سورة الكهف من السور المكية، التي نزلت على النبي عليه السلام في مكة المكرمة، وعدد آياتها مئة وعشر آيات، وهي السورة رقم 18 في ترتيب المصحف، وتقع في وسط المصحف في الجزأين الخامس عشر والسادس عشر، ولهذه السورة فضل عظيم، بالإضافة إلى أنّها من السور الخمس التي بدأها الله تعالى بالحمد؛ وهي: الفاتحة، والأنعام، وسبأ، وفاطر، والكهف، كما تستحبّ فراءتها يوم الجمعة. ذكَرَ المفسّرون في كتب التفسير أنّ سبب نزول سورة الكهف هو تَنامي العداء تجاه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نتيجة انتشار الإسلام بين الناس في مكّة وإقبالهم عليه لِما رأوْا فيه من التسامحِ والعدالة والحقّ مما حدى بكفار قريشٍ إلى إرسال اثنين من زعمائها إلى أحبارِ اليهود في المدينة فهم أهل كتابٍ ليسألوهم عن حقيقة النبوّة وصفات النبيّ الجديد وكيف يتصرّفون معه، فأرسلوا عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث، أرشد أحبار اليهود قريشًا إلى كيفية التصرف مع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بسؤاله عن ثلاثة أمورٍ غيبيةٍ، فإن أجاب فهو نبيٌّ مرسلٌ من عند الله وإلا هو مدعي للنبوة. والأمور الثلاث التي أخبر الأحبار بها رَسولا قريشٍ هي: خبر الفتية الذين ظهروا في سالف الأزمان ما هي قصتهم، وخبر الرجل الذي طاف مشارق الأرض ومغاربها، والسؤال عن ماهيّة الروح. عاد عقبة والنضر إلى قريشٍ بالحل، وأخبروا قريشًا بالأسئلة الثلاث كي يطرحوها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبلوا عليه وطرحوا أسئلتهم؛ فقال عليه السلام: "أخبركم غدًا عما سألتم ولم يستثن" أي لم يقل إن شاء الله، وانصرف عنهم، فانقطع الوحي عن النبي خمس عشرة ليلةً، فأحزن ذلك النبي -عليه السلام- خاصةً بعدما بدأت قريش تتناقل أن النبيّ وعدها ولم يجبْ، ثم نزل جبريل -عليه السلام- بالوحي بنصٍّ كريمٍ لسورة الكهف وفيها إجابةٌ عن أسئلة قريشٍ الثلاث. الكهف في اللغة العربية هو الشق المنحوت في الجبل بفعل العوامل الطبيعية بحيث يشتمل على مساحةٍ يُمكن العيش أو البقاء فيها لفترةٍ ما، وقد سمّى الله تعالى هذه السورة بهذا الاسم نسبةً إلى الكهف الذي اختبأ فيه الفتية المؤمنون هربًا من بطش الملك الكافر إلى أن يمن الله عليهم بالفرج؛ فكانوا في رعاية الله وحفظه طوال فترة نومهم في داخل الكهف والتي استمرت ثلاثة قرونٍ وتسع سنواتٍ إلى أن بعثهم الله ثانيةً من سباتهم؛ فكانت قصة الفتية وما حدث لهم في الكهف من المعجزات الربانية. سورة الكهف واحدةٌ من خمس سورٍ ابتدأت بالحمد لله، والغرض الرئيس من نزول سورة الكهف ترسيخ وتأكيد العقيدة الإيمانية بالله -سبحانه وتعالى- عن طريق اتباع الأسلوب القصصيّ وهو من الأساليب المتكررة في القرآن الكريم، وقد اشتملت الآيات على عدّة مضامين أبرزها: • إنذار الكافرين من العذاب المحقّق الذي ينتظرهم في حال استمرارهم بالكفر والعصيان. • ترسيخ العقيدة الإيمانية في النفوس عن طريق سرد أربع قصصٍ وهي: قصة فتية الكهف وهي رمزٌ للتضحية في سبيل العقيدة والإيمان بالله تعالى، وقصة صاحب الجنتيْن وصاحبه من بني إسرائيل أحدهما مؤمنٌ والآخر كافرٌ وهو صاحبُ الجنة الذي نسب الفضل لنفسه بالنِّعم التي يرفل بها جاحدًا بذلك لأنعم الله عليه، والقصة الثالثة قصة موسى والخضر -عليهما السلام- وما فيها من تواضع موسى -عليه السلام- في سبيل الحصول على العلم والمعرفة من أهلها عن طريق ثلاثة أحداثٍ متتاليةٍ وهي: قصة السفينة وبناء الجدار ومقتل الغلام وما فيها من الأمور الغيبية التي اُطلع عليها الخضر -عليه السلام- ودفعته لفِعل ما فعل، والقصة الأخيرة قصة ذي القرنيْن وبناؤه للسد كي يتخلص الناس من قوم يأجوج ومأجوج -وظهورهم في آخر الزمان من علامات الساعة الكبرى-. • الحديث في آخر آيات السور عن أحوال كلٍّ من المؤمنين والكافرين يوم القيامة. سورة الكهف من السور ذات الفضل الكبير لذا أوصى النبي -عليه السلام- منذ نزول سورة الكهف بقراءتها كل جمعةٍ كونها تحمل في مضمونها العديد من معاني الإيمان بالقضاء والقدر وتربية النفس على ذلك، كما أنها تشّمل على عدة قصص لأخذ العظة والعبرة من الصالح والطالح ومنها، ومن ذلك الفضل: • أنها تنير لقارئها ما بين الجمعتين، وتلك الإنارة سببٌ في انشراح الصدر وتسهيل الأمور والقَبول والرضا بما كتبه الله ، قال -صلى الله عليه وسلم-:"من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ أضاء له من النورِ ما بين الجمُعَتَين" • حفظ الآيات العشر الأولى من سورة الكهف أو آخرها تعصم المسلم من فتنة المسيح الدجال وقراءتها عند النوم ، قال -صلى الله عليه وسلم-:"مَنْ حَفِظ عَشْرَ آياتٍ مِنْ أَوَّلِ سورةِ الكهفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ. وفي رِوايةٍ: مِنْ آخِرِ سورةِ الكهفِ" |