  بعد اللقاء التلفزيوني بساعه ، وفي منزل عائلة مجيد ، حيث ترعرع راشد تحت رعاية والده بالتبني الموسيقار الشهير وليد مجيد ، يدخل راشد المنزل ويصعد درجات السلم كالطفل الهارب من أب ساخط يرفع قدما ويضع أطراف أصابع الاخري ، محاولاً ألا يلفت انتباه السيد وليد ولكن وكما هي العاده فالأب لا يحتاج لصوت حتي يشعر بإقتراب ولده ، فله قلب كالرادار يدق دقة كافية لتخبر العالم أجمع أن ابنه قريب منه فقال السيد وليد " راشد .. لماذا ؟!!" ذعر راشد لحظة سماعه هذا السؤال ، فكأنما أطلق والده رصاصة فضيه اصابت كل أعضاء جسده بالشلل ، فلم يملك إلا النزول من علي السلم متجها نحو موضع جلوس والده الذي يدير ظهره له وقف راشد خلف والده وساد صمت لعدة دقائق فكأنما يقفان دقيقة حداد علي سرهما الذي قتله راشد وواراه التراب ، وبعد ذلك الصمت الطويل خرجت أخيرا بنت شفة بتردد كبير وواضح يسهل ملاحظته خاصتاً إن كنت تناقش والدك نطق راشد أخيراً قائلا " لقد فكرت طويلاً " فرد عليه وليد بهدوء " وهل انت حقا مقتنع بنتائج تفكيرك " صمت راشد ولم أجب لذا أكمل وليد " طبعا لا فما وصلتَ اليه ليست نتيجةً منطقيةً أبداً " فساد الصمت مجددا هذه هي معركة المثقفين يا ساده حرب بلا دماء ، تقوم علي تحليل الأراء والتدقيق للوصول للرأي الأصح والتقدم للأمام خطوةً بدلاً من التأخر للخلف ، والغريب هنا أن راشد المؤلف _ الذي يستطيع أن يحيك عالمه الخاص به ليس هذا فقط بل يقنع القارئ بكل مايحيكه في ذلك العالم _ يقف كالتمثال الأصم العاجز وهذه حقيقةُ فالطيور مهما إجتهدت وطارت عاليا فإنها لن تخترق السماء و تصل لخالقها وهذا بالضبط ما يحدث هنا فراشد لا يستطيع أن يبلغ خالقه فكرياً والسبب لما وصل اليه وهو والده ، ولكن لا أستطيع ولا أنتم إهمال أن الطالب في كثير من الأحيان يتخطي أستاذه ويتفوق عليه فأكمل وليد " بعدما انتشلتك مما كنت فيه ووسعتُ مدارككَ العقليهِ وجعلتك من الشخصيات المسيطرةِ علي الساحةِ الأدبيةِ وإن لم تدرك هذا بعد فتخيل معي طفل جاء إليك بمثل الظروف التي مررت بها وتوقع ماذا سيصبح هذا الطفل " فلم يجب راشد فأكمل وليد " معقداً بؤرةً لكل مايخطر في بالك من المشاكل والأمراض النفسيةِ ، والأدعي أنه ربما سينشأ مجرماً قاتلاً ولكن ورغم كل هذا نشاتَ نشأةً مميزةً وأصبحت أحد أفضل المؤلفين حالياً إن لم تكن أفضلهم بالفعل ومرشحٌ للعديد من الجوائز وتملك مكانةً في المجتمع ومقابلَ كلِ ما فعلتهُ معك طلبتُ منك أمراً واحداً وهو أن تنسي ماضيك وأن تعيش كولدٍ لي ولدت فقط في هذا البيت وحياتك بدأت فيه ووعدتني بذلك وها أنت ذا تواري وعدك التراب وتفعل تلك الفعلةَ الشنيعةَ " بعد صمت دام عدة دقائق أدار وليد ظهره لراشد منصرفاً ولكن سرعان ما تحدث راشد وقال " لا " بهدوء "...لا أنكر فضلك " بصوت عال فوقف وليد مكانه وأكمل راشد " لقد سئمت من هروبي من حقيقتي من حياتي ، من ذاتي ، أري تلك الصورة القبيحة كل ليلة في حلمي وأحاول أن أدير لها ظهري ولكن مهما حاولت لا تختفي وتعود كل ليلةِ لتؤرق نومي ، إلي متي ساظل أري الكوابيس ؟ أخبرني إلي متي سأظل حاملاً ذلك العبء ؟ وإياك أن تظن أني نشأت كمؤلف بارع بمحض إرادتي أو لأني أملك موهبةً فطرية ، لا ففي الواقع لم أملك خياراً غير الهروب من هذا الواقع المريرِ إلي واقع أنشأته أنا ، حيث أختار المشكله وأنا الوحيد القادر علي حلها ، وأنا من أحكم أن هذا سيموت وأن هذا سيبقي ، أو أن هذا سيضحك وهذا سيبكي ، سئمت من الهروب لذلك العالم وذات ليله سبحت في خيالي وفكرت لماذا لا أحول عالمي إلي ما أريد ؟ ولو حتي ليوم واحد، لماذا لا أفعل ذلك ؟ من ذلك اليوم بدأت أكتب قصة حياتي إستعدادا لهذا اليوم " فرد وليد " لكن أتدرك صعوبة الأمر " فرد راشد " أدرك بل أدرك جيدا أيضاً " فرد وليد " إنها جريمة قتل أتدرك خطورةَ هذا " فرد وليد بصوت عال " أجل شخص ارتكب جريمة شنيعه منذ زمن أنا الوحيد الذي رأها وأنا الوحيد الي عاش نتائجها لذلك يجب أن أسعي جيدا لاجعل هذا الشخص يلقي العقاب اللازم " بهدوء رد وليد " وما هو هذا العقاب ياراشد " فرد راشد وقد بدأ يبكي " أريد أن أسأله عن السبب حتي أستطيع مسامحته " فاحتضن وليد راشد وقال " إياك أن تحزن مني أنا أفعل هذا خوفا عليك فقط وأنت تعلم أتعرف شيئا ؟ أنا معك " كانت هذه الكلمات كافية لتعيد لراشد البسمه وتمحو ما بدا عليه من بؤس وتعطيه القدر الكافي من الشجاعه لنشر الروايه وبالفعل أرسلت الرواية للمطبعه وطُبع منها طبعة أولي وزعت علي كبار الأدباء ورؤساء الشركات هذه الروايه التي تحوي سر عذاب راشد طول حياته فتري ماذا سُطر فيها ؟ بعد نشر الروايه بيومين ينزل رجل من سيارة أجره اما إحدي العشوائيات المظلمه تري من هو؟  |
أنا فعلا أسمي عمرو وليس عمر
