السلام عليكم ورحمة الله وبركاته^^
هذه مثل إضافة لرواية بهابيهو (بهارات زيادة ) لمن أحبّ بهاء
مثل أوفا مثلا لكن لا علاقة لها بالقصة الأصلية
(بالمناسبة من لم يقرأ الرواية الأصلية فلن يشعر بطعم هذه القصة)
معلش ع التصميم الرديء صممتُه بعجلة >هو في الحالتين رديء سواء صممته بعجلة أو ببطء XD
طفولة بهاء
ذكريات عثمان وطارق
_ في عمُر السادسة_
كانت المدرسة في السنة الأولى قد أقامت رحلة للطلاب إلى ملاهي مشهورة جدا
في إحدى المدن البعيدة والتي كان يستلزم السفر إليها لمدة ثلاث ساعات!
كانت تلك الملاهي هي الوحيدة في ذلك الوقت التي تبدو عليها الجودة والأمان للأطفال،
ولأنه لا يليق بـالمدرسة التي كان أبي يلحقنا فيها أن تذهب إلى أي ملاهي رخيصة
(كانت مدرسة لغات عربية غالية الثمن) فقد حددت يومًا في الأسبوع ننطلق فيه من الساعة السادسة صباحًا،
ونصل إلى المدينة التاسعة ثم نستريح قليلا في فندق قريب من الملاهي لثلاث ساعات أخرى
ويتم الانطلاق من الفندق في تمام الواحدة ظهرًا بعد طعام الغداء.
ثم نعود في الساعة الخامسة عصرًا وبعد العشاء ننطلق لنصل إلى بيوتنا في الساعة العاشرة مساء.
كان الأطفال متحمسين جدا لهذه الرحلة خصوصا بعد رؤية إعلانات مدينة الملاهي على موقعها في الانترنت
وكل تلك المميزات الخيالية التي تحتويها.
كنتُ ليلتها أغيظ أخي عامر الذي كان يذاكر دروسه باهتمام شديد من أجل امتحان الغد،
كنت أخُرج له لساني فيضربني بالكتاب ويخرج وأنا أنفجر في الضحك.
كانت أمي سعيدة للحظات الفرحة التي أنا فيها،
فمنذ أن أدخلني أبي في هذه المدرسة وأنا لا أتحمّل الحزم الشديد فيها وكثرة مواد اللغة العربية التي ندرسها،
بل وكمية حفظ القرآن اليومية التي يجب علينا حفظها.
لم يكن قد مرّ على بداية الفصل الدراسي الأول سوى أسابيع قليلة،
لم أتمكن خلالها من تكوين أصدقاء جدد لي، فطبيعتي هادئة ولا أحب التعامل مع غيري.
إلا أن هناك صبيًّا أثار اهتمامي في نفس فصلي، كان ذكيا وسريع الإجابة، لديه حس الدعابة أيضًا،
حتى أنه كان يُضحك الكثير من المدرسين الذين يدخلون علينا بوجه جامد،
وتعجبت من قدرته تلك في التقرب من المعلمين رغم أنه في مثل سننا!
وذات مرة حاولت الجلوس بجانبه والعرق يغمر وجهي الأبيض، كنت متوترًا،
لكنني تذكرت قول والدي لي بأن أتعرف معرفة ولو بسيطة مع أي ولد يثير انتباهي ليصبح صديقي في المستقبل،
فالعيش بدون أصدقاء حياة صعبة.
بدأت بشفاه مرتجفة أناديه، التفت إلي بعينيه الملوّنتين، ضحك في وجهي فجأة فأزال قليلًا من التوتر..
قال: أنت عثمان..! الفتى الهادئ في الفصل.. غير معقول، هل تود الحديث معي؟
ترددتُ فجأة وأنا أرى ملامحه الواثقة، لماذا خيُّل إلي أنه مغرور جدا!؟
هل أنا متأكد من أنني أريده صديقًا لي؟
تداركتُ نفسي والمدرس يدخل الفصل ليعود الجميع إلى أماكنهم،
ومنذ ذلك الحين وأنا متردد في اتخاذ أي صديق ما.
قال المشرف وهو يقف أمام باب الحافلة: هيا واحدًا واحدًا إلى الحافلة!
تقدّم الأطفال بصف منتظم وعلى وجوههم ابتسامة منفعلة وفرحة قوية بهذا اليوم.
صعدتُ سلم الحافلة وأنا أُمنّي نفسي بيوم حافل بالألعاب الرائعة.
وجدتُ مقعدًا فارغًا على الطرف فجلستُ عليه بتلقائية دون الانتباه لذلك الصبي الذي يجلس بجانبي ويحدّق في النافذة.
مرّت ربع ساعة حتى انتظم الثلاثون طالبًا في الحافلة،
ثم وقف المرشد يقرأ علينا بعض التعليمات، بعد ثوان انطلقت الحافلة أخيرًا في تمام السادسة.
حان وقت الالتفات لذلك الفتى الذي بجانبي،
نظرتُ بهدوء إلى شعره الأسود الناعم القصير، لم يلتفت بوجهه أبدًا لي، ما باله؟
لكنه فجأة التفت وكأنه أحس أن أحدًا ينظر إليه من الخلف،
صُدمت بعينيه الرماديتين، كانت على وجهه ملامح أخرى،
لكنه عندما رآني انفرجت شفتاه عن ابتسامة واسعة قائلًا:
عثمان.. كم هذا لطيف أن تُشاركني الجلوس هذا اليوم.
ثم نظر إلي بحنان غريب ومدّ يده مصافحًا قائلا: ما رأيك أن نصبح صديقين؟
ترددتُ بعض الشيء وأنا أحرّك يدي ببطء، لا أستطيع إحراجه بقول لا، لكنه قال فجأة:
أنا لستُ مغرورًا كما تظن!
اتسعت عيناي على أشدّها وأنا أنظر إليه بدهشة، لقد قرأ أفكاري!
ثم قال بلهجة مُرحبّة: جرّب صحبتي لهذا اليوم فقط!
أُحرجت أخيرا عندما وجدت أن لا خيار آخر أمامي، مددتُ يدي إليه وابتسمت:
حسنا يا بهاء.. أنا موافق!
_
مشينا في ممرات الفندق بصفوف ثنائية منتظمة، كانت الرحلة طويلة ومملة للغاية وشعرت بالغثيان لطول الطريق،
أما بهاء فقد كان في قمة حيويته طول الطريق وظلّ ينظر بانبهار إلى الصحراء والجبال التي حولنا،
كان يراقب الطريق باهتمام شديد.
صعدنا إلى غرفنا، وقال المرشد أننا سننام ثلاث ساعات للراحة حتى الغداء،
كان الأطفال متعبين بحق، التهوا قليلا بتأمل الأسرّة المنتظمة النظيفة وبقية الأثاث في الغرفة ثم ناموا..
كان كل سرير عليه اثنين، وبالطبع نمت بجانب بهاء، شعرتُ فجأة به يقول بهمس:
عثمان.. ألا تريد استكشاف الفندق؟ إنه مليء بالمحلّات الصغيرة في الأسفل، تعال لنلق نظرة..
وبرقت عيناه في شغف.
كان في داخلي استعداد للإجرام، أقصد..
لاستكشاف تلك المحلّات المبهرة في الأسفل، لكنني أعلم أنه من الممنوع التجوّل لوحدنا،
خصوصا أن على باب كل غرفة مشرف لرعاية الأطفال.
همس بهاء في أذني أن من المستحيل أن يقف المشرف على باب غرفتنا لثلاث ساعات،
لابد أنه سيطمئن أننا نمنا ثم يغادر!
انتظرنا نصف ساعة أخرى، تشنجتُ والمشرف يمرّ علينا ليتأكد من نومنا ثم يغادر،
تعجبت من ذكاء هذا الفتى!
كنت غير متأكد بأن ما نفعله صحيح، فأنا ابن شرطيّ وأحمل للقواعد احترامًا كبيرًا!
لكنني كنت أجبن من أن أستسلم وأترك بهاء يذهب للاستكشاف وحدَه!
تسللنا بالفعل إلى الأسفل دون ملاحظة أحد، وكم كان قلبي يدقّ بعنف
وأنا أرى ابتسامة بهاء المكللّة بالنصر ونحن نتنزه بحرية أمام تلك المحلات،
وقف بهاء أمام محلّ يبيع حلويّات معروضة، نظرت بانبهار إلى منظرها والشوكولاتة السائلة تسيل على جانبيها!
ضحك بهاء وهو يقول: ما رأيك، لنشتر شيئًا..
قلتُ بوجل: ليس معي أي نقود!
ابتسم وهو يُخرج من جيبه بضع أوراق نقدية، قائلا بثقة: أنا معي.
وبالفعل اشترى قطعتين منهما، شعرتُ بالسوء حيالها لأنها معروضة ومكشوفة في الجو هكذا..
قلت لبهاء إحساسي فقال: لا لا.. إنه محلّ نظيف، كما أنه ليس في الشارع.
أعطاني قطعة وأخذ هو واحدة والتهمها، كان لعابي يسيل وأنا أنظر إليها، لكنني كنت مترددا،
نظر إلي باستغراب وهو يمسح بقايا الكريمة عن فمه: ماذا؟ ألن تأكل؟
قلتُ باضطراب: لستُ جائعًا، كما أنني.. لا أريد أن أأكل شيئًا مكشوفًا!
نظر بصمت إلي، وكأنه يفكر بعمق، يبدو أن والديه أيضا قد أخبراه ألا يأكل شيئًا مكشوفًا!
ولست وحدي من يلقى مثل هذه التعليمات من والديه!
قال بعد تنهد:
هذه الفرصة لن تتكرر مرتين، كثيرًا ما أريد شراء الحلويات
ولكن تمنعني أمي بحجة أنها ستصنعها في البيت بسهولة.. هات!
أخذها مني وتناولها هي الأخرى، لم أكن حزينًا لأنه أخذها، لكني تشجعت قليلا بسببه!
وقلت في المرة القادمة ربما أشتري بالفعل!
صعدنا أخيرًا متسللين، ولم يكن المشرف موجودًا، تنفستُ الصعداء بعمق وأنا أنام على سريري بجانب بهاء،
أسعدتني كثيرًا تلك الرحلة القصيرة ومغامرة ركوب المصعد ومواجهة نظرات الجميع المستنكرة لأننا طفلين،
كما أن بهاء يعاملني بتلقائية وعفوية شديدة وكأنني صديق له منذ زمن!
لكن علي أن أحذر، لقد خالف تعليمات والديه ومثل هذا الطفل لابد أنه!
لابد أنه ماذا؟ أنا أيضا خالفت تعليمات المشرف!
استسلمتُ للنوم أخيرًا بعد نظرة أخيرة للساعة التي كانت تُقارب العاشرة والنصف صباحًا.
استيقظت على صوت تنفس عالٍ بجانبي، كنت أتقلّب في فراشي وأنا منزعج ممن قطع علي نومي،
قررتُ أن أفتح عيني عندما سمعتُ أنينًا ضعيفًا من جانبي.!
وجدتُ بهاء يُعطيني ظهره ويتكوّر على نفسه كأنه جنين، والعرق يظهر على رقبته من الخلف،
جلستُ بخوف وأنا أراه بتلك الحالة، اقتربتُ من وجهه لأراه مصفرًّا والعرق يتصفد من جبينه،
فتح عينيه عندما شعر بي، عقد حاجبيه بضيق عندما سألته بقلق:
ما بك؟ قال بصوت متألم: لا شأن لك!
قلتُ بخوف:
لا.. أنت تبدو مريضًا!
وأتبعتُ ذلك بوضع يدي على جبينه، ما إن أحس بي حتى ضرب يدي بقوة قائلا: قلت لا تتدخل!
ودفن رأسه في المخدة وكتم أنفاسه الساخنة!
ظللتُ أراقب جسده الذي يعلو ويهبط ببطء كأنه على وشك الموت وأنا محتار فيم أفعل له!
بعد قليل، دخل مشرف الطلاب مصفّقا بيديه ليقول:
الآن وقت الغداء يا شباب، هيا نصلّي الظهر ونأكل وجبة الغداء ثم ننطلق إن شاء الله!
حانت مني التفاتة للساعة التي كانت الثانية عشرة ظهرًا، والتفاتة لبهاء الذي ينتفض على سريره،
وانعقد لساني بتردد وأنا أنظر للطلاب يدخلون الحمام في طوابير منتظمة، ويتوضؤون،
لمستُ كتف بهاء ببطء لأهمس له: بهاء يجب أن نصطف في الطابور لندخل الحمام.. أم أخبر المشرف أنك مُتعب؟
سمعتُ همسًا غاضبًا من بين أسنانه: إيّاك!
قام وتحامل على نفسه وهو يجاهد ليقف على قدميه بشكل طبيعي، مع أن وجهه الشاحب كان مفضوحًا.
انتبه المشرف لذلك فقال باستغراب: آه بهاء.. ما بك؟
ضحك بهاء بقوة ضحكة مغتصبة ليقول بصوت عال: آه.. إنه الحرّ! أشعر بالحر الشديد يا أستاذ!
قال المشرف مبتسما: بالفعل تبدو متعرقا! إذن الوضوء سيحل المشكلة!
كنتُ التالي بعد بهاء، وقفت بجانبه وهو يغسل وجهه بالماء ويرتعش، كنت قلقا عليه بشدة،
لابد أن معدته تؤلمه بسبب ما أكل اليوم؛ هذا هو التفسير الوحيد!
فجأة وضع يده على فمه وتقيأ! أغمضت عيني وأدرتُ وجهي إلى الناحية الأخرى!
ولكنني لم أبق هكذا طويلًا، إذ أنني لمحت جسده وهو يهوي إلى الأرض،
يبدو أن قدميه المرتعشتين لم تمكنّاه من الوقوف لعدة دقائق!
عندئذ كان لابد من تدخل أحدٍ ما، صرختُ بأعلى صوتي: أستااذ.. تعال بسرعة أرجوك!
هرع إلي وعلى وجهه ملامح الفزع، قلتُ له لاهثا: لقد سقط بعد أن تقيّأ!
حمله الأستاذ بسرعة وهو يناديه، غسل وجهه بماء بارد ليشهق بهاء ويفتح عينيه،
سأله الأستاذ: ماذا أكلت.. ماذا حصل لك يا بهاء؟
ازدرد لعابه بإنهاك ونظر إلي نظرات عتاب، ولكنه لم يكن أمامي حل آخر يا بهاء!
قلتُها بعينيّ فتفهمّها بسهولة ونظر إلى الأستاذ.
ثم قال بصوت ضعيف: لقد سهرت ليلة البارحة من شدة حماسي للرحلة، إنه إرهاق فقط بسبب عدم النوم!
قال الأستاذ معاتبًا بضيق: ولكننا أوصينا الوالدين مرارًا وتكرارًا بالتأكد من نوم أبنائهم!
ابتسم بهاء ابتسامة باهتة وهو يغمغم:
بالفعل لقد ظللتُ على السرير طوال الليل لكنني لم أنم! دعني أنم فقط وسأكون بخير.
تنهّد الأستاذ بحيرة وهو يحمله إلى سريره، كانت نظرات بهاء مثبّتة علي قبل أن يُغمض عينيه ويستسلم للنوم!
صلّيتُ الظهر معهم جماعة وجلست بجانب بهاء النائم وشعره الأسود يتناثر بفعل العرق على جبينه الصغير..
كنتُ أنظر إليه بشفقة ورثاء، وفجأة تعجبت من نفسي، لم أجلس بجانبه؟
لم قررتُ أن أكون بجانبه هذا اليوم رغم أنني لم يسبق لي أن فعلتُها مع أحدهم!
تذكرتُ جملتُه التي قالها في الحافلة: جرّب صُحبتي لهذا اليوم فقط!
هل كان يعلم أنه سيصيبه هذا؟ بالطبع لم يكن يعلم!
ربما كان يريد النزول إلى المحلات ليُسلّيني، ويثبت لي أنه جدير بصداقتي!
وُزّعت علينا وجبات الغداء، وتناقش المشرف مع المشرفين الباقييْن في حالة بهاء،
كان يجب أن يبقى معه أحدهم، والمشكلة أنهم ثلاثة فقط! ونحن ثلاثون طالبًا، أيْ لكل عشرة طلّاب مشرف،
وهكذا قررّ المشرفون أن يتركوا بهاء مع إحدى النادلات في الفندق لتعتني به، وهكذا حان وقت الذهاب،
شاهدت تلك النادلة بكامل أناقتها وأدوات التجميل التي تضعها على وجهها، تغطّي بهاء وتضع على جبينه كمادات باردة،
لا أدري لم شعرتُ بالغيرة.. أو الضيق.. أو!!
لا أعلم حقا، شعورٌ غير مُفسّر! لكنني لم أرغب أبدًا في الذهاب دونه إلى الملاهي!
قال الأستاذ لي عندما رآني ما أزال جالسًا على السرير بجانب بهاء: عثمان.. ألم تتجهز بعد؟ سنتحرّك الآن!
لكنني_لسبب غير واضح_قلت بهدوء وثقة: لن أذهب.
رفع الأستاذ حاجبيه على أشدّهما في دهشة قائلًا: ماذا تقول؟ لمَ؟
قلتُ: سأظلّ معه.
قال وهو يُطمئنني ويخفي دهشته من علاقتي المفاجِئة مع بهاء: ولكن الأستاذة سهى ستظل معه.
هززتُ رأسي نفيًا بعناد: لن أذهب.. إن لم توافق على بقائي معه فستوافق على أنني متعب وأريد الراحة!
حاول الأستاذ مرة.. مرتين، لكنني كنتُ مصرًّا!
حتى رضخ للأمر الواقع بعد محاولات الإغراء بما في الملاهي من ألعاب ومسابح وأراجيح.. إلخ!
التي رفضتّها بصرامة غريبة.
وبالتأكيد أوصى الأستاذة سهى عليّ، نظرتْ لي نظرات باردة بعدساتها الصناعية ورموشها الطويلة المركّبة،
ثم ابتسمت ابتسامة مصطنعة بأحمر شفاهها الفاقع!
_
مشينا في ممرات الفندق بصفوف ثنائية منتظمة، كانت الرحلة طويلة ومملة للغاية وشعرت بالغثيان لطول الطريق،
أما بهاء فقد كان في قمة حيويته طول الطريق وظلّ ينظر بانبهار إلى الصحراء والجبال التي حولنا،
كان يراقب الطريق باهتمام شديد.
صعدنا إلى غرفنا، وقال المرشد أننا سننام ثلاث ساعات للراحة حتى الغداء،
كان الأطفال متعبين بحق، التهوا قليلا بتأمل الأسرّة المنتظمة النظيفة وبقية الأثاث في الغرفة ثم ناموا..
كان كل سرير عليه اثنين، وبالطبع نمت بجانب بهاء، شعرتُ فجأة به يقول بهمس:
عثمان.. ألا تريد استكشاف الفندق؟ إنه مليء بالمحلّات الصغيرة في الأسفل، تعال لنلق نظرة..
وبرقت عيناه في شغف.
كان في داخلي استعداد للإجرام، أقصد..
لاستكشاف تلك المحلّات المبهرة في الأسفل، لكنني أعلم أنه من الممنوع التجوّل لوحدنا،
خصوصا أن على باب كل غرفة مشرف لرعاية الأطفال.
همس بهاء في أذني أن من المستحيل أن يقف المشرف على باب غرفتنا لثلاث ساعات،
لابد أنه سيطمئن أننا نمنا ثم يغادر!
انتظرنا نصف ساعة أخرى، تشنجتُ والمشرف يمرّ علينا ليتأكد من نومنا ثم يغادر،
تعجبت من ذكاء هذا الفتى!
كنت غير متأكد بأن ما نفعله صحيح، فأنا ابن شرطيّ وأحمل للقواعد احترامًا كبيرًا!
لكنني كنت أجبن من أن أستسلم وأترك بهاء يذهب للاستكشاف وحدَه!
تسللنا بالفعل إلى الأسفل دون ملاحظة أحد، وكم كان قلبي يدقّ بعنف
وأنا أرى ابتسامة بهاء المكللّة بالنصر ونحن نتنزه بحرية أمام تلك المحلات،
وقف بهاء أمام محلّ يبيع حلويّات معروضة، نظرت بانبهار إلى منظرها والشوكولاتة السائلة تسيل على جانبيها!
ضحك بهاء وهو يقول: ما رأيك، لنشتر شيئًا..
قلتُ بوجل: ليس معي أي نقود!
ابتسم وهو يُخرج من جيبه بضع أوراق نقدية، قائلا بثقة: أنا معي.
وبالفعل اشترى قطعتين منهما، شعرتُ بالسوء حيالها لأنها معروضة ومكشوفة في الجو هكذا..
قلت لبهاء إحساسي فقال: لا لا.. إنه محلّ نظيف، كما أنه ليس في الشارع.
أعطاني قطعة وأخذ هو واحدة والتهمها، كان لعابي يسيل وأنا أنظر إليها، لكنني كنت مترددا،
نظر إلي باستغراب وهو يمسح بقايا الكريمة عن فمه: ماذا؟ ألن تأكل؟
قلتُ باضطراب: لستُ جائعًا، كما أنني.. لا أريد أن أأكل شيئًا مكشوفًا!
نظر بصمت إلي، وكأنه يفكر بعمق، يبدو أن والديه أيضا قد أخبراه ألا يأكل شيئًا مكشوفًا!
ولست وحدي من يلقى مثل هذه التعليمات من والديه!
قال بعد تنهد:
هذه الفرصة لن تتكرر مرتين، كثيرًا ما أريد شراء الحلويات
ولكن تمنعني أمي بحجة أنها ستصنعها في البيت بسهولة.. هات!
أخذها مني وتناولها هي الأخرى، لم أكن حزينًا لأنه أخذها، لكني تشجعت قليلا بسببه!
وقلت في المرة القادمة ربما أشتري بالفعل!
صعدنا أخيرًا متسللين، ولم يكن المشرف موجودًا، تنفستُ الصعداء بعمق وأنا أنام على سريري بجانب بهاء،
أسعدتني كثيرًا تلك الرحلة القصيرة ومغامرة ركوب المصعد ومواجهة نظرات الجميع المستنكرة لأننا طفلين،
كما أن بهاء يعاملني بتلقائية وعفوية شديدة وكأنني صديق له منذ زمن!
لكن علي أن أحذر، لقد خالف تعليمات والديه ومثل هذا الطفل لابد أنه!
لابد أنه ماذا؟ أنا أيضا خالفت تعليمات المشرف!
استسلمتُ للنوم أخيرًا بعد نظرة أخيرة للساعة التي كانت تُقارب العاشرة والنصف صباحًا.
استيقظت على صوت تنفس عالٍ بجانبي، كنت أتقلّب في فراشي وأنا منزعج ممن قطع علي نومي،
قررتُ أن أفتح عيني عندما سمعتُ أنينًا ضعيفًا من جانبي.!
وجدتُ بهاء يُعطيني ظهره ويتكوّر على نفسه كأنه جنين، والعرق يظهر على رقبته من الخلف،
جلستُ بخوف وأنا أراه بتلك الحالة، اقتربتُ من وجهه لأراه مصفرًّا والعرق يتصفد من جبينه،
فتح عينيه عندما شعر بي، عقد حاجبيه بضيق عندما سألته بقلق:
ما بك؟ قال بصوت متألم: لا شأن لك!
قلتُ بخوف:
لا.. أنت تبدو مريضًا!
وأتبعتُ ذلك بوضع يدي على جبينه، ما إن أحس بي حتى ضرب يدي بقوة قائلا: قلت لا تتدخل!
ودفن رأسه في المخدة وكتم أنفاسه الساخنة!
ظللتُ أراقب جسده الذي يعلو ويهبط ببطء كأنه على وشك الموت وأنا محتار فيم أفعل له!
بعد قليل، دخل مشرف الطلاب مصفّقا بيديه ليقول:
الآن وقت الغداء يا شباب، هيا نصلّي الظهر ونأكل وجبة الغداء ثم ننطلق إن شاء الله!
حانت مني التفاتة للساعة التي كانت الثانية عشرة ظهرًا، والتفاتة لبهاء الذي ينتفض على سريره،
وانعقد لساني بتردد وأنا أنظر للطلاب يدخلون الحمام في طوابير منتظمة، ويتوضؤون،
لمستُ كتف بهاء ببطء لأهمس له: بهاء يجب أن نصطف في الطابور لندخل الحمام.. أم أخبر المشرف أنك مُتعب؟
سمعتُ همسًا غاضبًا من بين أسنانه: إيّاك!
قام وتحامل على نفسه وهو يجاهد ليقف على قدميه بشكل طبيعي، مع أن وجهه الشاحب كان مفضوحًا.
انتبه المشرف لذلك فقال باستغراب: آه بهاء.. ما بك؟
ضحك بهاء بقوة ضحكة مغتصبة ليقول بصوت عال: آه.. إنه الحرّ! أشعر بالحر الشديد يا أستاذ!
قال المشرف مبتسما: بالفعل تبدو متعرقا! إذن الوضوء سيحل المشكلة!
كنتُ التالي بعد بهاء، وقفت بجانبه وهو يغسل وجهه بالماء ويرتعش، كنت قلقا عليه بشدة،
لابد أن معدته تؤلمه بسبب ما أكل اليوم؛ هذا هو التفسير الوحيد!
فجأة وضع يده على فمه وتقيأ! أغمضت عيني وأدرتُ وجهي إلى الناحية الأخرى!
ولكنني لم أبق هكذا طويلًا، إذ أنني لمحت جسده وهو يهوي إلى الأرض،
يبدو أن قدميه المرتعشتين لم تمكنّاه من الوقوف لعدة دقائق!
عندئذ كان لابد من تدخل أحدٍ ما، صرختُ بأعلى صوتي: أستااذ.. تعال بسرعة أرجوك!
هرع إلي وعلى وجهه ملامح الفزع، قلتُ له لاهثا: لقد سقط بعد أن تقيّأ!
حمله الأستاذ بسرعة وهو يناديه، غسل وجهه بماء بارد ليشهق بهاء ويفتح عينيه،
سأله الأستاذ: ماذا أكلت.. ماذا حصل لك يا بهاء؟
ازدرد لعابه بإنهاك ونظر إلي نظرات عتاب، ولكنه لم يكن أمامي حل آخر يا بهاء!
قلتُها بعينيّ فتفهمّها بسهولة ونظر إلى الأستاذ.
ثم قال بصوت ضعيف: لقد سهرت ليلة البارحة من شدة حماسي للرحلة، إنه إرهاق فقط بسبب عدم النوم!
قال الأستاذ معاتبًا بضيق: ولكننا أوصينا الوالدين مرارًا وتكرارًا بالتأكد من نوم أبنائهم!
ابتسم بهاء ابتسامة باهتة وهو يغمغم:
بالفعل لقد ظللتُ على السرير طوال الليل لكنني لم أنم! دعني أنم فقط وسأكون بخير.
تنهّد الأستاذ بحيرة وهو يحمله إلى سريره، كانت نظرات بهاء مثبّتة علي قبل أن يُغمض عينيه ويستسلم للنوم!
صلّيتُ الظهر معهم جماعة وجلست بجانب بهاء النائم وشعره الأسود يتناثر بفعل العرق على جبينه الصغير..
كنتُ أنظر إليه بشفقة ورثاء، وفجأة تعجبت من نفسي، لم أجلس بجانبه؟
لم قررتُ أن أكون بجانبه هذا اليوم رغم أنني لم يسبق لي أن فعلتُها مع أحدهم!
تذكرتُ جملتُه التي قالها في الحافلة: جرّب صُحبتي لهذا اليوم فقط!
هل كان يعلم أنه سيصيبه هذا؟ بالطبع لم يكن يعلم!
ربما كان يريد النزول إلى المحلات ليُسلّيني، ويثبت لي أنه جدير بصداقتي!
وُزّعت علينا وجبات الغداء، وتناقش المشرف مع المشرفين الباقييْن في حالة بهاء،
كان يجب أن يبقى معه أحدهم، والمشكلة أنهم ثلاثة فقط! ونحن ثلاثون طالبًا، أيْ لكل عشرة طلّاب مشرف،
وهكذا قررّ المشرفون أن يتركوا بهاء مع إحدى النادلات في الفندق لتعتني به، وهكذا حان وقت الذهاب،
شاهدت تلك النادلة بكامل أناقتها وأدوات التجميل التي تضعها على وجهها، تغطّي بهاء وتضع على جبينه كمادات باردة،
لا أدري لم شعرتُ بالغيرة.. أو الضيق.. أو!!
لا أعلم حقا، شعورٌ غير مُفسّر! لكنني لم أرغب أبدًا في الذهاب دونه إلى الملاهي!
قال الأستاذ لي عندما رآني ما أزال جالسًا على السرير بجانب بهاء: عثمان.. ألم تتجهز بعد؟ سنتحرّك الآن!
لكنني_لسبب غير واضح_قلت بهدوء وثقة: لن أذهب.
رفع الأستاذ حاجبيه على أشدّهما في دهشة قائلًا: ماذا تقول؟ لمَ؟
قلتُ: سأظلّ معه.
قال وهو يُطمئنني ويخفي دهشته من علاقتي المفاجِئة مع بهاء: ولكن الأستاذة سهى ستظل معه.
هززتُ رأسي نفيًا بعناد: لن أذهب.. إن لم توافق على بقائي معه فستوافق على أنني متعب وأريد الراحة!
حاول الأستاذ مرة.. مرتين، لكنني كنتُ مصرًّا!
حتى رضخ للأمر الواقع بعد محاولات الإغراء بما في الملاهي من ألعاب ومسابح وأراجيح.. إلخ!
التي رفضتّها بصرامة غريبة.
وبالتأكيد أوصى الأستاذة سهى عليّ، نظرتْ لي نظرات باردة بعدساتها الصناعية ورموشها الطويلة المركّبة،
ثم ابتسمت ابتسامة مصطنعة بأحمر شفاهها الفاقع!
_