إحم.. معذرة على تأخري قلت سأضع الفصل بمجرد الانتهاء من كل ما عليّ لأجد اليوم الثاني بدأ XD رمضان لا يصلح معه هذا الأسلوب أبدًا هههه على كل حال، استمتعوا بالفصل الجديد.. وعلى فكرة من هنا تبدأ الفصول الجديدة التي كتبتُها في الفترة الحالية لذلك قد تلاحظون فرقًا بين أسلوبي في هذه الفصول والفصول السابقة، وإن لم تلاحظوا أخبروني> سيكون هذا من دواعي سروري أو حزني لا أدري XD الفصل الثامن: الصفقة!-1- [باسل] انتابني الرعب من مجرد احتمالية الفكرة وبحركة لا إرادية قمتُ وأمسكتُ بيد قمر التي تمسك الشوكة وفيها قطعة من الكعك ووضعتُها في فمي وبلعتُها، ظلّ وجهي في وجه قمر لعدة ثوانٍ حتى بلعتُ اللقمة وابتلعت ريقي قبل أن يحمّر وجهها فجأة ثم تنزع يدها من يدي بعنف وهي تهتف غاضبة: باسل ماذا تفعل؟! شعرتُ بتوتر شديد وتلوّن وجهي وأنا أحاول إيجاد أي حجة قائلًا بصوت متقطع: آ..آسف.. لم أستطع أن أمسك نفسي وأنا أراك تتناولين هذه الكعكة الشهية لوحدك! ازداد تعجبها وهي تقول بحنق: ألم تتناول قطعتك الصباح؟! سحبتُ الطبق من أمامها بسرعة وأنا أقول ضاحكًا مُخفيًا التوتر والقلق في داخلي: آهه.. نعم صحيح.. لكن أنت تعلمين الرجل لا يهمّه إلا بطنه.. هاهاها! وألقيتُ ضحكة عالية وأنا أتناول بقية الكعك بنهم شره قبل أن تفكر قمر في أن تطلب مني ولو قضمة واحدة! نظرتْ قمر إلي باستياء في حين قهقهت بعلو صوتي وأنا أقول مصطنعًا الاستمتاع: يا لها من كعكة لذيذة!! من يأكل منها قضمة لا يستطيع منع نفسه إلا لو أنهى الكعك كله! هاهاها! كانت صامتة تنظر إلي وعلى وجهها الضيق والحنق ثم أخذت حقيبتها المدرسية وخرجت من المطبخ في لمح البصر!.. أصابني إحباط شديد وأنا أتأمل باب المطبخ بعد رحيلها، يا للسخرية.. كنتُ أتوق إلى رؤية ردة فعلها الراضي عن طعم الكيك وها أنا قد رأيت ردة فعلها الغاضب على فعلي الوقح.. لا شك أن هذا آخر ما كانت تتوقعه مني! ولكن لا يمكنني التكلم أو شرح أي شيء، فإذا أخبرتها أن أختي هي من فعلت ذلك فستزداد كرهًا لها وتسوء علاقتهما أكثر بسببي، وفي نفس الوقت لا يمكنني ترك قمر تتسمم ببساطة. لذلك كان الحلّ هو أن آكلها أنا! فإمّا أن أضحّي بأختي دانة وحدها أو أضحّي بقمر وحدها أو.. أضحّي بي، وهذا كان الخيار الأمثل! على أية حال! عليّ الذهاب لغرفتي قبل أن تبدأ أعراض التسمم.. فقد كان الكعك متشبعا برائحة المبيد الحشري! -2- [نور] كان مرض بوارو مجرد إرهاق وضغط في العمل، فمبجرد راحته ليوم واحد حتى استعاد صحته وعاد إلى الدوام في اليوم التالي، أما أنا فالتزمت بتعليمات أمي في الذهاب إلى المدرسة والانتظام في الدروس الخصوصية لا حبًّا لأوامرها وإنما تجنبًا للصدام الذي قد يحدث معها، فأنا لا أحب المشاكل! كنتُ أكتب واجباتي بهدوء وأنا جالس على مكتبي في غرفتي، وأنا أفكر كيف ستكون نهاية البطل الذي أقرأ روايته الآن، تحمستُ كثيرًا لأقرأ الرواية ولكنني سأنهي واجباتي أولأ حتى لا تجد أمي أي حجة لتوبيخي. ابتسمتُ عند هذه النقطة، و... "نـــــــور..لقد جاءنا ضيف في سنّك" فوجئت بأمي تدخل عليّ الغرفة مبتسمة وفي يدها طفل يبدو في التاسعة من عمره، شعره الأشقر المنظّم يدل على أنه طفل هادئ لا يُكثر اللعب، وتبدو على عينيه الخضراويتين مشاعر التردد والحيرة، وجهه الصغير الأبيض نظر إليّ بخوف.. استغربتُ منه وأنا أرفع وجهي لأمي أسألها في استغراب: من هذا يا أمي؟ ظهرت إيلين وهي تهتف باللغة الإيطالية بسعادة طفولية مُمسكة يده وهو استسلم لها تمامًا وهي تأخذه لتقرّبه إليَ: إنه فيتال! لقد أحضرته أمّي ليلعب معي بدلًا منك! ثم أخرجت لسانها تغيظني وتضحك، مططت شفتيَ متجاهلًا إياها ونظرتُ إلى عيني أمي أنتظر الجواب منها فقالت بعد ضحكة وهي تشاهد ابنتها: اسمه فيتال، إنه ابن إحدى صديقاتي.. هناك أمر عاجل ستذهب لأجله هي وزوجها ولا يمكن أخذه معهم لذلك طلبت مني أن أستضيفه هنا لعدة ساعات ريثما تعود. قلتُ: أها. ثم سألتُها بابتسامة هادئة: إذن وما المطلوب منيّ؟ قالت أمي مبتسمة وهي تقترب منّي: أن يجلس في غرفتك قليلًا، اقضِ معه بعض الوقت ولا تجعله يشعر بالوحدة! ظهرت على وجهي علامات الاستياء فقد كنت أنتظر انتهاء واجباتي لأقرأ الرواية! فوجئتُ بأمي تقرص خدّي وتقول بضحكة جذابة: هيا يا نور.. أزل من وجهك علامات الضيق هذه! ثم همست بصوت ناعم: ألا تلاحظ أنها تجرح مشاعر الولد؟! أين كرم الضيافة؟ احمُرت وجنتيّ بسبب قرب أمي مني لهذه الدرجة وأنا أنظر إلى الفتى الذي جلس مع إيلين على أرض الغرفة، كان على وجهه الخوف فعلًا.. تنهدتُ وأنا أشعر بالشفقة عليه، عدتُ أنظر إلى أمي بتردد: فهمتُ يا أمي، سأجلس معه حتى يأتي والداه، لكن لديّ طلب. نظرت إليّ بعينينها السوداويتين الكحيلتين مترقبة، فقلتُ ببطء: سوف آخذ مقابل كل ساعة 20 يورو! اتسعت عيناها بدهشة ثم قالت لي بلوم: أتطلب المال تجاه واجب كرم الضيافة يا نور؟! أشحتُ بوجهي عنها وأنا أقول في هدوء مع بعض السخرية: وماذا أفعل يا أمي؟! أنت تطلبين مني قضاء وقتي المتبقي في الجلوس مع بعض الأطفال، الوقت الذي كنتُ سأقضيه في المذاكرة ثم الاستمتاع بقراءة بعض الروايات، لذلك عليكِ تعويضي بشيء ما عن هذا الوقت الضائع! بدى على وجه أمي الجميل عدم الرضا لكنها سألت بعد ذلك بشيء من الشك: وماذا ستفعل بهذا المال؟ قلتُ وأنا أهز كتفي بلا مبالاة: سأشتري بعض الألعاب.. والروايات! قلتُ الكلمة الأخيرة وأنا أبتسم ابتسامة خاصة لأمي، تنهدتْ أمي وعلى وجهها ابتسامة باهتة وهي تقول وقد فهمتني: آه.. يا لك من ولد! حسنًا اتفقنا، سأعطيك ما تريد، على شرط أن تحسن ضيافته وتهتم بإيلين معه، لأن لديّ بعض واجبات الأولاد وامتحاناتهم سأصحهها في غرفتي ولا أريد إزعاجًا! أشرق وجهي وأنا أقول: اتفقنًا يا أمي! خرجتْ أمي من الغرفة وضحكتُ مع إحساسي بالانتصار الصغير الذي حققته، يبدو أن أمي جيدة في الصفقات.. حسنًا الآن علينا الجلوس مع ذلك الصبي الخائف وتهدئته، أكاد أجزم أنه خائف من إيلين.. فهي طفلة مرعبة فعلًا! اتخذت مكاني بملل على سريري لأجلس أمام ذلك الطفل الخائف والذي كان قد اندمج قليلًا مع إيلين التي كانتْ تريه رسوماتها الساذجة، كان جالسًا على كرسي مُلوّن أمام السرير وإيلين تجلس على كرسّي مماثل بجانبه، ناديتُه ببرود: أنتَ! رفع رأسه إليّ بذعر مما أثار استغرابي فقلتُ بلهجة لطيفة: أقصد.. ما اسمك؟ قالت إيلين بحنق طفولي: لقد قلتُ لك اسمه فيتال! عقدتُ حاجبيّ بانزعاج: أريد سماع الإجابة من فمه، اتركي المجال له قليلًا أرجوكِ. أنزلت رأسها باستسلام واستندت إلى يدها الصغيرة التي وضعتْها على خدّها وهي تراقبنا في اهتمام، فوجئتُ به يبتلع ريقه بخوف ثم يقول بلهجة مرتعشة: اسْ..مي.. فيـ..تال! أشفقتُ على خوفه المبالغ فيه فقلتُ بلطف: جيّد يا فيتال، أنا اسمي نور. يسرّني أن نكون صديقين رغم أنني أكبر منك بسنتين. لكن ممَّ أنت خائف يا عزيزي؟ اهدأ قليلًا. وأتبعتُ ذلك بأن أضع يدي على كتفه في حنان لطمأنته، ظلّ يبحلق فيّ برعب ثم هدأ قليلًا ونظر إلي نظرات مترددة ثم قال بلهجة متوترة: هل.. أستطيع الثقة بك؟.. أنا.. أحتاج مساعدتك! عقدتُ حاجبيّ في حيرة وأملتُ رأسي بعدم فهم: بالطبع، ولكن.. فيم تحتاج مساعدتي؟ تحوّلت نظراته إلى نظرات مُتوسّلة مستغيثة وهو يقول لي بلهجة موشكة على البكاء: أنا.. مخطوف! ساعدني أرجوك! -3- [ياسر] عدتُ إلى المنزل الساعة الثامنة مساءً، وفي طريقي إلى غرفتي قررتُ أن أمرّ على قمر، كانت قمر تذاكر دروسها بهدوء ووداعة مما جعلني أبتسم بإعجاب وهي تلتفت إليّ بوجهها الناعم فألقيتُ عليها السلام لتردّه بصوتٍ هادئ ثم تنظر إلى كُتبها مرة ثانية لولا أن سألتُها: قمر.. ألا تعرفين أين بقيتهم؟ ردت باقتضاب: دانة وأمها وبراءة عند خالتهم.. وباسل لا أدري! قالت الجملة ويبدو عليها التضايق، سألتها باهتمام: أهناك شيء ما يزعجك؟ هزّت رأسها نفيًا ثم قالت دون أن تنظر لي: أريد أن أذاكر! أومأت برأسي موافقًا وأنا أقول: آه بالطبع، تفضلي.. معذرة على إزعاجك ياعزيزتي! ثم أغلقتُ الباب وهممتُ بالنزول إلى مكتبي لأضع حقيبة العمل وأستجمّ قليلًا بما أن البيت هادئ. لكن سمعتُ صوتًا غريبًا قادمًا من غرفة باسل، كأن شخصًا ما يتقيأ أو يسعل! دبّ في قلبي بعض القلق وأسرعتُ إلى غرفة باسل وفتحتُ الباب لأتفاجأ به يجلس على سريره ويتقيأ في سلة قمامة على الأرض.. هتفتُ بقلق: باسل؟ ما بك؟ اقتربت منه وظللت أمسح على ظهره بحنان قلق وأنظر إلى وجهه المُصفر والمتألم، رفع وجهه الشاحب والمتعرق إلي بعد أن أخرج كل ما في جوفه وقال بصوت مُنهك: أبي.. بطني تؤلمني جدا! تحسستُ حرارته وأنا أتساءل: مم؟ ماذا أكلتَ يا بني؟ حرارتك أيضًا عالية! استلقى على سريره بإعياء ثم ظهر على وجهه المتألم علامات السخرية قائلًا بضعف: أكلتُ مبيدًا حشريا! قفزت الدهشة إلى ملامحي وأنا أردد بانفعال: مبيدًا حشريًّا؟ أأنت مجنون؟ ابتسم ابتسامة باهتة وهو يغمغم: لقد كنت أريد تجربة شعور الإنسان إذا أصابه تسمم غذائي! وأتبع جملته بأن قام ثانية وهو يهمّ بالتقيو، ظللتُ أربت على ظهره لمساعدته في قلق وأنا أقول بعصبية: هكذا.. يبدو أنك تمزح يا باسل! ألا تدرك عواقب ما فعلت؟ من الممكن أن يؤدي هذا للموت لا قدر الله.. ولكن لحسن حظّك أنك تتقيأ وهذه علامة جيدة، لكن يجب أن نذهب إلى المستشفى الآن! وأتبعتُ ذلك بأن أخرجت هاتفي بسرعة واتصلت على العم سعد وأنا أهتف بانفعال: عم سعد، أرجو أن تجهز سيارتك حالًا لنقل باسل إلى المستشفى. -4- [قمر] كان لقاء اليوم مع سامي لقاءً رائعًا حقا!.. لقد أخذني من إحدى الشوارع الجانبية الفارغة للمدرسة لكي لا ألفت الأنظار إن كان أحد زملائي قريبًا، المكان الذي يسكن فيه سامي يعتُبر شقته، لكنه مُجهّز بغرف مخصصة لتدريب أعضاء المنظمة وفيه غرفة مكتب خاصة بالسيد هيثم ومعه مفتاحها، فسامي لا يستطيع دخولها رغم أنها تُعتبر جزءًا من شقته، السيد هيثم يأتي إليها بعض الأحيان لكن في العادة مكتبه الرئيسي ليس هنا. ابتسمتُ بحماسة وأنا أتذكر غرفة التدريب الرائعة المعزولة عن الصوت بالكامل لتسمح لنا بحرية التدرب بجميع أنواع التدريبات حتى التدرب على حمل الأسلحة! لقد انبهرتُ وأنا أدور في أرجائها فرحة وسامي يضحك علي! سامي شاب ظريف حقا ونال ثقتي جدًّا. لكن ما زال السيد هيثم مريبًا لي بعض الشيء. كان أول ما دربني عليه سامي هو طرق الدفاع عن النفس، كيف تردّين أي شخص يحاول الهجوم عليك.. سواء هجم عليك بسكين أو بمسدس أو حتى بيده، مع مراعاة إن كان هذا الشخص أضخم مني وأطول مني بشكل واضح. وفي نهاية التدريب خضت الجزء العملي الأخطر حيث نادى سامي على (جاسم) وهو ذلك الرجل ضخم الجثة الذي اختطفني مع سامي، لكنني عندما تأملتُه أكثر وجدته أقرع الرأس، ذو وجه عريض قمحي وعينين واسعتين ورموش طويلة وكأنها تعوّض اختفاء شعره! لا أخفي عليكم أنا لم أكن مرتاحة له وهذا ما ساعدني عندما هجم علي أن أحاول ردّه بكل قوتي وباستخدام كل ما تعلمتُه من سامي. لكنني في النهاية فشلت! شعرتُ ببعض الإحباط في النهاية عندما أخفقتُ أمام جاسم أكثر من مرة، وظلّ جاسم يقهقه بثقة وشعرت بغيظ أمام ضحكاته العالية وهو يقول بفخر: لا تتوقعي أن طفلة مثلك ستتغلب علي بهذه السهولة! سامي قام بردّ هجومه أمامي قائًلا بعد ما أسقطه أرضًا بسهولة: النقطة المهمة يا قمر هي أن تعتمدي على ثقله لتقلبيه نقطة إلى صالحك أنتِ! ثم شجعني بلطفه المعهود قائًلا وهو ينحني ليصبح في مستواي: لا تقلقي يا قمر.. مستواكِ أروع مما ظننتُ، أعتقد أن هذا راجع إلى حصص الفنون القتالية التي كنتِ تأخذنيها.. لكن تذكري الحياة الواقعية أخطر بكثير من مجرد زملائك الذين تُقاتلينهم في الحصة أمام عين المدرب! ابتسمتُ سارحة وأنا أرسم بضع دوائر في كتابي المدرسي، لم يكن يومًا سيئًا أبدًا فقد ازدادت حماستي للتدرب مع سامي.. لولا هذا الموقف السخيف الذي واجهتُه بمجرد عودتي! ما بال باسل أصبح ثقيل الدم هكذا؟ لم أتعود أن يفعل فيّ مقالبًا من قبل! أفقتُ على منظر رسوماتي الرائعة التي ملأت الكتاب! شهقتُ: يا إلهي.. لقد رسمتُ على الكلام! وهممتُ بمسحها سريعًا لولا أن طُرق الباب، أذنتُ للطارق في الدخول فوجدتُها أماني، دخلتْ في يدها كوب الشاي أعدته لي كي أذاكر، وابتسمت ابتسامتها الحنونة وهي تضعه بجانبي على المكتب قائلة: كيف هي مذاكرتك؟ ابتسمتُ بامتنان ثم قلتُ بفخر: لا تقلقي علي.. فلم يحدث من قبل أن نزلتُ عن المركز الأول على فصلي! ضحكتْ أماني وهي تُربت على كتفي بإعجاب ثم تغيرت ملامحها وهي تقول: صحيح.. لقد ذهب عمّك مع باسل إلى المستشفى! قطبتُ جبيني قائلة باستغراب: لماذا؟ أهناك شيء؟ قالتْ أماني بحزن: باسل.. بطنه كانت تؤلمه جدا وظل يتقيأ وحرارته عالية، قال عمّك أنه ربما يعاني من تسمم غذائي وأخذه إلى المستشفى ليقوم بغسيل معدة! رفعتُ حاجبيّ دهشة ولا أدري لم خطر في عقلي موقف أكله لنصيبي من الكعكة بكل شراهة! أأكون قد أعطيتُه عينًا؟ ههه لا هذا مستبعد! -5- [باسل] تجربة التسمم الغذائي كانت أقسى وأكثر ألمًا مما توقعت! لقد كانت بطني تتقطع من الألم، حتى شعرتُ أني سأموت لا محالة! فقد ظللتُ أتقيًأ كل ما في جوفي مع الألم الهائل في بطني وجسمي كله مع دوار وحرارة.. يا إلهي لا أريد التذكر! كانت أمي قد عرفت ما حدث فجاءت إلى المستشفى مع دانة وبراءة، دخلت الغرفة بهلع وركضت إلى سريري، هونتُ عليها لما رأيتُه من هلع في وجهها حتى هدأت ثم قالت بعصبية: ماذا أكلت ليحدث لك هذا؟! ابتسمتُ قائًلا: أبدًا يا أمي، لقد تناولتُ نصيب قمر من الكعكة وحسب! ثم نظرتُ نظرة ذات معنى إلى دانة التي كانت صامتة رغم التوتر الظاهر على وجهها، أبعدت نظرها عني وكأنها تقول لي: وما دخلي أنا؟ لم تنظر إلي؟ بينما قالت أمي مستغربة: ولم أكلت نصيب قمر؟ ألم تأكل نصيبك يا بني معنا؟ تنهدتُ قائلًا بابتسامة بلهاء: لقد اشتهيت نصيبها فأكلته! أنت تعلمين يا أمي كم أحب الحلويات! نظرت إلي أمي بعيون مُستنكرة ثم قالت بقلة حيلة: يا لك من ولد! ناديتُ على دانة بهمس فاقتربت مني في وجل، قلتُ لها ببرود: ما هذا الذي فعلتِه بالله عليكِ؟ ظهر على وجهها الإنكار وهي تقول لي بنفس الهمس: لم أفعل شيئًا.. ماذا تقصد؟! قلتُ لها وأنا أعضّ على أسناني غيظًا: لا تتصنعي البراءة.. أنا أعلم يقينًا أنك من رششتِ نصيب قمر بالمبيد الحشري! أي مقلب حقير هذا؟! ظلت تنظر إليّ لبضع ثوان بهدوء ثم ظهر على وجهها ضحكة قصيرة وقالت: تبًا لك يا باسل لقد أفسدت مقلبي! كنت أريد رؤية قمر وهي تتلوّى من الألم بدلًا منك! كنت أوشك على ضربها لولا أن قالت أمي بشك: بم تتهامسون يا أولاد؟! أبعدت دانة وجهها عني وهي تقول ببراءة: لا شيء يا أمي.. لقد كان يخُبرني ألا آكل طعام قمر فهي تحسد كل من يأكل طعامها نعوذ بالله من الشيطان الرجيم! -6- [قمر] لقدّ مرّ شهران منذ بدأت التدرب مع سامي، كل شيء على ما يُرام، أهتمّ بدروسي وبحفظي للقرآن بشكل جيدّ، لم أُثر شك عمي فيّ ولو لمرة واحدة، وفي الأسابيع الأخيرة لم يعد سامي يأتي لأخذي بسيارته قرب المدرسة وإنما طلب مني الركض إلى شقّته بعد أن حفظت الطريق، فهذا سيكون أبعد عن الشكوك خاصة أن منطقة المدرسة من الممكن أن يكون فيها أي شخص يعرفني وسأكون في مشكلة إن رآني أركبُ مع سامي، كما أن الركض لمثل هذه المسافة يزوّد قوة احتمالي ومهارتي في الهرب عند حدوث أي شيء! كنت أضع غطاء الرأس الواقي على رأسي عند الذهاب والعودة لأحاول تغطية وجهي عند دخول عمارة سامي والخروج منها لأحاول إخفاء هويتي قدر الإمكان، صعدتُ إلى الشقة وطرقتُ الباب طرقة واحدة ثم طرقتين متتابعتين كما علّمني سامي، فتح لي سامي بعد ثوانٍ وهو يبتسم بترحيب قائلًا بهمس: أهلًا بكِ. تفضلي! بعد قليل كنا في غرفة التدريب، بعد عدة تدريبات لمدة شهرين عن طرق الدفاع عن النفس واستخدام حيل لقلب الطاولة على الخصم، كنت متحمسة جدا وأنا أقف أمام جاسم الضخم وسامي وراءه، اليوم ستكون معركة حقيقية بيني وبينه، تطبيقًا لكل ما أخذته في السابق، وإذا نجحت في معركة الأيدي سيسمح لي السيد هيثم بالانتقال إلى مرحلة التدريب التالية وهي التدرب على استخدام الأسلحة الخفيفة للدفاع عن النفس أيضًا! كنتُ متشوقة جدا لتلك المرحلة، وقفتُ أمام جاسم بهدوء أثار إعجاب سامي وأنا أقول له بابتسامة تحدّي: تفضّل.. هاجمني! فتح جاسم ذراعيه وقد لمعت على وجهه ضحكة مجنونة قائًلا بلهجة تفيض بالثقة: ستنمحي ابتسامتك تلك عندما أجعلك تستلقين أرضًا في طرفة عين! ثم انقض عليّ جاسم بسرعة ليُمسك رأسي، فما كان منّي إلا أن قفزتُ برشاقة لتنقلب الآية عليه وأهبط بقدمي لأضرب رأسه بقوة فأسقطه أرضًا.. ضحكتُ ضحكة عالية فرحة بانتصاري على جاسم لأول مرة، لكنني بمجرد هبوطي على الأرض وجدته يقوم جاثيًا على ركبتيه ثم يمد قدمه تطيش لتضرب قدمّي بسرعة خاطفة فأقع ممدة على الأرض أنا الأخرى! ليقوم فوقي بسرعة ويقيد يدّي الاثنتين وراء ظهري بيديه القويتين! مُحيت ابتسامة الثقة من وجهي وحلّ محلها الحنق، في حين سمعتُ ضحكة سامي العالية وأنا ممددة على الأرض وهو يصفق قائلا: رائع جدا.. لقد استطعت إسقاطه على الأرض من أول مرة! هذا مذهل يا قمر! وكذلك ضحك جاسم وهو يمدّ يده يساعدني على النهوض قائًلا بصوته الخشن: إن كانت ضربتك الأولى قاضية لكنتِ أنت المنتصرة الآن، لكنّك فرطّتِ في استخدام الفرصة الأولى الممنوحة لك! قمتُ بوجه متضايق ولم أمنع نفسي من أن أقول بعصبية: لقد سددت لك أقوى ضربة عندي يا جاسم.. هزّ كتفيه قائلًا: هذا يعني أنك تحتاجين المزيد من التدريب حتى تنتصري علي انتصارًا ساحقًا! تنهدتُ بحرارة وأنا ألتفت إلى سامي أسأله بإحباط: أهذا يعني أنني لن أستطيع الانتقال إلى مرحلة التدرب التالية؟ ابتسم سامي ابتسامة هادئة كعادته، وطال صمته وهو يجلس على أحد الكراسي المجاورة للحائط، ثم يُخرج مُدّية صغيرة من جيبه ورفع وجهه لي قائلًا: بل سنفعل. وسنبدأ بهذه! |