انتهت الصفوف الدراسية لذلك اليوم الخريفيّ الممطر، و إلينور غريفين، طالبة ثانوية في سنتها الأولى، نسيت مظلتها قبل خروجها من المنزل. جربت تجاهل الأمطار و المضي في طريقها كالعادة، إلا أنها أدركت عقم محاولتها فوضعت حقيبتها فوق رأسها و أسرعت إلى أقرب ملجأ، و الذي يصدف كونه محطة حافلات شغلها شخص آخر قبلها. في اللحظة التي وطأت قدمها أرض المحطة وضعت حقيبتها على الأرض ثم أخذت تمرر يديها على شعرها الداكن في محاولة لتجفيفه. على بعد حوالي خمس أمتار وقف شاب يستمع للموسيقى، استغرق إلينور بضع ثوان لتستدرك وجوده، فلم يكن له حضور مميز، إلا أن مظهره كان كذلك بالنسبة لها... طويل، نحيف و شاحب للغاية، شعره حالك السواد مربوط على شكل كعكة و عيناه المظلمتان تختبئان وراء نظارات طبية. ألقت الفتاة التحية كما كانت لتفعل مع أي أحد آخر بدافع اللباقة، حينها أبعد السماعات عن أذنيه و رمقها بنظرة متسائلة. -" قلتُ مرحبا"، كررت كلامها بابتسامة محرَجة عندما أدركت أنه لم يسمعها، يداها لا تزالان تعبثان بشعرها. -"أهلا." رد تلقائيا، نبرته معتدلة لحد ما. ابتسمت باتجاهه مرة أخيرة ثم أشاحت بنظرها، بصراحة لم ترد التحدث مع أي أحد الآن و خصوصا الغرباء، إلا أن إلقاء التحية أمر طبيعي لفعله بالنسبة لها، و لحسن الحظ فإن ذلك الغريب لم يرغب بفتح محادثة هو الآخر، حيث و بعد القليل من التردد قام بوضع السماعات من جديد. تفقدت وجوده بقربها عدة مرات بطرف عينها، لم يكن وسيما بأي شكل أو معيار، بدا كالظل في ملابسه السوداء تلك و حركته القليلة... أدركت بأنها ربما منحته اهتماما أكثر مما يلزم، فتلك لم تكن أول مرة تقابل فيها غريبا تحت ظروف كهذه و لن تكون الأخيرة، لذا عندما خف هطول المطر انتهزت الفرصة و أسرعت بالرحيل، كان أمر اللقاء قد غاب عن ذهنها بالفعل بمجرد وصولها للمنزل. -"لِمَ تأخرتِ؟" سمعت صوت والدتها يصيح فور تخطيها عتبة الباب. -"نسيت مظلتي و اضطررت لانتظار أن يخف المطر." -"هذا لأنكِ لا تركزين عندما أقول لكِ أن تفعلي شيئا! من ذا الذي يشغل أفكارك لدرجة أنكِ لا تستمعين لأمك؟!" تنهدت الفتاة باستياء...حقا؟ هذا النقاش مجددا؟! -"أمي... لستُ مع أي أحد..." -"اخرسي! بالتفكير في أن تربيتي ستذهب هباء! أمر لا يغتفر!" صرخت عليها قليلا بعد، تقول أمورا مثل أن انخفاض درجاتها لا بد و أنه راجع لكونها منشغلة بـ'مواعدة' أحدهم... لكنها تركتها و شأنها أخيرا عند عودة الأب إلى المنزل لتنشغل بمجادلة هذا الأخير. يمكن وصف حياة إلينور المنزلية بالعادية، عائلة صغيرة لها مشاكلها التي ربما تنتهي بتشتتها في النهاية، أو ربما لا تفعل. مر ما يقارب الأسبوعين منذ ذلك اللقاء العاديّ، وجه الشاب ذي النظارات يكاد يُمحى من ذاكرة إلينور. التقت بصديقتها المقربة من أجل تناول الغداء برفقتها، و لاحظت على الفور أن رفيقتها متحمسة على غير العادة اليوم. -"ليني ! هنالك شيء عليّ إخبارك به !" ثم جلست الفتاتان بجانب بعض في صمت تام لفترة، جعل ذلك إلينور تفقد أعصابها و تفاجئ صديقتها قائلة: -"ديمي، أقسم إن لم تتكلمي في الخمس ثوان القادمة سوف--" -"لقد وقعت بحب فتى !" ردت ديمي برعشة، متفادية النظر في عيني ليني. لمعت عينا هذه الأخيرة لتضع يديها بقوة على كتفيّ رفيقتها و تقول بحماس مفاجئ: "أريني إياه ! أخبريني كل شيء !" أمضت الفتاتان فترة الغداء تتبادلان الحديث عن الشاب المعنيّ، طالب في السنة الثالثة، ذكي، لطيف، ساحر، و أيضا 'جميل بشكل خاص' حسب كلام ديمي. لا شيء صادم بالنسبة لإلينور، فتلك المواصفات هي فعلا ما تفضله صديقتها، و التي أضافت في النهاية أن بإمكانها تعريفهما ببعض في حدود نهاية اليوم. -"أنذهب إليه أم هو يأتي إلينا؟" سألت إلينور بعد نهاية الحصص. أجابتها بأنهم سيلتقون في طريق خروجهم ببساطة، ثم أكملت الفتاتان السير نحو مقصدهما إلى أن توقفت ديمي و لوحت لأحدهم، بحثت ليني بعينيها بين الحشود عن الشخص المقصود و لم تكد تصدق عينيها عندما لمحت الهالة التي لوحت باتجاههم، إلا أنها قطعت شكها باليقين عندما بدأ الشاب الشاحب ذو الشعر الطويل يسير نحوهم. -"مرحبا..." حيّاهما بصوته الهادئ و المتزن. أسرعت ديمي بالوقوف بجانب الشاب لتقديمه قائلة: -"هذا هيث، السينباي الذي حدثتك عنه" عادت إلى جانب رفيقتها و استطردت: -"أعز صديقاتي، إلينور"، ثم أضافت مبررة استخدامها السابق لكلمة 'سينباي': "إنها أوتاكو كذلك" رفعت إلينور يدها كتحية و خاطبت الفتى بابتسامة عريضة: -"لقد التقينا من قبل، أتذكر؟ في المحطة، ذلك اليوم الممطر قبل بضعة أيام؟" التقت عيناهما الغامقتان لأول مرة عندما أجابها بنوع من البرود: -"لا أتذكر حصول أمر كهذا" 'ما كان ذلك؟' فكرت في تلك اللحظة، انتابها إحساس غريب بعدم الارتياح من هذا الشخص، و كأنه إما يكذب دون سبب وجيه أم أنه يبني حائطا حوله، لكنها ارتيابية بطبعها لذا تجاهلت ذلك الإحساس. حكت رأسها و قد احمرت وجنتاها قليلا لتستطرد بابتسامة محرَجة: -"حسنا، هذا الموقف محرج... انسَ ما قلته و حسب" لحسن الحظ، قاطعت ديمي الأجواء غير المريحة، عندما التفتت ناحية هيث لتخاطبه بحماس: -"بالمناسبة ! أعدت التفكير فيما قلته هذا الصباح، و أجد أن نظريتك ليست مستحيلة، إنما فقط... !" بشكل ما انخرطت إلينور في النقاش معهما عن الكثير من المواضيع المتنوعة، من علم النفس إلى الحديث عن النجوم و غيرها، بدأت الأمور تتضح شيئا فشيئا و فهمت الفتاة لماذا أُعجبت صديقتها بهذا الشخص، قلائل هم اللذين يمكنهم خوض مناقشة طويلة مع ديمي في شتى المجالات و إعطاء حجج مقنعة و رأي يؤخذ بعين الاعتبار، قررت في النهاية أن الفتى يروق لها و هو مناسب لرفيقتها. مرت الأيام، و ها هي ذي إلينور تجلس في فترة الغداء وسط الحشود ممسكة بهاتفها و تقول بسخرية: -"أنا من تنسى المظلة دوما ثم أنتِ تصابين بالزكام، هل أخطأت الكارما الشخص؟" رد صوت ديمي المبحوح من الطرف الآخر بانزعاج: -"و فوق ذلك تتجرأين على السخرية مني؟! انقلعي لدراستك هيا!" ضحكت ليني و تمنت الشفاء العاجل لرفيقتها لتضيف أخيرا: -"و هيث يسلّم عليكِ و يتمنى لكِ المثل" ثم أقفلت الخط و صبت تركيزها مجددا على السينباي الذي يقابلها، لاحظت أنه ليس مرتاحا رغم محاولته إخفاء الأمر. -"لنغيّر مكاننا" قالت فجأة بانزعاج زائف. -"إلى أين؟" سألها بهدوء. -"مكان أكثر هدوءًا و أقل ازدحاما" قادته بعيدا نحو أطراف جدران المدرسة، و استقر الاثنان تحت شجرة حيث لا يحيط بهما الكثير من الناس، كان هيث أول من ينطق: -"الأماكن المزدحمة تثير جنوني..." ردت الفتاة الجالسة بجانبه: -"لا أفضّلهم، لكنني لا أمانعهم أيضا." -"أعلم أنكِ قررتِ تغيير المكان لأني كنت منزعجا، لذا شكرا." رسمت ابتسامة مشرقة على شفتيها و أجبت بحماس: -"من الجرأة أن تفترض أني قد أفعل شيئا ما لأجلك." اكتفى بابتسامة ساخرة تظهر أنيابه كردّ على كلامها، حينها و فجأة شعرت بقلبها يقفز! أجل، هيث لم يكن وسيما بالمقاييس الكلاسيكية، إلا أن لديه بعض التقاسيم المميزة، كتلك الأنياب التي تجعله يبدو كمصاصي الدماء، و شعره الطويل المجعد الذي يضطر لربطه مع الأسف، عيناه وراء تلك النظارات... -"إذن، ما الأمر؟" قطع حبل أفكارها بسؤاله المفاجئ. اتسعت عيناها و عادت للتركيز على طعامها و ردت محاوِلة أن تبدو طبيعية: -"عن أي أمر تتحدث؟" -"لا بأس إن لم تريدي التحدث عنه، لكن لا تتظاهري أمامي أو تكذبي عليّ." و إلينور قد فهمت تلميحاته، ففي تلك الكلمات مديح مخفيّ لنفسه، النرجسي الأحمق... لا يمكنها التذمر من ذلك في الواقع، بما أنه يضحك على نكاتها السخيفة و يتحمل استمتاعها بإزعاجه، بل ربما يستمتع بالأمر كذلك. في الفترة القصيرة التي عرفت فيها هذا الفتى، ذُهلت إلينور بكل من مهاراته التحليلية و قدرته على الحفاظ على بروده، قد تكون هي فتاة صاخبة و من السهل لها إنشاء علاقات مع معظم الأشخاص، إلا أنها ليست كتابا مفتوحا، ليست من النوع الذي يخبر قصته لأي غريب يقابله، كما أنها لا تثق بالناس كثيرا حتى لو كانت تحبهم، لكن و لسبب ما فإنها لا تستطيع الكذب على هذا الولد، أو بالأحرى لا تريد ذلك، لكنها أيضا لا تريد إمضاء وقتها معه بالتذمر، لذا حاولت مرة أخيرة لتوضيح موقفها: -"لا بأس، أنا واثقة من أنه لديك ما يكفيك من المشاكل بنفسك..." -"لكنني سألت." رد بحزم. 'ما كنت لأسأل لو لم أهتم، ما كنت لأفعلها من باب الأدب مطلقا' شيء كهذا... لديها حدس بشأنه، و حدسها نادرا ما يخطئ، لذا و بطبيعة الحال تنهدت مستسلمة -و سعيدة بذلك- ثم أجابت: -"أظنّ أن والداي سيتطلقان... " كانت تحدق في ما حولها متجنبة النظر إلى هيث مباشرة، إلا أنها لاحظت تغيّر جلسته بينما أضافت: -"لا أعرف كيف أشعر حيال الأمر، لكنني أعلم أنه ليس بشعور ممتع." تنهدت مجددا لتبتسم بحزن ثم تنظر إليه أخيرا لترى تعابير غريبة مرسومة على وجهه، و تقول: -"لا عليك، ليس عليك أن تقول شيئا." أشاحت بنظرها بعيدا بنيّة أن تكمل طعامها عندما تفاجئت بملمس يد باردة تلتف حول أصابعها الصغيرة. في الأيام لقادمة اكتشفت إلينو و ديمي العديد من الأمور عن هيث، لم يكن يملك الكثير من الأصدقاء في المدرسة، أنه الأول في صفه -لم تتفاجآ بهذه المعلومة- كما أنه منخرط في أكثر من نادٍ، من الرسم للفيزياء لفنون القتال، يجرب أي شيء و كل شيء، و كأن عدم المعرفة أمر يزعجه إزعاجا لا يُحتمل، و ذلك متوقّع من متحاذق مثله. تلك لم تكن الأمور الوحيدة التي اكتشفتها الفتيات، حيث و على ما يبدو فبرغم كل نجاحاته إلا أن لدى هيث سمعة سيئة. لاحظ بعض أصدقاء إلينور و ديمي أنهما تتسكعان معه كثيرا مؤخرا، و لذا كان من واجبهم تحذيرهما، حسب كلامهم، فإن سحر و جاذبية هيث تعود لكونه متلاعب. شخص معتل اجتماعيا يستمتع باستعراض معرفته على الآخرين بطريقة جذابة، يجعلهم يعجبون به، ثم في النهاية يخذلهم دون سابق إنذار، تماما كما فعل مع حبيبته السابقة و التي عشقته لحد الجنون، فتاة لطيفة على قول أصدقاء ديمي، كانت جادة للغاية بشأن علاقتهما، إلا أنها مرضت و اختفت لفترة، و عادت فقط لتكتشف بأن هيث قد خانها مع فتاة أخرى! ليس ذلك و حسب، بل على ما يبدو فإنه يخطط لفعل نفس الشيء مع صديقة إلينور... لم تعرف هذه الأخيرة ماذا تفعل بهكذا موقف، هي التي لديها ما يكفي من مشاكلها الخاصة، تعلم أن صديقتها تتعلق بالناس بسهولة، و رغم أنها ليست بغبيّة إلا أن ذلك لا يعفيها من الحزن، لكن تلك لم تكن المعضلة الوحيدة، إلينور نفسها انتابها شعور مدمّر، بالطبع، فقد فقدت صديقا... هراء ~ هي تعرف الحقيقة، بينها و بين نفسها، إلا أنها لا ترغب بتقبلها قطعا، و ذلك ليس من شيمها مطلقا. فكرت بالأمر كثيرا، لقد سمعت جهة واحدة فقط من القصة، و التفاصيل بدت مبهمة للغاية، ثم لكل شخص كلام يختلف عن الآخر، هنالك من يقول أنه نرجسي منحرف، أو معتل اجتماعيا، يكذب دون سبب وجيه، غروره لا مثيل له، هنالك من يظن بأن طفولته كانت صعبة، و آخرون يقولون أنه بالتأكيد عاش حياة مملة للغاية لذا يحاول الترفيه عن نفسه، أو أن لا شخصية له و كل ما يفعله هو تقليد طريقة تفكير و عمل الآخرين، لأنه لا شيء بنفسه... أو حتى أنه يعتقد نفسه مختلا عقليا و يستعمل ذلك كمبرر لتصرفاته. انزعجت إلينور حقا من تلك التناقضات و الأحكام التي لا تدعمها أية أدلة، فكل من يأتيها يعتقد و بكل ثقة أن بإمكانه الحكم على إنسان دون أن يعرف عنه شيئا غير تلك الإشاعات. رغم تفكيرها ذلك إلا أنها تجنبته و صديقتها لقرابة الأسبوع، على ما يبدو فإن ديمي تورطت أكثر مما توقعت، لم يحصل شيء بينهما و لم يتواعدا، إلا أن صديقتها قد تعلقت بالفتى أكثر من المتوقع، و من قد يلومها... التقت إلينور بـ هيث بعد ذلك الفراق القصير صدفة، لمحته من بعيد مع ديمي، قالت هذه الأخيرة قبل أن يراهما أنها ستبتاع مشروبا، إلينور تعلم بأن ذلك مجرد عذر. تظاهرت إلينور بأن كل شيء على ما يرام، كلّمت هيث كالمعتاد و انتهى بهما المطاف يتسكعان كالعادة، و استمر الأمر على هذه الحال لعدة أسابيع، حتى أنه و بعد بضعة أيام عادت ديمي للحديث معه بشكل طبيعي، اتفقت الصديقتان في النهاية على عدم إفساد صدقاتهما مع هيث، لكن دون إخفاض دفاعهما. -"تصديق كلام الناس فعل أحمق، لكن تجاهله بالكامل أكثر حماقة." قالت إلينور في إحدى محادثاتهم. كان يوما ربيعيا باردا، الرياح القارسة تلامس وجنتيّ إلينور التي جلست في بقعتها تحت الشجرة بعيدا عن الناس، يداها اللتان تمسكان غداءها ترتجفان و رأسها مطأطأ بحيث يخفي شعرها تقاسيم وجهها، هنا ظهر شخص مألوف. كانت معها ديمي قبل قليل، ثم أصرّت على أن تبقى وحدها لهذه الفترة، إلا أنها ستكذب لو قالت أنها مستاءة لظهوره، هيث الذي ألقى عليها التحية كالعادة، لكن تغير سلوكه مباشرة بعد أول لمحة قريبة منها، رفع حاجبا و نظر إليها من فوق نظاراته الطبية ليسأل و في نبرته قطرة سخرية: -"ماذا هناك؟" ما إن سمعت صوته حتى أشاحت بنظرها في الاتجاه المعاكس لمكان جلوسه مخفية وجهها بمرفقها، لم يكن من النوع الذي يجبر أحدا للحديث معه، و لا من النوع العدائيّ أو المُلِحّ، لذا اكتفى بوضع يد على كتفها لتفهم بأنه باقٍ مع احترامه لخصوصيتها. استغرقها الأمر بضعة دقائق لتنظر إليه أخيرا، انتفخت عيناها و تلون أنفها بالأحمر، لا مجال للشك، كانت تبكي. لكن هيث لاحظ أمرا آخر أيضا، أزاح شعرها الطويل وراء أذنها لتظهر تحتها كدمة مغطاة بالمكياج، على ما يبدو لم يكن ذلك كافيا لخداع المحللّ النرجسي، و التهبت عيناه بالأسئلة مع أنه لم ينطق شيئا، ترك الكلام لـ إلينور التي نطقت أخيرا، بصوت مرتجف محاولة أن لا تنهار بالبكاء مجددا: -"إنهما والداي... لقد انتهى... انتهى الأمر بينهما..." ران صمت غير مريح لفترة قبل أن يسأل بنوع من العدائية مشيرا للكدمة: -"و هذه؟ من سبّبها لك؟" -"أبي، أمي... أحدهما... كلاهما... لا أعلم..." -"هنالك أمر آخر يزعجك." قالها و كأنها حقيقة لا يمكن نكرانها. تنهدت إلينور بعمق ثم نظرت إليه دون أن تتلاقى أعينهما لتقول باعتدال: -"أتعلم؟ لقد قيلت بعض الأمور عنك..." حاول إخفاء ردة فعله، لكن تغيرت تعابيره إلى ما بدا ضجرا و مللا، و بعض من الاستياء، بينما أكملت الفتاة: -"كل شخص يقول شيئا مختلفا، نسخة خاصة به من القصة تعكس حكمه عليك..." -"لن ألقي بالا للادعاءات التافهة و لن أبرر شيئا" رد بحزم. "ذلك لا يثبت سوى أن الناس يسعون وراء سمعتي." بحيوية أكثر قليلا من السابق استطردت إلينور: -"غير مهم، فلقد اتخذت قراري..." مجددا، حاول الاختفاء وراء قناع الهدوء و اللامبالاة، لكنه لم ينجح تماما، مازالت هنالك لمحة من توقه لسماع قرارها ذاك. أحكمت إغلاق قبضتيها لتردف بانزعاج: -"شخص يقول هذا و آخر يقول ذاك، أي رأي آخذ به بحق الله؟!" استرخت بينما تضيف: -"لم يمضي على تعارفنا وقت طويل، لكنك لم تكن سوى خير رفيق لي، أضحكتني و دعمتني و نصحتني..." التقت أعينهما أخيرا و شعرت إلينور بشجاعة مفاجئة، هي مدركة تماما لما تريد قوله، لما يمثّله لها هذا الفتى... -'بالنسبة لشخص ذكي فأنت لم تفهم شيئا، أنا أحب عيوبك و محاسنك، أحب نرجستيك و أحب ذكاءك، و أكرههم كذلك! أحب شعرك الطويل و أحب ابتسامتك الفخورة، أحب كونك تحب إزعاجي من حين لآخر، و أكره ذلك فيك! أحب كيف أنك تشجعني و تدعمني بطريقة قد تبدو قاسية إلا أنه حزمك و حسب، أكره عندما تفعلها! أحبك لألف سبب و من دون سبب، أحب وجودك بجانبي و أريد أن أكون معك طوال الوقت، و أكره ذلك! أنت شخص مميز بالنسبة لي، فأنا أكرهك، لكن الأهم... أحبك!' لكنها لم تقل ذلك... ابتلعت تلك الكلمات و رسمت ابتسامة مشرقة على تعابيرها و قالت بعزيمة: -"قررت أن لا أهتم لما قاله الآخرون عنك! أعتقد بأنك شخص يستحق المعرفة، لذا أريد أن أعرف المزيد عنك و أبذل جهدي لأكون خير صديقة لك كما كنت لي!" 'ما أحبه أكثر فيك... هو أنك الشخص الذي يجعل أعز صديقاتي في قمة السعادة، و أعلم أنك تبادلها الحب أيها التسونديري الأحمق، لذا فلتنطق بشيء و لتخلصها و نفسك من هذا العذاب!' -"لا أفعل هذا عادة" نطق فجأة. " و لكن بعد كل هذا...أظنكِ تستحقين أن أبرر لكِ سوء الفهم الذي تسبب بتلك الشائعات" أسدل شعره و خلع نظاراته، كأنه يريد أن يظهر حقيقته دون أي أقنعة ولا خدع أو أكاذيب... ابتسم ابتسامة صادقة و لطيفة، تعابير لم ترها على وجهه من قبل، و حينها قال: -"لقد كنتُ محقا بشأن أمر واحد عنك، أنتِ فعلا حمقاء" |