مقطع : كلام الراوي ( و الذي هو بطل القصة ) [ مقطع ] : وصف للمواقف و الحركات [ مقطع ] : للمكان أو الزمان مقطع : كلام الشخصيات بصوت مسموع مقطع : كلام داخلي أو تفكير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : للفصل بين المشاهـد * : مصطلـح سيتم شرحه اِحـذر .. أنت في بونـة ! . . [ هذه القصـة من وحي الخيـال .. أي تشابه مع الواقع في الأسماء أو الأحداث محض صدفـة ] جوهرة المتوسط .. عاصمة الصناعـة .. عاصمة المالوف .. أو " هيبـون " التي تعني " خليج الملك " و تعود تسميتها إلى ما قبل التاريخ .. " بونـة " الجميلة كما سماها المستعمرون .. و أخيرا " عنابة " مدينة العناب بعد الإستقلال ~ لكنها بعيدا عن كـل هذا و على الجانب الآخر من الميزان .. عاصمة " الحرقة " * .. عاصمة المخدرات .. عاصمة المافيـا في البلاد إن صح القول ~
أجل .. هذه المدينة التي تصنف من أجمل المدن في البلاد و التي تستقطب عددا جيدا من السياح بشواطئها الذهبية المتعـددة و بمناظرها الطبيعية البديعة و طبعا معالمها التاريخية التي لا تزال تشهد على مرور حضارات عظيمة عليها هذه المدينة الجميلـة خارجيـا بجانبها المشرق المتألق .. مثلها مثل بقية مدن الجزائر .. أو لنقل " العالم " .. أو ربما أكثر من البقية بقليل .. تملك جانبا آخر مظلما .. قد يعلم به البعض و لا يعلم به الآخر .. فكل شيء يتعلق بالمكان الذي تتواجد به .. و بالطبقة التي تنتمي إليها .. هذه هي مدينتي .. سأكذب إن قلت أنني أكرهها .. و سأوصف بالمنافق إن قلت أنني أحبها في الواقع .. لا يتعلق الأمر بالحب أو الكره .. ففي النهاية .. الشخص يتمسك دائما بالمكان الذي ترعرع فيه طوال حياته أوه لحظة .. لنضع التمسك جانبا بما أننـا في عاصمة الحرقة .. فها هو ذا ذلك الكورنيش البحري البديع يتحول إلى منصـة انطلاق لقوارب الحراقّة ليلا ~ نحن في أواخر الشتاء .. الجو لا يزال باردا لكن الأمطار نادرة .. رغم ذلك .. مهما كان الجو هادئا فلا يجب الاستخفاف بذلك البحر الهائج الذي يرمي أمواجـه جيئـة و ذهابا آخذا معه كل ما يجده في طريقـه الفئة المحظوظـة ستصل للجانب الآخر بأمان .. أما الآخرون فسينتهون كطعام للأسماك - أهلا علاء ! لم نرك تتسكع هنا منذ فترة .. أتريد الذهاب في جولة أنت أيضا و الاستقرار في شوارع سردينيا الأنيقة ؟ علاء [ ابتسامة ساخرة ] : و من سيعد لي المحاجب * في إيطاليا ؟
- تشيه .. ستعوضك البيتزا و الباستا .. ألن يكون ذلك كافيا ؟ علاء : يمكنني أكل البيتزا و الباستا هنا أيضا كما تعلم ~ كما أنني .. [ ضحكة خافتة ] أستطيع كسب مبالغ طائلة بالإشراف فحسب على رحلة كهذه .. بدل أن أكون جزءا منها ~ - أوهوو .. هذا هو علاء الذي أعرفه .. إذن أستفعلها ؟ علاء [ يحك رأسه ] : لا .. لقد وعدت أحدهم بألا أفعلها مجددا و لدي أشياء أخرى للاهتمام بها حاليا بالإضافة إلى [ يحدق بأمواج البحر ] لن تصل القوارب اليوم إلى أي مكان نظرة واحدة كافية لإدراك ذلك .. أرى أن أصحاب المهنة مؤخرا لا يملكون أي مهارة في هذا المجال - [ يغمض عينيه ] هكذا تسير الأمور هنا كما تعلم .. الشباب هناك راهنوا بكل شيء بعد أن فقدوا كل شيء هنا .. فإما النجاح و إما الموت و لا خيار ثالث لهم ! علاء [ بنظرة حزينة ] : ... حلم العمل .. حلم الحصول على منزل و سيارة .. حلم تكوين أسرة .. حلم السفر .. حلم عيش حياة رغيدة .. أجل .. تلك الأشياء التي تسمى " حقوقا " في البلدان المتحضرة هي أشبه بالحلم هنا فمهما بلغت قدراتك و مهما بذلت من مجهود و مهما كان مستوى شهادتك الجامعيـة ما لم تملك معارفا ذوي سلطة و نفوذ .. أو لم تكن من عائلة مرموقـة غنية فسينتهي بك الحال تعمل في أسوأ الأماكن و أكثرها استغلالا مقابل مبلغ زهيد لا يكفي حتى كأجر للمواصلات الأعمال الجيدة ذات الرواتب الجيدة لا يقترب منها سوى أبناء عم المدير و أصحاب " التشيبا " *
أو دعنا لا نكون متشائمين و لنكتفي باعتبار أن 80 % مما سبق ذكره صحيح ففي أحيان نادرة .. تكون هناك بعض القلوب الرحيمة العادلة التي توظف أشخاصا حسب كفاءاتهم رغم أن ذلك نادر الحدوث .. و لهذا بالتحديد فهناك من قرر التخلي عن وطنـه و الترحال عبر البحار بحثا عن حياة أفضـل .. لكن، حتى ذلك الترحال يحتاج لمبلغ معتبر من المال .. و من الأفضل ألا نسأل حتى كيف حصل عليه أصحابه .. [ يقف علاء و يغادر صامتا .. ] في الواقع .. بعيـدا عمن يختار الهجرة لبلدان أوروبية .. فهناك عدة خيارات متاحة لشبابنا .. أولها العمل .. في أي مكان كان و القبول بأي ظروف كانت .. ذلك يعني الانتحار البطيء لكنه على الأقل سيسمح للفرد بعيش حياة مستقيمة حتى الأخير سيكسب مالا قليلا بالكاد يكفيه للعيش لكنه لن يموت جوعا على الأقل .. الخيار الآخر هو الاستسلام و البقاء دون عمل حتى " يفرج الله " لكنها أحيانا تفرج و أحيانا تودي بالفرد إلى التشرد في النهاية .. فحتى رسولنا الكريم قال " اعقلها وتوكل " .. من لم يؤتي بالأسباب فلن يحصل على شيء ~ و أخيرا و ليس آخرا .. الباب الذي لا يجدر بأحد طرقه .. باب الجانب الأسود المظلم .. و هو أيضا باب المال السريع .. المال الذي يأتي بطرق سيئة .. أو لنسميه " المال الحرام " بكل بساطـة .. و هو ما غامرت به .. و غامر به الكثير .. و تورطنا في النهاية في دوامة لا مخرج منها .. كنا نتحجج بالظلم .. بالدولة غير المبالية .. بالظروف القاهرة و لطالما اعتبرنا أن الضروريات تبيح المحظورات .. لكن .. بعد أن جربنا ذلك فقد أدركنا أنها كانت مجرد حجج واهية و أننا في النهاية كسبنا المال لكننا فقدنا ضميرنا في المقابل .. أو جزءا كبيرا منه .. كما يحدث معي و يا ليتني فقدته كله لعل قلبي يتوقف عن الاعتصار هكذا كلما تقدمت أكثر في هذا الطريق .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [ بلاص دارم ( القصبة القديمة ) - عنابـة ] هذا الحي العريق الذي نلتمس منه مسحة العمران الأندلسي الأصيل و الذي لو كان في مكان آخر لربما تحول لمتحف معماري أنيق أصبح مكانا يعج بالعائلات الفقيرة التي تعيش في تلك المنازل القديمة الرثة التي بالكاد تتماسك أساساتها و التي لغاية الآن لم تجد أي دعم من الحكومة لإعادة تهيئتها و تجديدها .. و أينما تواجدت هذه الظروف فسيتواجد أشخاص ملوا من الحياة و أصبحوا يبحثون عن أي ملاذ لنسيان الهموم و هو المكان الأمثل لـ " تجار المخدرات " الحبوب المهلوسة .. الكيف المعالج .. و الكوكايين .. الأخير أصبح متداولا بكثرة رغم أن الحصول عليه كان صعبا في وقت من الأوقـات و لا داعي للحديث عن سرعة إدمانه فتكفي جرعة قليلة منه لجعل الأخ لا يفكر سوى به لما تبقى من عمره ~ من يقترب منه لمرة يصبح زبونا دائما لدينا لوقت طويل .. حتى يدخل السجن أو توافيه المنية إن صح القول إما بسبب المخدر نفسه أو بسبب ما يقترفه للحصول على مال لشرائه على أية حال .. التواصل مع آخر السلسلة ليست مهمتي .. فكل ما علي فعله هو توصيل السلعة لتجار التجزئة [ يتوقف علاء أمام أحد المنازل .. ينظر خلفه بحـذر .. بعد لحظات يطرق مرتين على الباب مع ترك فارق زمني بين الطرقتين ] [ تخرج فتاة في العشرينيات من عمرها ] - [ تمد يدها ] : السلعـة ! علاء : ... شد مد *
[ تخرج الفتاة كيسا أسودا و تفتحه لتري علاء حزم المال الموجودة فيه ] [ ينزل علاء حقيبة ظهره و يفتحها .. كانت تحتوي على ثلاث أكياس بلاستيكية ملفوفة بشريط لاصق ] [ تتم عملية التبادل ليغادر علاء المكان على الفور بعد أن التفت خلفه لمرة واحدة .. ] رؤية نساء تعملن في هذا المجال لم يعد شيئا غريبا مؤخـرا فقد أصبحن مجرد وسائل لتخطي الجهات الأمنية هناك حتى من يستخدمون أطفالا للتوزيع المباشر للسلع على الزبائن بأقل المعلومات الممكنة و دون تواصل مباشر مع أصحاب العمل حتى لو قُبض عليهم فلن تصل الشرطة للرأس المدبر مهما حاولت كما أنهم غالبا ما يحصلون على إطلاق سراح مشروط بسبب سنهم .. أشعر بالأسى على من تورطوا في هذا العالم خارج إرادتهم، لكن .. ماذا عسانا نفعل .. [ يتوقف علاء بعد أن اجتمع أمامه بعض الشباب ] علاء : ... - سلم المال علاء [ بنظرة باردة ] : و إن لم أفعل ؟ [ يضحكون ] كانوا أربعة أشخاص لا يختلفون عمن اعتدت على التعامل معهم .. شكلا و مضمونا .. سكاكين بمختلف الأشكال و الأحجام و وشوم تملأ جسدهم و فوق ذلك يبدو أنهم منتشون حتى النخاع .. أجل .. هذا أيضا ليس غريبا .. لنقل أنه أشبه بالهروب من الواقع الكثيرون يلجأون لذلك حتى لا يشعروا بأي شيء عندما يقومون بأفعال " غير أخلاقيـة " .. مبدئيا .. علاء [ يتنهد ] : من أرسلكم ؟ حسنا أتوقع أنه لا حاجة لطرح مثل هذا السؤال .. من الواضح أنه نفسه من أرسل بطلب السلعـة يريد السلعة مجانيا إذن هاه .. يا للطمع ~ آآخ .. لذلك أكره التعامل مع الجدد انسوا الأمر .. يبدو أنكم لا تعرفون بعد مع من تتعاملون - [ نظرة مخيفة متكلفة ] هاااه ؟ [ يتقدم علاء متجاهلا من أمامه لكن سرعان ما يهاجمه أولهم بسكينه يمسك علاء ساعده قبل أن يصل السكين إليه ] علاء [ بصوت خافت ] : أعطيتكم أكثر من فرصة .. [ يسحب علاء خصمه و يركله بعنف على بطنـه يسقط أرضا على الفور يتفاجأ الثلاثة الآخرون فيتراجعون قليلا تاركين بعض المسافة بينهم ] الشارع كان ضيقا بالفعل - كما هو معروف في شوارع القصبة - و بالطبع فهو مجرد ممر للراجلين لا يتسع حتى لمرور سيارة واحدة .. [ يشير أحدهم للآخران فيبدآن بالتقدم تدريجيا في وضعية هجومية - متمايلة - مع السكين في المقدمة ] علاء : مع هذا التوازن المعدوم فما الذي يمكنكم فعله بالضبط ؟ القتال تحت تأثير المخدرات لديه " الكثيــــر " من المساوئ .. خاصة إن كان قتالا ضد شخص متمرس =) [ يرن هاتف علاء ] علاء [ يجيب ] : نعم ؟ .. أجل كل شيء على ما يرام .. سأكون هناك بعد 15 دقيقة [ يقـطع الاتصال ] علاء : للأسف لا وقت لدي للعب [ ابتسامة ساخرة ] [ يضع علاء حقيبته أرضا .. يخرج سكينا مطويـة من جيبه .. يفتحها ] [ لم تمض لحظات حتى كان جميع خصومه أرضا ] علاء [ يتنهد ] : لقد حاولت أن أكون " لطييييفا " بقدر الإمكان أخبروا زعيمكم بأنني سأزوره شخصيا إن تكررت هذه السخافـة مجددا [ يحمل حقيبته و يتقدم مغادرا ] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [ فنـدق شيراطون - وسط المدينـة ] هذا الفندق الذي افتتح قبل بضعة سنوات نال المركز الأول من حيث غلاء الأسعار ليلة واحدة فيه تتجاوز الراتب الشهري لبعض الموظفين هنا .. أما عن الذين يبذرون أموالهم عليه .. فالأمر واضح .. رجال الأعمال و السياسة .. و رجال العصابات .. المجموعة كلها يمكننا اعتبارها من نفس " النوع " في الواقع .. فكلهم عصابة لعينة كل ما في الأمر هو أن هناك من يصرح بذلك .. و هناك من يحاول إخفاءه .. و عن أي إخفاء نتحدث .. فالجميع يعرف لكن لا حياة لمن تنادي [ في مقهى الفنـدق ] ما إن دخلت حتى بدأ الجميع يحدق بي .. كالعادة .. فرأسي كاف ليدلهم على أنني لست شخصا ينتمي إلى هذا المكان لكن لا يهم .. أتيت للقاء أحدهم .. " الزعيم الأعلى " بالتحديد .. أوصل إليه الغنيمـة .. أتقاضى أجري .. و ثم أغادر ببساطة ~ [ يتوقف في جانب القاعة حيث كانت هناك أريكة كبيرة يجلس عليها شخص يبدو ميسور الحال يحيط به مجموعة من الرجال الذين يرتدون الأسود و أمام الأريكة توجد طاولة صغيرة مليئة ببعض المشروبات .. الغازية منها و الكحولية ] - أهلا علاء ~ ألم تتأخر قليلا اليوم ؟ علاء : ... [ يمد الحقيبة - يأخذها أحد الرجال و يتقدم بها نحو الزعيم ] - [ يدخن الشيشة ] ممتاز .. كما تعودنا منك يا بطـل [ يخرج حزمة من المال و يرميها لعلاء ] [ يمسكها علاء و يهم مغادرا ] - انتظر ! [ يتوقف علاء .. يستدير ] علاء : ما الأمر ؟ - [ بنبرة شك و ريبة ] ألم تلتقي بسامي مؤخرا ؟ علاء [ بدون تردد ] : لا لم أفعل - تشيه .. ذلك الوغد لم يظهر وجهه منذ أسابيع منذ وفاة أخته الكبيرة بسبب ارتفاع الضغط عندما كانت تنظف أحد المنازل كخادمة ! يا له من أحمق .. لقد نصحته عدة مرات بإحضارها إلى هنا .. كنت لأجد لها عملا " لائقا " و يكسبها الكثير ~ [ صوت تحطم ] [ سقطت بعض الكؤوس و القارورات التي كانت على الطاولة بعد أن ركلها علاء بعنف ] علاء [ نظرة مخيفة ] : ... ! [ يغمض عينيه محاولا تمالك نفسه بصعوبة ] [ يفتحهما مجددا ] علاء [ ببرودة ] : انتهى عملي هنا .. لا حاجة للاستماع إلى المزيد، أليس كذلك ؟ ما الذي يمكننا توقعه من أشخاص كهؤلاء ؟ إن كان هنالك سبب لتدني مستوى المعيشة في بلدنا فهو بالتأكيد جماعة الحثالة السارقة التي تتربع على قمة الهرم أشخاص عاشوا دون أدنى اهتمام بمن هم دونهم و كل ما يهمهم هو إرضاء مساعيهم الخاصة و ملء جيوبهم و نحن .. نحن مجرد بيادق يحركونها متى شاؤوا و يتخلصون منها متى ما دعت الحاجة .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [ الكـور ( ساحة الثورة ) - وسط المدينة ] عكس الدول الأخرى .. فالمواصلات ليلا غير متوفرة .. في مدينتنا على الأقل لذا إن لم تكن تملك سيارة أو دراجة نارية فخيارك الوحيد هو استقلال فرودور *
[ يركب علاء احدى السيارات ] علاء : الشعيبة .. *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [ الشعيبـة - سيدي عمـار - عنابـة ] عندما نتحدث عن سيدي عمار فنحن نتحدث عن أحد أخطر المناطق في المدينة إن كان علينا تصنيفها فمبدئيا ستكون في المركز الثاني أو الثالث ( بعد " بوحمرة " و " سيدي سالم " ) لماذا و على أي أساس ؟ هممم .. ربما لأن هذه الأحياء تحتوي على الطبقة الأفقر و التي خصصت لها ميزانية الولاية أقل اهتمام ممكن انتشار القمامة و الأحياء القصديرية و قلة المرافق العمومية أليس هذا هو السبب الرئيسي لانتشار مختلف الآفات الإجتماعية ؟ رغم تواجد بعض الأحياء الغنية و المتوسطة هنا و هناك فمثلا لدينا الشعيبة .. إنها المنطقة التي أقطن فيها و التي ترعرعت فيها منذ صغري إذا نظرنا يمينا فسنرى حي UV12 المعروف بسكناته ذات السقف المنحني طبعا أتحدث عن السكنات الأصلية التي كان يقطنها العمال الروس الذين كانوا يعملون في مصنع الحديد و الصلب قبل أن ينتهي عقدهم و يعودوا لبلدهم ثم توزع تلك السكنات على السكان المحليين للمنطقـة .. تلك السكنات و نظرا لمضي عقود عليها فقد فضل الأغلبية هدمها و تحويلها لفيلات فاخرة البعض الآخر لا يزالون يحتفظون بها كما هي، خاصة التي لم تتأثر بفعل الزمن .. أما إذا نظرنا شمالا .. فها هي تلك البيوت القصديرية الصدئة تملأ المكان و لا يفصل بين المنظرين سوى طريق غير معبد من يمشي فيه يتخيل نفسه لوهلة في أحياء ريو دي جانيرو في البرازيل حيث يتقابل عالم الفقر ببيوته القصديرية من جهة و عالم الغنى بناطحات السحاب من جهة أخرى حسنا .. للأسف ليس لدينا ناطحات سحاب في الجزائر =) عند التفكير في الأمر .. بلدية سيدي عمار تحتوي على أكبر مصنع للحديد و الصلب في إفريقيـا بأكملها لو كانت الأمور عادلة لخصصوا بعض أرباحه لتطوير المنطقة لكن للأسف .. تلك الأرباح تذهب مباشرة لخزينة الدولة و حتى عندما يتم توزيعها فالقسط الأكبر يذهب لبلدية عنابة و البلديات المجاورة لوسط المدينة أليس ذلك ظلما نوعا ما ؟ نحن من يستنشق كل تلك الغازات و يعيش في كل ذلك التلوث و بعدها تذهب الأرباح لأشخاص آخرين ؟ على أية حال .. التفكير في كل هذا سيجلب لي الصداع فحسب .. من الأفضل أن أعود لمنزلي المهترئ ذاك في تلك الكومة من القصدير و أجد زاوية أنام فيها لساعات قليلة قبل طلوع الشمس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [ بعد 5 ساعات - الساعـة 7 صباحا ] - أوي استيقظ .. علآآآآء .. يوهووو .. إن لم تستيقظ فسآكل نصيبك من الفطور ! علاء [ يفتح عينيه منزعجا و هو نصف نائم ] : لؤي .. تبا لك .. لؤي [ يضحك ] : تعال بسرعة فأمي لم تتوقف عن اغتيابك منزعجة من عودتك المتأخرة كالعادة [ يحك علاء عينيه .. يتثاءب ثم يحاول القيام ببطء ] أجل و كما هو واضح .. نحن من أولئك السكان الذين يصنفون كـ " طبقة الفقراء " هنا و نحن الطبقة الأصلية بالمناسبة ~ كي لا تتم مقارنتنا بهؤلاء الذين اختاروا العيش في بيوت قصديرية عمدا مؤقتا من أجل أن تمنحهم الدولة سكنات اجتماعية بعد معاينة وضعهم أولئك الأوغاد يسرقون مكان الفقراء الحقيقيين و يأخذون ما هو موجه لهم في الأصل لا أملك كلمات مناسبة للتعبير عن أمثالهم لذلك سأصمت فحسب .. بعد أن بدأت العمل - في المجالات غير القانونية - فقد كسبت ما يكفي من المال حتى أنني اشتريت منزلا في غضون سنتين لكن أمي رفضت رفضا قاطعا الانتقال إليه قبل أن أخبرها بمصدر مالي و من المجنون الذي سيفعل ~ .. لذا ها نحن ذا نسكن في نفس البيت القصديري لغاية الآن ~ توفي والدي عندما كنت مراهقا .. بعد ولادة أخي الصغير لؤي بأربع سنوات و منذ ذلك الوقت و أنا أعتبر نفسي كـ " رجل المنزل " ربما لذلك حاولت كسب المال بأي طريقة كانت متناسيا الأساس أنا الآن في الـ 26 من عمري .. و لؤي في الـ 13 .. آه لحظة .. أعتقد أنه بلغ الـ 14 قبل بضعة أيام لقد نسيت ذلك تماما و لم أهنئه حتى بعيد ميلاده .. - إذن .. أين كنت ليلة أمس ؟ علاء [ بعد لحظة صمت - يشيح بنظره ] : كنت ساهرا مع أصدقائي .. و كما هو متوقع فقد تم طردي خارج المنزل مع مهمة خارقة " لا تعد قبل أن تجد عملا محترما " لكن نبع الحنان تركتني حتى أنهيت فطوري على الأقل ~ حسنا .. هذا يتكرر كثيرا و مهما أبدت من ملامح غاضبة إلا أنها تسامحني في كل مرة و تتحير كثيرا عندما أغيب لفترات طويلة قلب الأم لا مثيل له .. جديا ! لؤي : أخي الغالي ~ علاء [ بريبة ] : و لماذا لحقت بي أنت ؟ ماذا تريد ؟ ألا تدرس اليوم ؟ لؤي [ يرفـع أحد حاجبيه ] : اليوم عطلة .. ألم تعد تفرق الأيام يا سيد بطّال ؟ علاء [ منزعج - يدفعه بكتفه ] : أصمت لؤي [ ابتسامة ساخرة ] : الأهم الآن .. لنذهب لحضور لقاء USMA ! * لدينا مباراة قوية في الكأس ضد فريق من الدرجة الأولى !
علاء [ يتثاءب ] : الجو بارد .. و الملعب صاخب .. لا أريد .. لؤي [ منزعج ] : ... [ بعد لحظة صمت ] إذن سأذهب بمفردي ~ وداعا يا أخ ! [ يركب الحافلة ما إن توقفت ] علاء : أوي ! آآآخ تبا .. في النهاية اضطررت للحاق بذلك المشاكس و ها أنا ذا معه في الملعب حسنا .. أعتقد أنني سأترك الأمر يمر و أعتبرها كهدية متأخرة لعيد ميلاده فحسب ؟ الملعب صاخب كما توقعت .. آلاف الأنصار اقتحموا المدرجـات قبل بدء المباراة بساعات لونيّ الأحمر و الأبيض في كل مكـان و أعلام النادي و شعاراته تكسوا كل المتفرجيـن الهوليغانز و الألتراس * يقومون بعمل مذهل بكل تلك الاستعراضات و الأشكال على المدرجـات
هذا طبيعي .. لطالما كان سكان الولايـة من أكبر مشجعي الكرة و قد تأثر الجميع عندما سقط الفريق للدرجة الثانية ثم الثالثة و بقي قابعا فيها خلال السنوات الأخيرة لم نتمكن من توديع الثالثـة و الصعـود للدرجة الثانية المحترفـة سوى الموسم الماضي و لا أصف لكم كم السعادة التي غمرت سكان الولاية و لا الاحتفالات الضخمة التي انتشرت هنا و هناك تحول الشارع العنابيّ لساحة عرس كبيرة خلال تلك الأيام ! . ها نحن الآن نخوض غمار بطولة الدرجة الثانية آملين أن نحقق مركزا جيدا يمنح الفريق فرصة التأهل للدرجة الأولى ( رغم أن ترتيب الفريق ليس ممتازا .. و قد يؤجل الحلم للسنوات القادمة .. ) كما أننا نبلي حسنا في الكأس و قد تأهلنا لربع النهائي
لكن أيضا .. اللعب ضد فريق من الدرجة الأولى ليس سهلا و الفارق في المستوى سيظهر قريبا .. على الأرجح لؤي [ صراخ ] : هــــــــــــــدف !!!!!! هواااااااه !!! [ هتافات و صراخ و شماريخ في المدرجـات ] علاء : ... صاخب جدا .. حسنا .. ربما الأمر ليس مستحيلا بعد كل شيء .. أقصد الفوز على فريق من الدرجة الأولى .. إن لعبـوا باستماتة و فعلوا كل شيء من أجل الفوز .. علاء [ يبتسم ] : من أجل كل أولئك الأنصار الأوفياء على الأقل ~ - ما هذه التعابير المتبلـدة الباردة غير المبالية ؟ حاول أن تفرح بطريقة " أكثر وضوحا " ما دمت قد تكبـدت عناء المجيء إلى الملعب ~ [ يلتفت علاء خلفه .. تتسع مقلـتا عينيـه ] علاء [ مصدوم ] : سـا .. مي .. ؟!! سامي [ يبتسم ] : من يراك سيعتقد أنك مشجع للفريق الخصم يا صاح ~ علاء [ نبرة جادة ] : أنت ! أين كنت طوال هذا الوقت ؟ [ يجلس سامي بجانب علاء ] سامي [ يسند خده على كفه ] : ماذا ؟ هل اشتقت لي لهذه الدرجـة ؟ علاء [ ينظر يمينا و شمالا متفحصا المكان ] : هم يبحثون عنك .. كان الجميع مشغولا باحتفالات الهدف الذي سجل للتو و ذلك من حسن حظنـا .. فحتى لو رفعنا صوتنا و نحن نحاول التواصل لا أحد سينتبه لنا .. سامي [ يتنهد ] : أجل .. أعلم .. هذا منطقي .. لكن من يهتم ~ سأغادر قريبا على أية حال ! علاء [ متفاجئ ] : تغادر ؟ سامي [ ابتسامة ساخرة ] : إلى ما وراء البحار ~ علاء : هذا ليس وقت المزاح سامي [ نظرة جادة ] : أنا جاد علاء [ بعد لحظة صمت ] : هل أنت بخير ؟ سامي [ نظرة حزينة ] : أجل .. أعتقد .. [ ابتسامة مزيفة ] عليّ ذلك ! علاء : ... إن كان هنالك شخص يمكنني تسميته بـ " أفضل صديق " فهو حتما هذا الشاب القبائليّ المشاكس رغم أن لقاءنا الأول لم يكن جيدا .. فقد كان من سكان الجانب الآخر ( الميسور الحال ) بعـد كل شيء .. كانت لهجته مختلفة .. يمكن رصدها من بعيـد و كان يتعرض للسخرية من البعض عندما كان طالبا في المتوسطـة كان يدخل في قتالات طوال الوقت بسبب ذلك .. و انتهى بالطرد في النهاية .. حسنا .. نحن سكان عنابة من ذلك النوع .. الذي يحب " المزاح " و ذلك المزاح يصبح ثقيلا من حين لآخر =) لنقل أنه بسبب ذلك أصبحنا نحمل السمعة الأسوأ من بين كل سكان شرق البلاد أو البلاد بأكملها إن صح القول ! لكننا و الله لا نقصد سوءا .. أغلبنا على الأقل ~ و أحيانا لا يفهم البقية ما نقوله فحسب البعض يقولون أن لهجتنا سريعة و يصعب فهمها مقارنة مع بقية لهجات الجزائر .. هاها و فوق ذلك نحب التفاخر بأرضنا و عندما نكون بين جمهورنا فنحن غالبا ما نستعرض عضلاتنا لا يتعلق الأمر بالولاية فحسب .. فحتى الأحيـاء فيما بينها تتناوش من حين لآخر بسبب الانتماء " أنا في حيي و لا أحد سيتعرض لي .. تجرأ على وضع قدمك هنا يا غريب و سترى ما سنفعله بك " . سامي .. هممم .. ماذا عساي أقول عنه .. لا أدري كيف حدث الأمر بالضبط لكننا انتهينا في نفس العصابة في النهايـة بعـد مخالطتـه لبعض الوقت اكتشفت أنه شاب فخـور .. لديه ذلك " النيف الجزائري " * الذي يملكه أغلب سكان الجزائر لكنه أطول بكثير عند ذلك المشاكس ~
سرعـان ما أصبح ذلك السامي جزءا من محيطي الخارجـي و لم أحتج للكثير من الوقت حتى أحلل شخصيته و أدرك أنه صديق صدوق صادق الوعد منصفا كان اسما على مسمى .. ساميا بأخلاقـه و أهدافه و متمسكا بمبادئه حتى عندما كان يسير في أحلك الطرق ظلاما لكن .. وضعه الآن لا يبشر بالخير .. منذ أن فقد أخته الكبيرة التي كانت كل ما تبقى من عائلته فقد تجرأ على عصيان أوامر الزعيم و فوق ذلك اختفى دون سابق إنذار .. و حتما هم يترصدون به منتظرين أقل فرصة للإيقاع به ففي العصابة .. قانون الأوميرتا * قائم .. و لا يمكن ضمان تطبيق القوانين من طرف من يغادرون العصابة لذلك .. من يفكر في ترك العصابة كأنه حكم على نفسه بالموت ..
سامي [ يقف ] : حسنا إذن .. سعيد برؤيتك يا علاء ~ ربما سأعود بعد بضعة سنوات عندما أكسب ثروة هائلة [ ضحكة ساخرة ] علاء [ ابتسامة ساخرة ] : هه .. أتوقع أنك ستنسانا بسرعة عندما تقابل جميلات أوروبا ~ سامي [ يفكر بعمق ] : هممم .. معك حق .. أعتقد أنني سأعود بالأحرى مع فتاة شقراء جميلة لأذيقها المحاجب التي يعدها العم قدرو ~ علاء : يا خائن ! سامي [ يضحك ] : يا غيور، إن لم يعجبك الأمر فالحق بي ! علاء [ يقف أيضا - بنبرة جادة ] : اسمع .. حسب آخر المستجدات فسيكون البحر جيدا بعد 3 أيام .. لا تضيع الفرصة ! سامي [ يبتسم ] : حسنا .. [ بعد لحظة صمت ] شكرا يا صاح .. اهتم بنفسك و ها هو يغادر كمـا أتى .. لطالما كان من ذلك النـوع .. يأتي متى يريد و يذهب متى يريد و يفعـل ما يرضيه فحسب راميا عرض الحائط كل شيء آخر يعجبني الأشخاص من ذلك النوع .. ربما لذلك اتخذته صديقا .. و خير الصديـق كان ! . . [ يتبع في الرد التالي ] |