كن سعيداً
ذا كنت محسناً كن سِعيداً !
لأنَّك ملأتَ الأيدي الفارغة , وسترْتَ الأجساد العارِية, وكوّنْت من لا كيانَ له فرَضِيتَ عن نفسك , ووددْتَ إسعاد عشراتٍ و مئاتٍ لتتضاعف مسيرتك النبيلة الواحدة بتعدُّد المنتفعين بأسبابها .
إذا كنت شابًّا كن سعيدًا !
لأنَّ شجرة مطالبك مُخضلَّة الغصون , وقد بعُد أمامك مرمى الآمال فتيسّر لك إخراج الأحلام إلى حيِّز الواقع إذا كنت بذلك حقيقًا.
وإذا كنت شيخاً كن سعيداً !
لأنَّك عركت الدَّهر وناسه وألقيت إليك من صدق الفراسة وحسن المعالجة مقاليد الأمور :
فكلُّ أعمالك إن شئتَ منافع , والدقيقة الواحدة توازي من عمرك أعوامًا لأنَّها حافلة بالخبرة والتبصُّر وأصالة الرؤى , كأنها ثمرة الخريف موفورة النضج , غزيرة العصير , أُشبِعت بمادَّة الاكتمال والدَّسم والرَّغبة .
إذا كنت كثير الأصدقاء كن سعيدًا !
لأنَّ ذاتك ترتسم في ذات كل منهم . والنجاح مع الصداقة أبهر ظهورًا والإِخفاق أقلُّ مرارة .
وجمع القلوب حولك يستلزم صفات وقدرات لا توجد في غير النفوس ذات الوزن الكبير, أهمُّها الخروج من حصن أنانيَّتك لاستكشاف ما عند الآخرين من نُبل ولُطف وذكاء .
وإذا كنت كثير الأعداء كن سعيداً !
لأنَّ الأعداء سلّم الارتقاء وهم أضمن شهادة بخطورتك .
وكلما زادت منهم المقاومة والتَّحامُل , وتنوَّع الاغتياب والنميمة, زدْتَ شعورًا بأهمِّيتك , فاتَّعظت بالصَّائب من النَّقد الذي هو كالسمِّ يريدونه فتَّاكًا ولكنك تأخذه بكمِّيات قليلة فيكون لك أعظم المقوِّيات , وتُعرِض عمَّا بقي - وكان مصدره الكيد والعجز - إعراضًا رشيقًا . وهل يهتم النسر المحلّق في قصيّ الآفاق بما تتآمر له خنافس الغبراء ؟
إذا كنت عبقريّاً كن سعيداً !
فقد تجلّي فيك شعاع ألمعيّ من المقام الأسنى و رمَقك الرحمنُ بنظرة انعكست صورتها على جبهتك فكرًا , و في عينيك طلسمًا , وفي صوتك سحرًا . والألفاظ التي هي عند الآخرين
أصوات ونبرات ومقاطع صارت بين شفتيك و تحتَ لمْسِك نارًا ونورًا تلذع وتضيء , وتخجَل وتكبر , وتذِلّ وتنشُط , وتوجِع وتلطُف , وتُسخط وتُدهش , وتقول للمعنى ( كنْ ) فيكون .
إذا كنت حرّاً كن سعيداً !
ففي الحرية تتمرّن القوى وتتشدَّد الملكات وتتَّسع المُمكنات .
وإنْ كنت مستعبدًا كن سعيدًا !
لأنَّ العبوديَّة أفضل مدرسة تتعلَّم فيها دروس الحرية وتقف على ما يصيِّرك لها أهلاً .
إذا كنت محبًّا محبوباً كن سعيداً !
فقد دلَّلتك الحياة و ضمَّتك إلى أبنائها المختارين , وأرَتْك الألوهيَّة عطفها في تبادل القلوب ,
واجتمع النِّصفان التَّائهان في المجاهل المدلهمَّة فتجلَّت لهما بدائع الفجر وهنَّأتهما الشموس بما لم تهتدِ بعد إليه في دورتها بين الأفلاك , وأفضى إليهما الأثير بمكنون أسراره .
كن سعيدًا لأن أبواب السعادة شتى .. ومنافذ الحظِّ تحصى ..
و مسالك الحياة تتجدَّد مع الدقائق ..
كن سعيدًا دومًا .. كن سعيدًا على كلِّ حال .