السلام عليكم ورحمة الله :tb403: معذرة كنت أريد تغيير الطقم أو على الأقل إزالة زينة العيد منه لكن فوجئت بأن صيغة الفوتوشوب منه تلخبطت لسبب ما ولم أعد قادرة على التعديل عليه كما أنني كنت متعبة قليلًا اليوم ولكنني لن أخلف وعدي معكم وسأنزل الفصل دائمًا يوم السبت أترككم مع الفصل، استمتعوا بالقراءة ^__^ رواية عيون لا ترحم [12] مفاجأة. -1- [قمر] ألجمت الصدمة لساني وأنا أنظر بذهول لم أستطع إخفاءه لوجه جابر الطيب وابنته التي لم تكن سوى وسن، الفتاة التي في نفس مدرستي وسنتي الدراسية، مع أن فصلها مختلف، لم أكن أعرفها شخصيًّا، لكن آخر ما جمعني بها كان ذلك الموقف المرعب عندما كانت مجروحة في حمّام المدرسة.. ثم اختفت.. وعندما سألتها عن الحادثة بعد ذلك شعرتُ بها تتهرب منّي وتجيب بكلمات قصيرة لتذهب. لا أدري ما الذي جعلني أتذكر سامي وهو يبحث عن سكينه الصغيرة، وقوله إنه رماها على شخص ما بجانب سور مدرستي.. وفي نفس ذلك اليوم، رأيت وسن في الحمام مجروحة.. أهذا.. ممكن؟! الشخص الذي رمى سامي بالسكين كانت وسن، هذا واضح من مهارتها في رمي السكين! وعندما ردّ سامي رميتها جاءت السكين في ذراعها وجرحتها.. مما جعلها تهرب إلى حمامات المدرسة، وعندما رأيتُها حاولت الهرب منّي أيضًا.. فهي بالتأكيد لم تكن تريد لأحد أن يعرف عن سبب جرحها هذا شيئًا.. ما يثير فضولي الشديد هو لماذا هاجمت سامي في ذلك الوقت؟.. ألأنها منضمّة لهذه المنظمة الجاسوسية مع أبيها؟! شعرتْ بغضب عندما أدركتُ هذه الحقيقة، فلا تفسير سوى ذلك! فلن ترمي وسن شخصَا كسامي دون أن تعرف من هو وإلى أي جانب ينضم، كما أنها لن تكتسب هذه المهارة المذهلة في الرمي دون هدف واضح وهو خدمة المنظمة الجاسوسية ومن ثم التخلص من أعضاء منظمتنا.. لا شك أن سامي لم يكن ليتوقع أن الشخص الذي رمى عليه السكين كانت هذه الطفلة الصغيرة! كانت تبدو دومًا بمظهر البريئة الناعمة في المدرسة.. لم أستطع يومًا أن أتخيل أنها من الممكن أن تكون عضوة في منظمة جاسوسية إسرائيلية حقيرة! لم أستطع إكمال أفكاري وأنا أرى وسن تقول بانفعال وهي تنقض عليّ محاولة منعي من الهرب: لن أسمح لك بالهرب قبل أن أكشف هويتك.. انزعي هذا القناع عنك..! ثم همّت بمدّ يدها إلى قناعي لولا أنني وقفت بشموخ على إفريز النافذة بعد أن فتحتُها ثم رفعت ساقي بحركة سريعة لأركلها في صدرها ركلة قوية جعلتها تسقط على ظهرها إلى الخلف وهي تصرخ، هتف جابر بلوعة: وسن.. أأنت بخير يا بنيتي؟ واقترب منها سريعًا وهو يُحيط كتفها بساعديه ويساعدها على القيام، كان هذا آخر ما رأيتُه.. قبل أن أقفز من النافذة بعد أن ربطتُ الحبل الذي كان معي بإفريز النافذة العلوي البارز، ورغم أني شعرت بآلام رهيبة في يدي من أثر احتكاك راحة يدي بالحبل بكل تلك السرعة وأنا أهبط من الدور الرابع إلا أنني تحاملتُ على نفسي ببسالة أدهشتني شخصيًّا! وفي أثناء هبوطي فوجئت بوجه وسن يظهر من النافذة مع والدها وهي تهتف بغضب: أيتها اللصة.. الحقيرة! وأمسكت الحبل لتقطعه بإحدى سكاكينها قائلة في حنق: لن أجعلك تصلين إلى الأرض إذن إلا وأنت مُحطّمة! وقع قلبي في معدتي وأنا أراها تهمّ بقطع الحبل لولا أن أمسكها والدها ناهيًا بصرامة: لا تفعلي..لا نريد أذيّة طفلة مثلها! قالت وسن بانفعال: لكنها طفلة لصّة يا أبي.. كما أنها تهرب! _في الحقيقة لم أكن أتوقع أن تهرب بهذه البساطة من النافذة.. إنها فتاة رائعة! وسن بحنق أشد: أبي.. هذا ليس وقت الإعجاب بها! كنت أسمع محادثتهم بأصواتهم العالية تلك بتوتر وأنا أهبط ما تبقى لي من الأمتار، واستغليت انشغالهم ببعضهم البعض ورأفة جابر الطيب بي، من الجيد أنني طفلة بالفعل! لقد صدق السيد هيثم.. وضحكتُ ضحكة انتصار وأنا أقف على الأرض بسلام وأبدأ بالركض السريع لأبتعد عن العمارة وأصل إلى سيارة سامي التي على بعد شارعين من هنا. لولا أنني سمعتُ وأنا أركض اسيتقاظ بعض سكان العمارة الآخرين وأحدهم يهتف من النافذة: ما الأمر؟ ماذا هناك؟ _ إنها لصّة.. أمسكوها أرجوكم.. كان هذا صوت وسن المتوسل، لم ألتفت إلى الخلف لأعرف ماذا سيفعل بقية سكان العمارة ليمسكوا بي، فالوقت هنا هو رأس مالي الوحيد.. ولن أفرّط فيه لمجرد فضول، أسرعتُ في ركضي وأنا ألهث بشدة وقد ابتعدت عن العمارة بشكل جيد وقاربت على إنهاء الشارع الأول وبقي الشارع الثاني.. وابتسمتُ في سخرية من داخلي، لقد كان الهرب من العمارة أسرع مما أتوقع، صحيح أن المهمّة فشلت!.. وأنني اكتشفت أن وسن عضوة في منظمة جاسوسية.. وأن سامي مدرّب رائع.. وأن.. انقطع تفكيري بغتة عندما سمعت صوت نباح قادم من بعيد، نباح قويّ شرس يبدو أنه لكلب بوليسي متوحش.. هل يمكن أن أحد سكان العمارة أطلقه نحوي؟! أين تلك الرأفة التي أبديتها في البداية يا جابر؟ تبًّا لك! الذعر جعل قدماي تتحركان بشكل أسرع لألمح في نهاية الشارع سيارة سامي، ارتسمت على وجهي ملامح الأمل والارتياح لرؤيتها.. آمل فقط ألا يبلغني الكلب قبل أن أصل إلى سيارته..! ازداد قرب نباح الكلب منّي بشكل جعل خوفي يصل إلى ذروته.. فأنا لم أتدرب أبدًا.. على التعامل مع الكلاب!! وفجأة.. فوجئت بجسم ثقيل يرتطم بظهري مع أنفاس الكلب الكريهة في رقبتي، ثم أسقط على الأرض والكلب فوقي. -2- [قمر] شعرتُ بمخالب الكلب الحادّة تنهش ظهري وأسنانه القويّة تنغرس في كتفي.. هممتُ بالصراخ بألم ولكن.. "قمر.. أسرعي" رفعتُ رأسي، كان سامي يهتف وهو يركض نحوي، وانتبهت إلى أنني كنتُ أتخيل أن الكلب قد عضّني بسبب الذعر، ففي الواقع كان الكلب ميتًا على ظهري بسكين في عنقه وهو يطلق أنينًا ضعيفًا! وكان ثقله على ظهري هو ما جعلني أتوهم أنه يهاجمني.. ابتلعتُ ريقي من أثر الرعب الذي عشتُه قبل قليل وأنا أحاول القيام لكن ثقل الكلب فوقي منعني، ركل سامي الكلب من فوق ظهري وانحنى بسرعة ليساعدني على الوقوف ثم يركض بي وهو يغمغم بتوتر: علينا الهرب بسرعة قبل أن يكتشفوا أننا قتلنا الكلب! دفعني سامي في الكرسي الخلفي من سيارته ثم ركب وانطلق بسرعة مجنونة، نزعتُ القناع عن وجهي وتمددتُ على الكرسي الخلفي أرتجف وأنا ما أزال ذاهلة مما حدث! كان عقلي يحاول استيعاب الأحداث ببطء وأنا أحدق في النافذة التي كانت المشاهد فيها تتحرك بسرعة مهولة..! أقصد.. بل نحن الذين كنا نتحرك! مرت عدة دقائق كان سامي فيها يمشي بسرعة كبيرة وفي نفس الوقت يقود بطريقة هادئة لكي لا يلفت الأنظار، كان ينظر إلى مرآة سيارته أكثر من مرة ليرى هل يتبعنا أحدهم أم لا! سلك عدة طرق ملتوية وفرعية ثم مضى إلى الطريق الرئيس ليتأكد من أننا غير مطاردين، ثم تنهد بحرارة وابتسم وهو ينظر إلى المرآة موجهًا عينيه إليّ: هل أنت بخير؟ سكتتُ لبعض الوقت أحدّق إليه بدهشة، مما جعل القلق يتسلل إليه وهمّ بأن يعيد السؤال وهو يلتفت هذه المرة برأسه كلّه إليّ، لكنني انتفضتُ فجأة ثم قلتُ بصوت مبحوح: نعم..! ولم أستطع تمالك الرعشة التي ملأت صوتي وأنا أقول بابتسامة هزيلة: شكرًا لك على إنقاذي من ذلك الكلب..! وأكملتُ وأنا أحيط كتفي بذراعيّ محاولة بثّ الأمان في داخلي: لقد تصورتُ للحظة.. أنه يعضّ رقبتي بالفعل! ظهر في عينيه بعض من الإشفاق وقال في عطف: لقد كنتِ شجاعة حقا لكونكِ استطعت الهرب من العمارة، أخبريني ماذا حدث؟ وما هذا الجرح في خدّك؟ انتبهت الآن إلى أنه أوقف السيارة على جانب الطريق الساكن لكي ينتبه إلى حديثي، فأخذت نفسًا عميقًا لأتدارك نفسي حتى لا يظهر في عينيه مزيد من الشفقة عليّ وقلت بلهجة متماسكة: لقد كشفني أهل البيت.. فهربت! لم يظهر على وجهه الدهشة وكأنه يعلم ما حدث بالفعل، قال وهو يبتسم: لقد توقعتُ ذلك..! كان لا بد أن تكوني قد كُشفتِ من تلك الضجة التي صنعتِها هناك! ثم ضحك قائلًا: يالك من فتاة يا قمر! هل كنتِ تحاولين أن تقولي لهم انظروا هذه مهمّتي الأولى؟ ورغم ذلك فأنت تستحقين الإعجاب بعد استطاعتك الهرب منهم بهذه السهولة! ثم ضحك سامي ضحكة قصيرة وبدأت بالضحك أنا أيضًا على مزحته لكنني فوجئت بعينيّ تدمعان وأنا أنظر إليه قائلة: لكنني.. فشلت في أول مهمّة لي! وازدادت دموعي المتجمعة في عينيّ وأنا أقول بصوت متهدج: كل هذا لأنني لم أسمع نصيحتك.. وأردفتُ وأنا أبكي: لم أجد الحاسب المحمول في غرفة مكتب جابر فخاطرتُ وبحثت عنه في الصالة، وهناك فوجئت بابنته تهاجمني.. ثم ظهر جابر نفسه بعدها، وحينها لم أستطع فعل شيء سوى الهرب، ويبدو أنهم أيقظوا العمارة كلها لتلحقني.. ظهر على وجه سامي التأثر فقال وهو يهزّ رأسه: هكذا إذن.. ويبدو أن أحد سكان العمارة في الدور الأرضي كان يربّي كلبًا، فأطلقه عليك في الحال.. أظن أنه لم يعلم أنك طفلة وإلا لما فعل ذلك.. ثم سكت وهو ينظر إليّ أمسح دموعي وأحاول استعادة أنفاسي فقال بلطف: من يظنّ أن تلك الفتاة القوية التي تسللت وهربت وفعلت كل هذا تبكي بكل هذه السهولة الآن؟ ثم قال بنظرة إعجاب: ثمّ.. من قال أنك فشلتِ؟ أن يكون أدائك هكذا في أول مهمة لك.. لهو شيء عظيم حقا! ضحكتُ هذه المرة بصدق ثم قلتُ بصوتٍ خرج رغمًا عني بارتعاش ضاحك: لن تصدقني إن قلتُ لك أنني لا أعلم سبب بكائي الآن.. لكنني شعرتُ بذعر هائل عندما وجدت الكلب خلفي! ضحك سامي هذه المرة قائلًا وهو ينظر إليّ من مرآة السيارة الأمأمية: أفهم هذا الشعور.. إنه إحساس أنك تستطيعين هزيمة وحش كجاسم ولكنك في النهاية تخافين أمام مظهر حشرة مقززة.. أعادني سامي إلى المنزل بعد أن ظلّ طوال الوقت في السيارة يتكلم معّي ليهدّئ من روعي، وأنزلني قبل شارعين من فيلّا عمّي، ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وأنا أكرر تسللي للمرة الثانية.. هذه المرة أتسلل إلى منزلي! -3- [ياسر] أنهيتُ صلاة الفجر وخرجت إلى شرفة غرفتي أستنشق بعض الهواء المنعش، أخذت أنفاسًا عميقة لأملأ رئتيّ بهذا النسيم الرائع، منذ امتناعي عن التدخين وأنا لا أترك هذه العادة.. التي يزداد يقيني بسببها أن رائحة الدخان من أسوأ الروائح في الكون. وإنه لمن الظلم لأنفسنا ولهذا العالم أن نلوثه بذلك الدخان الخبيث. قطع تأملي للحديقة صوت رسالة على هاتفي المحمول، أخرجت الهاتف من جيبي برتابة وألقيتُ نظرة على المُرسل.. اتسعتْ عيني بجدّية وفتحتُ الرسالة لأقرأها على الفور، كان مُرسلها.. هو ذلك الشخص. كانت مكتوبة بشفرة غريبة لا يستطيع قراءتها أحد سواي والشخص الذي كتب الرسالة. " فتاة مُقنّعة تسللت إلى بيت (ز-3) ليلة البارحة، لكنها نجحت في الهرب، بعد أن جرحتها ابنة (ز-3) في خدّها.. يبدو أن الفريسة التقطت الطُعم!" -4- [قمر] كنت أشعر بإجهاد كبير في جسدي، أشعر بتعب بالغ في كل أطرافي.. أول مهمّة بالنسبة لي مرّت بسلام رغم فشلي الذريع، والذعر الذي سببه لي ذلك الكلب جعل أعصابي تنهار تقريبًا!.. تمددتُ على سريري بوهن، وألقيتُ نظرة على الساعة التي كانت جاوزتْ الساعة الثانية ليلًا.. وغرقتُ في نومٍ عميق، واستيقظتُ على صوت ريهام وهي توقظني برفق بيديها الاثنتين، كانت عيناي مغلقتان بقوة وكأنهما التصقتا ببعض، ولم أستطع حتى الردّ عليها.. فوجئت بها تبلل يدها بالماء وتمسح على وجهي بهدوء، الماء جعلني أشهق وأفتح عينيّ غصبًا.. نظرتُ بفزع إليها فقالت بتوتر قلق: آنستي.. هل أنت بخير؟ نظرتُ لها بتفاجؤ وهمستُ: ماذا هناك؟ قالت: إنه الصباح، إنني أوقظك منذ نصف ساعة تقريبًا..! استغربتُ أنك لم تقومي من النوم بسرعة رغم أنك نائمة من الثامنة ليلًا.. لذلك قلقتُ عليك وحاولت إيقاظك بكل الطرق. كنت أشعر بكسل في جسدي مما يعطيني الرغبة الشديدة في الاستلقاء على الوسادة ومعاودة النوم مرة ثانية في أسرع وقت ممكن!.. لكن بهذا الشكل سأجعلهم يشكّون فيّ، لذلك قمتُ وأنا أتثاءب مغمغة: أشكرك يا ريهام.. وآسفة على إتعابك في إيقاظي.. ابتسمتْ براحة وهي تقوم لتخرج ملابسي المدرسية من الدولاب: لا شكر على واجب.. بعد أن تتجهزي انزلي لتناول الإفطار معهم، إنهم ينتظرونك.. صليتُ الفجر بصعوبة وارتديت ملابسي بكسل، وفي دقائق كنت أهبط السلم بحقيبتي المدرسية لأجلس معهم على المائدة، وكم أخافتني نظراتهم الغريبة التي أطلّت من عيونهم فور رؤيتي..! هذا طبيعي نوعًا ما.. فهذه من المرات النادرة التي أكون فيها آخر من ينزل.. في العادة أكون أولّهم نزولًا. شعرت بتوتر في أطرافي وأنا أجلس في مكاني بجانب عمّي الذي كان يتناول إفطاره بهدوء مُريب، ألقيتُ عليهم التحيّة بلطف فردّوها جميعًا إلا دانة كالعادة.. التي استبدلت ردّ التحية بقولها بعصبية وهي تنظر إليّ: أين كنتِ منذ الصباح؟ لقد تأخرنا..لديّ إذاعة هذا الصباح ولست مستعدة للتأخر من أجلك! تنهدتُ بملل ثم قلتُ دون أن أنظر إليها: يمكنكم الذهاب بدوني إن شئتم.. لا أحب أن ينتظرني أحد! استفزّها قولي لأقصى حد فوقفت بغضب قائلة: بالطبع، ومن قال أننا سننتظرك! ثم همّت بالمضيّ وهي تغمغم: سأخبر عمّ سعد ألا ينتظرك.. وبلهجة آمرة قالت: هيا يا باسل. "اجلسي يا دانة!" قال عمّي بصرامة وهو ينظر إليها، فظهرت الدهشة على وجهها المحتقن، في حين أكمل هو بحزم هادئ: اجلسي وانتظري بنت عمّك حتى تُنهي إفطارها.. لن تستغرق كلّ هذا الوقت الذي تظنينه! ما زال الوقت باكرًا.. ونظر لها بهدوء منتظرًا منها أن تجلس، فما كان منها إلا أن قالت بحنق وهي تبتعد: فليكن.. سأنتظرها ولكن في السيارة.. فقد أنهيت إفطاري! واتجهتْ إلى البوابة في خطوات سريعة، وتبعها باسل دون أن يتكلم، وهتفت زوجة عمّي وهي تلحقهم: خذوا علبة غداءكم..! انشغلا بوضع علب الغداء في الحقائب، في خلال ذلك كنت قد أنهيت كوب الحليب الخاص بي وقمتُ واقفة وأنا أضع حقيبتي على ظهري، فقال عمّي: إلى أين؟ لم تنهِ إفطارك بعد..! قلتُ ببرود: لا بأس..سأكمله في المدرسة، لا أحب أن أسببّ مشكلة لأي أحد. وهممتُ بالمشي نحو البوابة التي أغلقها باسل ودانة ورائهما، لكنني سمعت عميّ.. "بالمناسبة.." توقفتُ بحذر دون أن التفت، لأسمعه يُكمل بلمحة سخرية: كيف أٌصبتِ بهذا الجرح في خدّك؟ قفز توتري إلى ذروته، ورغم أعصابي التي انهارت بالأمس إلا أنني شعرت بها تشتعل ارتباكًا الآن.. لقد نسيت تجهيز إجابة على هذا السؤال! وهذا ليس وقت استجواب عمّي.. تبًّا! عليّ الكذب بطريقة عشوائية إذن.. التفتٌّ إليه وقلتُ ببطء لأراقب ردّة فعله: لقد جرحتُ نفسي خطأ.. دقق نظراته إلى عينيّ وقال: جرحتِ نفسك بماذا؟ هل ستستمر أسئلتك المزعجة تلك يا عمّي طويلًا؟ غمغمتُ: جرحتُ نفسي بشفرة حلاقة.. ضحك بتهكم قائلًا: عجبًا.. هل اعتدتِ جرح نفسك دائمًا عندما تحلقين ذقنك؟ احمرّ وجهي وشعرتُ بغضب من سخريته المتواصلة، فقلتُ بانزعاج وقد خطرت لي الإجابة فجأة: لقد كنت أحاول تجربة مسألة علمية في مادة العلوم، نستخدم فيها شفرة الحلاقة..! اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول: هكذا؟! عقدتُ حاجبيّ بغضب ثم مشيتُ بسرعة هذه المرة وتركته يكمل ضحكته لوحده.. أنا أعترف أن عمّي دائمًا ما ينجح في استفزازي ورفع ضغطي. وبسهولة تامّة! -5- [باسل] غرقت السيارة في صمت تام ونحن عائدون من المدرسة، كانت دانة تلعب على هاتفها الذكيّ لعبة مشهورة، في حين كنت أراقب أنا الطريق بملل، وأعد الثواني لأعود إلى المنزل وأحظى بقيلولة هانئة بعد وجبة ساخنة! ابتسمت وأنا أتمنىّ طعأمي المفضّل، ثم فتحتُ عيني على آخرها وأنا أرى ذلك المشهد الذي خلفي..! كنت جالسًا بجانب السائق العم سعد، ودانة وقمر في الخلف.. كانت قمر تجلس خلفي مباشرة ودانة على الناحية الأخرى بعد أن تركت مسافة واضحة بينهما وضعت كل واحدة فيها حقيبتها المدرسية لملئها. كانت قمر نائمة بتعب وهي تسند رأسها إلى النافذة، ويبدو عليها النوم العميق..! شعرتُ بدهشة ما لأنني أول مرة أجد قمر نائمة في السيارة، قمر غالبًا لا تنام معنا حتى وإن كانت نعسى، فلا أظنّها كانت تحب أن تنام وبجانبها دانة!.. كما أنها تظننا جميعًا أصحاب مقالب نريد الأذى لها! لذلك لم تكن لتطمئن لنا يومًا لدرجة أن تنام بصحبتنا. ظللتُ أنظر إلى وجهها النائم من مرآة السيارة لمدة، ثم انتبهت إلى ذلك الجرح في خدّها.. أثار قلقي واستغرابي، وكم وددتُ لو أسألها عنه، لكن ما هذا.. التعب الذي يبدو على وجهها، والجرح.. لماذا يُخيّل لي أنها عائدة لتوها من معركة ما؟ أتراها تشاجرت مع أحدهم في المدرسة أم ماذا؟ عقدتُ حاجبي بضيق عندما وجدت دانة خلفي قد انتبهت إلى نوم قمر وارتسمت ابتسامة خبيثة على وجهها وهي تضع الهاتف جانبًا وتمدّ يدها إلى قمر، لا أدري ماذا تريد فعله هذه المرة، لكن لا يبدو أنها ستفعل شيئًا جيدا.. سأمنعها حتمًا.. التفتُّ إلى الخلف بحدّة ثم قلتُ: لا تفكري حتى.. ارحميها هذه المرة! ابتسمتْ دانة بسخرية وهي تمد يدها تغلق زجاجة المياه التي كانت مُدلّاة في جانب حقيبة قمر، ثم هزّت كتفيها بلا مبالاة وهي تقول: لماذا تظنني سأؤذيها دائمًا..؟ لقد انتبهتُ إلى أن زجاجة مياهها مفتوحة قليلًا وتسرب الماء على المقعد وبللّني.. قالت الجملة الأخيرة وهي تعقد حاجبيها بضيق وتعود لتمسك هاتفها المحمول، نظرتُ إلى ثوبها المدرسي لأجده مبللا حقا.. تنهدت براحة، دانة ليست شريرة لهذه الدرجة! لُمت نفسي أنني تسرعت.. وظننتُ بأختي ظنّ السوء. عدتُ للاسترخاء في مقعدي، وألقيت نظرة عابرة على العم سعد الذي لم يقل شيئًا حتى الآن، وعندما وجدني أنظر إليه تنهد بابتسامة حنونة قائلًا: تبدو الآنسة الصغيرة نائمة بعمق هذه المرّة.. هل نوقظها عندما نصل أم نحملها إلى غرفتها؟ عقدتُ حاجبيّ بتفكير، هل ستوافق قمر على أن نحملها؟ وشعرت بالإحراج لحظة.. ليس الأمر وكأنني أنا من سأحملها، وإنما هو العم سعد بالطبع! لكن لا أظن شخصية معتزة بنفسها كقمر توافق على ذلك.. قلتُ للعم سعد وأنا أنظر إلى منعطف الشارع الذي يستقر في نهايته منزلنا: أظن أنه من الأفضل إيقاظها.. فهي ليست طفلة! كما أنها ستحب بالتأكيد أن تتناول غداءها مثلًا وتغير ملابسها قبل أن تكمل نومها.. صحيح؟ ضحك العم سعد ضحكة دافئة قائلًا: آه.. أظن أنك تفهم الآنسة أكثر مني إذن، لذلك سأطلب منك إيقاظها. فها نحن ندخل من البوابة. ضرب العم سعد بوق سيارته ففتح لنا البوّاب وهو يرحّب بكلمات قصيرة، أوقف السيارة أمام بوابّة الفيلّا بعد تجاوزه الشوارع القصيرة داخل الحديقة، وبمجرد أن وقفت السيارة حتى نزلتُ بسرعة وكأنني أخشى أن يسبقني أحد إلى إيقاظها، ضربتُ خدّها برفق وأنا أنادي باسمها في حين كانت يدي تمتد لتأخذ حقيبتها وأضعها خلف ظهري، بدأت قمر تفيق وفتحت عينها بفزع، فابتسمتُ محاولًا طمأنتها: قمر.. لقد وصلنا إلى المنزل..! سبقتنا دانة إلى الداخل وهي تلقي علي نظرة غاضبة بعض الشيء لا أدري لمَ، تجاهلتُها وأنا أقف أمام قمر التي نزلت من السيارة ببطء ونظرتْ إليّ نظرة بلا معنى وهي تقول بصوت نائم: الحقيبة..! فهمتُ ما تعنيه، إنها تخبرني أن أعطيها حقيبتها، لكنني تراجعتُ وأنا أقول لها بتوتر مُحرجًا: سأحملها عنكِ إلى غرفتك.. تبدين متعبة! نظرتْ إليّ لثوانٍ نظرات باردة ثم انطلقت للدخول وهي تهمس بصوت ناعس: لا بأس.. شكرًا! شعرتُ بسعادة لا تُوصف لسماع كلمة شكرًا من فمها، ووقفت قليلًا أتأملها بسرور وهي تدخل.. ثم تغلق البوابة في وجهي..! -6- [قمر] انطلقت إلى غرفتي بسرعة وهناك رميتُ نفسي على السرير لأغرق في غيبوبة عميقة حتى المساء. لا حاجة لأوصف لكم تعبي هذه المرة، كنت أشعر برغبة قوية في الراحة، وكم شعرتُ باشمئزاز من نفسي لكوني تعبت كل هذا التعب من مجرد مهمّة واحدة! يالي من فتاة يُرثى لها! ورغم كل ذلك التعب الذي كنت أشعر به، إلا أنني جلستُ أتذكر اللقاء الذي كان بيني وبين وسن اليوم في المدرسة! ففي فترة الراحة أسرعتُ إلى فصل وسن، كانت وسن جالسة بهدوء على طاولتها تتناول شطيرة وعصيرًا، بمجرد رؤية وجهي حتى اتسعت عيناها دهشة ثم ضاقت وهي تحدق إليّ بنظرات ذات معنى. حدقنا إلى بعضنا البعض لفترة حتى مشيتُ إليها وسحبتُ يدها قائلة بصرامة: أريدك للحظة! وهي استسلمت تمامًا لي وأنا أقودها خارج الفصل الذي كان فيه بضعة بنات يتناولن إفطارهن أيضًا، واللاتي كنّ ينظرن إلينا مستغربات وأنا أغلق الباب خلفي بقوة. سحبتُها إلى الممر الخالي ودفعتُها إلى الجدار فاصطدم ظهرها به ونظرت إلي نظرات متحدية وأنا أعقد ذراعيّ أمام صدري ثم أقول ببرود: وسن.. هل يمكنك إخباري.. من أنت بالضبط؟ لاحت ابتسامة ساخرة على وجهها وهي تقول: من أنا؟.. هل أخرجتِ فتاة من فصلها لا تعرفين اسمها؟ ضيقت من حدقة عيني بحدّة وأنا أهمس لها ببطء: أنت تعلمين ما أعني.. ولا شك أنك عرفتِ هويتّي أيضًا عندما هاجمتُك في منزلك..! أوارقنا مكشوفة الآن. لنتكلم بصراحة إذن! نظرتْ إليّ بهدوء مما يدل على موافقتها لكلامي، فسألتها بقوة: لماذا تنضمين إلى منظمة جاسوسية كهذه؟ ظهر على وجهها المفاجأة وهي تردد: منظمة جاسوسية؟.. أنا؟ ضغطت على حروف كلامي: نعم. أنت وأبوك تعملون لحساب منظمة جاسوسية حقيرة. ثم سألتُها ببطء: وأنتِ أيضًا من رمى سامي بالسكين صحيح؟ لم يكن في المدرسة غيرك يومها. وأنت الوحيدة التي يمكنها فعل ذلك أيضًا! سكتت وسن ونظرت إليّ بعمق لدقائق مما أشعرني بالحرج فقلت بتوتر: هيا تكلّمي قبل أن ... قبل أن أكمل كلامي سمعتُ صوت نسرين من بعيد وهي تلوّح بيدها في آخر الممر بحيويّة، شعرتُ بضيق شديد لأنها جاءت في لحظة حرجة كهذه، فالتفت لوسن التي ظهر على وجهها ملامح الارتياح وكأنها لا تريد أن تتكلم، وهمّت بالابتعاد لتعود إلى فصلها بهدوء شديد فأمسكتُ معصمها بعصبية هامسة: ألن تتكلمي؟ التفتت إليّ بوجه خالٍ من الانفعالات وقالت بهدوء: كلّ ما يمكنني قوله لكِ يا قمر.. أنكِ تعملين في الجانب الخطأ حتمًا. ثم نزعت معصمها من بين يدي بقوة ودخلتْ فصلها، ونظرتُ أنا بدهشة واستغراب وأنا أردد بحذر كلماتها: أعمل.. في الجانب الخطأ؟ "ماذا تعني وسن؟" كانت نسرين تقف بجانبي تسألني، يبدو أنها سمعت جملتنا الأخيرة، ضحكتُ ضحكة مصطعنة وقلتُ بسرعة: آه أظن إنها تعني تلك اللعبة. نحن نلعب نفس اللعبة على شبكة الإنترنت. ودفعتُ ظهرها وأنا أقول بسرعة محاولة تغيير الموضوع: هيا لنشتري بعض الفطائر فأنا جائعة للغاية! أفقتُ من ذكرياتي وأنا أكمل محاولة التفكير في معنى عبارة وسن الغريبة. لكنني لم أفهم أبدًا قصدها. أتقصد أنها تعمل في الجانب الصحيح وأنا في الجانب الخطأ؟ ومنذ متى كان العمل مع منظمة جاسوسية هو الجانب الصحيح!؟ تبّا. هي كذلك تظن أنها تعمل لحساب الخير ربما. مرّت الأيام بسرعة بعد ذلك وانشغلت بامتحانات الفصل الدراسي الأول وبامتحانات حلقات التحفيظ، وطلبت من سامي الراحة من التدريب لأسبوعين، للمذاكرة وحتى تتزوج أماني، أريد أن أجلس معها وقتًا كافيًا قبل زواجها، وقد وافق على الفور. ووعدني بأننا سنكمل التدريبات بمجرد أن أبدي رغبتي لذلك. سامي لطيف ومتفهم جدا. كما أنني كنت خائفة من مواجهة السيد هيثم بعد فشلي في أول مهمة لي..! لذلك كنت أريد تأجيل الموضوع إلى أبعد وقت ممكن. كنت منشغلة يوميّا بمذاكرة المدرسة وبمراجعة القرآن لامتحانات التحفيظ، وبالجلوس مع أماني، أماني كانت منشغلة هي الأخرى بتجهيزات زواجها لكنها كانت تحرص على قضاء بعض الوقت معي في كل يوم.. نمزح ونضحك ونأكل معًا.. وكأنها كانت تريد أن تجعلني أشعر بالشبع منها. لكنني لم أكن لأشبع من أماني أبدًا! ومرّت الأيام بسرعة لأجد نفسي في يوم الأربعاء آخر يوم في الامتحانات للمدرسة والتحفيظ، وهو اليوم الذي قبل زواج أماني بيوم، كنت أجلس في غرفتي أذاكر، لأفاجأ بدخول أماني عليّ وهي تقول بفرحة: قــــــمــــــــــــــــــــــــــــر.. انظري إلى هذه المفاجأة.. كانت تحمل في يدها شماعة عُلّق فيها فستان زفاف لطفلة، كان فستانًا عاري الذراعين أبيضًا حريريًّا ناعمًا من الرقبة والصدر ثم ينتهي بشكل منفوش للغاية حتى الأسفل. ويتوسطه حزام عريض باللون البنفسجي مع وردة رقيقة. صورة الفستان^^ قلتُ بتساؤل وأنا أضع الكتاب جانبًا: لمن هذا الفستان؟ ضحكت أماني وهي تُعلّقه على شمّاعة قريبة ثم تقترب منّي وتقول بحب وحنان: لفتاة اسمها قمر.. عندما ترتديه ستصبح قمرًا حقيقيًا! ثم أمسكتْ يدي وسحبتني لأقف وهي تقول بحماسة: هيّا تعالي لتجربّيه.. وجرّتني وراءها إلى الحمام، لم يمنعني احمرار خدّي من أن أقول بإصرار: لحظة يا أماني.. أخبريني أولًا.. كيف أحضرتيه؟ قالتْ وهي تساعدني على نزع ملابسي المنزلية بسرعة: لقد اخترته لك.. ثم قالت بابتسامة واسعة: بصراحة كان عرضًا في إحدى المحلّات "اشتري فستان زفافك واحصلي على فستان زفاف طفلة هدية" وحينها أول شخص خطر على بالي هو أنتِ.. فاشتريت فستاني من عندهم خصيصًّا لكي أحصل على فستان لكِ.. وضحكت ضحكة حنونة وهي تنظر إلي، قلتُ باعتراض: لكن يا أماني..أظنّ أنهم أدخلوا سعر الفستان الهدية في الفستان الأصلي، لذلك كان عليك دفع ثمن أكبر من باقي المحلّات صحيح؟ هزّت رأسها وهي تقول برفق: لا تحملي همًّا يا صغيرتي.. فحتى ثمن الفستان الأول لم أدفعه أنا.. قلتُ بدهشة وأنا أمدّ رأسي لأدخله في الفستان: إذن من دفعه؟ ابتسمتْ بخجل قائلة: من سيكون إذن؟.. إنه " جميل".. قلتُ وأنا أضيق عيني بخبث: هكذا...! نظرتْ إليّ بإعجاب بعد أن ارتديت الفستان بشكل كامل، وقالت بفرحة حقيقية: إنه رائع جدا عليك.. ثم دارت حولي ووقفت خلفي وهي تقول بحماسة: سأربط الحزام ليكتمل منظرك الملائكي.. ثم فكّت شعري بيديها وهي تدفعني لأقف أمام المرآة، هبط شعري الأسود الناعم القصير على كتفيّ بنعومة فهمستْ أماني: ماشاء الله تبارك الله.. لو كنتِ أكبر سنًا قليلًا لخفتُ أن يظنّ الناس أنك العروس.. لم أستطع منع نفسي من الابتسام بسرور وضحكتْ أماني ضحكة قصيرة وهي تمسك يدي لتجعلني أدور حول نفسي برشاقة فيطير الفستان وينتفخ بفعل الهواء، لا أخفي عليكم أنني أعجبني الأمر وظللتُ أنظر إلى نفسي في المرآة بانبهار وخدّاي يحمرّان من الخجل، إنها أول مرة لي في ارتداء فساتين الأفراح.. ففي كل مرة يُدعى عمّي وأسرته إلى حفل زفاف ما فإنني لا أشاركهم أبدًا.. ولا أدري لماذا، كنت مكتفية بكون أماني بجانبي.. اليوم أماني هي من ستكون العروس لذا لابك من حضوري بجانبها! ثم رفعتُ رأسي أقول لأماني بتساؤل: ولكن.. أين فستانك أنت يا أماني؟ أريد أن أراه. وضعت إصبعها على فمها ثم قالت وهي تغمز لي: هذا سرّ.. أريد أن أفاجئك في يوم الزفاف. رغم فضولي الشديد لرؤيته لكنني ضحكت وأنا أهزّ رأسي موافقة، فقالت وهي تجلس على سريري: بالمناسبة.. الجميع سيذهبون اليوم لشراء فساتين وحُلل ليوم زفافي، ألن تذهبي معهم؟ أمسكتُ فرشاة الشعر الخاصة بي وقلتُ وأنا أمشّط شعري: ولمَ أذهب؟ ها هو فستاني الذي سأحضر به. ابتسمتْ أماني وسألت بتردد: هل أعجبك يا عزيزتي؟ ظهر على عينيّ الإيجاب والتفتُّ لها بسعادة مؤكدة: بالطبع يا أماني، ذوقك رائع! ظهر على وجه أماني الارتياح لإجابتي، فأكملت: كما أنك كفيْتني همّ التسوق والخروج للشراء وأنت تعرفين أنني لا أحب هذه الأمور.. ولا أحب أصلًا الخروج معهم! قالت أماني: يسعدني ذلك. فقد اشتريتُه على أمل أن يعجبك. لكنني قلتُ في نفسي حتى إذا لم تحبي حضور زفافي به، سأعطيه لكِ كهدية منّي. ويمكنك شراء ما تحبين معهم. فلا شك أن الاختيار بنفسك سيكون أفضل. هززتُ رأسي نفيًا ثم قلتُ بثقة: كلّا. ذوقك سيعجبني أكثر. ضحكتْ أماني قائلة: شكرًا. أمسكتُ طرف الفستان بعد أن أنهيت تمشيط شعري ومشيتُ لأجلس بجانبها على السرير لتحيطني بكتفها في حنان وقلت: لكن يا أماني.. أخبريني ثمن الفستان. سأجعل عمّي يدفعه من مالي الخاص. سأعطيه لكِ هديّة كما أهديتني. كما أنه ليس من العدل أن يتحمّل جميل كل هذه التكاليف مر.... عقدتْ حاجبيها وهي تقاطعني بضيق: طبعًا لن أفعل! فجميل لا يعتبر هذا تكليفًا أبدًا.. بل إنه تحمس جدا لما أخبرته عن العرض في ذلك المحلّ، ومع أنه لا يحب عروض المتاجر في العادة لكنه لأجلك بالتحديد ذهب إلى ذلك المحلّ وقررنا الشراء منه. ثم تنهدت وهي تمسح على شعري وهي تقول بلطف: صدقيني يا قمر.. خطيبي جميل أحبّك كثيرًا من كثرة ما حكيتُ لك عنه، حتى أنه سمح لي بزيارتك متى شئتُ، وأخبرني أنك مرحب بك في بيتنا في كل وقت. اقتنعت بكلامها قليلًا وسكتت، أنا لم أقابل خطيب أماني بعد، لكن صورته.. وكلام أماني عنه، يدل على أنه رجل طيب وحنون.. آمل فقط أنه كذلك، وإلا سأغضب جدا.. إن ظهر بعد الزواج أنه رجل وغد وأساء إلى أماني بكلمة، فحينها سآتي لتأديبه بنفسي! -7- [نور قبل أسبوعين من الآن] أغلقتُ الباب وراء أمي التي خرجتْ مع فيتال لتعيده إلى والدته، وعدت إلى غرفتي لأجد إيلين نائمة على سريري بعمق، هذا طبيعي فقد جلست تلعب مع فيتال حتى الساعة العاشرة ليلًا، وهذا معاد نوم متأخر جدًّا بالنسبة لطفلة مثلها! حملتُها بخفّة ونقلتُها إلى سريرها في غرفتها، وبلمحة أخوية حانية قليلًا ما أظهرها لها مسحتُ على شعرها وأنا أغطّيها وتأملتُ وجهها الملائكيّ.. الشعر الأشقر، البشرة البيضاء الناعمة، والأنف الصغير والفم المدوّر، بالرغم من أن أمّها عربيّة إلا أن ملامحها تبدو أوروبية بالكامل فهي تشبه بوارو كثيرًا..! على عكسي أنا.. فكل من رآني يعرف أنني لستُ إيطاليًّا، وإن كان لا يستطيع معرفة بلدي الحقيقية، ومع ذلك يستغربون إجادتي للغة الإيطالية بطلاقة تامّة. بذكر بلدي الحقيقيّة، تذكرتُ أبي.. عندما تحدث فيتال عن والده بكل ذلك الفخر على وجهه، كم شعرت بالغيرة.. الغيرة الشديدة! يا ترى ماذا كانت مهنة أبي؟ ماذا كان يعمل؟ هل عَلِم بمولدي عندما ولُدت؟ أم أنه كان مع أمي في أثناء ولادتها وقبّلني بمجرد ولادتي؟! صحيح أن فيّ شبهًا واضحًا من أمي بالطبع، لكن.. كم كنت أريد لو أعرف إلى أي حد أنا شبيه بأبي! لا أدري لماذا تتحاشى أمي الحديث عن أبي بهذه الطريقة؟ تزيد فضولي وتضاعفه مئات المرّات لأعرف المزيد والمزيد عنه!! تبّا لك يا أمي..! لكن مهلًا.. هل يمكن أن أبي تخلّى عنّي وعن أمي ولذلك أمي تكرهه كل هذا الكره؟ يبدو احتمالًا منطقيا لتصرفها، لكن لا زلتُ أرغب في معرفة كل شيء عن أبي.. آمل فقط لو يحنّ قلب أمي لي قريبًا وتخبرني عنه. تنهدت وأنا أبعد تلك الأفكار عن عقلي عندما شعرتُ بالنعاس الشديد وأنا أتأمل إيلين النائمة، طبعتُ قبلة حانية على جبهتها الصغيرة وخرجتُ من الغرفة مُغلقًا الباب ورائي.. وهممتُ بالذهاب إلى الحمّام وغسل الأسنان للتجهيز للنوم لولا أن استوقفني باب غرفة أمي وبوارو.. بذكر بوارو.. فهو لم يعد بعد! غريب جدا..فهو يعود غالبًا في الثامنة، لعله يشتري بعض الحاجيات أو شيء كهذا. وجدت باب غرفتهم مفتوحًا.. ويظهر منّه الشماّعة التي تعلق أمي عليها معاطفها وأوشحتها. جئتُ أكمل طريقي إلى الحمّام.. لكنّ صورة السترة السوداء التي كانت ترتديها أمي اليوم.. كانت مُعلّقة في الشمّاعة بهدوء. تذكرتُ قول فيتال وهو يخبرني أن المسدس كانت تخفيه أمي في سترتها السوداء! شيء ما جذبني جذبًا لها! وفوجئت بنفسي في منتصف الغرفة أتأمل الشماعة وأمدّ يدي بحذر إلى السترة السوداء أفتش جيوبها..! اتسعت عيناي ذعرًا عندما لمست يدي مسدسًا باردًا ثقيلًا.. في داخل سترة أمي! وازداد يقيني عندما سحبتُه لأجده أمأمي حقيقيّا.. حبستُ أنفاسي بانبهار وعقلي يحاول تحليل الأحداث من بدايتها بجنون..! لقد وجدتُ المسدس كما قال فيتال.. أيعني هذا أن أمي فعلًا من خطفته؟ ولكن القصة التي حكتها لي عنه؟ وتعاملها معه واقتناعه بكلأمي بعد ذلك.. آآه رأسي يوشك على الانفجار.. فجأة فوجئت بيدٍ أنثوية تهبط أمام عيني وتأخذ المسدس.. وفي ثوانٍ شعرتُ بفوهة مسدس باردة تلتصق بصدغي، مع صوت أمي الناعم وهي تقول بنبرة غريبة: إلى هنا ويكفي يا نور.. لقد رأيتَ ما لا يصلح لك رؤيته! ابتلعتُ ريقي ببطء وأنا ما زلتُ أشعر بالذهول، أمي.. تضع المسدس على رأسي الآن؟! لحظة.. أهذا يعني.. أن ذلك الطفل كان مخطوفًا فعلًا! وأن أمي تملك بالفعل مسدسا! وأن كل تفسيراتها لقصة الطفل كانت كذبًا! حاولتُ أن أقول بلهجة مُرتعشة: هكذا.. إذن كنتِ تكذبين عليّ يا أمي!! أخبريني إلى أيَ عصابة تنتمين إذن؟! ضحكت أمي ضحكة عالية، فخرج غضبي علانية وأنا أقول: أخبريني كم أخذتِ فدية مقابل إرجاع فيتال؟ قرّبت أمي ابتسامتها من رقبتي حتى أحسست بأنفاسها، وقالت بغموض: خمّن أخذتُ كم برأيك؟ سكتتُ وأنا أعقد حاجبيّ بانفعال وأنفاسي تتسارع في صدري، فقالت أمي: سأجيب بدلًا عنك.. ثم أكملت وهي تضغط زناد الأمان استعدادًا للإطلاق مما جعل عيناي تتسعان بذعر: أخذت مبلغًا يساوي حياتك تقريبًا يا نور..! وأطلقت النار..! |