تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
الفصل الرابع: دماء واختطاف!-1- [قمر] استيقظتُ فجأة لأنني أحسست بأن شيئا ما حصل لي، ليس شيئا عاديا، لأنني شعرتُ بعمي يحملني إلى المستشفى، يا إلهي لا أصدق، هل ذهب بي حقا؟ ربما كنت أهلوس، أو أهذي، لأن عمي من المستحيل أن يفعلها! صحيح أذكر قبلها أنه حضّر لي عصير ليمون! ابتسمتُ ضاحكة وأنا أتخيل عمي القاسي يعصر الليمون ويجاهد لكي يُخرج العصارة منه! لكن، لماذا؟ لماذا عمي تغيّر هكذا هذه الأيام؟ أصبح مهتمًا بي، وكأنه يُشفق على أو كأنه.. كأنه يشعر بالذنب، يشعر بالذنب نحوي وبالندم ...! قفزتُ من سريري قفزا حينما تذكرتُ الصلاة، أشعر بشيء ناقص حقا إذا نسيتها، حينما وقفت على قدمي كان الصداع قد عاد لي مرة أخرى، وشعرتُ لأول مرة بأنني ملتهبة بالحرارة، فقد أحسستُ ببرودة الأرض تحت قدماي الحافيتين! أنهيتُ صلاتي وتأملت الغرفة البيضاء التي أنا فيها، دخلت إحدى الممرضات وهي تحمل صينية طعام الفطور.. جلستُ على السرير وأنا أسأل: منذُ متى وأنا هنا؟ أجابتني وهي تضع الصينية على المنضدة بجانب السرير: أنت هنا منذ الساعة الخامسة صباحًا.. نظرتُ إلى الساعة المعلقة على الحائط لأرفع حاجبيّ بتعجب، لقد كانت الساعة الثالثة عصرًا! يا إلهي هل نمتُ كل هذا الوقت؟ سألتها مجددا: من أحضرني إلى هنا؟ أجابتني وهي تجلس بجانبي: السيد ياسر أحضرك هو وزوجته. _ وأين هما الآن؟ _ السيد ياسر في شركته، السيدة جوهرة عادت إلى المنزل! تمتمتُ بحزن: إذن أنا وحدي هنا! قالت مبتسمة: لا، فهناك سيدة تُدعى أماني هنا ولديها ولد صغير في الحادية عشرة، جاؤوا لأجلك! لكنهم ما يزالون في مكتب الاستقبال، أعتقد أنهم سيصلون إلى هذه الغرفة بعد قليل. قلتُ باستغراب: ولد في الحادية عشرة؟ أنا أعرف أماني ولكن من هو الولد؟ هزّت كتفيها وهي تقول: لا أعلم حقا، لكن عليك تناول وجبة الغداء، لقد انخفضت الحمّى كثيرًا ولو استمرت هكذا ستعودين إلى المنزل الليلة! - كان الفتى الذي في الحادية عشرة، هو بدر، ابن رجل الأعمال راشد المناوي صديق عمّي، بدر ولد مؤدب، ذو شعر أسود مموج، وملامح هادئة تنمّ عن العقل أحيانا وعن البله أحيانا أخرى، من صغره وهو يريد التعرّف عليّ ولكنني لا ألقي له بالا. وكثيرا ما يحاول التحدث معي خاصة عندما يخرج من مدرسته ويجدني أسير في طريقي لكنني أنهي المحادثات دائما باقتضاب. كانت الحرارة قد انخفضت بشكل كبير، وأماني دخلت معها بدر، أماني امرأة طيبة جدًا وتحاول أن يكون كل اهتمامها بي، تعطف علي وتحبني كما لو أنني ابنتها حقّا. استويتُ جالسة على فراشي وأنا أترقّب، سلّمت علي أماني وقبّلتني وقالتْ لي: سلامتك يا عزيزتي. وورائها بدر الذي نظر إلي بعينيه الهادئتين قائلا بابتسامة: لقد جئت أطمئن عليك. كيف حالك يا قمر؟ قلتُ له باقتضاب: بخير، أشكرك. جلس على أريكة كانت في الغرفة، وكان بيده علبة بسكويت بالشوكولاتة، نظرتُ إلى العلبة باطمئنان، هذا جيد أن بدر لديه بعض الذوق! وضعها على الخزانة بجانبي، وعندما لاحظ نظراتي الممتدة إلى تلك العلبة، ضحك قائلا: علمتُ أنك تفضلين هذا النوع بالذات، عندما تُشفين تماما تستطيعين تناول العلبة كلها. لم أضحك، وركزت نظراتي على وجهه الضاحك، أصلا لم يضحك؟! ولم أتى أصلا؟ أه، أشعر أن الحرارة ازدادت! أماني لاحظت وجهي العابس، جلست بجانبي على السرير، وطوقتني بذراعها الحنونة وهي تقول لي: أتعلمين أن بدر جاء اليوم لوحده لزيارتك؟ لقد كان عمك اليوم في العمل لديه مقابلة مع أبيه رجل الأعمال، وبما أنهما صديقان فقد حدث عمك أبيه عمّا حصل اليوم، وبالصدفة عندما عرف بدر أصرّ على زيارتك هنا واستأذن عمّك، فطلب مني عمك مرافقته إلى هنا. أشحت بوجهي إلى الجهة الأخرى، سمعت صوت بدر القلق: أنا آسف إن كنت أزعجتك! تنهدت قائلة: لا، لا بأس، شكرا على مجيئك، لكنني متعبة الآن لذلك لا مزاج لي بمقابلة أحد. -2- [ياسر] عُدتُ إلى المنزل مبّكرا حتى أحضّر عملا يجب على القيام به، وجدت جوهرة تنزل إلى الأسفل وقد رأتني فقالت: ياسر، أريد أن أذكرك تاريخ اليوم! أومأت برأسي وابتسمت ابتسامة غامضة وأنا أسأل صفيّة: هل كل شيء جاهز؟ أجابت: نعم يا سيد ياسر. صفية ورهام خادمتان، أحضرتهم منذ ولدت زوجتي براءة لمساعدتها في أعمال المنزل والعناية بالأطفال. -3- [قمر] كانت حرارتي في المساء منخفضة بشكل كبير، عدتُ مع أماني والسائق سعد بعد أن رحل بدر لوحده. ولفت انتباهي في الطريق لافتة على متجر كبير بأن هناك عروض تخفيض اليوم. واتسعت عيناي في دهشة وأنا أقرأ تاريخ اليوم، الثالث عشر من ديسمبر، إنه يوم ولادتي منذ أحد عشر سنة! أيْ أنّ هذا يوم ميلادي، وابتسمتُ وأنا أنظر إلى اللوحة بتأثر كبير. اليوم فقط أصبح لديّ أحد عشر سنة كاملة، اليوم هو ذكرى امرأة ولدتني (وإن كنت لا أعرف من هي أمي تلك) واليوم أيضا هو بداية السنة السادسة لي منذ عشت مع عمي. كان يصنع لي حفلة في يوم ميلادي في السنوات الماضية، مع أنه غالبا لا يهتم بالقدوم وإن كان يرسل هدية مع تهنئة مكتوبة فقط! يا ترى هل سيحضر هذا اليوم أيضا؟! حسنا لا يهمني أصلا. إنني أكرهه سواءً أهنأني بميلادي أوْ لم يهنئني. أحتفلَ أمْ لم يحتفل! هذه هي الحقيقة التي أشعر بها، لا بد لي من معجزة حتى أحب عمّي. "سلامتك يا آنسة قمر" كان هذا صوت العم سعد، السائق الذي أعادني من المستشفى، بالطبع عمّي مشغول جدا لدرجة أنه لن يستطيع أن يأتي ويعيدني إلى البيت، فهكذا تعوّدت. رددتُ عليه بتلقائية: شكرا جدا يا عم سعد، أسعدتني كثيرا لأنك أول واحد تطمئن علي. ضحك قائلا: هذا واجبي، ثمّ، ألم يطمئن عليك السيد ياسر أيضا؟ قلتُ بامتعاض: لا.. منذ أن نقلني الصباح إلى المستشفى. أجاب بابتسامة دبلوماسية: لابد أن السيد مشغول بظروفه الطارئة، لابد أنه سيطمئن عليك بمجرد أن ينتهي من مشاغله المهمة. قلت بنفاد صبر: نعم.. لابد من ذلك. ولاحظت أماني تضايقي وامتعاضي عند ذكر اسم عمّي، فأرادت التخفيف عنّي قليلا بأن وضعت يدها الحنونة على كتفي واحتضنتني. قائلة لي بابتسام: لقد أوشك اليوم على الانتهاء! قلتُ بدون اكتراث: فلينتهِ. ومالي وله. قالت: ولكنّه يوم مميز يا عزيزتي. أدركتُ ما تعنيه مربّيتي، فتظاهرتُ بعدم الاهتمام ولم أردّ، لأنني أعلم أنه ليس هناك شيء سيتغير في هذا اليوم بالذات سوى أن حرارتي ازدادت وأصبحت مريضة وسيظل السعال والزكام مدة يلازمني مثل ظلّي. -4- [باسل] انتظرتٌ في الحديقة الخارجية لكي أخبرهم عندما تأتي قمر من المستشفى. ومذ لمحت سيارة السائق ركضت فورا وأنا أقول لهم. بدأوا بسرعة استعداداتهم، فالمكان كان مظلما حتى يفاجئوها، وهناك بعض الورود التي ستُنثر عليها إضافة إلى البالونات والقنابل الورقية الملونة. وقفنا ننتظر أماني وقمر عندما تطرقان باب المنزل، إلى أن سمعنا الجرس، فقامت رهام بفتح الباب، ورأينا قمر وأماني تدخلان والأخيرة تسأل: لم الضوء مُغلق هكذا؟ ولكنّ رهام لم تردّ عليها بل أغلقت الباب ثم فجأة فُتح النور وعادت الأضواء واندلقت قنابل الورود والأوراق الملّونة والجميع يقول: كل عام وأنت بخير يا قمر. وبعد رمي الورود انطلق البعض إلى قمر وهو يهنئها وبعض الفتيات من جيراننا وأقاربنا تحضنها بفرح، كانت قمر فرحة جدًا، فرحا بريئا مثل وجهها البريء، بعد تقطيع الكعك جلست على كرسي مميز ومن أراد تقديم الهدايا قدّم لها، وأماني هي من أجلستها عليه، لكيلا ترتفع حرارتها مرة أخرى إن لعبت وتحركت! -5- [نور] كنتُ أذاكر في غرفتي عندما أتت إيلين لتُريني لعبتها التافهة! سأعترف.. أنا أكره إيلين وأكره كل لعبها، خصوصا عند قطعها لمذاكرتي بكل وقاحة! واليوم كان مزاجي سيئا للغاية، خصوصا أنني شعرت بإرهاق غريب.. لكنني تجاهلته واستمررت بالمذاكرة، ولهذا لو كان لدي وقت للعب مع هذه الصغيرة لكنت نمت بالمقام الأول! طردتُها من غرفتي، وبكل سعادة جلست أضحك عليها وهي تبكي خارج الباب تتمنى أن أفتح لها لتلعب معي، زميلها أرو اليوم لم يأتِ ليلعب معها مثل كل يوم.. هذا اليوم فرصة مثالية لابتزازها..! جاءت أمي! يا ويلي.. فتحت الباب بسرعة وهرولت على أختي إيلين واحتضنتُها، وأنا أمثّل القلق عليها، وأقول لها بصوت عال قليلا كي تسمعه أمي وهي تصعد على السلم: إيلين حبيبتي، يكفي بكاء، سألعب معك وأي شيء تريدينه أنا تحت أمرك. ضحكت إيلين بسعادة وقبلتني قبلة رقيقة مثلها، وتركتني وقامت لتركض نحو أمي وترتمي في حضنها. وأنا كدت أموتُ على نفسي ضحكًا من منظرها، وجهها أحمر من البكاء وشعرها مبعثر من كثر لعبها، وأنفها يسيل منه مخاط شفاف تعدى فمها حتى وصل إلى قدمها. أمي قبلتها ثم أقبلتْ نحوي، استغربتُ منها، هل من المعقول أن تقبَّلني؟ إنه حلم لي منذ خمس مئة سنة أصبح اليوم في عداد الأحلام الفاشلة! إنها تقترب وهي باسمة، أمي تملك عينين سوداويتين، وحين تنظُر بفرح يكون لونهما فاتح قليلا.. واليوم المعجزة أمامي، عينا أمي فاتحتين، وتنظران نحوي! يارب استر.. انتبهت أن أمي ترتدي على غير عادتها ملابس الخروج وهي في المنزل، ترتدي فستانًا بلون أبيض رُسمت عليه بعض الورود الحمراء والزقاء والبنفسجية والصفراء. كان يكشف ذراعيها البيضاوين، ويصل إلى تحت ركبتيها بقليل. شعر أمي أسود فاحم مموج ويصل إلى كتفيها. واليوم لاحظتُ أنها تضع أحمر الشفاه مع قليل من الكحل. أمي ملكة جمال، ولكنني لا ألاحظ هذا، يا لي من ولد عديم المشاعر! أمي وصلتْ إلي، وأنا لا أزال جاثيًا في مكاني، أنظر ببلاهة نحوها، أتخيل ما يمكن أن تفعله بي! وإيلين تنظر إلينا بابتسامة حمقاء مثلها، وتراقب في حذر وتأمل وكأنها لحظة تاريخية! أمي وقفت فوقي، ثم جلست بجانبي، واحتضنتني!! نعم هذا هو حلمي الذي تحقق.. لم يكن حلما بل كان خيالا ولكنه حصل! احتضنتني وهي تضحك.. ثم قبّلتني، وأمسكت يدي بيديها الناعمتين، وقالتْ مبتسمة: نور، ألا تنزل معي!؟ لم أكن أستطيع التحدث من وطأة المعجزة التي حصلت منذ قليل، نظرتٌ إلى عينيها وقد عرفت السرّ وصرختُ: من أنتِ أيتها السيدة؟ أتعلمون أن البرق سريع! ربما، ولكنني في هذه اللحظة بالذات عرفت الأسرع، حينما شعرتُ بألم في رأسي إثر لكمة أمي العملاقة! فقط الآن تأكدتُ أنها أمي، ندمتُ أنني ظننت في لحظة أنها ليستْ هي.. _ أيها الأحمق أنا أمك! قالتْ ذلك أمي غاضبة. فرفعت يدي لأحمي رأسي من أية مدافع أخرى، ولكن لحسن الحظ أن أمي كان مزاجها جيدا في هذا اليوم، والدليل على ذلك أنها ابتسمت بسرعة وأمسكت بيدي وشدتني لأسير ورائها.. وهي تقول: لديّ مفاجأة لك، انزل معي! تبعتُها مرغمًا، وأنا أشعر بكل الأفكار الشيطانية التي حصلت.. واحدة أخرى تستبدل مكان أمي حتى تخطفني لأني عبقري، أو حتى أمي تخدعني لكي تتخلص مني وتأخذ فدية عالية القيمة، أو.. ربما، أمي لديها حفلة في الأسفل وتريد أن تُريَ أصدقائها جماليَ الأخّاذ! كم كل تلك التفسيرات مضحكة، ونزلت معها إلى الأسفل حتى صالتنا الكبيرة.. كانت الصالة مظلمة والضوء مطفي، تعجبت من ذلك، ونظرتُ إلى أمي، فرأيت على وجهها ضحكات خفيفة، ثم أدخلتني في الظلام وتركتني أقف لا أعرف كيف أتابع السير! ولوهلة رأيت أنه من الأفضل أن أقفل راجعًا إلى غرفتي بدل هذا البله الذي تقودني أمي إليه. ثم حصل شيء مدهش، شيء خطير، فُتحت الأنوار، وسمعت الصراخ، وكدت أركض لأعرف من الذي قُتل، أنا أم أمي؟ ولكني اكتشفت أن الحرب قامت فجأة، فأصبح العالم كلّه ملوّنا.. إنني أحكي عن الجنون، أعرف أنني لا أستطيع وصف الاحداث ولكن تابعوني. اكتشفت في النهاية أن البلالين والزينة كلها تطير فوق رأسي، ومجموعة كبيرة من الناس كلها تلبس ملابس ملونة وعلى وجهها ابتسامة سعيدة. ورأيت أمي وقفت أمامي وهي تقول في لهجة مسرحية فرحة: عيد ميلاد سعيد يا نور! _ بالتأكيد حفلات الميلاد في إيطاليا تسبب الصداع دائما وهذا ما حصل معي عند نهاية الحفلة، أمي كانت طيبة معي كثيرا وتضحك معي وكل قليل تنظر إليّ بفرحة. فها أنذا اليوم قد أكملت عامي الحادي عشر، ما زلت صغيرًا بعد، ولكنني أعتبر نفسي فخورًا بذلك الآن. وهكذا بقدرة قادر، جميع أصدقاء أمي الذين يضحكون على عندما يرووني أصبحوا الآن فرِحين ويحبونني كلهم. وإيلين كانت لا تصدق نفسها وهي ترقص في حفلة ميلادي، لا شك أنها تحبني هذا اليوم فقط. عُدت إلى غرفتي وأنا منهك من التفكير في حياتي المستقبلية وكأن لديّ إحدى وعشرين سنة. -6- [قمر] كنتٌ أراقب الجميع بسرور وسعادة، ومضى على الحفلة ما يقارب الساعة، برغم الصداع الذي جاء لي بسبب الحفلة والإزعاج، إلا أنني كنت أطير من السرور لكل هذه الوجوه السعيدة التي تحتفل بميلادي، وعمي كان طيبا حينها، كان يهتم بالحفلة والحاضرين، وبي أنا شخصيا، كل ربع ساعة يأتي ليطمئن علي، ويسألني مبتسما: هل أنت بخير؟ عندما تشعرين بالتعب قولي فورا! وشعرتُ أنه إنسان آخر تماما في ذلك اليوم، باهتمامه وبسمته، وصبره، كأنه لم يفعل شيئا سيئا في حياته! كأنه لم يقتل! وتنهدت من التعب! فقد شعرتٌ بقلبي يغلي بدمائه، من الحرارة التي زادت علي! أغمضت عيني بعض الثواني، وفتحت عيني على عمّي الذي يقف أمامي ويقول باهتمام: أأنت بخير؟ وضع يده على جبهتي مرة أخرى، آه، ما أشبه ملمس يده بملمس يد أبي! وسمعته ينادي أماني، قائلا لها في قلق: يجب أن تصعد إلى غرفتها للراحة، فيبدو أن الحرارة ستعود إليها! همّت أماني بمساندتي كي أصل إلى غرفتي لكن بمجرد أن وقفت ابتسم عمي قائلا: لماذا تتعبين نفسك بالمشي وهناك من يستطيع حملك؟ لم أفهم معنى قوله إلا حين مد يده اليمنى تحت ظهري والأخرى تحت رُكبتيّ لأجد نفسي في ثوانٍ محمولة على ذراعيه! لا أعلم هل ازدادت حرارتي بسبب الخجل أم بسبب الحمى! على كل حال فقد حاولت أن أكون باردة وأنا أقول: لا أحتاج لهذا! لكنه لم يرد علي وظل يمشي بي إلى أن أوصلني إلى سريري، وضعت أماني الكمادات على رأسي وقدمت لي عصير ليمون طازج محلّي ببعض العسل! كم أحب هذا المشروب الطيب، لأن أماني تصنعه لي دوما، شربته وارتميت على سريري، الحرارة قد انخفضت بكثير عن أمس، الحمد لله، ولكن اليوم حرارتي 38 ونصف.. أمس كانت في الأربعين! تنهدتُ ونمتُ على جنبي الأيمن كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالها لنا شيخ مسجد الأنصار، وحاولت قول بعض أذكار النوم، ولكنني تسمرت عندما وقع عيني على ذلك الصندوق، الصندوق الناعم الأسود المزين بقطع صغيرة جدا من اللؤلؤ الأبيض، هل تذكرونه؟ الذي رأيتُه في مكتب عمي ذات يوم ومنعني عمي من فتحه! لقد كان على الخزانة الموجودة بجانبي! |