُ أتمنى أنني أخذتُ هذه الخطوة منذ زمن! أفكّر أن أركب كاميرات أيضًا على الأسوار.. من يدري؟ فربّما تفيد لاحقًا! -3- [سامي] ذهب بي السيد هيثم إلى المستشفى، وبعد أن اعتنوا بجراحي، جاء السيد هيثم لزيارتي في اليوم التالي. بمجرد رؤية وجهه هتفت بلهفة: سيدي.. هل السيد آسر بخير؟ دخل إلى الغرفة وعلى وجهه حزن عميق، ونظر إليّ قائلًا بأسى: للأسف يا بنيّ.. لقد قتلوه! كنت مصدومًا بشدّة حينها، وشعرتُ بضياع شديد. بكيتُ كثيرًا على السيد آسر، وبكيتُ على نفسي. لقد أصبحتُ الآن بلا مأوى ولا عائلة حرفيا. فقدتُ كل شيء! وبعد أن شاهدت تلك المذبحة بنفسي، فقدت إحساسي بهذا العالم ورغبتي في إكمال الحياة..! وليس بعيدًا أن يعيدوني إلى الملاجئ القذرة التي كنتُ أعيش فيها قبل ذلك.. وفي وسط إحساسي باليأس، أخبرني السيد هيثم أنه سيرعاني، وبدأ يعرفني على نفسه: أنا صديق المرحوم آسر. سألتُه وقد بدأ الانبهار يتسلل إليّ: هل أنت صديقه فعلًا؟ ابتسم ابتسامة باهتة قائلًا: نعم. أنا رجل أعمال مثله، طلب مساعدتي في عمل مشروع لعمل ملجأ متميز للأيتام. وقد ساعدته بعدة إجراءات حكومية نظرًا لمكانتي في هذا المجال، حتى يستطيع ملجأه أن يتقبل الأيتام اللذين تصدُقُ الدولة على يُتمهم. وبالفعل بدأ ملجأه يأخذ الأعداد الزيادة من الملاجئ الأخرى. واليتامى الجدد أيضًا. ولكن تم تهديده من مجموعة مرتزقة، بأنهم سيقتلونه إذا استمر في مشروعه ذاك! لكنه استهزأ بهم وتحدّاهم. وللأسف حدث ما هددّوا به. دمّروا ملجأه تمامًا وأحرقوا كل شيء ومات الجميع! وصلتني استغاثة من أحد المسؤولين في الملجأ فذهبت على الفور إلى هناك ولكنني فوجئت بأن الأمر انتهى! ووجدتك في الطريق مُصابًا. وللأسف عندما تفقدنا جميع من في الملجأ لم نجد منهم أي أحياء. كلهم قُتُلوا، وبهذا تكون أنت الناجي الوحيد! الغصة التي في قلبي تكبر والمرارة والقهر يحتلّان الجزء الأكبر منّي، لطالما تساءلتُ لماذا يقتلون شخصًا رائعًا كالسيد آسر بذل الكثير من ماله ووقته وجهده لرعاية الضعفاء واليتامى؟ ألهذا الحدّ يكرهون فعل الخير؟ أم أنهم يريدون فقط رجال الأعمال الفاسدين...؟! سألني السيد هيثم برفق: هل جرحك بخير الآن؟ أومأت برأسي في شرود، فغمغم السيد هيثم في حنان: لحسن حظّك أن الجرح كان سطحيًّا، ولو كان أعمق قليلًا لسبب خطرًا على حياتك. ومع أنك مصاب بعدة كدمات ورضوض في جسدك إلا أنها ستُشفى بسرعة بإذن الله. وفّر لي السيد هيثم شقة صغيرة في إحدى العمارات، وأشرف على إجراءات دخولي إلى المدرسة الإعدادية، ودعمني ماديّا ومعنويا.. زاد احترامه وحبّه في قلبي، وهو صديق لذلك الشخص الرائع.. لذلك كنتُ منبهرًا به أيضًا. أعاد لي رغبتي في الحياة، أعطاني أملًا في المستقبل. كنت في تلك الفترة أمارس هواياتي دومًا بالرماية وممارسة الفنون القتالية المتنوعة مما لفت انتباه السيد هيثم.. وجاء ذلك الوقت عندما حكى لي كل شيء! أخبرني بهدوء عميق أنه أسس منظمة صغيرة سرّية تمامًا، لمحاولة التحرّي عمن قتل السيد آسر ودمّر منظمته، وتدميرهم تمامًا والانتقام منهم على ما فعلوه! كانت عيناه تشعّان بالكراهية والرغبة في الانتقام.. ونقل هذا الشعور إليّ، ووافقت على الانضمام لمنظمته الصغيرة. بدأ السيد هيثم يزداد انشغالًا مع الوقت، ولكنه لم ينس أن يعرفني على بضعة أعضاء آخرين من المنظمة، كانوا يتمرنّون معي.. على جميع فنون القتال، والرمي، واستخدام الأسلحة. مع مرور الوقت تفوقت عليهم جميعًا، فأنا الوحيد الذي كنتُ متفرغًا لذلك! كما أن حزني على السيد آسر وغضبي على قاتيله كان يعطيني الحماسة والقوّة للمضيّ في هذا الأمر أكثر من أي شخص آخر. وأعطاني السيد هيثم أوامر للذهاب في مهمّات تحري أخيرًا عن بعض الأشخاص الذين ذكرهم لي بالاسم، وانطلقت في عدة مهام لجمع المعلومات، كنت حينها قد أنهيتُ الثانوية وفي سنتي التاسعة عشر. وعرض علي السيد هيثم الذهاب للجامعة لكنني رفضتُ وأخبرته أني أريد التفرغ لعملي في المنظمة. ازدادت ثقة السيد هيثم بي وزاد اعتماده عليّ في جمع المعلومات، كنت دومًا أحترمه وأجلّه، وأنفذ ما يأمرني به دون مناقشة، مما أشعرني بالضيق أن العلاقة بيني وبينه تحولّت بهذه الطريقة.. علاقة زعيم المنظمة بعضو من منظمته! وليس علاقة أب بابنه أو كما كنت أتمنى! كنت دائمًا أرى السيد هيثم يعميه شعوره بالكراهية قليلًا، ويرغب في تدمير تلك المنظمة الجاسوسية.. رغبته بالتدمير كانت أكبر من رغبته بالبناء وإصلاح الأمور. لم يكن هذا يعجبني لكن كنت على عهدي معه ونحن متفقان على نفس المبدأ. وهو صاحب الفضل الأكبر في إنقاذ حياتي بعد الله. لذلك أنا أدين له بالكثير! كما أنني لا أنسى علاقته بالسيد آسر، فالسيد هيثم كان صديقًا حميمًا له، ولا شك أنه يحقد على قاتليه أكثر منّي! وقبل عدّة أشهر، جائني أمر غريب جدا من السيد هيثم بمراقبة شخص ما.. ومراقبة بيته. ولذهولي الشديد. كان هذا الشخص يملك نفس وجه آسر مما جعلني أفتح فاهي ذهولًا. بعدها شرح لي السيد هيثم أن السيد آسر كان له أخ توأم، وللأسف أخوه التوأم مشتبه به! فعلاقته مع آسر لم تكن جيدة بتاتًا. كانا مختلفين في كل شيء. وكان السيد هيثم يشك بنسبة كبيرة أنه يعمل مع المنظمة الجاسوسية التي كانت سببًا في قتل السيد آسر وتدمير مشروعه! وكم استنكرتُ حينها.. كيف يمكن لأخ أن يعمل في منظمة ما ضد أخيه ويصل الأمر به إلى قتله؟! بدأت مهمّتي في مراقبة منزله، ومراقبته شخصيا. رجل أعمال ثريّ كالعادة، يذهب ويجيء إلى شركته لإدراتها مع سائقه الخاص. وأحيانا كثيرة يمشي بسيارته. شعرتُ تجاهه بكراهية شديدة أنه يعيش حياته بشكل طبيعي مع أن أخيه قُتل منذ سنوات على يد منظمة جاسوسية.. والويل له إن كان متورطا فيها! لكنه لم يكن يفعل أي نشاطات مشبوهة! ولا حتى يتواصل مع أي أشخاص من أي نوع.. فأين هي تلك المنظمة الجاسوسية التي ينضم إليها؟! ما لفت انتباهي حينها هي تلك الفتاة التي كانت ابنته على الأرجح! فتاة غريبة الأطوار.. وجدت أنها تتسلل إلى منزلها أكثر من مرة في وقت متأخر! استدعى الأمر انتباهي فراقبتها. منذ خروجها من المدرسة وحتى عودتها إلى المنزل. كانت تذهب لمدرسة فنون قتالية. وتجول في الشوارع وتتشاجر أحيانًا مع بعض الأولاد. باختصار كانت فتاة عنيفة بعض الشيء.. وكم أعجبتني شخصيتها القوية ووجدت أمر مراقبتها ممتعًا! لكنني أخفيتُ الأمر عن السيد هيثم، وأخبرته بتقريري عن ذلك الشخص المسمى ياسر، وأنه لا يفعل أي شيء مشبوه. فكر السيد هيثم بعمق وهو ينظر إلي، ثم أمرني بالمهمة التالية، التي أدهشتني. كانت المهمّة هي: خطف تلك الفتاة! قلتُ بذهول: ولكن.. لماذا نختطف فتاة يا سيدي؟ ألسنا منظمة محترمة هدفها نبيل وهو ... قاطعني السيد هيثم بهدوء: سامي. يبدو أنك لا تفهم أي شيء! وتنهد وهو يقترب بنظراته منّي قائلًا: أتعلم من هي؟ قلتُ بتوتر: نعم بالتأكيد..! أنت قلت أن اسمها قمر، وهي ابنة ياسر صحيح؟ ابتسم ابتسامة غامضة ثم قال: خطأ. ياسر ليس والدها! أتعلم من والدها الحقيقي؟ ارتسمت على وجهي علامات الاستفهام، فأنا لا أفهم ما يرمي إليه السيد هيثم بحديثه ولا أدري لماذا يأمرني بخطف فتاة كتلك.. بغض النظر من والدها الحقيقي، فأنا لن أقوم بفعل حقير كاختطاف فتاة مثلها. فأكمل بلهجة عميقة: قمر هي ابنة السيد آسر يا سامي..! اتسعت عيناي بذهول..السيد آسر، ذلك الشخص الرائع، كانت له ابنة؟ هي تلك الفتاة.. العنيفة؟! ولم أتمالك نفسي وضحكت في داخلي، وقد بدأت صورها تتوالى على ذاكرتي وهي تضرب الأولاد وتهزمهم، وتسير بثقة تامة بينهم، ويستنجد بها جميع فتيات فصلها ويسيرون ورائها بشموخ كأنها زعيمتهم، تلك الفتاة.. المجرمة، هي ابنة آسر؟ ابتسمتُ ابتسامة خفيفة فسألني السيد هيثم بشك: ما الأمر؟ أتعرفها؟ هززت رأسي نفيًا وأنا أقول: كلّا. لقد فرحتُ بعض الشيء أن له ابنة، وأثار ذلك فضولي أكثر لمقابلتها! قال بتفهم: نعم. ثم قال بحنين: وهذا ما يدعوني لأن أطلب منك هذا الطلب. قمر الآن بين يدي ذلك المجرم ياسر، صحيح أنك قلت في تقريرك أنه غير متورط في أي شيء، لكنني لن أثق به أبدًا حتى لو قالت كل الدلائل أنه بريء! فأنا أعلم جيدا خسة ونذالة هذا الشخص! ولهذا أريدك أن تُحضر ابنة آسر إلى هنا، سنجعلها تعرف من هو أبوها الرائع وتعرف حقيقة عمّها الخسيس. حتى إذا أحب أن يورطّها في عمله لأي سبب من الأسباب تكون على دراية بخطته الخبيثة، وسنعرض عليها الانضمام لمنظمتنا أيضًا. رغم أنني فوجئت بداخلي في رغبة السيد هيثم في أن تنضم لنا تلك الطفلة وهي ما تزال في العاشرة من عمرها، وشعرت نوعًا ما باعتراض على توريط فتاة مثلها معنا.. إلا أنني شعرتُ بحماسة شديدة في داخلي من مجرد تخيل ذلك.. تلك الفتاة، تنضم لمنظمتنا؟ يا له من أمر ممتع! شعرتُ بفرحة أنني على وشك الحصول على أخت جديدة، ومن هي؟ إنها ابنة السيد آسر.. مثلي الأعلى! ابتسمتُ وأنا أسأل: وإذا وافقت؟ اتسعت ابتسامة السيد هيثم وهو يقول: سأجعلها في رعايتك يا سامي. فأنت أكثر من أثق بهم! ستشرف على تدريبها وتعليمها جميع أساليبنا التي علمتك إياها. ابتسمتُ بامتنان وراودتني الرغبة في الذهاب لخطفها الآن! لكنني التزمتُ بخطة السيد هيثم في أن آخذها من خلف مدرستها في اليوم التالي، حيث تعود لمنزلها مشيًا كل يوم! وها قدّ مرّ شهران وأكثر على انضمامها معنا، وكل يوم أقضيه معها يزيد يقيني أنها ابنة ذلك البطل السيد آسر. فهي تشبهه كثيرًا، قويّة وحنونة، تتمسك بمبادئها الصحيحة أكثر منّا نحن الكبار. تنفعل بصدق وتحبّ بصدق. لا خبث ولا دهاء. ورغم قوتها تلك فإنها أرق فتاة رأيتها على الإطلاق! تتأثر بأقل شيء وتبكي وتضحك منه..! لا أخفي عليكم أنني أحببتُ وجودها معنا، أحببتها كثيرًا وشعرتُ أنها أضافت لحياتي الكثير. وأنا ممتن للسيد آسر لأنه أنجب هذه الفتاة. فعلًا كما يُقال: هذا الشبل من ذاك الأسد! لكنني في ذات الوقت أحمل مشاعر متناقضة بداخلي، أريدها أن تظل معنا وفي نفس الوقت.. أعلم يقينًا أن انضمامها لنا بحد ذاته هو الخطر! فإذا كشفتنا المنظمة الجاسوسية لأي سبب.. فهي معرضة مثلنا تماما للاغتيال أو حتى الخطف وانتزاع المعلومات منها! وشعرتُ بقلق شديد عليها في مهمتها الأخيرة، وأشفقت عليها من ذلك الخطر الذي واجهته. هذا كثير قليلًا على فتاة بسنّها! كنت أودّ مناقشة السيد هيثم بذلك، لكنني تراجعتُ.. فأنا أتوقع أنه لن يعجبه كلامي إذا قلتُ له لا تعطها أي مهمة مثلا! وتنهدتُ بحرارة. لكن هناك حلّ وسط أستطيع الاطمئنان إليه، هو أنها طالما معي، فأنا سأحميها بحياتي! وأظن أن السيد آسر لو كان حيّا سيطلب مني ذلك أيضًا. سيطلب حماية ابنته حتمًا. ابتسمتُ برضا. انتبهتُ وأنا أقف في المطبخ إلى طرق الباب الذي تطرقه قمر عادة، ابتسمتُ وأنا أمسح يدي من أثر تقطيع الخضراوات وذهبتُ لفتح الباب، واتسعت ابتسامتي أكثر وأنا أجدها وراء الباب تقف بهدوء، لوّحت بيدها عندما رأتني وقالت بعيون فرحة: مرحبًا سامي. مضت فترة منذ آخر مرة رأيتُك! وافقتُها بهزّة من رأسي وأنا أدعوها للدخول، ضحكت وهي ترى زيّ المطبخ الذي أرتديه وقالت باستنكار: سامي.. أنت تطبخ؟ قلتُ مازحًا وأنا أعود إلى المطبخ: طبعًا. هل تريدينني أن أموت من الجوع؟ ثم التفت لها وأنا أناولها زجاجة ماء بارد من الثلاجة: أظن أنك عطشى بعد مشيك كل هذه المسافة. تناولتها بامتنان وجلست تشرب على أريكة في الصالة مقابلة لباب المطبخ، قلتُ بلهجة ذات معنى وأنا أغسل بضعة أطباق: آمل أنك ارتحت جيدا بعد آخر مهمة. لقد كنتِ فيها عظيمة حقا! هزّت رأسها وقالت بلهجة مُحبطة: لا تجاملني يا سامي. لقد فشلتُ فشلًا ذريعًا! وقفتُ على باب المطبخ أنظر إلى وجهها الذي لاحت عليه علامات الفشل، تبًّا، كيف أقنعت نفسها بذلك؟ قلتُ لها بإصرار مشجعا: أنت تقولين ذلك فقط لأنك لم تستطيعي أخذ بضعة مستندات! ولكننا نقيّم الأمور بطريقة أخرى أنا والسيد هيثم! أنت لن تصدقي أنه انبهر جدا بأدائك عندما أخبرته بما حدث. رفعت رأسها متفاجأة وقالت بخوف: ماذا؟ هل أخبرت السيد هيثم؟.. و..ماذا قال؟ خلعتُ مريلة المطبخ وعلّقتها في مكانها لأقول: لقد قال إن تسللّك كان مثاليّا، وعملية هروبك كانت مذهلة، لكنّ الخطأ الوحيد الذي فعلتِه هو أنك قررت البحث عن الحاسب رغم خطورة ذلك. أطرقتْ برأسها في حزن وهي تغمغم: هذا ما توقعته، سيغضب مني السيد هيثم على مخالفتي لأمره بالتأكيد! -4- [____] وقفت وسن في ذلك الصفّ أمام موظفي المطار، ظهر على وجهها الضجر وهي تنظر نحو والدها جابر الطيب الذي يقف بجانبها بهدوء وهو يراجع جوازات سفرهم وتذاكرهم.. ثم زمّت شفتيها قائلة بضيق: لماذا يجب علينا السفر يا أبي؟ أعاد جابر مستنداته المهمّة إلى حقيبة سوداء أنيقة يحملها، ثم نظر إلى ابنته بابتسامة قائلًا: لقد أخبرتُك، لديّ عمل في أمريكا! أنت تعلمين أن لدي شركة خاصة هناك بالفعل! قالت وسن بانفعال: أبي.. لا تكذب عليّ! لا تقلق.. أمي في الحمّام الآن إن كنت خائفًا من التحدث أمامها.. ازدادت الضحكة على وجه جابر فقالت ابنته بغيظ: لماذا يجب علينا السفر وترك البلاد فقط لأن أحد أعضاء المنظمة الحقيرة تلك اقتحم منزلنا وسرق جهازك؟.. ومن المفترض الآن أن يكون وجهنا قد كُشف أمامهم وهذا خطر علينا، ولهذا السبب سنسافر لكيلا نتعرض لهذا الخطر، صحيح؟ سكت جابر مبتسمًا ابتسامة غامضة ثم همس: يمكنكِ قول ذلك! عقدت حاجبيها بغضب ثم قالت من بين أسنانها: لكنّ الأمر لا يعجبني يا أبي.. لماذا نهرب ونحن على الحق؟ من المفترض أن نقاتلهم.. ونواجههم، لقد كنت أتدرب على أمل أن يأتي يوم لنتواجه فيه معهم.. وعندما يقترب هذا اليوم، نسافر هاربين منهم؟! أيّ جبن هذا؟ قال جابر بلهجة حنونة يغلب عليها الانزعاج: ولهذا السبب بالضبط يا عزيزتي أخبرتك ألا تبالغي في تدريباتك، لأنني أعلم أنه من المستحيل أن أسمح لنفسي أن أورطّك في خطر كهذا! هذه المنظّمة أخطر بكثير من أن تتمكني من هزيمتهم لمجرد أنك تدربت على رمي السكاكين! لكنني سمحت لك بالتدرب حتى تدافعي عن نفسك في أي موقف بعد ذلك لا قدّر الله. إن حدث لي شيء ما! ظهر على وجه وسن القلق عندما قال والدها جملته الأخيرة وهمّت بالاعتراض لولا أن دورهم في الصفّ كان قد حان، فسكتت على مضض وهي ترى والدها يسلّم التذاكر والجوزات لموظّف المطار.. تعلم جيدًّا مقدار خطر تلك المنظّمة، لكن موضوع الهرب منهم لا يعجبها بأية حال! لقد كانت البداية منذ ذلك الوقت.. عندما كشفت والدها يومًا وهو يتكلم مع شخص ما عن نتائج تحرّياته في أمر ما، كان يردد كلمات غامضة مثل: جاسوس.. إسرائيلي، وأصرّت عليه حينها لتعرف ما الموضوع. لكن والدها بطبيعة الحال لم يخبرها بشيء! زاد ذلك فضولها فهي وحيدته وعلاقتها بوالدها كالأصدقاء وليس علاقة والد بابنته وحسب. فتشت كل شيء معه، واكتشفت كونه على علاقة مع منظمة ما، وتحمسّت أكثر عندما فهمت طبيعة تلك المنظمة وأهدافها.. لكنها تعلم يقينًا أنها لو طلبت من والدها الانضمام لهم فلن يوافق طبعًا.! رغم أن الأمر أحبطها جدا لكنها بدأت بالتدرب على رمي السكاكين.. إضافة إلى إتقانها بضعة فنون قتالية من ارتيادها على مدرسة فنون مع عدد من زميلاتها في المدرسة، جعلها تشعر أنها ستكون بطلة حقيقية إذا عملت من خلف الكواليس مع والدها.. وستحميه! نعم.. رددت تلك الكلمة بحماسة، هي ستحمي والدها إذا تأزم الأمر، ستكون الجندي المجهول الذي ينصر الأبطال بدون أن يشتهر اسمه! حصلت على عدة تقارير عن أعضاء المنظمة المعادية من جهاز والدها بدون علمه، ورأت صورًا لأعضائها ومعلومات عنهم.. كان من ضمن الصور صورة لشاب صغير في السنّ، يملك وجهًا هادئ الملامح مع شعر أسود قصير، وعينين سوداويتين باردتين..! اقشعر جسدها في اشمئزاز عندما قرأت أنه.. من أكثر أعضاء هذه المنظمة أهميّة! وللمصادفة الغريبة جدا أنها رأته ذات مرة وهي خارجة من مدرستها..! نفس الوجه، نفس الملامح، كان يستند بظهره إلى سور المدرسة وهو يعبث في هاتفه، وأمامه سيارة سوداء يجلس فيها رجل ضخم الجثة، كان منظرهما غير مريح بالكليّة! ولا تدري وسن لماذا شعرت بخطر مُبهم من وجودهم في هذا المكان..! وقررت تجربة مهاراتها لأول مرّة.. أخرجت سكينها الصغيرة التي تُخفيها في جوربها دائمًا، وصوّبتها نحو عنق ذلك الشابّ.. لكنها فوجئت به يمسكها بين إصبعين من أصابعه بمهارة على آخر لحظة، ثم يُرسل لها إحدى سكاكينه..! كان الأمر مفاجئًا وصادمًا لها إلى أقصى حد، هذا الشابّ لا يلعب.. وهذه المنظّمة خطيرة فعلًا! قدرته ومهارته تخبرها بذلك، لحسن حظّها أن سكينه جاءت في ذراعها.. وقد عانت وسن كثيرًا لمحاولة تفسير هذا الجرح لوالدها، فلن تخبره أبدًا أنها تصرّفت من تلقاء نفسها وقامت بفعلة حمقاء كتلك دون استشارته..! أما جابر نفسه، فقد كان يحمل همّ كيفية التواصل مع ذلك الشخص في ظلّ الظروف الراهنة، فهو يعلم أنه مُراقب من قبلهم، وأي اتصال بذلك الشخص.. يحمل خطرًا بليغًا على انكشاف ذلك الشخص معه! لذلك كانت الأوامر، أن يلتزم بالخطّة، ويسافر إلى أمريكا في أقرب وقت، وبعدما تستقر الأمور هناك، سيحاول إيجاد طريقة جديدة للتواصل معه. يأمل فقط ألا يكون قد فات الأوان حينها..! -5- [نور] كانت أذنيّ تسمع أغنية طفولية تغنّيها إيلين وهي تمشي معي إلى الحضانة، ولكنني لم أكن أفهم أي كلمة منها، فقد كان عقلي شاردًا فيما حدث في الأمس.. أمّي ذهبت مع بوارو وإيليت إلى المستشفى اليوم، لينظروا في قضية علاجه، وأنا قررت الغياب عن المدرسة، لأذهب بإيلين إلى الحضانة، كانت أمّي في الظروف العادية من المستحيل أن توافق على غيابي عن المدرسة بدون سبب قوي! لكن بسبب هذه الظروف، فلم تهتم حتى بأن تسمع تبريري لرغبتي في الغياب.. بل قالت لي على عجل بعد أن قلتُ لها أنني سأغيب: حسنًا.. إذن اصطحب إيلين إلى الحضانة في الثامنة ولا تنس إعادتها! فاليوم لديّ الكثير لأفعله مع بوارو..! وعلى الرغم من أن بوارو في البداية صاح يائسًا أنه لا يريد العلاج لأنه سيموت في جميع الأحوال.. لكن أمي أقنعته بالعلاج بصرامة ممزوجة بحنان، أمي كانت خائفة جدا عليه، أمي.. تحبّ بوارو حقا! ليس الأمر وكأنني لا أحبه! فأنا لم أستطع تفسير كل الحزن الذي يتملكني لمعرفة هذا الخبر إلا لكون بوارو يملك مكانة عزيزة على قلبي، لكن.. أشعر بخوف مجهول من المستقبل القادم..! إذا مات بوارو.. ماذا سيحدث لنا؟ شعرتُ بقلق يملأ كياني وتأملت تلك الطفلة الصغيرة التي تغنّي بجانبي دون أي مبالاة بما يحدث حولها..! " عمّ شرطيّ" صاحت بذلك وهي تشير إلى شرطي المرور بفرح، ابتسمتُ بمجاملة وأنا أنظر إلى الشرطي الذي وقف لينظّم حركة المرور ويحمي الأطفال الذين يذهبون إلى مدارسهم أو حضاناتهم.. أتبعتْ جملتها بقولها: هذا والد فيتال؟ عقدتُ حاجبيّ باستغراب، ما أدراها أنه والد فيتال؟ ثم فهمتُ الأمر برّمته، إيلين تعلم أن والد فيتال شرطّي.. لهذا ما إن ترى أي شرطي في الشارع ستظنه والد فيتال حتمًا.. يا لبراءة الأطفال! وضحكتُ لها عندما لوّح لها الشرطّي بلطف من بعيد عندما رآها تلوّح له بحماسة، الأطفال مضحكون حقًّا! بل.. وبريئون جدًّا. أدخلتُها الحضانة وقفلتُ عائدًا إلى المنزل، هذه المرّة جلستُ أفكّر في فيتال.. تُرى كيف حاله الآن؟ شعرتُ بشفقة كبيرة على طفل انطوائي مثله، لا شكّ أن والداه يحملان همّه.. متى سيُشفى من حالته تلك؟ ابتسمتُ وقد خطرت لي فكرة زيارته في المنزل، ولمَ لا؟ لقد اعتاد عليّ في آخر مرة، وربما أكون أنا بداية الخيط الذي يجعله يخرج من حالته المرضية تلك، كما أنني متفرغ اليوم. وأمي وبوارو ليسا في المنزل.. اتخذتُ طريق منزله الذي أخبرني بعنوانه من قبل، وبسهولة استطعت الوصول إلى شارعه، ونظرتُ إلى رقم المنزل لأتأكد. وأومأت رأسي برضا عندما رأيت اسم والده مكتوبًا على صندوق البريد.. كان منزله صغيرًا وأنيقًا في بساطة تليق على بيت شرطّي، تحيط منزله ساحة عشبية محدودة، ولها سور خشبي صغير لا يستطيع منع أي لص من دخول المنزل! أظنّ أنه مجرد ديكور..على أية حال، لأضغط الجرس. انتظرتُ لعدّة ثوان قبل أن يفتح رجل متوسط العمر من الباب ونظر إليّ باستفهام قائلا بلهجة شديدة نوعًا ما: من أنت؟ بدأت أتكلم بطلاقة محاولا إخفاء توتري: مرحبًا، سيد ديفيد، أنا صديق فيتال. هل هل موجود؟ عقد السيد ديفيد حاجبيه وهو ينظر لي بشك قائلًا: أنت صديقه؟ من أين؟ لم أرك قبل ذلك! شعرتُ بإحراج من طريقته الخالية من الذوق في عدم الترحيب بي، فقلت بسرعة: لقد تعرفتُ عليه بالأمس! فأمي صديقة أمّه.. و.. فوجئتُ بالرجل نظراته تتجمد عليّ، ووجهه الخالي من التعابير بدأ يأخذ لونًا مُريبًا، وبرقت عيناه وهو يسألني بحذر ساخر: تعرفتَ عليه بالأمس أين..؟ فابني بالأمس لم يكن في ظروف مناسبة ليصنع أصدقاء جدد ..! اتسعت عيناي بدهشة وأنا أردد: لم يكن في ظروف مناسبة؟ ماذا تقصد يا سيدي؟ خرج الانفعال على وجهه فجأة وهمّ بإغلاق الباب وهو يقول: أقصد أن ابني كان مخطوفًا بالأمس.. وهذا ما يدلّ على أنك كاذب أيها الفتى. اغرب عن وجهي الآن! هههههه ها قد عاد نور مع مشكلة فيتال المخطوف .. أشعر أنكم مللتم منه لكن استحملوني XD في هذا الفصل ظهرت الكثير من الحقائق التي تساعدكم في معرفة بقية القصة أخبروني توقعاتكم وآرائكم وهل تغيرت نظرتكم تجاه إحدى الشخصيات أم لا XD وبخصوص هذا الطقم والفواصل الرائعة التي من صنع رين، ما رأيكم جميلة جدا صحيح؟ |