"درس في المحبة .. وآخر في الوفاء!"
مضت خمسة أيام منذ عودتي إلى طوكيو، لأصدقكم القول لم يكن هناك شيء مميز حيال عودتي إلى هناك .. لقد نُقل أخي إلى مشفى طوكيو المركزي منذ اليوم الذي أتيت فيه مع يوكي، وما زالت أمي وعمتي آنـا تتناوبان على زيارته، وبالحديث عن سورا فقد استعاد بعضًا من نشاطه المعهود وبعد خضوعه لكثير من الفحوصات وتعافي بعض إصاباته بدأ ببرنامج إعادة التأهيل والعلاج الطبيعي.
بالنسبة لي فقد قضيت معظم وقتي مرافقًا لسورا، لم أقابل أو أسمع شيئًا من جدي البتة كما أن شيئًا لم يصل أو يحدث لعائلتي أو سـورا، مجرد أيام هادئة رتيبة، يوم يماثل اليوم الذي يليه دون إحراز أي تقدم في المسألة، لأصدقكم القول كان الأمر يثير جنوني، شعرت بأن الوضع أشبه بالهدوء ما قبل العاصفة ولكن ما باليد حيلة، قدمت بلاغًا للشرطة بالفعل ولم يصل منهم شيء، باختصار كنت عاجزًا كليًا فأنا لا أعلم أين وكيف سأبدأ بالتحري عما حدث لأخي حتى سمعت رنين رسالة ذاك المتجمد.
آنذاك كنت جالسًا في المشفى على كرسي بجوار سرير سورا الذي راح يتمرن على المشي في الممرات، لأصدقكم القول لم أتوقع تلقي شيء منه فلم تردني أي رسالة من طرفه منذ بداية الإجازة، فتحتها بتململ لأجده قد أرسل مقطع فيديو لآلن الذي كان يركض بجنون في حديقة منزل يوكي خلفه كلب يوكي المسعور يركض بأقصى سرعته، طغى على ذلك الفيديو أصوات ضحكات يوكي الشريرة وتوسلات جين له بأن يتوقف عن ذلك! تحت تلك الرسالة كُتب تعليق بسيط "من قلب الحدث".
لا أعلم لمَ ولكني سمحت لتلك الضحكة المكتومة أن تخرج مني، ربما لأني تذكرت ما حدث لي عندما طاردني دارك، لم أعيي إلا بدخول أخي للغرفة بعكازاته تعلو وجهه الابتسامة:
- روي، ما الذي يضحكك؟
- سأريك، لكن اجلس أولًا
بمساعدة بسيطة مني جلس أخي على سريره ثم أطلق تنهيدة تعب عميقة فما كان مني إلا وأن أخذت عبوة الماء التي كانت على الطاولة بجوار سريره وناولته إياها.
- شكرًا
- همم ..
- إذن، ما الذي كان يضحكك؟ لقد كنت ذو مزاج عكر منذ أن عدتَ إلى هنا
- هاه؟ أنـا؟
- ألم تلاحظ؟ دائمًا متوتر وتغوص في أفكارك عميقًا
- لأصدقك القول لم ألاحظ، هناك كثير من الأمور تشغل بالي .. أنت تعرف ..
- معك حق، أتمنى أن تُطوى هذه الأيام سريعًا
- أتمنى ذلك أيضًا
شعرت لوهلة أن جو الكآبة قد عاد للغرفة لذا استدركت الأمر سريعًا وناولت سـورا هاتفي "خذ وانظر على ماذا كنت أضحك" .. بعد لحظات قصيرة ظهرت تلك الابتسامة على محيا أخي أتبعها بضحكاته الهادئة ثم أضاف:
- ضحكات صاحب المقطع مضحكة أكثر من المقطع ذاته، كما لو أنه كان يأخذ بثأره أو ما شابه! مملوءة بالشر إلى حد كبير!!
- أضمن لك ذلك، لقد حذر يوكي آلن مراراً من أن يأتي إلى منزله ولكن هذا الآخر أبا إلا أن يقوم بمعاندته
- أتعرفهم؟! ظننته فيديو متداول أو ما شابه
- آه .. صحيح .. لم أخبرك عنهم .. إنهم زملائي في الجامعة، يوكي وآلن
- آلن ويوكي؟ ههههههههههه يبدون مسلين للغاية .. لابد أن علاقتك بهم قوية
- همم .. نوعًا ما ..
- حقًا؟ من النادر أن تُنادي أحدًا باسمه الأول لذا ظننت أنه أخيرًا أصبح لديك أصدقاء
- أخيرًا أصبح لدي أصدقاء؟ لطالما كان لدي العديد منهم!
- همم .. أعلم، ولكنك نوعًا لا تعتبرهم كذلك
- م - ماذا تقصد ..؟
- أتحدث أصدقاءك في الثانوية عن مشاكلك؟
- كلا !
- أتتسكع معهم طويلًا ؟
- ليس تمامًا
- هل سبق وأدخلت أيًا منهم منزلنا؟
- قطعًا لا!
- رأيت؟ هذا يعني أنهم لا يشكلون شيئًا لك! كلنا نعرف ذلك عنك .. علاقاتك كثيرة، ولكنها ليست عميقة! أنت لا تعدهم أصدقاء .. بل مجرد زملاء!
لم أستطع الرد على كلام أخي فقد أدركت لحظتها أنه يعلم عني مالا أعلمه، ما قاله عين الحق، فبعد التأمل في علاقاتي ما هي إلا علاقات تمضية وقت .. عدا ذلك لا شيء مميز، لا يمكنني إلقاء اللوم على الآخرين فكثير من الذين قابلتهم وتعرفت عليهم هم أناس "رائعون بحق" .. لذا محال أن تكون المشكلة بهم بل هي على الأرجح المشكلة فيي أنا! بدا الأمر كما لو أنني كنت أبني حاجزًا حول نفسي طوال الوقت .. حاجزًا لم أسمح لأي كان بتخطيه ولو حتى لمرة واحدة .. من ناحية أخرى فقد ذلك ذكرني أيضًا بيوكي! كيف جعلني أبيت في منزله وأدخلته منزلي، كيف ساعدته في مشاكله وساعدني في مشاكلي .. أيعقل أنه من بين كل الخلائق .. ذلك المجنون هو الوحيد الذي أعتمد عليه! هذا جنون!
- أود حقًا رؤية الفتى الذي يضحك، ألديك صورة له؟
- كلا
- لننظر إلى صورة عرضه إذن
- همم .. هو لا يضع صورة عرض مع الأسف..
- اطلب منه صورته إذن ..
- هاه! ولمَ أفعل هذا؟ سيبدو الأمر مريبًا إن طلبت منه صورته
- وما المريب في ذلك، اعطني هاتفك!
- أوي!! أعد هاتفي يا سورا
"أتخيل الابتسامة الشيطانية تعلو وجهك بعد ما فعلته بذلك المسكين!" كانت تلك هي الرسالة التي أرسلها سورا ليوكي فما كان من ذلك الآخر حتى أرسل صورة لنفسه مع تلك الابتسامة الشيطانية تحمل تعليقًا عليها "بالطبع سأبتسم!"
اتسعت عينا سورا من الصدمة فور أن رأى وجه يوكي لأتذكر على فوري ردة فعل عمتي آنا فور أن رأت يوكي لأول مرة، أردت استغلال الموقف وسحب بعض الإجابات من سورا ولكنه بادر بسؤالي عوضًا عن ذلك "ملامحه باردة للغاية على عكس ما توقعت! ما اسمه؟"
بلا تردد أجبته "براون يوكي" لتعتلي وجهه تعابير جامدة عجزت عن تفسيرها، خيم الصمت علينا بضع ثوان فما كان مني إلا وأن حاولت كسره بسؤالي "أتعرفه؟"
هز سورا رأسه نافيًا ثم أتبع ذلك بقوله "لم يسبق لي أن رأيت في حياتي ملامح ميتة كملامحه لذا أثار الأمر استغرابي"
بالطبع لم تشبع تلك الإجابة طمعي فما كان مني إلا وأن عاودت سؤاله:
- ولكن عمتي آنا تفاجأت لدى رؤيته!
- عمتي آنا قابلته؟!
- أجل، لقد أتى معي المرة الماضية ..
- و - وماذا قالت؟
- قالت أنه يذكرها بشخص آخر
- هكذا إذن.
بدت تلك المحادثة غير مريحة على الإطلاق، لم ينظر أخي سورا لعينيّ مطلقًا، بل لم يرفع رأسه عن هاتفي منذ أن رأى صورة يوكي، لم أحتمل البقاء صامتًا لحظتها فقد أصبح الموضوع يزعجني بشكل كبير لذا قمت من كرسيي وجلست أمامه على السرير بعد أن أخذت هاتفي من بين يديه ثم سألت:
- أصدقني القول، أتخفون شيئًا عني؟
- نخفي شيئًا عنك؟ مثل ماذا؟
- أنت تعرف!
- أعرف ماذا؟ ما الذي تريد الوصول له بالضبط!
- متى التقينا بيوكي وكيف تتذكرونه جميعكم إلا أنـا!
لوهلة اتسعت عينا سورا من الصدمة ولكنه ما لبث إلا وأن حاول إخفاء ذلك بعجز:
- هـ - هاه؟! التقينا به؟! كيف خطرت في رأسك هذه الفكرة؟! لا أّذكر حتى أنني قابلته فيما مضى!
- كفاك كذبًا .. حتى الطبيب براون بنفسه سألني ما إن كنتُ "سورا أو روي!!" مما يعني أننا التقينا به وبوالده!
- الطبيب براون!! من هذا؟! أٌقسم لك أني لا أعرفه!
- هممف .. وأنا الذي ظننت أنك ستخبرني بشيء أو اثنين!! جيد .. لا حاجة لأن يخبرني أحدكم بالأمر .. عاجلًا أم آجلًا سأكتشف ذلك!
- ا – انتظر!! روي!!
خرجت من الغرفة غاضبًا ثم غادرت المشفى على الفور، لا أعلم حقًا لمَ غضبت عليه .. مؤخرًا أصبت سريع الغضب والانفعال على غير عادتي لذا ولأصدقكم القول فضلت المغادرة على أن أفرغ غضبي على أخي الذي لا ذنب له، بقيت أتجول بسيارتي هائمًا في شوارع طوكيو المزدحمة باحثًا عن مكان هادئ آوي إليه.. وبالفعل دخلت أحد الأحياء السكنية لأجد فيها حديقة صغيرة بها بعض الأطفال مع ذوييهم .. نزلت من سيارتي بهدوء ورحت أجلس على أحد مقاعدها ثم رفعت عيني إلا السماء وتنهدت بعمق، لم يكن هناك أفضل من ذاك المكان لتهدئة الأعصاب لذا بقيت جالسًا بهدوء أتأمل الأطفال وهم يلعبون محاولًا التخلص من الهموم التي ملأت رأسي.
لم أحرك إنشاً واحدًا من جسدي حتى بدأت الشمس بالغروب وبدأ المكان يخلو من ساكنيه شيئًا فشيئًا .. وكالعادة بدأ شعور الوحشة يملأ قلبي لذا قررت المغادرة بدوري ولكنني ما لبثت إلا وسمعت صوتًا رقيقًا بجواري
- ألست .. السيد شيجيرو؟
- هاه؟