ماضٍ مؤلم .. ومستقبل مظلم ..
"يا إلهي ..!" كان هذا ما همست به لنفسي بعد أن شعرت بذلك الألم الذي يخترق صدري، جمعت كفي.. زفرت قيهما بعمق .. وسألت فقد ساءت القصة على أية حال!
- وكيف خرجت من هناك؟
- بينما كنا محبوسين في ذلك المكان، أغلب أفراد العصابة قد تم القبض عليهم بالفعل من قبل الشرطة، ولكنهم أبوا الاعتراف بمكان تواجدنا .. الشخص الذي كان مسؤولاً عن مراقبتنا وتوفير الطعام لنا تعرض لحادث سير بينما هو في طريق عوده جالباً الطعام لنا معه .. بقي مكاننا مجهولاً حتى قام طبيب يدعى شويو مع بعض أصدقائه بالعثور علينا .. لكن.. بعد فوات الأوان ..
- طبيب ..؟
- أجل، طبيب شرعي.. لقد كان يتابع قضية اختطاف الأطفال مع بعض أصدقائه منذ أن بدأ عدد جثث الأطفال التي تصل إلى المشفى يزداد شيئاً فشيئاً ..
- و- وكيف عثر عليكم رغم أن الشرطة لم تستطع ذلك؟!
- أحد أعضاء العصابة اعترف للطبيب ومجموعته .. رغم أنه لم يكن يعرف مكان تواجدنا بالضبط إلا أنه أخبرهم بجميع الأماكن التي اعتادت العصابة على الاستقرار فيها، وفي المقابل وعدوه بأن يوفروا له محامٍ يتدبر قضيته .. بحثوا عنا في كل تلك المناطق بلا جدوى ناهيك عن تلك العاصفة الثلجية التي هبت علينا، في الواقع.. العثور علينا كان أشبه بالمستحيل، ولكن بطريقة ما تمكن كلب من العثور علينا في نهاية المطاف
- ك-كلب!!
- أجل كلب الطبيب شويو نفسه .. وقد أصبح كلبي الآن ... إنه ذكي للغاية، يجب أن تراه!!
"ههه .. يا لمزاجه! لقد أصبح متحمساً فور أن تحدث عن كلبه، لابد أنه يعني له الكثير.. أتساءل ما الذي فعله بعد موت هيروتو .. لابد أنه مر بوقت عصيب .!"
- عندما استيقظت كنت بين يدي ذلك الطبيب، كان يحاول جاهداً إنعاش قلبي الذي كان قد توقف بالفعل لحظتها، مازلت أتذكر وجهه القلق، أنفاسه المتسارعة، عرقه الذي كان يكتسي وجهه، دفء جسده عندما ضمني إلى صدره .. قبلني على رأسي وأسقاني بعض الماء وحرص على تدفئتي جيداً قبل يذهب لمساعدة أصدقائه في تفقد باقي الجثث، لم ينج أحد غيرنا أنا وجين، أخرجونا من ذلك المكان ووضعونا في إحدى السيارات أعطونا بعض الطعام وقليلاً من الشراب الساخن، لا أذكر عدد الساعات التي مرت وأنا في تلك السيارة، أو ما كانوا يقولون لنا فيها، لم أكن أسمع شيئاً أو أرى شيئاً ، بقيت على تلك الحالة حتى أتى ذلك الطبيب إلي مجدداً، تفقد حالتي وحالة جين، عندها أدركت أنه الشخص الذي سيحقق لي رغبتي، لذا أمسكت وقتها بكم معطفه، أخبرته أني أريد رؤية هيروتو للمرة الأخيرة .. كنت متردداً للغاية، لكن.. مجرد التفكير في أنني لن أستطيع رؤيته مجددا ... أردت أن أودعه بشكل لائق .. أردت أن أعتذر منه .. لم يكن أي مما حدث ذنبه .. لقد ولد في عائلة فاشلة، وابتلي بأخ أحمق لم يتمكن حتى من حمايته!!
أخذني إلى الإسعاف، كانت هنالك الكثير من الجثث ، مغطاة بأغطية بيضاء مشابهة لبعضها، أمسك الطبيب بيدي وأخذني إلى جثة هيروتو .. لم أجرؤ في البداية على ابعاد الغطاء عن وجهه، كنت خائفاً للغاية.. لكن بعد أن استجمعت شجاعتي وازلت ذلك الغطاء تفاجأت بوجهه المسالم كما عهدته، غير أنه خالٍ من كل معالم الحياة، قبلت جبينه بعمق وهمست في أذنه بضع همسات يائسة، ثم عدت إلى السيارة، لم أتحدث بعدها مع أي أحد .. لا مع الطبيب، أو رجال الشرطة، أو كل أولئك الذين ساهموا في انقاذي ... لم أتحدث حتى جين الذي لم يفلت يدي معظم الوقت .. لم أعلم ماذا علي أن أفعل، أو كيف أتصرف .. إن أخبرتهم بعنواني فسيعيدونني إليه، حتى إن تغيرت خالتي، أو عاد أبي من اللا مكان الذي هو فيه.. ماذا عساي أن أفعل معهما .. أعيش متناسياً كل ما حدث؟! .. أعلم أن من المستحيل عليَّ تحمل ذلك .. رغبت في الموت أكثر من أي شيء آخر .. لكن رغبتي الجامحة في الانتقام منها كانت أكبر!! أجل كل ما حدث كان غلطتها .. كيف أموت وهي على قيد الحياة!!
استدعت الشرطة ذويي أولئك الأطفال .. جميع الأهالي .. كانوا قد بلغوا عن أطفالهم المفقودين، ولكن أمثالي لن يبلغ عنهم أحد .. أجل، حالي كحال ذلك الطفل الذي اختطف من دار الأيتام.. هه .. حتى دار الأيتام قد بلغ عنه!! لكن، أياً يكن، صمتهم كان في صالحي أنـا أيضاً، فبفضل ذلك ..أمكنني بدء حياتي من جديد!
لأصدقكم القول .. لم أرد أن يكمل قصته، لقد اكتفيت ..!! أرجوا لتلك اللعينة جحيماً لا يُرحم، وعذاباَ لا يحتمل!! ظننت أن صاحبي قد اكتفى، ولكنه يأبى أن يكمل قصته، وكأنه كان يبحث عن مساحة ينفس فيها عن غضبه!!
- أنا بدوري لم أتعاون مع الشرطة أو مع أي أحد يحاول معرفة شيء عني أو عن أخي، لم أكن أهتم وقتها .. أهم شيء ألا أعود لذلك المنزل! عدم الإبلاغ عن اختفائي وعدم تعاوني واستجابتي أدت لإرسالي إلى دار الأيتام ..
- اذاً، عشت هناك حتى تبنتك عائلتك الحالية ..؟
- لم أعش هناك سوى يوم واحد ..
- ما- ماذا.. يوم واحد؟!
- ذلك الطبيب تبناني من أول يوم دخلت فيه الميتم ..
- ما.. الطبيب نفسه ..؟! هذا يعني أن أباك الحالي هو ..
- أجل، شويو براون، وقد أخذت لقب عائلته منه .. لم يكن لديه أية زوجة أو أبناء .. لم يكتفي بتبني فحسب بل جعلني وريث أملاكه ..
- هكذا إذاً ..
- والآن .. بعد أن علمت القصة كاملة سيتوجب عليك الوفاء بوعدك وإبعاد ذلك الآتسو عني .. لأني ولأصدقك القول قد أقتله إن بقي بالقرب مني أكثر .. ولا تحدثني عن أمه ثانية، سأغفر لها... ان عاد هيروتو .. ولن يعود..!
تنهدت بعمق بعد سماع كل الذي قاله، لا أملك ما أرد به عليه اصلا، لذا فضلت الصمت على الكلام .. استلقيت على سريري وغطيت عيني بيدي اليمنى محاولاً ترتيب أفكاري، نزل يوكي من على سريره، فتح درج مكتبه العلوي وأخرج منها علبة ممتلئة بالأقراص العلاجية، تناول حبة منها ثم صعد فوراً إلى سريره واستلقى عليه..
"أيمكن أن تكون .." انتظرت بضع دقائق ثم ناديت عليه عدة مرات فلم يجب علي، صعدت إلى سريره محاولاً التحقق ما يدور في بالي .. هززته بضع مرات بلا استجابة لأدرك أن ما تناوله على الأرجح حبوباً منومة .. استلقيت أنا بدوري على السرير ثم غططت في نوم عميق~