… ثم تناولتُ وجبةً خفيفة ، وانطلقتُ أتمشّى على شاطيء نهر السين ، وتعرفتُ على شاعر فرنسي شاب ؛ اتّضح لي بعد قليل أنه يعشق أشعار رامبو وسان جون بيرس وجاك بريفير ، وعلى سبيل المشاركة ذكرت له المتنبي وأحمد شوقي والسياب وشعراء آخرين ، ثم اقترحت عليه أن يأخذني إلى حيث المقاهي التي كان يرتادها بيكاسو وأرآغون و مارلو وسارتر وسيمون دي بوفوار ، وأنا أزهو باستذكار المقاهي التي زرتُها في بغداد ودمشق والقاهرة وكازبلانكا وشارع الحمرا في بيروت . بعد ذلك سألني إن كنت أرغب بزيارة اللوفر ؛ فطرتُ فرحاً وكدت أشرق باللذة عند مشاهدتي أعمال : دافنشي وبروغل ورينوار وسيزان وموندلياني ، و كم كنتُ سعيدا وأنا أبحث عن لوحة فرمير : ابنة بائعة اللبن ؛ المعلقة على الجدار المقابل لمكان جلوسي في غرفتي ، وقد رسمها وأهداها لي صديقي الرسام حمد الجبوري قبل أكثر من عشرين عاما . وفي سورة تذكّر حامية قفز إلى مخيّلتي فيلم سينمائي قديم ؛ يمثل فيه كل من ألن ديلون وكاترين دينوف – نسيت اسمه – ، ولحظةَ كنت أشاركه حوارا لذيذا نستعيد فيه قصة الفيلم وأثره في ذائقتينا ، نَبَحني كلبٌ ضخم الجثة تقوده سيدة مسنّة كانت تمشي بالقرب مني ؛ فأجفلتُ وفزّ جسدي ثم فهويت من سريري على بلاط الغرفة ، التي لم أفارقْها ليلةً واحدة منذ ثلاثين عاما .