لا تجعلو العيد يشغلكم عن قراءة الفصل XD ولا تجعلوا الفصل يشغلكم عن التكبير ^^ هذا الطقم تطبيق لدرس الرائعة أكا تستيطعون تطبيقه من هنا وتأكدوا من وجود كأس الشاي أو الشاي بلبن أو القهوة بجانبكم مع طبق من حلويات العيد لتستمعوا بالقراءة :tb403: فالفصلين طُوال ولن ينتهوا بسرعة XD ملحوظة: يمكنكم الرد على فصل واحد فقط ولا يلزمكم الرد على كلا الفصلين >انشغال العيد وكذا Xd وإن كان عندكم فراغ وأحببتم الرد على الفصلين فلن أرفض طبعًا ذلك منكم ههههههه رواية عيون لا ترحم [11] التسلل. -1- [قمر] كنت أجلس بشرود أمام سامي الذي انهمك في إعداد بعض الأدوات وتفقدّها، أدوات استعملتها في التدريب على جميع الاحتمالات التي من الممكن أن تحدث في أثناء أدائي للمهمّة، وقد كانت خطّة محكمة فعلًا من جميع الجهات أعدّها السيد هيثم وسامي، لكن يبقى الدور الأهم والرئيس هو لي عندما أنفذها بدقة، وإذا أخطأت ولو خطئًا واحدًا.. فسوف تفشل المهمة قبل أن تبدأ! وانتهيتُ عند تلك النقطة وأنا أعقد حاجبيّ بقلق، وأنظر بشرود نحو نافذة الغرفة التي نجلس فيها، كان سامي جالسًا أمامي وانتبه إلى شرودي فقال باهتمام: قمر.. أهناك ما يقلقك؟ نظرتُ إلى وجهه الباسم، لم يكن سامي يبتسم فعلًا، لكن حتى عندما لا يبتسم يُخيّل إليّ أن الابتسامة محفورة على شفتيه! قلتُ بعد تنهيدة حارّة: لا شيء يا سامي.. ماذا تفعل بهذه الأدوات؟ ابتسم ابتسامة خاصة وهو يعود لعمله فيها: أعدّ الأدوات التي ستحتاجينها في مهمتك وأتأكد من فاعليّتها، فاليوم مهمتّك كما تعلمين.. يا أصغر وألطف عضوة لدينا! فضحكتُ ناسية قلقي وظلّت الابتسامة على شفتي وأنا أراقبه يعمل بجدّ، ثم خطر لي خاطر مُقلق آخر وأنا أتذكر ما حدث اليوم مع عائشة ونسرين.. ليس معهما فقط بل مع المدرسة كلّها، فقد لاحظت اليوم أن نظرات الكثير من البنات لي غير مريحة..! نظرات غريبة فيها كراهية وعدوانية واضحة! يبدو أن سمير قد أوصل لهم الخبر بالفعل، وكم أشعرني هذا بالقلق أكثر لأنني خائفة من أن يكون قد أخبر أحدًا ما بعنوان هذه البناية مثلًا! واكتشف الجميع أو تأكدوا من دخولي لهذا المكان وعلاقتي مع سامي والسيد هيثم.. ظل القلق يتفاقم على وجهي ويزداد انعقاد حاجبيّ وأنا أبتلع ريقي باضطراب مما جعل سامي يرفع وجهه ويقول بلوم: قمر.. أنا متأكد من أن هناك شيئًا ما.. أرجوك أخبريني، فليس من الجيّد أن تكون لديك أية مخاوف قبل أدائك لأول مهمة لك.. ثم ابتسم ابتسامة مُطمئنة: أهو أمر في المدرسة؟ لا أدري لماذا جاوبتُ بـ نعم وأنا أطرق برأسي في حزن، فقال مستفسرًا بعطف: ماذا هناك؟ أضايقك أحد؟ ابتلعتُ ريقي وأنا أرفع وجهي إليه ثم أهمس بتوتر: أتعدني أنك لن تخبر أحدًا؟ قال بدهشة: بالطبع..! أشحت بوجهي المهموم ثم حكيتُ له ما حدث من بداية لحاق سمير بي حتى ما حدث اليوم في المدرسة، ولكنني لم أخبره باسم سمير. ثم تطلعتُ إليه في أمل وأنا أقول: سامي برأيك ماذا أفعل في هذه الحالة؟ سكت سامي قليلًا وعلى وجهه هدوء غريب، جعلني أزداد توترًّا وأنا أسأله ثانية: ماذا ستفعل لو كنت مكاني؟ كان في عينيه هذه المرة معانٍ غريبة، لكنه قال فجأة بابتسامته اللطيفة المعهودة: يا إلهي.. أنت فتاة قويّة بالفعل يا قمر! عقدتُ حاجبي ووجنتي تحمّر وأنا أقول معترضة: ماذا تقول؟.. أنا لا أخبرك هذه القصة لتمدحني! ضحك ضحكة قصيرة ثم قال بعد سكوت: بصراحة يا قمر.. لا أدري لو كنت في مكانك ماذا سأفعل، لكن.. وتوقف عند كلمة لكن ونظر إلي بعمق قائلًا بهدوء: عليك ألا تخبري هذه القصة للسيد هيثم أبدًا! اتسعت عيناي بدهشة وأنا أقول: لماذا؟ عقد حاجبيه بقوة وهو يقول: السيد هيثم لن يترك هذا الفتى بعد أن عرف سرّك، لن يتركه إلا بعد أن يتأكد أنه لن يقول هذا السرّ لأي مخلوق كان. نظرتُ إليه بقلق وأنا أقول بلهجة متوترة: إذن.. ماذا عليّ أن أفعل؟ حمل وجهه ملامح مطمئنة وهو يقول بدفء: من الجيّد أنك أنكرتِ الأمر أمام عمّك، وأظنّ أنه قد صدّقك إلى حدّ ما وإن كنت أعتقد أنه سيشك فيك بعد ذلك عند أول فرصة! أما بخصوص قلقك من انتشار هذه المعلومة في المدرسة، فلا تقلقي، فحتىّ إن رآك ذلك الفتى تدخلين هذه العمارة لن يستطيع أن يجزم أي شقة دخلت، وفي هذه الحالة حتى وإن أتى شخص ما وحاول التأكد من جميع الشقق فستنفي جميع العائلات التي تسكن هنا علاقتها بك، هذا أصلًا إن استطاع التأكيد أن هذه هي نفس العمارة التي دخلتيها، فكما تعلمين هنا جميع العمارات متشابهة مع بعضها بشكل عجيب! يجعل من الصعب على أي شخص التفريق بينها إلا برقم العمارة وحسب. بل إن الشوارع حتى متشابهة. لذلك الموضوع كله سهلٌ جدا أن تدّعي أن سمير كان واهمًا عندما رآك، وهو لن يستطع أن يأتي بأي دليل يثبت قوله.. فأنت في أمان. شعرت بقليل من الاطمئنان لتحليله ثم أكمل: هذا طبعًا إن اكتشفت أن ذلك الفتى قد كشف سرّك، لكن بطبيعته الجبانة وذلك التهديد الذي هددتِه له، لا أظنّ أنه فعل! ولكنّ ربما لأن الأمر ظاهر، فيده المكسورة مجبّرة واضحة للعيان، وبالتأكيد لو ذهب إلى المدرسة سيسأله كل الطلاب عن سبب كسر يده، فسيجيبهم بأنها قمر من فعلت ذلك، وبذلك يستدرّ عطفهم وشفقتهم عليه ويكون هو الضحية لفتاة شريرة ومتوحشة، وينتقم منك بأن يجعل جميع الطلاب يكرهونك! هتفتُ بفهم: هكذا إذن.. لربما هذه طريقة سمير في الانتقام منّي، وهو بالفعل لا يملك أي دليل على دخولي هذه العمارة ولا يستطيع إثبات ذلك.. ثم ابتسمت براحة: الحمدلله.. هذا يعني أن سرّي لن ينكشف! قال سامي: هذا صحيح! لكن.. ثم قال بإشفاق: لكن هذا يعني أنك ستتعرضين للتنمر من مدرستك قريبًا يا قمر! سكتتُ بضع دقائق، سامي معه حق، وقد بدأ هذا التنمر من اليوم فكان عبارة عن نظرات كراهية وحقد يصبّها عليّ جميع البنات صبًّا! قلتُ له بلا مبالاة: لا تقلق عليّ.. فتنمرهم لن يزيد عن كونه مجرد نظرات أو كلام.. ولن يجرؤ أحدهم أن يمدّ يده عليّ! فقال سامي وعلى وجهه الهمّ: صحيح يا قمر أن هذا الخبر الذي انتشر عنك قد أعطاك هيبة في نفوسهم ولعلّهم الآن يعتبرونك وحشًا شرسًا لا يرحم، لحسن حظك لن يجرؤ أحد على مدّ يده لكن لسوء حظّك أيضًا قد يؤدي هذا الأمر أن يقطع الجميع علاقته معك وتجدين نفسك وحيدة في نهاية المطاف لا يكلمك أحد ولا يقترب منك شخص. شعرتُ برعب من هذا الاحتمال، أيمكن أن يقاطعني جميع البنات في المدرسة؟ بعد أن كنت قائدة الفصل وشعبيّتي واسعة بين بنات المدرسة كلّها؟ بل ويصل الأمر إلى صديقاتي؟ لا، لا يمكن لنسرين وعائشة أن يفعلا ذلك! شاهد سامي اغتمامي فقال بلهجة متفائلة: لكنني لا أظن أنك ستجعلين هذا الفتى ينتصر عليكِ صحيح؟ يمكنك استعادة شعبيّتك يا قمر والتغلب على هذا التنمر بقليل من الجهد، أو بإنقاذ بعض فتيات المدرسة من مقالب أو مشاكل، ومساعدة البعض الآخر في الواجبات وما إلى ذلك، وهذا سيصلح سمعتك بينهم ويجعلهم ينسون ما سمعوا ويقفون كلهم إلى جانبك! هذا صحيح! أعتقد بأن هذه فكرة رائعة لمحاربة سمير، فإذا كان هو بدأ هذه الحرب بالكلام.. ليرَ كيف سأردّها له بالكلام والأفعال كذلك! ابتمستُ بحماسة وأنا أقول: اقتراح رائع يا سامي، سأحاول تطبيقه من الغد! ابتسم وهو يقول مؤيدًّا: أنا متأكد بأنك تستطيعن فعلها.. فشخصيتك قويّة رائعة! شعرت بسعادة لكلماته ونظرتُ إليه باهتمام وهو يعود لترتيب بعض الأدوات ووضعها على الطاولة قائلًا: ها قد قاربت على الانتهاء من إعداد أدوات مهمتكّ. ثم عقد حاجبيه وهو يغمغم: ولكن هذا غريب.. إنني أبحث منذ مدّة عن مديّة صغيرة كانت لي ولا أجدها! تطلعتُ إليه بفضول وهو يتجه لباب الغرفة وينادي على جاسم الذي كان يتدرب في غرفة التدريب المجاورة قائلًا: جاسم.. أتعرف أين مديّتي الصغيرة الفضيّة؟ أقبل جاسم من غرفة التدريب ودخل من الباب وهو يقول باستغراب: غريب، ألا تجدها في صندوق أدواتك؟ وأتبع ذلك بأن بحث قليلًا بيده في صندوق الأدوات الذي كان في يد سامي قبل قليل، ثم رفع رأسه قائلًا: غير موجودة فعلًا!.. لكنني أذكر أنك كنت تحملها معك دومًا أليس كذلك؟ هزّ سامي يده بحيرة وهو يقول: بالفعل.. لكنني لا أجدها معي، والمكان الوحيد الذي يمكن... قاطعه جاسم وهو يضم قبضة يده ويضرب بها راحة يده الأخرى هاتفًا: آه تذكرت.. أنت رميتَها على شخص ما، ألا تذكر؟ عندما كنا ننتظر قمر بجانب مدرستها.. عقد سامي حاجبيه وهو يتذكر ثم قال: آه بالفعل! كيف نسيت ذلك؟ لقد كنتُ أستند إلى سور المدرسة عندما شعرت بشخص يراقبني بنظرات حادّة من آخر السور، وفجأة فوجئت بسكين حادًّ ينطلق إلى عنقي، لكنني أمسكته في آخر لحظة، وهممتُ بالركض لألحق ذلك الشخص الذي هرب، ورميته بسكيني الفضية آملًا أن أوقفه، لكنه استطاع الهرب منّي! نظرتُ إلى سامي باستغراب وغمغمتُ بحيرة: ولماذا سيحاول أحدهم رمي سكين عليك؟ هزّ كتفيه قائلًا بلا مبالاة: لا أدري حقا.. لكن لعله لص محترف مثلا أراد أن يقتلني قبل الحصول على أموالي.. في حين قال جاسم بعيون ضيقة وبلهجة بطيئة: أو أنه شخص من المنظمة العدوة لنا ويعرف وجه سامي! أشاح سامي بوجهه وهو يقول مازحًا: أوه.. لا أصدّق أن لي شهرة واسعة لدرجة أن يرسلوا شخصًا ما لقتلي! ثم أطرق برأسه وقال بتفكير عميق: لكن ذلك الشخص كان محترفًا حقا في الرمي.. لقد كان السكين يوشك أن ينغرز في رقبتي لولا أن أمسكته، وبالنظر إلى أنه رُمي من هذه المسافة، فهذا شخص ماهر حقا! كم أودّ لقاءه! -2- [نور] لدهشتي الشديدة فقد تحولت ضحكة أمي إلى ضحكة كبيرة كتمتها بيدها حتى لا تخرج ورغم ذلك فقد اهتزّ جسدها وهي تعود برأسها إلى الوراء ثم تقدمتْ إليّ وما زالت الضحكة داخل فمها وقرّبت وجهها من وجهي وهي تهمس ضاحكة: يا إلهي.. هل استطاع ذلك الطفل إقناعك بقصة خيالية؟ نظرتُ لها بغضب هامسًا: يضحك عليّ بماذا؟ هذا الطفل يا أمي يرتجف رعبًا في الداخل.. هل ستحاولين إقناعي أن هذا طبيعيّ بالنسبة لفتى في سنّه أن يؤلف قصة من خياله يرتجف رعبًا بسببها؟ تطلّعت إليّ لفترة حتى اختفت ضحكاتها وظهر على وجهها الحزم: إذن يجب عليّ أن أخبرك الحقيقة! قلتُ بانفعال: لقد طلبتُ هذا منك من البداية! أخبريني كل شيء يا أمّي.. ولماذا خطفتيه؟ أمسكتني من يدي برقّة وسحبتني إلى مائدة الطعام لتجلس بهدوء على أحد كراسيها وتُجلسني في الكرسي المجاور، ووضعتْ الهاتف على الطاولة، والتقت عينانا، عينها هادئة نوعًا ما وأنا عيني غاضبة.. أتطلع إلى معرفة الحقيقة التي تُخفيها عنّي. ثم قالت بهدوء يدلّ على جدّيتها في الحديث: هذا الطفل يا نور.. مُصاب بمرض يجعله متعلقا بوالديه إلى درجة الجنون، حتى أنه بمجرد ابتعاده عنهما.. يفترض أسوأ الأحداث ويُقنع بها عقله ويصدّقها وكأنها حدثت بالفعل! ويتصرف وفقًا لهذا.. وقد نبهتني أمه لذلك، فليست هذه أول مرة يفعل ذلك فيها، بل لقد حدث أن جلس عدة ساعات مع خاله انتهت بأن جاءت الشرطة وقبضت على خاله، وبعد التحقيق تبيّن أن ذلك الطفل قد اتصل بالشرطة وهو في بيت خاله وأخبرهم أنه مخطوف. وبالطبع جاءت الشرطة بسرعة وقبضت على خاله. لم تكن الشرطة لتصدق ما حدث لولا رؤيتهم لتقارير الطبيب النفسي التي تثبت مرضه و رؤية بطاقة هويّة خاله ووالدته والتي تثبت بوضوح قرابتهما. فقد كان الطفل منهارًا من البكاء بطريقة تجعل أي شخص يتعاطف معه ويصدق فورًا قصته. جاء دوري هذه المرة لتتضاعف الدهشة على وجهي وأنا أهمس بعدم تصديق: يا إلهي.. حتى خاله؟! أومأت برأسها في تأثر ثم قالتْ: نعم. وقد عانى والداه كثيرًا لعلاجه لكن طبيبه النفسي أخبرهم أنه سيتحسن عندما يكبر بضعة سنوات أخرى بحيث يستطيع عقله التفريق بين الحقيقة والخيال، مع أنه من المفروض في سنّه هذا أن يستطيع التفريق ولكن يبدو أن هناك تأخر في نموّ عقله. ثم التفتْ إلي لتنظر بعينيها الخضروايتين إلى عيني مباشرة وتقول بأسى: وللأسف بسبب تلك المشاكل التي يجلبها ذلك الطفل لمن يذهب عنده، انقطعت زياراته عن بقية أقاربه وعائلته مما زاده تعلقا بوالديه، مما يقيّد حركتهما عندما يودّان الخروج إلى أي مكان. خاصة والدته، فمن الممكن أن يتحمل الطفل غياب والده في وجود والدته معه، لكن بمجرد أن تغيب أمه عن عينيه حتى يبدأ باختلاق تلك القصص الخيالة والتفاعل معها بطريقة مدهشة.. حتى أن والدته حملتْ همّه كثيرًا عندما أصبح والدها المسن على فراش المرض وهو في مدينة أخرى، وكانت تريد زيارته لكن لم تستطع بسبب ولدها، لكنها حسمت أمرها وقررت زيارته هذه المرة لأنهم أبلغوها أنه يُحتضر، وطلبت منّي الاعتناء به مع شرحها لحالته الصعبة. وقد تفهمتُ ذلك، لكنني لم أرغب أن أشرح لك ذلك في البداية فقلت ربمّا يتوقف الطفل هذه المرة عن قصصه الخيالية ويندمج معكما باللعب. لكن يبدو أن ظنّي لم يكن صحيحًا. ثم ابتسمتْ بقلة حيلة وقالت: هل فهمت الآن؟ أومأت برأسي بدهشة شديدة وشردتُ في الفراغ وأنا أسمع أمي وهي تقول بمرح: هل فهمت الآن لماذا جلست أضحك؟ واتسعت ابتسامتها أكثر وهي تقول: لقد شعرت برغبة كبيرة في الضحك عندما فوجئت بك مقتنعًا تمامًا بقصة ذلك الفتى الخيالية. غمغمتُ في اقتناع: وما ذنبي؟ فقد شعرت بفزع شديد عندما تخيلت احتمالية أن تكون قصته صحيحة. ثم تنهدتُ قائلًا: إذن.. كيف أتعامل معه وأهدئه برأيك يا أمي؟ قالت بجدّية: سؤالك في محلّه. وهذا سبب أنني سأجعله يكلّم والدته. ثم تحاول أنت وإيلين إشغاله باللعب، فبعد اطمئنانه على والدته ينشغل عقله معكما وينسى خوفه. ثم أضافت وهي تنظر لي بعينيها الجميلتين: هل فهمت يا نور؟ أومأت برأسي إيجابًا في تفهم لأجدها تقوم من المائدة وتسبقني إلى غرفتي، وقفتُ وراءها أمام الباب وأنا أنظر إلى فيتال الذي كان مندمجًا مع إيلين وألعابها بعض الشيء ثم رفع رأسه إلينا في لهفة عندما رأى الهاتف في يد أمي وهي تضغط عليه بضعة أزرار ثم ابتسمتْ وهي تتحدث إلى الطرف الآخر: آه مرحبًا يولينا، فيتال يريد التحدث معك قليلًا! اقتربتْ أمي من فيتال الذي ترك الألعاب التي في يده بحماسة حتى يمسك الهاتف الذي وضعتْه أمي على أذنه، وهتف بفرحة: أمّي.. بدا أن أمه تكلمّه على الطرف الآخر ولاحت الدموع في عينيه الصغيرتين وهو يهزّ رأسه إيجابًا ويقول: حاضر يا أمي.. سوف أكون طفلًا جيدًّا.. متى ستأتين لأخذي من هنا؟ أرجوكِ.. أنا خائف! ظلّت أمي تمسح على ظهره بحنان في حين سكت فيتال قليلًا وقال من وسط دموعه: حاضر.. سوف أنتظر يا أمّي! ثم رفعت أمّي الهاتف وهي تقول: آه يا يولينا، يسعدني الاعتناء بولدك.. أوه كلّا، لا تقلقي إنه لا يسبب أي مشاكل!.. حسنا.. سوف أفعل، إلى اللقاء! ثم قالتْ لفيتال بعطف وهي تنظر إلى دموعه الجارية على خدّيه والتي لم يستطع كتمها عندما سمع صوت أمّه: لا تقلق يا فيتال.. أمّك ستعود قريبًا.. انتظر هنا بهدوء مع إيلين ونور واستمتع باللعب.. أومأ فيتال برأسه وهو يمسح دموعه بكفّيه الصغيرين ثم قامت أمي واقفة واتجهت إلى خارج الغرفة ولم تنس أن تلفت لي هامسة: اعتنِ به. سكتت وأنا أراقبها وهي تغلق الباب خلفها بهدوء، جلستُ بجانب فيتال وقلتُ مشجعًا: هذا رائع يا فيتال.. لقد استطعت التكلم مع أمّك. هل اطمأننت الآن؟ أومأ برأسه مرة ثانية وسكت عن البكاء وأطرق برأسه وإيلين تهتف له وهي تناوله لعبتها: هيا نكمل لعبتنا يا فيتال. أنت طفل جيد لأنك توقفت عن البكاء. أخذ فيتال اللعبة وانشغل بها قليلًا ولم يردّ علينا، قمتُ من مكاني وفتحت أحد أدراج مكتبي وأخذت ألوان مائية مع كراسة كبيرة ووضعتها على الطاولة قائلًا بحماسة: آمل أنك تحب الرسم يا فيتال وإلا سأرسم لوحدي! رفع وجهه البريء إليّ ثم هزّ رأسه قائلًا بخفوت: بل أحبّه. صفقت إيلين بيديها في مرح وهي تهتف: أنا أحب الألوان المائية! نظرت إليها محاولًا إخفاء استيائي فأنا لا أزال أذكر آخر مرة تركتُها فيها تلوّن بألواني المائية في غرفتي.. و..حدثت كارثة جعلتني أنهار باكيًا أمام أمي وأصرخ بأني لن أجعلها تمسك في حياتها كلّها أي ألوان مائية بل لن أجعلها تلوّن بأي ألوان أصلًا. بل ربما أمنعها من دخول غرفتي إلى الأبد! وتعجبت من قدرتي على منع نفسي من ضربها وأنا أنظر إلى سريري ومكتبي وجدران غرفتي التي لطختهم جميعًا بالألوان! أغمضت عيني بأسىً وأنا لا أريد التذكر.. فما حدث قد حدث! وأنا الآن معهما وسأمنعهما من فعل أي حماقة في غرفتي العزيزة. ثمّ إن ما أفعله الآن له أهمية بالغة في إشغال فيتال وبالتالي أكسب ثمن الساعات التي قضيتها معه. ابتسمت في داخلي بخبث عند بلوغ هذه النقطة، وبدأنا جميعًا نلون في هدوء وسألته وهو منشغل بالتلوين: أي مادة دراسية تحب يا فيتال؟ قال فيتال وهو يلوّن بحركة هادئة في حين كانت إيلين تلوّن كل شيء بعنف حتى فراش الطاولة: لا أحب الدراسة. آه.. هذا متوقع من ولد انطوائي مثله!، ابتلعتُ دهشتي من جوابه وسألته السؤال التالي، أشهر سؤال في الوجود من الممكن أن يسأله أي بالغ لأي طفل – هذا إذا اعتبرتُ نفسي بالغًا - : ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ فكّر قليلًا هذه المرة قبل أن يجاوب ثم قال وعيناه تبرقان: أريد أن أصبح ضابط شرطة مثل والدي! رفعتُ حاجبيّ بدهشة: والدك شرطي؟ قال بهدوء: نعم! ابتسمتُ بإعجاب: أنا أيضًا أحب الشرطة يا فيتال، أظن أنك ستصبح شرطيًا رائعًا في المستقبل! ظهرت ابتسامة جميلة على وجهه وغمغم: شكرًا! فتابعتُ: أين تسكن؟ لا أدري لم كنتُ أسأله كل هذه الأسئلة، لكنني أحاول إجراء أي حوار معه يشغله عن التفكير في قصته الخيالية! ومن الواضح أن محاولتي نجحت وأصبح فيتال يبادلني الحديث بشكل طبيعي جدا. مما جعلني أقتنع أكثر بتفسير أمّي عن قصته الخيالية. -3- [قمر] أخذتُ نفسًا عميقًا وأنا أقف في شرفتي قبيل الساعة الثانية عشرة بربع ساعة، ونظرتُ إلى ملابسي السوداء، وقناعي الأسود المحكم على وجهي، كل هذا ليساعدني على التخفي في الظلام.. كنت أرتدي سترة سوداء لها غطاء رأس، وفيها جيبان من الأمام، وبنطالاً أسودًا أيضًا من تلك البناطيل التي تشبه بناطيل الجيش، يضيق بحزام أسود مطفي عند الخصر ويتسع للأسفل حتى يضيق تمامًا برباط مطاط حول قدمّي. وفيه عدّة جيوب خلفية وأمامية، سأملأها بأدوات المهمة التي شرحها لي سامي، مصباح صغير، عدة أسلاك معدنية رفيعة عند الحاجة، مدّية صغيرة، وماذا أيضًا.. أظن أنني سأتذكر عندما أصل إلى سيارة سامي. ابتسمت بحماسة وأنا أستنشق الهواء الصافي بهدوء، المكان مظلم والجميع نائمون، جو مثالي للهرب خارج الفيلا بدون أي خوف، باستثناء التوتر الذي كان يحتل كياني طوال اليوم، فمنذ عدتُ من دار التحفيظ أديتُ واجباتي بسرعة ونمت على حوالي الساعة الثامنة ليلًا، وهذا موعد مبكر جدا لنومي. لكنني كنت أريد أخذ فترة كافية من النوم قبل بدء هذه المهمة، ولم يشعر بي أي أحد، فأنا في العادة أصلا مُهملة من الجميع، إلا أماني. لكن أماني اليوم أخذت إجازة لأجل التجهيز لزواجها، وستستمر إجازتها لثلاثة أيام قادمة أيضًا لحسن حظي. إنها أول مهمة لي، وابتسمتُ في حماسة مجددا! وبدون أن أصدر أي صوت، بدأت بالتعلقّ بأسوار الشرفة وتدلّى جسدي منها للأسفل ثم قفزت بهدوء على العشب وتدحرجت بسكون، غرفتي في الدور الثاني وبمجرد أن أتدلى من سور الشرفة تصبح الأرض العشبية قريبة جدا مني وهذا ما يسهل القفز بدون أي مشاكل، وقمت واقفة بسرعة وأنا أمشي على أطراف أصابعي. وأدعو الله في داخلي ألا يراني أي شخص أبدًا. ولذا كان من الطبيعي أن أقفز من فوق سور الفيلا، ففتح البوابة الحديدية الآن سيوقظ جميع النائمين وليس البواب وحده! وكان القفز سهلًا إلى حد ما بالاستعانة بسلّم خشبي قديم كان يستعمله العم صابر البستاني. ركضتُ بهدوء في الشارع الساكن المظلم، ولا أخفي عليكم، لقد كان قلبي يدق بعنف، وبخوف شديد، حتى أنني سمعت نبضاته بوضوح! لا ريب أن هذا يحدث لأنها أول مرة، وبعد ذلك سأعتاد هذا! أسرعتُ من خطواتي حتى تجاوزت الشارع الذي توجد فيه فيلّا عمّي، وانعطفتُ إلى شارع مجاور لأرى سيارة سامي السوداء تركنُ في آخره، ابتسمتُ بارتياح وأنا أركض. حتى وصلتُ إلى السيارة، رحّب بي سامر بابتسامة وأشار إلى الباب المجاور فدخلت وأغلقتُ الباب بهدوء شديد محاولة عدم إصدار أي صوت. وفور أن انطلقت السيارة حتى تنهدت تنهيدة حارّة وضحكت بحماسة شديدة وأنا أزيل قناعي الأسود عن وجهي وأقول لسامي: يا إلهي.. أشعر بتوتر كبير! ابتسم سامي بهدوء ومزح: هذا واضح. فأنا أسمع صوت نبضات قلبك من مكاني هنا! ثم رفع إصبعه بلهجة تحذير لطيفة قائلًا: لكن انتبهي.. لا تزيلي القناع وأنت معي! فوجئت بلهجته الجدّية فأعدتُ القناع على وجهي بتلقائية ثم قلتُ باضطراب: هل تقصد.. أنه من الممكن لأحدهم أن يراقبني؟ أومأ برأسه مجيبًا: بالطبع، ولنتجنب أي احتمال في كشف هويتك عليك أن تعتادي وضع هذا القناع دائمًا في مهماتك كلها. أومأتُ برأسي في تفهم وقلتُ بتوتر: فهمتُ. سأحاول أن أفعل. وأخذت نفسًا عميقًا وقد زاد توتري أكثر، وقد أثار كلام سامي مخاوفي.. ماذا لو أن عمّي راقبني وأنا أخرج من الفيلا وتتبعني بسيارته مثلا؟ والتفتت بحركة حادة إلى الخلف بطريقة جعلت سامي يفزع قليلًا ثم قال ضاحكًا: أوه يا قمر. لم أقصد أن أخيفك إلى هذه الدرجة! لا تقلقي لا أحد يتبعنا. نظرتُ له بقلق وهمستُ: لكن. قال بلهجة مُطمئنة: إن كان أحدهم يتبعنا لعرفتُ على الفور. خاصة أن الشوارع خالية في مثل هذا الوقت، وسيكون من السهل كشفه. شعرتُ ببعض الأمان من لهجته الواثقة، واسترخيتُ في مقعدي قليلًا وأنا أقول براحة: الحمدلله.. أشار سامي إلى درج السيارة أمامي وقال بلهجة جادّة حازمة: والآن عليك أخذ أدواتك ووضعها في جيوبك بإحكام حتى لا تسقط منك، وتعالي لنراجع خطة تسللك بمجرد أن أوقف السيارة على بعد شارعين من عمارة جابر! أومأت برأسي في عزم وأنا أنفذ ما قاله بالحرف الواحد في جدّية شديدة، وحماسة بالغة! وحانت لحظة النزول من السيارة، وشعرتُ بقلبي ينتفض من شدةّ التوتر والانفعال وأنفاسي تتردد في صدري بصوت مسموع، مما جعل سامي يشعر بقليل من القلق وهو ينظر إلّي بعطف: قمر.. اهدأي أولّا! التفتت إليه بانفعال ثم أخذت عدة أنفاس عميقة مسموعة كادت أن تُخرج قلبي، لكنني شعرت ببعض الهدوء بعدها واستطعت السيطرة على أنفاسي قليلًا، فابتسمتُ له وقلت بتماسك مخفية انفعالي: ها أنا ذا.. ارتسمت على وجهه علامات الإعجاب وقال لي بعينيه الصافيتين: أنا أثق بك.. هيّا على بركة الله! ونزلتُ من السيارة بخفّة وأغلقت بابها بهدوء، ومشيتُ في الطريق بخطوات واثقة خفيفة لا تصدر أي صوت على الأرض، فحذائي اليوم كان مختارًا أيضًا بعناية حيث لا يمكن أن يُصدر أي صوت لخطواتي. وسرعان ما وصلتُ للشقة المنشودة، كانت شقة جابر في الدور الرابع، في عمارة مُحاطة بساحة عشبية محدودة ومجاورة لكثير من العمارات حولها المحاطة أيضًا بنفس المساحة العشبية. كانت العمارة ساكنة هادئة تمامًا، وكذلك مظلمة! ولم يمنعني هذا من إخراج المفتاح الصغير من جيبي وإدخاله بهدوء في ثقب المفتاح على ضوء مصباحي الصغير جدّا، لأفتح الباب بهدوء شديد، ولحسن حظي كان باب هذه الشقة لا يصدر أي صوت عند فتحه أو حتى إغلاقه، مما جعلني أشعر بارتياح رغم الارتجاف الذي يسري في جسدي وأنا أستند بظهري إلى باب الشقة! لم أسمح لنفسي في تبذير الوقت فعليّ إنجاز المهمّة في أسرع وقت، وكل دقيقة أقضيها هنا تزيد من احتمالية كشف أمري وهذا ما لا أريده أبدًا أن يحدث لي.. على الأقل في مهمّتي الأولى! اتجهتُ مباشرة إلى غرفة المكتب الملاصقة لباب الشقّة، كنت أعرف طريقي جيدا وحفظته عدة مرات، نجحتُ في الدخول إلى غرفة المكتب ووجّهت الكشّاف الصغير لأدراجه وبدأت البحث بسرعة عن الحاسب المحمول.. مرّ الوقت بسرعة وأنا لا أجده، وبدأت أنفاسي تتسارع عندما فتحت درج المكتب الأخير ولم أجده..! تمالكتُ نفسي وتلفتت حولي لأحاول البحث عنه في المكتبة المجاورة للحائط، لكن لا فائدة.. يبدو أنه غير موجود هنا! شعرت بورطة حقيقية عندما تأكدت من عدم وجوده، ووقفت لثوان في مكاني وأنا أشعر بإحباط هائل بدأ يتسلل إلى قلبي، أتكون المهمة فشلت قبل بدايتها! يا إلهي.. ماذا أفعل الآن؟ لقد تدربت على هذا السيناريو أيضًا مع سامي، رغم أنني لم أعره أي اهتمام، فقد استبعدت تمامًا احتمالية ألا يكون جهاز المحمول موجودًا في المكتب! لكنني أذكر جيدًا ماذا كان حلّ هذه المشكلة. فقد أخبرني سامي، بأنني إذا لم أجد جهاز المحمول في غرفة المكتب. فيجب علي فعل شيء واحد، وهو العودة من حيث جئت طالما أن أحدًا لم يشعر بي. لكنني لم أكن مقتنعة بهذا الحل، فما يضرّني لو حاولت البحث عنه في الصالة مثلًا وفي بقية أرجاء المنزل؟؟ لكن إن اكتشفني أحد ماذا أفعل؟ سأنفذ السيناريو الذي تدربت عليه إن اكتشفني أحد..! رغم أنه سيناريو خطير فعلًا وقد حذرني سامي منه، لكن.. لا أستطيع العودة بهذه السهولة بدون المستندات المطلوبة بعد أن وصلت هنا! عزمتُ أمري رغم نبضات قلبي العنيفة وخرجت من غرفة المكتب بحذر متسللة إلى الصالة، لمعتْ عيني عندما وجدتُ تلفازًا كبيرًا مُعلقًا في الجدار، وتحته منضدة طويلة، وكان عليها بعض الكتب.. وجهاز المحمول! شعرتُ بسعادة غامرة، ها قد بدأت أولى البشائر لنجاح أول مهمّة لي. توجهتُ إليه بهدوء وركزّت ضوء كشافي على الجهاز المحمول ومددتُ يدي لفتحه.. لكن تسمّرت وأنا أسمع صوت إغلاق باب غرفة ما، ثم رأيتُ ظلّا أسودًا في نهاية الصالة ينظر إلي، مع صوت ناعس يقول بذعر: من أنت؟! أغلقتُ ضوء الكشاف بسرعة وتراجعتُ إلى الخلف، يا ويلي.. ها قد اكتشفني أحدهم! حاولت استيعاب صدمتي قليلًا وأنا أحدّق إلى الظلّ الذي أمامي وأفكر فيم يجب علي فعله الآن.. هل أهرب كما علّمني سامي؟ أم يمكنني.. مهلًا، هذا الظل.. ظل طفلة على ما أظن! إذا كانت طفلة فيمكنني أن أفقدها وعيها بحركة سريعة ثم أكمل مهمتي وأهرب قبل أن ينتبه أهل المنزل لوجودي. تأكدت من الأمر عندما ارتفعت يد تلك الطفلة الصغيرة برعب وأشارت إلي صائحة: هل أنت لصّ؟ لا وقت للتفكير ومراجعة أفعالي، سأقوم بفعل ما يُمليه علي عقلي بسرعة حتى أكون صاحبة اليد العليا وأفاجئهم أنا قبل أن يفاجئونني. وبحركة سريعة تقدمتُ إلى تلك الطفلة في قفزتين خفيفتين حتى صرتُ أمامها مباشرة، وصدمت بطولها الذي يماثل طولي تمامًا مما يعني أنها في سنّي تقريبًا..! لكنني لم أُطل التفكير وأنا أمسك رأسها لأضربها على مؤخرة رأسها بقوة حتى تفقد الوعي.. لكن فوجئتُ بأنها تحركت بسرعة مدهشة لتتجنب يدي، بل وتقوم بالالتفاف حولي لتمسك في يدها عصا المقشة وتضربني بها على ظهري بقوة وهي تصرخ: أيتها الحقيرة.. أنت فتاة لصّة إذن! تجنّبت الضربة بمهارة جعلت عيناها تتسعان بذهول والتفتُّ إليها قائلة وأنا أركل العصا من يدها فتطير إلى آخر الصالة: لستُ لصّة..بل أنا في مهمّة شريفة للغاية! اصطدمت العصا بإحدى المجسمّات الزجاجية التي تزّين منضدة الصالة فتحطمت على الأرض بدُوّي مسموع. ظهر الذهول هذه المرة على صوتها وهي تقول: لــ..لحظة.. هذا الصوت.. لم أسمح لها بإكمال جملتها عندما سمعتُ صوت باب آخر يفتح، فهذا يعني أن صوت قتالنا قد أيقظ شخصًا آخر.. شخصًا كبيرًا قد يسبب مشاكل أكثر مما سببته هذه الطفلة، لذلك كان عليّ الاستماع لنصيحة سامي منذ البداية والهرب في أسرع وقت! التفتٌّ إلى النافذة الكبيرة في منتصف الصالة التي تبعد عنّي بضعة أمتار، ركضتُ إليها في لمح البصر وانتبهت تلك الطفلة إلى رغبتي في الهروب من النافذة فصرخت بانفعال: لن أسمح لك بالهرب..! قلتُ بسخرية وأنا أهمّ بفتح النافذة: أنا آسفة لكن عليّ الرحيل الآن.. وفجأة.. لقطت أذني صوت فحيح في الهواء.. هذا الصوت؟.. لقد سمعته كثيرًا وأنا أتدرب مع سامي على القتال بالسكاكين! إنه.. صوت سكين تنطلق نحوي بسرعة كبيرة! أملتُ رأسي بسرعة على آخر لحظة وشعرت بحدّ السكين يجرح قناعي ثم خدّي الأيسر، فالتفتٌ بغضب لأجد تلك الطفلة هي من رمتْها.. تعجبتُ من مهارتها الرائعة في التصويب رغم سنّها، ووجدتُ ظلًّا آخر أطول منها بكثير يقف خلفها وهو يردد بصوت رجولي خائف: ماذا هناك؟.. من أنت؟ هذا سيئ جدا جدا.. عليّ الهرب في هذه اللحظة على الفور، فقد استيقظ أحد الأشخاص الكبار وسيضم جهوده لتلك الطفلة لمحاولة إمساكي ومنعي من الهرب، وهذا ما لن أسمح به أبدًا! فجأة شعرت بضوء قوي يعمي بصري، فأغمضتُ عيني بتلقائية، لقد أشعل ذلك الرجل ضوء الصالة كلّه! وعندما فتحت عينيّ، كان وجهه يظهر تحت الضوء بوضوح.. ووجه تلك الطفلة! واتسعت عيناي عن آخرها.. وأنا أرى وجه الرجل، إنه رئيس المنظمة الجاسوسية.. جابر الطيّب.. وتلك الطفلة هي أشد ما أثار ذهولي.. فقد كانت.. فتاة من مدرستي الابتدائية! آخر فتاة من الممكن أن أتوقعها في ذلك المكان! |