السلام عليكم ورحمة الله وبركاته النية: كتابة قصة قصيرة لطيفة ومبهجة النتيجة: كان الجو مشحونًا بمظاهر الفرح والبهجة، والهواء مُعبقًا بأصواتِ الفخر والاحتفال، جميع الوجوه مُشرقة، والضحكات تملأ الأجواء. اليوم هو يوم التخرج، اليوم الذي طالما انتظرته جوري بفارغ الصبر. ارتدت عباءتها وقبعتها، وتقدمت بخطواتٍ واثقة نحو الميدان المكتظ بالطالبات وأهاليهم. كل واحدة من زميلاتها كانت تتحدث بكل فخر عن والدها، وعن ما أعده لها لهذه المناسبة السعيدة: "سيأخذني والدي الى سويسرا بمناسبة تخرجي.. لقد اشترى التذاكر بالفعل" "...اشترى لي والدي سيارة" "انظرن لباقة الورود التي احضرها والدي..." "والدي ساندني كثيرا منذ يومي الأول بالجامعة وقال انه سوف يدعمني ماليا لكي افتتح عيادتي الخاصة" وقفت جوري تراقب الحضور بعينين لامعتين، تبحث بين الحضور عن وجهٍ مألوف، عن وجه والدها، كانت ترى الأمهات والآباء يلتقطون الصور مع بناتهم، ويهنئونَهن ويشارِكنَهن أسعد يوم لهن’ شَعرتْ بوخزةٍ في قلبها، وبدأت الذكريات تتدفق بداخلها. تذكرت جوري أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة، وكيف كانت أمها تمسك بيدها بشدة لِتشعرها بالأمان، تذكرت يوم ميلادها العاشر وكيف كانت تبكي بحرقة وتتمنى أن يكون والدها موجوداً ليطفئ معها الشموع كما فعل والد صديقتها جيهان، تذكرت أول طبخة أعدتها والتي قيل لها أنها كانت الاكلة المفضلة لوالدها لكنه لم يكن موجودا لكي يتذوقها ويمدح طبيخها رغم مذاقه السيء وملوحتهِ الشديدة.. كما يفعل جميع الإباء مع بناتهم، تذكرت كل لحظة نجاح وكل لحظة فشل، وكيف كانت تتمنى وجوده لكي تستند إليه ويشاركها أحزانها وأفراحها. اقتربت منها إحدى زميلاتها وسألتها بفضول: "جوري، أين والدكِ؟ نريد أن نلتقط صورة جماعية مع آبائنا" وقبل أن تتمكن جوري من الرد، قاطعهم صوت أحد المشرفين وهو يناديهم ليصعدوا إلى المنصة ويتسلموا شهاداتهم. وقفت جوري في الصف بانتظار دورها، وعندما نادى المشرف اسمها، صعدت إلى المنصة بخطواتٍ ثابتة، استلمت شهادتها بيدين مُرتعشتين، ونظرت للحظة إلى الحضور، تبحث بين الوجوه، وكأنها تأمل أن ترى والدها بينهم. بعد انتهاء الحفل، اختلت جوري بنفسها في زاوية هادئة، لم تستطع كبح دموعها، نظرت بإنكسار إلى الفراغ ورددت بصوتٍ خافت، "أبي، أين أنت؟" لم يكن هناك جواب، وما كانت تنتظر جوابا. تذكرت الحقيقة القاسية التي عاشتها طوال حياتها والتي لطالما حاولت انكارها، والدها كان تحت التراب، قبل أن تولد حتى، لم يكن هناك ليسمعها، لم يكن هناك ليشاركها هذه اللحظات. رغم كل ذلك، هي شعرت بالفخر لأنها تخرجت بامتياز من كلية الطب، حققت حلمها وحلم والدها الذي لم تره قط، نظرت إلى الفراغ مجدداً، لكن كان هنالك شيء مختلف بنظراتها هذه المرة وكأنها تقول لوالدها: "أبي، لقد فعلتها.. لقد تخرجت.. أعلم أنك تحت التراب ولن تسمعني، إلا أن ذِكراكَ بقلبي لن تختفي واشتياقي لكَ لن ينتهي" |