السلام عليكم ورحمة الله سعيدة حقا بكل من ردّ وبمن يتابع بدون ردود أيضًا لكن يؤسفني القول أن الفصل القادم سيكون يوم السبت يعني كل أسبوع فصل إن لم يكن أقل XD تبقت خمس فصول في المسوّدة ولا أريد المخاطرة بها الآن الفصل الخامس: الحقيقة المرعبة!-1- [نور] "العب معي هذا! أوه، لا بل هذا! أظن أن هذه اللعبة أفضل" كانت إيلين تجلس عند رأسي فوق سريري، وقد فتحت النور، وأحضرت كل ألعابها في غرفتي، وأنا حرارتي مرتفعة، ورأسي تُؤلمني! كنتُ أترجاها قائلا: أرجوك يا إيلين، حبيبتي إيلين، أرجوك اخرجي من غرفتي! وهي تنظر لي ثم تهز رأسها فيطير شعرها البنيّ بنعومة وهي تقول باستفزاز: لا! العب معي أولا! أمسكت رأسي لكيلا تنفجر، فأنا وهي منذ ساعتين على هذا الحال، تظل تقّلب ألعابها بين يديها وفوق رأسي، وأنا أقول لها اخرجي وأترجاها بكل الطرق الممكنة وهي ترفض بكل بجاحه. كان جسمي مُنهكا، وقواي منتهية، والآن الصباح، لم أذهب إلى المدرسة، ولكن إيلين التي تذهب إلى حضانتها في الساعة الثامنة عند رأسي الآن! ألقيت نظرة على الساعة لأجدها الثامنة، كدتُ أموت من الفرح، فإيلين تجلس عندي منذ السادسة تعذبني، والآن ستذهب أمي للعمل وتأخذها للحضانة. شعرت بالأمل وأنا أسمع أمي تنادي إيلين، ثم دخلت غرفتي قائلة: أنتِ هنا يا إيلين.. ثم ألقت نظرة على وهي تقول مستغربة: نور! لماذا لم تذهب للمدرسة؟ قلتُ لها متألما: أمي، أنا متعب! من البارحة وأنا أعاني من إسهال شديد! أرجوك أخرجيها من هنا وأطفئي النور! اقتربت مني قلقة متسائلة: متعب؟ مم؟ تنهدتُ قائلا: لا أدري! تحسست جبهتي ثم قالت بقلق: فعلا، حرارتك مرتفعة! قالت لي بلوم ممزوج بقلق: لعلك أكثرت البارحة من كعكة عيد الميلاد؟ صحيح؟ تهربت بعيني وأنا أقول: لا لم أكل سوى ثلاث قطع فحسب! تنهدت بصوت عال ثم قالت لي: على كل حال، بما أن لدي عمل اليوم فأذهب إليه الآن، اعذرني حقا ولكن سأطلب من إيليت صنع مشروبات ساخنة لك تساعدك على التحسن. ثم أمسكت إيلين وأطفئت النور، ونادت الخادمة إيليت للعناية بي.. ولكني مذ عرفت بأنها هي من ستعتني بي، قمت سريعا وأغلقت الباب علي، واستغرقت في النوم، وقبل أن أنام سمعتها وهي تطرق بابي بشدة، تنادي علي، ويعلو صوتها، تجاهلتها ونمت حتى ملّت وانصرفت، أنا أكرهها كثيرا، لا أستطيع تحمل وجهها ولا تصرفاتها، يكفي أنني مريض، لا أستطيع أن أطيقها وأنا صحيح الجسم، فهل أطيقها الآن؟ -2- [قمر] لم أدرِ بالضبط ما الذي حصل قبل قليل، لم أفهم شيئا، لم أدرٍ ماذا يحدث لي؟ لماذا يفعلون ذلك؟ ماذا يريدون؟ كان الرجل ما يزال يمنعني من الصراخ بيد وبيده الأخرى يطوق ذراعيّ وراء ظهري، وأنا أحاول المقاومة بجنون! إلى أن قال له السائق الذي يجلس متخفيا غامضا: اتركها، لا تعامل الفتيات بمثل هذه القسوة! كان يبدو على نبرته الضيق، فترك الرجل فمي وخفف قبضته عن يدي، وبمجرد ذلك، استعددت للهجوم عليه، ولكن السائق تكلّم مرة أخرى ولكن بنبرة هادئة معتذرة: أرجوكِ ابقي هادئة، نحن لا ننوي بك شرّا، أعتذر عن هذه الطريقة المفاجئة في إحضارك! صحتُ غاضبة بكل قوة: ما هذا الهراء الذي تقوله؟ تخطفونني بطريقة مشبوه فيها، وتضعونني في السيارة قسرا، وتقول لا نريد بك شرا؟ أية حماقة هذه؟ هل تريد مني تصديق ذلك؟ في أحلامك أيها الوغد! وجئت لكي أقفز على السائق وأجبره على الوقوف وإنزالي، ولكنني شعرت بيد قوية من خلفي تسحبني لتجلسني بعنف! جئت لأصرخ فوجدت أن صوتي اختفى، لقد جف حلقي من كثرة الصراخ، ووجدت السائق نفسه يقول: أرجو منك الهدوء مرة أخرى! تحملي عشر دقائق وسنصل! وستعرفين كل شيء! جئت لأتكلم فوجدت صوتي خرج متهدجا، ومتقطعا، لا أستطيع أن أخرج كلمة! وهذان الرجلان، الرجل الذي يُمسكني له قبضات ضخمة قوية إذا قبض علي يديّ توشك أن تٌكسر من شدة الضغط وبالطبع لا أستطيع الهرب من قبضته، ولا حتى بالكاراتيه الذي تعلمته في حصص الدفاع عن النفس! والآخر هو السائق يتكلم بنبرة هادئة ولا أرى منه سوى شعره الخلفي الناعم وله صوت واثق للغاية يُخفيني أكثر من الرجل الذي بجانبي، هل أنا ضعيفة إلى هذا الحد؟ هذا ما يبدو، فأنا غير قادرة على الصراخ أو الكلام، ولا على المقاومة ولا على أي شيء! ليس أمامي إلا الصبر، ورؤية ماذا سيفعل هذا السائق بي! برغم أن أطرافي كانت ترتجف، إلا أنني تماسكت بقوة حتى لا يشعر الرجلان بشيء، فكرتُ بسرعة خرافية ماذا يُمكنني أن أفعل الآن! بإمكاني عض يد الرجل الذي يمسكني، ولكن الآخر ربما يُفقدني وعيي بطريقة ما، فهم اثنان، يجب أن أتذكر هذا! بإمكاني أن أضرب قدم أحدهم بكعب حذائي، ولكن الآخر أيضا سوف يُفقدني وعيي بعد أن يعرف أنني إنسانة لا تصلح أن تكون واعية بين أيديهما! تنهدت في حيرة، هذا أول موقف في حياتي لا أستطيع التصرف فيه بطريقة صحيحة! أول موقف يواجهن أكون فيه محتارة وقلقة ومرتجفة بهذا الشكل، ولا أستطيع أن أهدئ نفسي، فلا أعلم ما هي أسوأ الاحتمالات التي من الممكن أن تحدث الآن؟ فوجئتُ بالسيارة تقف عند أحد المباني، ثم ينزل السائق، حينئذ، نزل الرجل الذي بجانبي بعد أن ترك يدي ثم التفت لي قائلا: هيا انزلي! على فكرة إنهم يتعاملون معي بتساهل، لو كانوا خطفوني حقا ما كانوا هكذا، كانوا أفقدوني وعيي، قتلوني، جرحوني! وليس يصل الأمر أن يقول لي أحدهم انزلي من السيارة فأنا بالتأكيد سأستطيع الهرب حينها! فليكن، إنهم ليسوا أشرار بالتأكيد، وليست نواياهم خبيثة، هذا مُلاحظ من معاملتهم لي، ولكن مهما كان لن أذهب مع أحد لا أعرفه! إنها فرصتي للهرب! نزلت بسرعة وقفزت على الرجل الذي يقف عند الباب، قفزتُ عليه بكل ما عندي من قوة، فسقط أرضا، نبض قلبي بعنف وأنا اشعر أني أصبحت حرّة وأنا أطير لكي أهرب من بين أيديهم! لكن شخصا اقترب مني فجأة ثم أمسك يدي بقوة وسحبها إليه، جعلني أرتد لأعود فأصطدم بجسده، تأوهت بألم وأنا أرفع نظري لأرى من هذا الذي منعني من حريتي؟ وتتبعت أزرار قميصه زرا زرا، حتى انتهيت إلى وجهه الشبابي المرح، وجدته الشاب السائق، يبتسم لي قائلا: أأنتِ بخير؟ آسف ولكنني أريدك حقا! أقصد.. الرئيس يريدك! قلتُ بغيظ فخرج صوتي مبحوحا من أثر التهاب حلقي: من هذا الرئيس السافل الذي يُحضرني إليه بهذه الطريقة؟ ابتسم لي أكثر قائلا: أنتِ فتاة جريئة وقوية، أعجبتني من اللحظة الأولى، ولكن صدقيني ستفهمين كل شيء الآن، لا تتكلمي لأن حلقك يبدو عليه التعب! شعرت بالغيظ الشديد وهو يسحبني من يدي ورائه، من هذا الشاب الأحمق؟ ولماذا يُمسك يدي بكل تلك الثقة، وبالابتسامة البلهاء التي تشق وجهه شقا، بسبب هذا الوغد الأحمق سأتأخر عن المنزل ويوبخني عمي بسببه معتقدا أنني أجلس لألعب في الخارج، ولكنني لا أريد لعمي أن يغضب مني، لقد شعرتُ بالحرج منه وهو يعمل من أجلي، ألا أستطيع أن أفعل شيئا له أيضا؟ على الأقل أسمع الكلام وأكون مطيعة، هذا بالطبع أقل شيء، ولكن حتى أقل شيء لن أتمكن من فعله بسبب هذا الشاب الغبي، الذي أدخلني من باب المبنى المقابل، في ممرات نظيفة ومرتبة، ثم مشى حتى إحدى الشقق، فتح الباب بيده اليمنى وهو يُحكم قبضته اليُسرى على يدي، ابتلعت ريقي بخوف مضطرب، دخلنا الشقة ثم وقف أمام إحدى الغرف، وهو مازال ممسكا يدي، وطرق الباب بيده الأخرى قائلا في أدب: سيد هيثم، قمر معي الآن! دُهشت كثيرا من معرفته اسمي، لم يسألني أبدا عنه، وأنا لم أخبرهم به، ولكن هذا منطقي، فهل سيخطفون فتاة لا يعرفون اسمها وهويتها؟ جاء صوت من الداخل: أدخلها يا سامي! فتح سامي الباب وأدخلني معه لأرى غرفة أنيقة فخمة، أثاثها رائع، وفي مؤخرتها مكتب ضخم، يجلس أمامه رجل في الأربعينيات تقريبا، لديه شعر أسود يغزوه الشيب، ناعم وخصلاته تسقط على جبهته العريضة ذات البشرة البيضاء القمحية قليلا، وتصل إلى حاجبيه الرقيقين، وعينيه الأسودتين، ثم أنفه المستقيم، ثم فمه الذي تحيط به لحية خفيفة جدا ذات لون أسود! باختصار لقد كان رجلا وسيما، ذا وقار ورزانة، ولكن ما أثار استغرابي وحيرتي أنني لم أره في حياتي قط! ولا أدري ماذا يريد مني؟ ألقى عليّ نظرة محيطة متفحصة، فغزا التوتر أطرافي وارتبكت! حتى سامي شعر برجفة يدي، فالتفت إلى مبتسما مطمئنا، رغم أنني لا أعلم من هو سامي، وقد كرهته في البداية.. لكنني الآن ولسبب ما أشعر بالاطمئنان ينتابني حين نظرتُ إلى وجهه. وفي تلك اللحظة خاطب السيد هيثم سامي قائلا: لماذا تُمسك يدها يا سامي؟ هل ستضيع هنا مثلا؟ ترك يدي، وهو يقول: آه ليس هناك شيء، آسف، هل أحضر لكما مشروبا؟ أومأ السيد هيثم برأسه موافقا، وبعد أن خرج سامي سريعا لتنفيذ الأمر، وأغلق الباب، سرت الرهبة في أطرافي، وقلبي يقفز بين أضلعي، لماذا أشعر بكل هذا الخوف؟؟! ما الداعي لكل هذا؟ هذه أول مرة أقابل فيها أحدا بهذا القلق! انتفض جسدي عندما قال لي بصوت حازم: اقتربي! دائما يقول عني عمي، إن العناد يجري مجرى الدم في عروقي، بسبب كثرة مخالفتي لأوامره، ولكن هذا الرجل الذي أمامي، لديه شيء يقوله لي، شيء مهم، أنا متأكدة من ذلك. لهذا فقط، سوف أقترب. تقدمت ساقي ببطء شديد، كأن القرب منه خطر، لقد ارتاح قلبي لهذا الشاب أكثر من هذا الرجل! ما السر إذن؟ عندما اقتربت حتى صرت أمام المكتب مباشرة، ابتسم لي بلطف ثم أشار بيده إلى الكرسي وهو يقول: تفضلي اجلسي! جلستُ بتوتر، وأنا أنظر إلى الأرض، حتى قال لي: أنتِ قمر ابنة آسر نوّار! خرجتْ من حلقي كلمة متقطعة: ن..نعم، ولكن.. لمَ تسألني؟ نظرتُ إليه فقال لي باهتمام: كم عمرك؟ أجبتُ بصوت مبحوح: إحدى عشر عامًا! رفع حاجبيه قائلا: أيْ أنه مضت ست سنوات على تلك الحادثة! رفعتُ رأسي إليه بحدة متسائلة بحذر: أي حادثة؟ أجاب: حادثة قتل أبيك، الجميع قد نسيها، مع أني واثق بأنك الوحيدة الآن التي تريدين معرفة الحقيقة! نظرتُ إليه بدهشة، من هذا الرجل؟ لماذا يكلمني بهذه الثقة؟ لماذا يكلمني بخصوص هذه الجريمة التي نسيها الجميع الآن؟ قال وهو يقطع أفكاري: قمر! انتبهت له فقال بحذر وانتباه: هل تريدين معرفة الحقيقة أم.. أنك تعرفينها؟ برغم أنني أعرفها ولكن شيئا في داخلي جعلني أقول بارتباك: بل أريد معرفتها! تراجع في مقعده مغمغما بعدم تصديق: تريدين معرفتها، ها؟! أجبته بـ.. نعم، متقطعة أيضا! ثم نظر إلى بخبث قائلا: إذن من الطفلة ذات الخمس سنوات التي وجدوها فاقدة الوعي على صدر أبيها المقتول؟ انتفضت من مكاني، وعادت إلى ذكريات الحادث الأليم بكل تفاصيله، لماذا يذكرني هذا الرجل بهذا الحادث؟ ضممتُ يدي إلى بعضهما في ارتباك شديد، حاولت أن أتكلم فلم تخرج أحرفي، لأن شفتاي مرتجفتان! وحلقي جاف، وضربات قلبي أصبحت تدق بعنف، هل من أحد يتصور، أن هذه الحالة الرهيبة تحصل لي فقط عندما يلمّح لي أحدهم بذلك اليوم وما حصل فيه! عندئذ، غيّر سيد هيثم مكانه وجاء جلس في الكرسي المقابل لي، ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أنظر إليه نظرات مختلسة بتوتر وأعيدها عندما أرى نظراته الباردة الجامدة المحدقة فيّ! فقال سيد هيثم: حسنا، سأجيب أنا عن السؤال! ثم قرّب وجهه مني أكثر وقال بهدوء: كنتِ أنتِ تلك الطفلة! ومازال وجه سيد هيثم قريبا مني وهو يهمس: إذن إلى السؤال التالي، هل رأيتِ القاتل الذي قتله؟ شحب وجهي أكثر، لماذا أتوْا بي إلى هنا؟!! من هذا الرجل المزعج؟ فقال ببرود: سأجيب عنك هذا أيضا، نعم لقد رأيتِه! رفعت بصري إليه بدهشة أكبر! من هـذا؟! في هذه اللحظة دخل سامي وهو يحمل صينيه المشروبات، فانتبهنا إليه جميعا وتراجع سيد هيثم في مقعده مبتعدا عني، وضع سامي الصينية على المكتب وقدم لسيد هيثم القهوة، أما أنا فقدم لي مشروب الليمون بالزنجبيل! فقطع الذهول الذي كان يملأ عقلي، والدهشة التي قيدت لساني، والوجوم الذي هجم على فلم أعد أتكلم! قطعه بكل بساطة وهو يقدم لسيد هيثم القهوة بابتسامة شبابية مرحة ويقدم لي الزنجبيل بالليمون، فقال له سيد هيثم متسائلا: ولم لم تصنع لها عصيرا؟ أجاب متبسما بتهذيب: قمر حلقها ملتهب ولديها زكام! لقد لاحظت ذلك ونحن في السيارة! فابتسم سيد هيثم قائلا: أنت قوي الملاحظة يا سامي، ولديك سرعة بديهة. ابتسم سامي وهو يشكر سيد هيثم، ثم التفت لي هامسا: أتمنى أن يُعجبك الزنجبيل، فهو من صنع يدي! نظرتُ بدهشة إليه، هل أنا أخته ليعاملني هكذا؟ أو قريبته؟ إنني لم أقابله إلا من عشر دقائق فقط! لماذا سامي أشعر أنني مرتاحة له بشكل كبير، وأنني أعرفه منذ زمن! رغم أنه غاظني وأغضبني بتعامله معي في السيارة، ولكن حتى الإخوان ربما يكونون أغبياء ونتشاجر معهم كثيرا ونحبهم.. وسيد هيثم أشعر أنه غامض ورجل ذو أسرار وعملي جدا.. بالإضافة إلى أنه جاد وهادئ وبارد ومستفز! كان الجو الذي أدخله سامي علينا كفيلا بأن يريحني قليلا ويُنسيني التفكير في منظر جثة أبي المضرجة بالدماء والتفكير في سامي.. وذهب التوتر عني قليلا وابتسمتُ وأنا أرشف أول رشفة من الزنجبيل ثم ألتفت إلى سامي الذي كان ينظر بلهفة إلى منتظرا رأيي، قلتٌ له وأنا على وشك الابتسام: طعمه لذيذ! فضحك قائلا: أشكرك لثنائك هذا! هذه أول مرة في حياتي يقول أحد على مشروباتي خيرا! فنظر إليه سيد هيثم نظرة ذات معنى، فقال متداركا: آه بالتأكيد بعد سيد هيثم.. رحتُ أتأمل فيه بإعجاب وهو ينصرف ويفتح الباب للخروج، "انتظر" قلتها بصعوبة، سامي أضفى علينا جوا مرحا خفيفا، كنتُ خائفة من هذا الرجل الذي أمامي، فبعد أن جعلني أتذكر جريمة أبي، جعلني أكره إكمال الجلوس معه، أردتُ أن يجلس معنا سامي لكيلا يخوض معي سيد هيثم في مثل هذه المواضيع المؤلمة، توقف سامي عندما سمع كلمتي، فقلت له: لماذا لا تجلس معنا؟ ألم تُنهِ صنع المشروبات؟ عندئذ نظر إلي سامي نظرة ملية ثم نظر إلى سيد هيثم، كأنه ينتظر الأمر من سيد هيثم الذي كان يغمض عينيه في هدوء ويرتشف القهوة في تلذذ، ثم فجأة فتح عينيه ونظر إليه نظرة حادة قائلا: اخرج سامي! عندئذ استدار سامي وهو يتحاشى النظر إلى قائلا في تهذيب شديد: حاضر! شعرت بخيبة الأمل وهو يغلق الباب خلفه، وأدركت أنني بعدها سأمضي وقتا أليما وصعبا، مع هذا الرجل المسمى سيد هيثم! عندئذ مضت عدة دقائق ونحن صامتان تماما، إلى أن أنهى سيد هيثم القهوة ووضعها جانبا، ثم التفت إلى متبسما، استغربتُ كثيرا، لماذا يبتسم في هذا الموقف؟ إن بداخلي أسئلة كثيرة أريد أن أسألها، من هو؟ وماذا يريد مني؟ ماذا يعرف عن تلك الجريمة؟ لماذا يذكرني بها الآن؟ وما الذي اكتشفه؟ ويبدو أنه قرأ أفكاري فقال لي: قمر، اسألي ما بدا لك! دهشت لهذا الطلب، ودهشتُ لأنه فعل ما أريد دون طلب مني أو إشارة، فقلت فورا: من أنت؟ وماذا تريد مني؟ لماذا تذكرني بهذه الجريمة؟ لماذا تريد معرفة ردة فعلي حيالها؟ لماذا؟ ومن هو سامي أيضا؟ وماذا تعملان مع بعضكما البعض؟ ومن هذا الرجل الذي سحبني إلى السيارة؟ وهل هذا منظر ناس مطمئن؟ أنتم تجعلون الناس يشك فيكم، وخصوصا عندما سألتني عن الجريمة! كنتُ أقولها بأسلوب منفعل وأنا أنظر إليه وأكاد أفقد أعصابي، فقاطعني قائلا: مهلا يا صغيرتي، ليس كل هذا مرة واحدة! سكتت وأنا ألهث من هذه الجمل المفاجأة التي قلتها بأعلى صوتي في حماس واندفاع، وأنظر إلى ردة فعله، فقد سكت قليلا ثم أجاب شاردا: أما عن "من أنا“؟ فأنا هو هيثم، ويكفيك هذا الاسم، ويكفيك أيضا أن تعرفي.. ثم سكت قليلا ونظر إلى عينيّ نظرة مباشرة قائلا: أنني أعز أصدقاء والدك! اتسعت عيناي دهشة وذهولا، هذا الرجل كان أعز أصدقاء أبي؟ لماذا لا أعرفه؟ لماذا يصادق أبي رجلا مثله؟ وماذا كانا يعملان معا؟ و. وجدته يُكمل وهو يتابع نظره إلي في حزم يقول: وأما عن "ماذا أريد منك" فسأشرح لك كل شيء بعد قليل، وأما عن "لماذا أذكرك بهذه الجريمة" فهذا لأن "ما أريده منك" يرتبط بها. وأما عن "لماذا أريد معرفة ردك" لأنني أريد معرفة حقيقتك مع الجريمة وقد عرفتها، وهذا يكفي! وباقي أسئلتك ستعرفينها بعد قليل.. ثم قال ببرود: هل لديكِ أي أسئلة أخرى؟ كانت مئات الأسئلة تتفجر في عقلي، تجعلني أقف في حيرة وذهول أمام هذا الشخص! أردتَ أن أقول نعم ولكن لشدة دهشتي فقد نطق لساني: لا! وعندئذ قال سيد هيثم بعد سكوت لعدة ثوانٍ: سأخبرك الآن ماذا أريد! وتابعته في اهتمام وانتباه شديدين، وأنا أراقبه في كل تصرف، فالآن نظرتي له قد اختلفت، فهذا صديق أبي! |