هذا الفصل استولت عليه قمر بالكامل تقريبًا : D فهرس رواية عيون لا ترحم رواية عيون لا ترحم [37] لقاء. -1- [قمر] استيقظتُ فجأة بعد سواد ملأ رأسي إثر ضربة كريم، وجدت نفسي نائمة على سريرٍ صغير في غرفة متوسطة الحجم، يملأها أثاث رقيق ومرتب. وجدرانها مزينة بنقوش بلون وردي زاهٍ، في حين كانت الدواليب بيضاء وهناك تسريحة ووحدة أدراج، كلها بنفس اللون الأبيض السادة الذي يليق تماما على لون الجدار. شعرتُ وكأنها غرفة في منزل ما، فقمتُ بهلع وأنا أحاول استنتاج مكاني.. حيث دخلت علي فتاة شابة بوجه صغير وعينين ضيقتين وشعر أسود ناعم، ترتدي بنطال جينز أسود عليه قميص أصفر، تحولت ملامحها للترحيب وهي تقول: مرحى.. لقد استيقظتِ! لم أكن أعرفها، لذلك نظرتُ لها بتحفز.. قلتُ بحدة: أين أنأ؟ ومن أنت؟ اقتربت من السرير فجلستُ بتوجس وهي تقول: لا تقلقي.. أنت في أمان! وقد اطمئننا على صحتك وخيطنا الجرح الذي في قدمك.. لاحت مني التفاتة لقدمي، التي كانت ملفوفة بضماد، نظرتُ لها عابسة فقالت: أظن أنك جائعة أيضًا، لذا سننزل إلى غرفة الطعام بعد قليل لتتناولي وجبة فخمة لن تجديها إلا في فنادق الخمس نجوم! قلت بعدوانية: لا أريد أي طعام.. قالت بوجه بريء: وكيف ستعيشين إذن إذا لم تأكلي شيئًا؟ على البناء الضوئي؟ ثم أطلقت ضحكة قصيرة، شعرتُ بسخافتها الشديدة فكتمت غيظي وأنا أكرر سؤالي: أين أنا؟ ومن أنت؟ ابتسمت وهي تقول: معذرة لم أعرفك عليّ حتى الآن! ثم قالت بلطف: اسمي أديرا.. اعتبريني صديقتك أو أختك الكبيرة .. شعرتُ بالنفور من لطفها الكاذب المصطنع، فقلتُ بجفاء: لا أتشرف بك صديقة أو أختًا.. ظهر على وجهها المفاجئة والصدمة وهي تقول: لقد جرحتني حقا.. لم أتوقع أنك بهذه القسوة .. واصطنعت الحزن قائلة: ولكنني أعلم مقدار صدمتك الآن لذا سأعذرك.. راقبتُ ردود فعلها المصطنعة بغضب مكبوت، وقالت وهي تغير ملامح وجهها لملامح استعراضية: أنت الآن في "منزل السيد هيثم".. قلتُ باستخفاف: وما هو هذا المكان السخيف؟ أخفت ابتسامتها وهي تقول: سيكون منزلك أيضًا من الآن فصاعدًا.. لذا لا تنعتيه ب"السخيف".. وستكون هذه غرفتك أيضًا. شعرتُ بانفعال شديد فقلت لها بغضب: هذا لن يحدث.. سأعود إلى منزلي رغمًا عن أنوفكم. "إذا كنت تريدين العودة.. حاولي إذن! وسترين ما يحدث لك" التفت إلى ذلك الصوت التهديدي الذي صدر عند باب الغرفة، وبدا على أديرا الاحترام الشديد وهي تقف بشكل رسمي كما يقف الجنود لدى رؤية رؤسائهم، كان ذلك المدعو "هيثم" يقف بكل بجاحة أمامي، انفلتت أعصابي لدى رؤيته، وتذكرت كل المصائب التي سقطت على رأسي بسببه، وكل ذلك العمر الذي كنت مخدوعة فيه أنا وعمي.. وحادثة بدر، وحادثة عمي.. وكل شيء! صرختُ بجنون: أيها الحقير.. وركضت باتجاهه، أريد ضربه، أريد قتله.. لكن أديرا تحركت بسرعة وكبلتني من ذراعيّ الاثنتين للخلف بقوة شديدة لا تتناسب مع جسمها الذى بدى لي أنه صغيرًا، وقالت بحدة: اهدئي.. شعرتُ بالعجز لأنني مكبلة أمامه بتلك الطريقة المهينة وهو تقدم باتجاهي في خطوات بطيئة ليقول بابتسامة هادئة لا تتناسب مع اللهجة التهديدية التي سمعتُها قبل قليل: أهلًا بك يا صغيرتي في منزلي المتواضع، آمل أن يكون قد أعجبك.. قلتُ بصوت مختنق: لا أريد البقاء في هذا المكان ثانية واحدة.. أعدني إلى منزلي! اتسعت ابتسامته أكثر وهو يقول: لماذا؟ هذا المكان هو أكثر مكان سيتقبلك دونًا عن غيره.. وقال بخبث: لا يوجد عم يذكرك بقاتل أبيك وبأبيك في الوقت نفسه.. قلتُ بلهجة ثائرة: بل أنت القاتل يا حقير.. إياك أن تذكر عمي على لسانك! لكنه أكمل قائلًا: ولا توجد زوجة عم تعاقبك بدون وجه حق وتتهمك بقلة الأدب.. ولا يوجد أولاد عمك الذين يكرهونك.. ثم جلس على كرسي فخم أمامي قائلًا: حتى مدرستك التي كنتِ تتعرضين فيها للتنمر، ستذهبين من الآن فصاعدًا إلى مدرسة دولية تشعرين فيها بالتميز وتنمي مهاراتك بشكل فعال.. التلاميذ الذين فيها لن يعتبروا قوتك شيئًا يخافون منه، بل ميزة ستجعلهم يهتمون بقربك وبجعلك صديقة لهم. دُهشت من معرفته لكوني أتعرض للتنمر، ولا أدري من الذي أخبره بذلك؟ لكن لا بد أنه تقصى عني في مدرستي، ولا شك أنه كان يضع من يراقبني دائمًا.. وأشار بعينيه إلى أديرا قائلًا: وهنا ستجدين أديرا، صديقتك وأختك الكبرى، سنكون عائلتك بدءًا من الآن، وستحصلين على فرص مميزة للتعليم والتدريب بشكل عالمي ودولي، وحتى مستقبلك.. لن تجدي امرأة سخيفة تهددك بمستقبلك كالسيدة سلوى.. أو تهينك لأنك مارستِ حقك الطبيعي في الدفاع عن نفسك ضد ابنها المتخلف. وضحك ضحكة عالية، نظرت له بذهول، إنه يعرف ما حصل لي مع أم سمير أيضًا، رفع حاجبيه قائلًا لي بدهاء: أعلم أنك تتسائلين في داخلك الآن عن كيفية معرفتي لكل هذا.. وسأجيب: إنها عيوني التي أرسلها في كل مكان. فليس من المنطقي أن أضم عضوًا في منظمتي بدون أن أعرف حياته الخاصة أيضًا. لكنني استجمعتُ شجاعتي، وقلتُ بأنفاس متقطعة: أرفض كل هذا! ابتسم قائلًا بهدوء: لكن هذا العرض ليس قابلًا للرفض.. واكتست البرودة وجهه وهو يقول: فلا بديل عن هذا سوى الموت.. إذا أردتِ الموت، أخبريني.. وأعدك أنني سأقتلك قتلة مريحة، لا تتألمين فيها.. وابتسم من إحدى جانبي وجهه بسخرية هامسًا بصوت كالفحيح: قتلة مريحة كـ قتلة أبيك.. وقام واقفًا وأنا أنظر له مصعوقة، مرتعبة، لا أدري لماذا شعرتُ بالخوف، وشعرت بشلل في جسدي يمنعني من اتخاذ أي ردة فعل، وأتذكر أنه هو القاتل الحقيقي.. الذي ارتعدت أطرافي لدى رؤيته وهو يقتل أبي! وترائى لي مشهد تلك الجريمة البشعة، عندما طعن ذلك المجرم والدي في صدره تلك الطعنة القاتلة.. تسارعت أنفاسي وأنا أتذكر آخر لحظات أبي ورأسي على صدره. . لقد فقد أبي حياته، على يد هذا السفاح! راقبته وهو يخرج من الغرفة بذهول شاردة، فالتفتت لي قائلًا بصرامة: نسيتُ أن أخبرك.. ونظر إلي بعينين حادتين قائلًا: إياك أن تنعتيني بألقاب سيئة كما فعلتِ قبل قليل.. وأكمل بشراسة: وإلا نلتِ عقابًا رادعًا.. ثم أعطاني ظهره وهو يغمغم: ولكن هذه المرة سأعفو عنك.. كوني ممتنة لذلك! وأغلق باب الغرفة، وتركت أديرا يدي، فانهرتُ جاثية على ركبتي بيأس، استدارت حولي حتى جلست أمامي، وتطلعت في وجهي المنهار مليا ثم هزت رأسها بإشفاق وقالت بصوت مرح– تغير الموضوع- : والآن يا قمر، ما رأيك أن ننزل لنتناول طعام الإفطار، فالآن هي الساعة السابعة.. والطباخون قد انتهوا من إعداد الطعام.. لم أستطع الرد، ولم أستطع حتى رفع رأسي لها، لكنها سحبتني من يدها بحماسة وهي تهتف: هيا.. وانقدت خلفها مستسلمة! --- نزلت معها، بلا أي رغبة في فعل أي شيء، لكنني بدأت الانتباه إلى ذلك المبنى الذي كنا فيه، فعندما خرجنا من غرفتي، كان هناك جناح كامل من الغرف المجاورة، وكانت أديرا ثرثارة بما يكفي لتحدثني عن كل شيء، فبدأت تشير إلى الغرف قائلة: بما أنك ستعيشين هنا من الآن فصاعدًا، فعلي أن أشرح لك كل شيء هنا. هذا جناح غرف النوم لبعض الجنود والأفراد الخاصين في مؤسسة السيد هيثم، حاليا لا يوجد سواك تقريبًا في المكان.. والبقية في مهمة ما أو أنهم لديهم منازلهم الخاصة في العاصمة حيث يعملون عملا ويندمجون مع المجتمع بشكل كلي. تأملتُ الغرف ذات الأبواب الفخمة والتي كانت مرقمة بأرقام كلها تبدأ بـ 300، وتبعتُها بهدوء وهي تنزل السلم إلى الطابق السفلي، وقالت وهي تشير إلى عدة غرف أخرى: هذا الطابق الثاني، فيه مكتبة ومطبخ وغرفة رسم ومعمل.. وعدة غرف أخرى تستعمل لأغراض التدريب والتمرين، كصالة ألعاب أو صالة تدريبات رياضية.. تأملتُ الطابق بانبهار في داخلي، وأنا أتعجب من ضخامة هذا المبنى وما يحويه من غرف عديدة، يبدو أن أديرا لاحظت انبهاري فقالت ضاحكة: هناك مسبح ضخم أيضًا على السطح، وزرع وأشجار، ستنبهرين أكثر إذا صعدتِ فوق، ستظنين نفسك واقفة على إحدى الجزر. ثم قربت وجهها مني قائلة بحماسة: ما رأيك؟ نصعد إلى السطح بعد تناول الإفطار؟ سكتت أنظر لها ببرود، فقالت وهي تشير بإصبعها بحيوية: أو.. نأخذ طعام الإفطار ونتناوله على السطح! وقالت بإعجاب: فكرة رائعة.. أظن أنك ستقعين في حب هذا المكان فورًا إذا صعدتِ السطح.. لم أرد عليها، فقد كنت أفكر في استكشاف المكان لكي أستطيع بناء خطة للهرب منه لا غير! شعرتُ أنه علي التجاوب معها لتطمئن لي وتحكي لي أكثر عن كل شيء في هذا المكان.. قلت متسائلة بلهجة هادئة: ولكن.. من الذي يسكن هنا ويستخدم كل تلك المرافق؟ ألم تقولي قبل قليل أنه لا يوجد غيري؟ ابتسمت قائلة وهي تنزل السلم أمامي: سؤال ذكي. وأكملت وهي تشرح: حسنًا، لقد كان هذا المبنى فيما مضى قصرًا فخمًا، اشتراه السيد هيثم من أحد الأغنياء، وعاش فيه لفترة، لكنه كان ضخمًا بالنسبة لعائلته الصغيرة، ومع ذلك ظل فيه حتى سفرهم لإسرائيل، وبعد رحيلهم قرر أن يخصصه للأفراد الذين يعملون معه في مؤسسته التجارية ويعملون معه في الأمن الوطني. لذلك كان هذا المبنى بالفعل "منزل السيد هيثم"، وحتى الآن نحن ندعوه بذلك الاسم. وفي تلك اللحظة وقفت أمام نافذة كبيرة كانت بين مجموعة السلالم الأولى والثانية، وقالت: هل ترين ذلك المبنى هناك؟ نظرتُ بدهشة إلى مبنى فخم آخر، لم أكن أدري أهو أكبر من المبنى الذي أعيش فيه أم أصغر، لكنه كان مبنى واسعًا. ألقيتُ عليها نظرة متسائلة فقالت بابتسامة: هذه المستشفى التي بناها السيد هيثم، فأنت تعلمين أن عمله يحوي الكثير من الأخطار له ولرجاله، وهناك الكثير من الحالات التي لا يرغب في وضعها في مستشفيات عامة لأنها ستجلب الأنظار، ولا يريد للشرطة المحلية أن تتدخل أو بقية مؤسسات الدولة. لذا صنع هذه المستشفى الخاصة، لعلاج بقية أفراد مؤسسته التجارية أو رجاله بسرية تامة، وبأمان أيضًا. ونظرت بعطف إلى رجلي المضمدة قائلة: ولقد تمت خياطة قدمك في تلك المستشفى كذلك. وقالت بتفاخر: بالمناسبة إنها مجهزة للعمليات الخطيرة أيضًا، لقد اهتم السيد هيثم بها كثيرًا. لم أعلق على جملتُها، وأشحتُ بوجهي عابسة، وأنا أنزل درجات السلم الأخيرة، لنصل للطابق الأول، حيث وصلنا إلى قاعة واسعة، فيها العديد من الناس، وقد اصطفت طاولات كثيرة بجانب بعضها البعض، عليها قدور ضخمة وأطباق واسعة فيها العديد من الطعام، فقالتْ أديرا بمرح: حسنًا. والآن حان وقت الطعام! كم أنا جائعة.. ومشت خطواتها حتى طاولة قريبة كان عليها العديد من الأطباق الفارغة والملاعق والأكواب، أخذت طبقًا ومدته لي.. نظرتُ لها بجمود قائلة: لا أريد! رفعت حاجبيها قائلة: هيا.. لا تخجلي! ستضعين ما تريدينه.. ضعي الطعام الذي تشتهينه فقط! سكتتُ لثوان وأنا أشعر بجوعي الشديد وبطني تستغيث، لم أكن أنوي أن أتناول الطعام معها، فأنا أعلم أنها إسرائيلية حقيرة، لكن.. أشعر أنني بحاجة لبعض الطعام كي أسد جوعي! ويمكنني بعد ذلك تركيز جهودي للهرب من هذا المكان القذر! كانت أديرا تدور على طاولات الطعام وتضع كمية كبيرة على طبقها بحماسة ونهم، أما أنا فأخذت بعض الجبن والخبز فحسب.. ومررتُ على طاولة فيها خضار وفواكه مقطعة، تذكرت أماني وهي توصيني بأكل الخضار والفواكة.. فابتسمت بشوق شديد إليها، أماني.. هل كُتب عليّ ألا أراك ثانية يا ترى؟! شعرتُ بحزن بالغ لوجودي في هذا المكان الموحش، وتأملت الرجال والنساء القلائل الذين كانوا يضعون الطعام في أطباقهم، ثم يذهبون إلى طاولات طويلة في آخر القاعة.. شعرتُ بشعور مؤلم، هذا ليس مكاني.. وهؤلاء كلهم أعدائي! لا أحد سيحب لي الخير مثل أماني.. أو حتى عمي.. شعرتُ بالحسرة وأنا أتذكر أنني عشتُ سنواتي السابقة حاقدة عليه ظنًا مني أنه قاتل أبي! بل والأعجب أني وضعتُ يدي في يد القاتل الحقيقي لقتاله! انتفضتُ عندما وضعت أديرا يدها على كتفي قائلة: هل انتهيتِ من وضع طعامك؟ ماذا.. جبن وخبز فقط؟! نظرتُ لها بعدوانية حيث كدت أسقط طبقي قبل قليل، ولم أكن أريدها أن تضع يدها على كتفي ثانية.. فأبعدتُ جسدي عنها بجفاء، وهي نظرت باستغراب: ما الأمر.. كل هذا لأنني أفزعتُك؟ على كل حال أنا آسفة! لم أرد عليها وأنا أبتعد بخطوات سريعة إلى أبعد طاولة أجلس عليها لأتناول طبقي سريعًا وأرحل من هنا، لحقتني بسرعة وهي تردد: ماذا هناك يا قمر؟ أنت فتاة غريبة حقا!.. جلستُ على طاولة بعيدة عن الناس، وبدأت آكل.. أو بمعنى أصح، أحشر الأكل في حلقي حشرًا.. فلم يكن لدي شهية إطلاقًا! وبمجرد انتهائي، قمت واقفة وأنا أقول بصوت جاف لتلك الفتاة الجالسة أمامي وتأكل بنهم: سأصعد إلى غرفتي! قامت واقفة بسرعة وبقايا الأكل على فمها وهي تقول بصوت ممتلئ: ماذا؟ هل أنهيتِ طعامك بهذه السرعة؟! قلتُ لها وأنا أبتعد: لا حاجة لمرافقتي، فأنا أعرف الطريق حتى غرفتي.. لكنها قالت: انتظري.. خذي هذه! التفتت إليها لأجدها تمد لي ببطاقة ممغنطة، مرسوم عليها رمز الأسد، وقد كُتب عليها بخط أنيق: مؤسسة هيثم التجارية. كانت قد ابتلعت الطعام وتتكلم بصوتها النقي: هذه البطاقة ستسمح لك بالدخول إلى غرفتك، وإلى كل القاعات العامة في هذا المبنى، مثل المكتبة وغرفة الألعاب وبقية الغرف العامة.. مددتُ يدي لآخذها فابتسمت بخبث قائلة: لكنها لن تسمح لك بالخروج من هنا، أهذا مفهوم؟ عقدتُ حاجبيّ بغضب مكتوم، وانطلقتُ سريعًا بتلك البطاقة.. خرجت من الطابق الأول وأنا عازمة على اكتشاف كل شيء بنفسي، واستغلال فرصة عدم وجود تلك الحقيرة.. كان الطابق الثاني مليئًا بالأبواب المغلقة، فبدأت بأول غرفة في وجهي، كُتب عليها باللغة الإنجليزية والعربية: المكتبة.. وكان هناك شاشة رقمية صغيرة على الباب فوق المقبض، مررت البطاقة عليها ففتح الباب بشكل أوتوماتيكي، حبستُ أنفاسي وأنا أدخل المكتبة، التي كانت غرفة متوسطة الحجم، لكن كمية الكتب التي فيها كانت مذهلة، فقد كانت كل الجدران مغطاة بالكتب، وهناك عدة كراسٍ متفرقة تعد على الأصابع، تقدمتُ في خطواتي أكثر لأكتشف كل الأجزاء.. ولكن كل الأرفف مليئة بالكتب، ولا مكان لأي شيء آخر. خرجتُ منها إلى الغرفة التالية في اتجاه اليمين، كانت غرفة ألعاب، هناك الكثير من الدمى المحشوة والمكعبات وألعاب منتسوري.. يبدو أنها غرفة ألعاب للأطفال الأقل من خمس سنوات! هل هناك أطفال بمثل هذا العمر هنا؟!! والغرفة التي بعدها كانت صالة للعب البلياردو، وكانت واسعة بعض الشيء حيث فيها أيضًا لعب كرة البولينج، تنهدتُ بحرارة وأنا أخرج من غرفة للأخرى في ملل.. قررت أن أتفقد بقية الغرف بشكل سريع، ومشيتُ في الردهة بخطوات متأملة، وأنا أعيد تذكر كل تلك الغرف التي دخلت إليها، شعرتُ بأن أهم غرفة كانت هي المكتبة.. فأنا أشعر أنني سأقضي فيها الكثير من الوقت! دخلتها للمرة الثانية، وظلتُ أمشي بين الأرفف المتراصة بجانب بعضها البعض، فوجئت بوجود نافذة واسعة، لكنها كانت مغطاة بالستائر، فلم أنتبه لها في المرة السابقة، فتحتُ النافذة لأجدها تطل على المستشفى وعلى طريق مزين بالأشجار والخضرة، ورأيت السور العالي الذي يبتعد عن هذا المبنى حوالي 500 متر! وقفت على أطراف أصابعي لأنظر إلى أقصى اليمين، هناك نوافذ واسعة للغرف المجاورة أيضًا.. نظرت لليسار، فوجدت نفس الأمر، الكثير من النوافذ التي لها إطار أمامي، شعرتُ بشيء من الأمل وأنا أرى حافة الإطار العريضة، يمكنني المشي عليها ببعض الحذر مستندة إلى الجدار.. ابتسمتُ بداخلي، هذه بداية الخطة.. علي تمشيط المبنى بأكمله، لرسم خطتي بشكل دقيق.. وعدتُ أنظر نحو تلك الأسوار العالية البعيدة، وأولئك الجنود.. علي أن أرسم خطة تمكنني من التغلب عليهم جميعًا والخروج من البوابة .. حبستُ أنفاسي بلهفة، وأغلقتُ النافذة وأنا أخرج من المكتبة.. لا أريد لتلك الفتاة أن تكتشفني، سأعود إلى غرفتي وكأن شيئًا لم يكن! صحيح أنني أردت اكتشاف الغرف التي في اتجاه اليسار أيضًا، لكن لا بأس.. مرة أخرى! انتبهتُ لصوت فتح الباب لإحدى الغرف، وبشكل تلقائي التفتتُّ إلى مصدر الصوت.. لأفاجئ بذلك الوغد، هيثم، يخرج من تلك الغرفة التي كانت في اتجاه اليسار! -- عندما رأيتُه شعرت بغثيان يقلب معدتي، وتسارعت أنفاسي بجنون، وذكرى مقتل أبي تتردد في مخيلتي باستمرار، وهو قال مازحًا: عجبًا.. يبدو أنك اعتدتِ على المكان في وقت أسرع مما ظننتْ! وابتسم متظاهرًا باللطف: هل تناولتِ إفطارك؟ سأنزل الآن لتناوله.. هل تحبين أن تتناوليه معي؟ كنت أريد أن أقول شيئًا ساخرًا كـ "لا أستطيع تناول طعامي وأنا أنظر لوجه قبيح مثل وجهك" كما كنت أفعل مع عمي، لكن قلبي كان يرتعد غضبًا وخوفًا في الوقت ذاته، ولم أكن أرغب في إثارة غضبه الآن، لذا تماسكتُ وأنا أهز رأسي نفيًا وأطرق برأسي أرضًا.. فقال باستسلام: حسنًا.. لا بأس. وتوقعته سيمضي في طريقه، لكن فوجئتُ به يقول: هذا جيد أن أديرا قد سلمتك هذه البطاقة لتساعدك على التجول بحرية في المكان.. انتفضتُ كأن مسًّا كهربائيًّا قد دار في جسمي عندما فوجئت بيده تلمس يدي وتأخذ مني البطاقة الممغنطة، وتراجعتُ من مكاني عدة خطوات.. أمسكني من كتفي قائلًا: انتبهي! التفت خلفي لأجد درجات السلم خلف قدمي مباشرة، أي أني لو تراجعت خطوة إضافية كنت سأنقلب على ظهري وأتدحرج عبر السلم إلى الأسفل.. ابتعدتُ عن السلم سريعًا وعن يده أيضًا، وأنا أشعر بجسدي ينتفض بشكل لا إرادي.. نظرتُ إليه لاهثة فقال: آسف.. هل أفزعتك؟ لم أرد عليه، ونظراتي كانت تعبر عن مدى غضبي واستيائي منه.. ولاشك أنه لم يغفل عن معناها! أعاد لي البطاقة الممغنطة قائلًا بهدوء مستفز: بالمناسبة، ما رأيك أن تأتي لشرب الشاي في مكتبي بعد تناول الإفطار؟ فلدينا حديث طويل عن حياتك ومستقبلك هنا.. وأشار إلى غرفة مكتبه التي خرج منها قبل قليل، أخذت البطاقة الممغنطة منه بيد مرتجفة ثم أطرقتُ رأسي وقلت بصوت متماسك: ومن قال أنني.. سأكمل حياتي هنا؟ ضحك ضحكة طويلة، ثم جلس أمامي وقال بسخرية: أنا قلت ذلك.. عندما جاءت عيني في عينيه شعرتُ بغضب رهيب يجعل دمي يغلي، وقلتُ بعينين ناريتين: على جثتي أن يحصل ذلك! ابتسم بهدوء هامسًا: هكذا.. على جثتك إذن؟! نظرتُ له بتحدَّ صارخ، كنت أمسك نفسي بقوة وأمنعها من الهجوم عليه واقتلاع عينيه من محجريهما وتفريغ ذلك الغضب المتفجر داخلي.. "سيد هيثم..يا لحظي! هل أنت ذاهب لتناول إفطارك؟" كان ذلك أحد الأشخاص الذين كانوا ينزلون على السلم، وقف هيثم قائلًا بترحاب : أوه.. سيد ناتالي.. كيف كانت مهمتك بالأمس؟.. انشغل ذلك الشخص بالرد عليه، وانسحبا معًا إلى الأسفل.. ووجدت المكان خاليا إلا منّي.. -- صعدتُ إلى غرفتي وقد شعرتُ بتعب بالغٍ في أعصابي، رميتُ نفسي على السرير.. وشردتُ ذاهلة في كل الأحداث التي مرت عليّ! لم أشعر بنفسي إلا وأديرا توقظني قائلة: قمر..أنت متعبة؟! انتبهتُ أنني قد استغرقت في نوم عميق بدون أن أشعر، قمتُ مفزوعة أبحث عن ساعة الحائط التي كانت معلقة، فقالت أديرا: الساعة الآن هي الخامسة عصرًا. لقد استغربتُ أنك نمتِ كل هذا الوقت.. لذا جئتُ للاطمئنان عليك. دخلت دورة المياه الملحقة بالغرفة، وتذكرت أنني لم أصل أي صلاة منذ جئتُ هنا. . لقد غطى الهلع قلبي لدرجة أنني لم أنتبه أنني لم أصل! توضأت وصليتُ ما فاتني، - مع معاناتي في البحث عن شيء أغطي به شعري أثناء الصلاة- ، فقد بحثت بشكل عشوائي في تلك الملابس التي وضعوها لي في الدولاب! ولاحظت نظرات أديرا التي تحاول تجاهلي مع اختلاسها النظر إلي بين الفينة والأخرى. . دون أن تعلق على أي شيء! بعد انتهائي قالت لي: بالمناسبة، هناك بعض الطعام وضعته في تلك الثلاجة الصغيرة. . فقد فاتك طعام الغداء، ولم تأكلي جيدًّا في وقت إفطارك.. لم أعلق على جملتها حتى بعبارة شكر، كنت أشعر بالانزعاج من جسدي المتكسر إثر النوم المفاجئ الطويل، وأفكر في كيفية الهرب منها لاكتشاف المبنى بكامله، وفي أثناء عبوسي قالت هي: ما رأيك بتغيير الجو والصعود إلى السطح لرؤية المسبح والزرع؟ قلتُ مباشرة: نعم! ظهر على وجهها الفرح لاستجابتي المباشرة، وصفقت بيدها في مرح وهي تقول: اتبعيني إذن! لم تكن رغبتي هي الذهاب للاستمتاع بالجو هناك وإنما لاكتشاف المكان بشكل كامل، لعلني أجد ثغرة ما تساعدني على الهرب.. كان السطح فوق أربعة طوابق.. وقفت على السطح أنظر حولي بانبهار شديد لم أستطع إخفائه، فقد كان مصمما بشكل متميز للغاية، ولأول مرة أرى أحدًا ما يفعل هذا بسطح فوق مبنى! إنه أشبه بالمنتجعات السياحية الفخمة.. بأضوائه الهادئة والأرض الرخامية حول المسبح، وذلك البساط العشبي الذي بُني على جزء واسع منه ملعب للكرة، وبقية البساط وضعت عليه بعض الأراجيح والزحاليق للأطفال، وهناك كراس موضوعة أمام السور لمن يريد الجلوس. بدت أديرا متفاخرة وهي تقول: هل رأيتِ؟ المكان هنا رائع.. كانت الشمس قد غربت، وبدأت جميع الأنوار تعمل، بشكل أضاف للجو جمالًا وهدوءًا رائعًا، ولأول مرة منذ دخلت المكان.. شعرتُ بشعور غريب بالراحة عندما نظرتُ للسماء الحمراء إثر الغروب.. وتركتُ شعري للنسيم العليل يحركه كيف شاء وأنا أغمض عينيّ باستجمام، كم أحتاج لتصفية ذهني بعد كل ما مر بي! وابتسمت لأول مرة بصدق وأنا أراقب مجموعة أطفال يلعبون. . لكنني سألت باستغراب: لماذا يوجد أطفال هنا؟ أجابت أديرا بابتسامة: هذا المكان هو مكان مفتوح لكل الأسر التابعة لجاليتنا، فهم يأتون للعب في أيام محددة في الأسبوع.. تذكرت أصوات دانة وباسل وبراءة عندما يلعبون معًا.. شعرتُ بحنين غريب إليهم، وإلى ذلك الجو العائلي الصاخب.. صحيح أن دانة تكرهني وتغار مني تقريبًا.. لكنني أستطيع اللعب مع براءة بأريحية، وأعرف أن باسل يكن لي مشاعر الاحترام كأخته. ودمعت عيناي وأنا أشرد في منظر السماء، وأشحتُ وجهي إلى الجهة الثانية لكي لا تلمحني أديرا وتحاصرني بتعليقاتها الساخرة.. ولمحتُ عدة فتيان يلعبون الرماية، حيث يرمون بالأقواس الخشبية على لوحة تبعد عنهم عدة أمتار، رفعتُ حاجبيّ باهتمام وأنا أراقب.. وتذكرتُ سامي! سامي هو من علمني الرماية، رمي السكاكين.. لقد كان ماهرًا فيها! ولكن أين هو الآن؟ وخطر لي خاطر فجأة أنه سيكون هنا، في نفس المكان الذي أنا فيه! أو أنه استطاع الهرب من هيثم في ذلك الوقت؟! انتابني الشك ولم أعد أدري كيف أتأكد من أمر كهذا!؟ "أنت تركزين على أولئك الفتيان منذ مدة، هل يُعقل أنك.. تتذكرين سامي مثلًا؟" انتفض جسدي بشدة عندما سمعتُ هذا الصوت، لم يكن صوت أديرا، وإنما صوت هيثم.. الذي كان يقول تلك الجملة وكأنه قرأ ما يدور في ذهني جيًّدا! التفتُّ إلى الخلف لأجده واقفًا بكل ثبات، تقدم بضع خطوات من السور وهو يغمض عينيه ويتنفس بعمق قائلًا بارتياح: يسعدني أن سطح منزلي قد حاز إعجابك.. لقد صممتُ فكرته بنفسي! ابتعدت عن السور وأنا أنظر إليه بعدوانية شديدة وتحفز، نظر لي قائلًا: يا للعجب.. أليس من المفترض أن أكون أنا الشخص المنزعج؟ فقد طلبت منك أن تأتي إلى مكتبي بعد الإفطار ولكنك تجاهلتِني تمامًا.. نطق لساني أخيرًا وأنا أقول غاضبة: لم أعدك بشيء.. قال ممثلا التذكر: آه صحيح، أنت لم تردي حينها بالإيجاب أو القبول.. ثم قال: هكذا .. لقد ظلمتُك.. اعذريني! كان يبدو لي من الواضح أنه يحاول مراقبتي والظهور فجأة والحديث معي. إنه يريد تحسين صورته لدي! لكنني لن أنسى حقارته، وجدته ينظر إلى السماء مجددا وهو يتظاهر بالاستمتاع بالجو، وقالت أديرا بإعجاب: لم أكن أعرف أن هذا السطح من تصميمك يا سيد هيثم.. إنه رائع! قال متظاهرًا التواضع: ليس تصميمي الخالص بالطبع، فقد ساعدني الكثير من أصدقائي ذوي الخبرة. أما أنا فقد قاطعتُ حديثهم بفظاظة وأنا أسأل بانفعال: أخبرني أين سامي؟ .. أنت تعلم صحيح!؟ لا تحاول تغيير الموضوع! غمغت أديرا بضيق: قمر، تكلمي بأسلوب أفضل من هذا.. أنت تتكلمين مع الرئيس.. في حين نظر إليّ هيثم بطرف عينه قائلًا: تريدين معرفة مكان سامي إذن.. ثم أشار بإصبعه إلى المبنى المقابل الذي كان يضيء بأضواء بيضاء هادئة، وقال بجمود: سامي في تلك المستشفى.. رددتُ بقلق: مستشفى؟ لماذا؟ ماذا حصل له؟ ابتسم بشراسة قائلًا: لا شيء.. لقد ظن نفسه قادرًا على مواجهتي.. ونظر إلي بوجهه المرعب وأكمل: فعلمته درسًا قاسيًا.. -2- [نور] كان هناك نبض عنيف في قلبي، نبض الخوف والرعب، الذي جعلني على وشك فقدان الوعي.. والاستسلام لذلك الكلب الذي كان يجرني بأنيابه الشرسة جرًّا.. أغمضتُ عيني بهلع وأنا لم أعد أشعر بأي شيء.. جرى شريط حياتي أمام عينيّ، وتباطئت أنفاسي وشعرتُ باختناق شديد، بوارو.. لم أتوقع أنني من الممكن أن ألحقك بهذه السرعة! دوت طلقات رصاص عالية في أذني جعلت جسدي ينتفض، وتوقعت أن الشرطة قد أطلقت عليّ.. وأنني بعد قليل سأذهب إلى رحمة الله! هممتُ بأن أتلو الشهادة بلساني المثقل.. لكنني فتحتُ عيني على أشدها عندما شعرتُ بأنياب الكلب تختفي شدتها من على ذراعي، ولمحتُ بعينيّ الضائعتين فيجو يقترب مني ويُبعد الكلب -الذي قتله برصاصاته قبل قليل-. جاءت عدة أفراد من الشرطة على عجل ونظروا إلى جسدي الملقى أرضًا، وهتف فيهم فيجو: ما هذا الاستهتار؟ تتركون كلبًا بوليسيًّا ليهاجم طفلًا صغيرًا مثله؟ قال أحدهم بصوت خشن: لابد أن الكلب قد نبح عليه لأنه شم منه رائحة مخدرات.. وقال الثاني بلهجة تهديد: والآن افتح لنا حقيبته، إذا اكتشفنا أن الفتى بحوزته مخدرات فلن نسامحك على قتل الكلب وستدفع ثمنه بالكامل! وبالطبع سنقبض عليكما أنتما الاثنان وسيسجن هذا الشاب في سجن الأحداث. نظر فيجو لهم نظرة ساخرة باردة، ومد يده ببطء إلى حقيبتي التي خلف ظهري.. وتعرق جبيبني بشدة وأنا أشعر بأن مستقبلي على وشك الانتهاء، وسأضيع سنوات عمري القادمة في سجن الأحداث بسبب هذه المهمة السخيفة! -3- [سامي] لم يكن لدي أي شهية للطعام عندما حضر، وتناولتُ علبة الزبادي وقليلًا من الفاكهة على مضض في وجبة العشاء. لم أكن أريد لنفسي أن أمرض أو يتباطئ شفائي، وبالتالي سيطول بقائي في هذا المكان الحقير. وأمير ذلك يلازمني طوال الوقت، لم يخرج أبدًا، وظل يقرأ كتابًا تلو الآخر ليضيع وقته، حتى أنه كان يستخدم دورة المياه الملحقة بغرفتي. عقلي كان منشغلًا بأقصر طريقة للهرب، وضقت ذرعًا بوجوده الدائم بجانبي. فأصبحت أتجاهله باستمرار. لكنه لا يمل! حسنًا، كيف أهرب؟ فعندما حاولت القيام من سريري مشيتُ بصعوبة على تلك الفخذ المصابة، شعرتُ بإحباط شديد وأنا أسير عليها بعد عودتي من دورة المياه.. وهناك عرج واضح في مشيتي يجعل ضيقي يزداد أكثر وأكثر! أطل علي وجه أمير وهو يقول بلوم: لماذا تحب المعاناة؟ فلتستخدم هذا العكاز الذي تركه السيد هيثم هدية لك! نظرتُ له بعينين غاضبتين ولم أرد عليه، فتنهد قائلًا: يالك من عنيد! جلستُ ببطء على سريري وأنا أبتلع الألم بتجلد، ابتسم أمير بخبث قائلًا: صحيح يا سامي، أنت لم تطلب مقابلة السيد هيثم منذ استيقاظك.. قلت وأنا أستلقي على سريري بدون اهتمام: لا حاجة لي بلقائه، فلم يعد يهمني في أي شيء. بدا وكأنه يستمتع برؤية ردة فعلي وهو يقول: حقا؟ أأنت واثق أنك لا تريد مصارحته بمشاعرك؟ ماذا يظن هذا الجاهل؟ مصارحته بمشاعري؟ هل يظنني فتاة مراهقة أو شيئًا كهذا؟! شعرتُ بسخافة كلامه فغطيتُ رأسي بالغطاء وتجاهلته تمامًا.. سمعتُ صوته قائلًا: يا لك من لئيم.. أنت تحاول إخفاء مشاعرك الحقيقية، أنك لحد الآن تحب السيد هيثم.. ومجروح فقط مما فعله فيك، لذا إن اعتذر لك السيد هيثم وراضى خاطرك ستعود علاقتكما لسابق عهدها.. وهتف بتأثر: علاقة الأب بولده.. تلك العلاقة الساحرة، التي لا يهزها أي شيء! كنت أعلم جيدًّا لعبته الحقيرة معي، وكم كنت أود لأهتف فيه: اخرس أيها الغبي! لكنني أعلم أن هذا مراده الأوحد، إثارة انفعالي وغضبي، ولن أحقق له مراده، فلم أحرك ساكنًا.. سمعتُ صوته يقول بإحباط: يا لك من ممل حقا يا سامي.. أشعر بأنك خيبت كل آمالي هذا اليوم، فقد كنت أتوقعك شخصية ممتعة. ثم سمعتُ صوت فتح الباب وهو يغمغم: يا لملل! وبجرد إغلاقه الباب، رفعت الغطاء عن وجهي وأنا أهمس بغيظ: فلتغرب عن وجهي أيها الأحمق! وتنهدتُ بضيق بالغ، وأنا أنظر إلى تلك النافذة.. هل يمكنني الهروب منها؟ كلا للأسف.. فنحن في الدور الثالث! من المستحيل أن أستطيع القفز بسلام بهذه القدم.. ولو استطعت فرضًا فعل ذلك، فلن أستطيع تجاوز كل أولئك الجنود المدججين بالسلاح الذين يقفون على تلك البوابة البعيدة، يجب أن أعد خطة ما.. وما أصعب ذلك، بحالتي الآن! هممتُ بأن أنزل قدمي لكي أتفقد النافذة عن قرب وأستغل عدم وجود ذلك الشاب، لكن سمعتُ صوته الجهوري قائلًا من خلف الباب: سااامي.. أحضرت لك مفاجأة! نظرتُ نحو الباب بعبوس مغمغمًا: ذلك الوغد.. إنه يتعمد ذلك.. لكني فتحت عيني حتى أخرها بذهول شديد عندما فُتح الباب وظهرت قمر يُمسك أمير بيدها في ابتسامة ساخرة. قمر التي أعرفها جيّدًا، بفستان أسود قطني طويل حتى ركبتها، تركت يد أمير وهي تتجه إلي بخطوات سريعة وعينين دامعتين هامسة: سامي! لكنني قلتُ لها بقسوة جعلتها تنتفض وهي تقف على مسافة مني: قمر.. ما الذي .. جاء بك إلى هنا؟! --- كالعادة أريد فقط سماع توقعاتكم ^^ وبالطبع رأيكم في الأحداث.. . . |