الفصل السابع : بوح . . وسط ذلك المرج الأخضر الخلاب، منزل خشبي بسيط التصميم، مكون من طابقين، و قد طُليت جدرانه الخارجية بطلاء أبيض، " كم هو جميل هذا المكان "، فكرت الفتاة، التي شعرت بروح الطفلة البريئة داخلها تتراقص من السعادة و الانبهار، هذه الجنة الصغيرة ليست ما توقعته عندما قرأت جملة [ الكوخ الصارخ ] ، و لو لا أن كبريائها يصدها عن ذلك لارتمت في العشب فورا، حتى أنها لبضع لحظات قد تناست الذراع التي تحيط بكتفيها و تبقيها أسيرة منذ خرجت من السيارة، و ربما استمر الأمر على هذه الحال، إلا أن صوت تايغر، المرتاح بشكل غريب، قد اعادها إلى أرض الواقع عندما قال بسخرية : " لا يمكنك الوقوف هنا طوال اليوم " " و لم لا ؟ المكان جميل و الجو منعش " ، ردت عليه دون ذرة مبالاة، اكتفت من سخريته و تلاعبه مع كل كلمة ينطق بها، و قررت أن تجاري عجرفته، فلعل ذلك يسهل التعامل مع هذا المخلوق ذو السلوك المتطرف، و لكنها أخطأت في اعتقادها ببساطة الأمر، فإذا به يبتسم ببراءة طفل صغير و يجيب بدفء مريب يغلف كلماته قائلا : " يسرني سماع ذلك "، ليتقدم بعدها ببضع خطوات نحو المنزل، مجبرا إياها على الاحتذاء به، ثم يعبر الباب الذي فُتح سلفا، ليجد شامشير قد سبقهما إلى الداخل بينما كانت فيزا تعيش أحلامها الوردية، خلع سترته زعفرانية اللون و أسندها على ظهر كرسي هزاز كان يقبع في زاوية الغرفة، أمعنت النظر جيدا في تلك الجهة من المنزل، احتوت ثلاث أرائك أنيقة بلون أسمر شاحب، إحداهن بمقعدين، وسطهن طاولة زجاجية، و خلف ذلك الأثاث مكتبة، لكن لم يكن فيها أي كتب، و إنما بضع إكسسوارات للتزيين، أطباق فاخرة لا تستعمل للأكل، و إطارات صور، لمحت وجه تايغر بينها، و رغم المسافة التي بينهما، إلا أنه بدا لها مماثلا تماما للرجل الذي بجانبها، لم يتغير مظهره مطلقا، ربما شعره كان أطول قليلا، لا يمكنها التقدم لترى الصور بوضوح أكبر، فالتفتت إلى الجهة الأخرى، بهو صغير يصل إلى المطبخ الذي لم تلمح فيزا مكنونه جيدا، ثم توجه نظرها إلى السلالم التي تقود إلى الطابق الثاني، شعرت برغبة و شوق في الانطلاق و استكشاف كل بقعة من هذا المنزل الظريف، لو أن بإمكانها قضاء بقية حياتها في هذا المكان، بعيدا عن هموم و مشاكل العالم المعقدة، و الأهم : بعيدا عن أي من هذين الرجلين اللذين أمامها. قبل أن يتسنى لها التفوه بكلمة أبعد تايغر ذراعه عنها و قال بأبسط طريقة ممكنة : " سنظل هنا حتى موعد الصفقة، إذا حاولتِ... " رفعت حاجبيها و قاطعته بتعابير يملؤها الضجر : " إذا حاولت الهرب ستقتلني، تعذبني و ما إلى آخره ؟ أجل، أعلم " استدارت ثم استطردت بسرعة و هي تريه يديها المقيدتين : " هل يمكنني التخلص من القيود الآن ؟ " قطب صاحب الندبة حاجبيه و نفذ طلب الفتاة دون أن يتكبد عناء الرد، ليس ذلك ما كان سيحذرها منه لكن الأمر لا يستحق العناء، شامو كان يراقبهما من الخلف أخرسا، متجنبا التعليق و التدخل، حيث بدا له و كأن كل منهما قد يقتل الآخر مع أول فرصة سانحة. التفتت فيزا إلى تايغر من جديد و ظلت تنظر إليه، ساد صمت غريب حيث كان كل واحد منهم ينتظر من الآخر أن يباشر بالكلام، و عندما لاحظت الفتاة بأن ذلك طال أكثر من اللازم استجمعت شجاعتها، تنهدت ثم توجهت ببطىء إلى إحدى الآرائك ذات المقعد الواحد، استغلت ذلك لتنظر من جديد إلى الإطارات لعلها هذه المرة تبصر ما هو أفضل من الصور البعيدة غير الواضحة، و كان لها ذلك، فقد رأت تايغر الذي كما اعتقدته، لم يتغير مطلقا، كما لمحت بينما كانت تعتدل في جلستها، امرأتين في إطارين مختلفين، إحداهن صورة قديمة ألوانها شاحبة لشابة يافعة جدا، ذات شعر بلون داكن، طويل و مضفور، إكليل من الزهور على رأسها، و قد اكتسى قوامها الرائع بلباس ساري فاخر التصميم، " ربما والدة ذلك الوغد يوم زفافها... "، هكذا فكرت فيزا، بعد أن لاحظت بعض أوجه الشبه بين تايغر و تلك الشابة، " هل كان عليها أن تتزوج و تنجب هذه المصيبة ؟! "، أما المرأة الثانية، أكبر سنا من الأولى و على عكسها، كانت صورتها ملونة، و لكن هي الأخرى كان لها شعر طويل و مضفور، إلا أنه بني اللون، بعينيها العسليتين، الابتسامة الخجولة على وجهها الجميل، لباسها و وشاحها الرقيق الذي يلف رقبتها بلون أزرق سماوي، كانت رمزا للجمال و الأنوثة، اختلطت الأفكار على فيزا و احتارت بين الافتتان و الإعجاب و بين الفضول و التساؤل المتواصل، " ما الذي تفعله صورة هذه الآنسة المشرقة عند إنسان كهذا ؟ "، و بينما كانت عيناها الآن على الطاولة الزجاجية، كانت عينا تايغر عليها لا تفارقانها، يداه على جانبيه، يراقبها في صمت، و عندما أيقن بأنه ليس في نيّتها القيام بأي عمل غير الانتظار، نظر إلى رفيقه أخيرا و قال : " سأعود بعد قليل " صعد إلى الطابق الثاني بينما جلس شامشير على إحدى الآرائك، و لم تمر عشر دقائق حتى عاد تايغر، و بينما كان هذا الأخير ينزل من الدرج، وقف شامو و انصرف إلى الطابق الثاني تاركا الاثنين في سكوت تام، تايغر الذي جلس على الكرسي الهزاز يراقب الفتاة، و هي التي لم تحرك عضلة و لم ترفع عينيها عن الطاولة، لم تخلع معطفها أو قبعتها الصوفية حتى، مع أن الجو دافئ. مرت بضع دقائق، استدار تايغر للنافذة التي خلفه و ألقى نظرة خاطفة على المرج ذو العشب الطويل، ثم التفت إلى فيزا، أمعن النظر فيها لبضح ثوان، و هذا ما استغرقه حتى يدرك بأن عيناها مغلقتان، غرقت في النوم، مجددا... تمتم بانزعاج : " كم ساعة يمكنها النوم بحق الله ! "، استغرب من قدرتها على الاسترخاء في مثل هذه الظروف، بل يحسدها على ذلك، هو الذي لا يتسنى له النوم إلا نادرا، و بالتفكير في الأمر، المكان حوله هادىء و جميل، هذه الأريكة مريحة جدا، لو أنه فقط يغلق عينيه، قليلا فقط... " لا استطيع! " فتح عينيه فجأة، نظر إلى تلك الأريكة، و لم ير سوى معطف فيزا و قبعتها، أما هي فقد اختفت! نهض من مكانه عندما أدرك بأنه أخذ قيلولة لا يعرف كم دامت، أسرع إلى الدرج و خطا أول خطوة نحو الأعلى، نظر لداخل المطبخ للحظة، كانت تلك اللحظة كفيلة بأن يلحظ عدم وجود أي أحد بالداخل، ثم التفت إلى أعلى الدرج ليعلو صوته مناديا : " شامو! " لم يجب أحد، تنفس بعمق و استدار نحو باب المخرج، أسرع إليه ليدير مقبضه بعنف سببه القلق، أعمى شعاع الشمس بصره عند فتح الباب، و ما إن اعتادت عيناه على النور حتى لمح بذلة شامشير الزعفرانية تحركها الرياح بلطف، كان الرجل يقف بعيدا يدير ظهره للمنزل، يداه في جيوب بنطاله، يراقب شيئا ما على ما يبدو، لكن تايغر لم يبصر غير رفيقه، الفتاة غير موجودة و شامشير يقف غير مبال، لا بد من وجود تفسير منطقي لهذا الموقف، لذلك و بدون أي تأخير مشى إليه على أمل أن يتلقى إجابة تريح أعصابه و تبعد قلقه، عندما أصبح على بعد ثلاث خطوات منه، نادى اسمه كما يفعل عادة، " شامو " بطريقة عفوية خالية من الجد، فاستدار صاحب الاسم مبتسما، وقف تايغر بجانبه و سأل بهدوء : " ما الذي حصل أثناء قيلولتي؟ و أين زويا؟ " عندها مُحيت الابتسامة من على وجه شامشير، و اصبحت تعابيره يملؤها الذنب و الحزن، تنفس بعمق و أجاب دون أن ينظر إلى تايغر : " أنا آسف يا إيب...لقد هربت " " لنبحث-عنها-قبل-أن-تبتعد ! "، قال تلك الجملة بسرعة و كأنها كلمة واحدة، لم يفكر للحظة في التفاصيل، لم يحلل الموقف و لو قليلا، و بالكاد فهم شامو تلك الكلمات حتى أضاف تايغر، بسرعة أقل هذه المرة : " إن فقدناها سنفقد ياقوت، هيّا! " خطا خطو ثم توقف، التفت إلى شامشير الذي بقي منتصبا كالتمثال لم تتغير تعابيره، نظر إلى تايغر مباشرة و قال بحزم : " أنا الذي تركتها تذهب... " الصدمة، الحيرة، خيبة الأمل، القلق، الفزع، الاستياء، الغضب، لم يشعر صاحب الندبة بأي منهم، و إنما انتابه شعور عميق بالارتياح و الاطمئنان، اعتدل في وقفته ثم تنهد و هو يمرر يده على شعره، كما يفعل عندما يثق بنجاته من موقف خطير، ابتسم و سأل ببساطة : " أين هي؟ " " ماذا؟ ماذا؟! " ردد شامو في حيرة. فأمر تايغر بثقة لا يزعزعها اي كائن : " أخبرني أين هي زويا أيها الماكر "، و استطرد بعد أن لاحظ بان شامشير لا ينوي الإجابة : " أنت ترتكب فعلا أحمقا يخاطر بحياة ياقوت؟! لن تتجرأ و لو بعد مئة عام! " تخلى شامشير عن تعابيره الأليمة تلك و ابتسم بدوره، ضحك ضحكة قصيرة و قال : " ما كان يجب أن تقولها بصوت عال " استدار ليشير بإبهامه إلى منطقة قريبة في العشب ثم يردف : " إنها هناك، و على الأرجح تضحك عليك " حدق تايغر في الاتجاه الذي أشار إليه رفيقه بتمعن، و إذا بـفيزا تظهر جالسة وسط العشب بعد أن كانت مستلقية، أحاطت ركبتيها بذراعيها، و نظرت إلى تايغر بانزعاج، فبالإضافة إلى أنه اختطفها و هدد والدها، فقد أفسد عليها نزهتها و سكينتها في هذه البقعة المسالمة. كانت قد ربطت شعرها الأسود الطويل على شكل ذيل حصان، و تبين بأن ما ترتديه تحت معطفها ذاك هو إحدى القمصان الحمراء الرائجة، تلك التي طُبعت عليها عدة مربعات سوداء، و لأول مرة منذ لقاءهما شعر تايغر بأنها تنتمي بشكل ما لهذا المجتمع، بأنها طالبة جامعية عادية، ليست سوى فتاة تورطت ضد إرادتها في عالمه المظلم...ظل يحدق بها دون أن ينبس بكلمة، اعتقدت بأنه ينتظر منها أن تشرح سبب تواجدها هنا، فقالت ببرود و تعابير الانزعاج لم تُمحى عن وجهها : " لقد طلبت منه... " أشارت بحركة سريعة برأسها إلى شامشير ثم اردفت : " إذا كان بإمكاني الخروج و البقاء هنا قليلا "، ارتسمت ابتسامة خفيفة على محياها و صمتت بعد أن تيقنت بأنه ليس في حاجة لسماع المزيد. التفت تايغر إلى شامو الذي بجانبه، وضع يده على كتف هذا الأخير و رفع حاجبا ليقول بسخرية أقرب إلى التهديد : " و أنت لا تفوت فرصة للمزاح غير الضروري... "، أضاف و هو يضغط أكثر على كتفه : " أليس كذلك؟! " بلع الرجل ريقه ليجيب بتردده المعتاد، محاولا تغيير الموضوع : " يجدر بنا العودة إلى الداخل و تناول شيء ما بما أنك استيقظت! " تفقد ساعته الفضية ثم استطرد و هو يبعد يد تايغر عن كتفه : " الواحدة ظهرا تقريبا...سأدخل... " و اتجه إلى الداخل بخطوات سريعة دون أن يضيع ثانية أخرى في التفكير، و دون أن يرمق فيزا بنظرة حتى، تاركا إياها بمفردها مع رفيقه المرعب، هذا الأخير اقترب منها، و دون أن يتخلى عن نبرة السخرية التي كلّم بها شامشير قال : " هل تريدين مساعدة للوقوف، عزيزتي زويا ؟ " لم تفكر و لو للحظة، وقفت من فورها كأنه رد فعل فطري لسماع تلك الجملة، أحكمت قبضتيها بقوة في محاولة للسيطرة على أعصابها، تمكنت و بصعوبة من أن ترسم على محياها ما بالكاد يسمى ابتسامة، و رغم أنها تبدو على وشك الاشتعال و إحراق المرج بأكمله، إلا أنها ردت ببرود قائلة : " لا، شكرا، يمكنني الوقوف بمفردي " تقدمت بخطوات مترددة و بطيئة، إذ أن تايغر الذي اختفت ملامح السخرية من على وجهه تجمد في موضعه و لم يحرك ساكنا، ظل يحملق فيها بعينيه الداكنتين، حتى تجاوزته بمسافة بضعة أقدام لتتوقف هي الأخرى و تستدير إليه، لم يكن يتبعها بعينيه، عندها ادركت أنه لم يحدق فيها من الأساس، و إنما هو شارد الذهن يتجول في أفكاره الخاصة، شعور الفضول الذي ينتابها يزداد، كلما قضت وقتا أكثر مع هذا الرجل كثرت الأسئلة التي تدور ببالها، وقفت صامتة هي الأخرى، ثم نادت عليه : " تعال! " التفت إليها بحركة سريعة، و إذا بشعور التوتر يتملكها، وجنتاها تكادان تصبحان بنفس لون قميصها الأحمر، فمن الناحية التقنية... ما قالته الآن يُعتبر أمرا مباشرا، أشاحت بنظرها سريعا، اختطلت عليها الأمور في رأسها بسرعة عشرين فكرة في الثانية! " لماذا ناديته بهذه الطريقة؟! سحقا! هذا موقف غريب و محرج!!! " قاطع أفكارها صوت خطوات تايغر في العشب، نظرت إليه من جديد، إنه يتجه نحو المنزل ببساطة، يبدو أنه كان بحاجة لمن يذكره بذلك، خطر لها بأنها ربما بالغت قليلا في قلقها، لقد نادته و حسب، لم يكن بالأمر المهم، الأشخاص العاديّون ينادون بعضهم، و هو ليس فضائيا، استجاب لنداءها بطريقة عادية، " تمالكي نفسك يا فيزا! لقد مر الموقف على خير! "، واصلت المشي عندما وصل هو إليها، كانت تمشي الآن بجانبه، و هو وضع يديه في جيوب بنطاله بلا مبالاة كعادته، عندها خطر لها ما سمعته قبل قليل، حلّلت تلك المحادثة و خرجت باستنتاج، هنالك طريقة واحدة لتتأكد منه، و لكنه قد ينكر الأمر، عليها أن تختار كلماتها بحكمة، و لكن إن لجأت إلى الحيلة قد يغضب و لن تعجبها النتائج، كانت تفكر بسرعة كبيرة، و عندما حسمت قرارها كانا بالكاد قد قطعا نصف المسافة إلى ذلك البيت، من الأفضل أن تبدأ المحادثة برويّة، إن تبين بأن استنتاجها صحيح سيمنحها ذلك راحة و طمأنينة كبيرة على سلامة أبيها، إذن و دون أن تبعد نظرها عن باب المنزل سألت بتردد : " إذن، إيب، هذا هو اسمك الحقيقي؟ علمت بأن اسمك لن يكون 'تايغر' بحق، و لكن هذا الاسم غريب... " فأجاب ببساطة : " هذا لأنه اختصار أيتها البلهاء، اختصار لـ ' إبراهام'، فهمتِ؟ " لم تتوقع أن يجيب بهذه الطريقة العفوية، و لم تنزعج من نعتها بالبلهاء، و إنما تمنت أن يحافظ على سلوكه هذا مع الكلام الذي توشك أن تتفوه به، استجمعت شجاعتها و قالت بهدوء و رباطة جأش : " أظن أن القدوم كل هذه المسافة إلى هنا مضيعة للوقت، بما أن تبادل الرهائن سيتم فـ... " " ماذا؟! " قاطعها تايغر الذي توقف عن المشي. توقفت هي بدورها و نظرت إليه لتسترسل دون تغيير في نبرة صوتها : " بشأن الرهينة التي يحتجزها أبي... " هذه المرة أيضا لم تستطع إكمال كلامها، فقد قاطعها من جديد و قد أحكم قبضتيه داخل جيبيه : " إذا شامشير أخبرك، ذلك الثرثار... " بلعت ريقها و حاولت الحفاظ على هدوءها، فأجابت : " لم يخبرني بأي شيء، استنتجت ذلك بنفسي بعدما قلته له سابقا... " لم يضف أحد كلمة، كل منهما نظر إلى الآخر بجديّة كبيرة و ساد الصمت بضع لحظات، حتى كسره تايغر بضحكته القصيرة الهستيرية، أخفى غضبه خلف قناع ابتسامة باردة و قال : " جعلتِني أؤكد استنتاجك إذن أيتها الآنسة المتذاكية " شعرت فيزا بالارتياح لسماعها بأن والدها بخير و لديه ورقة رابحة، لكنها في نفس الوقت أحست بالارتياب أمام طريقة كلام تايغر، ما كان منها إلا أن تلفظت ببعض الكلمات التي تشرح كيف وصلت لهذا الاستنتاج، على أمل أن تخفف من حدة الجوّ، فقالت : " شككت بالأمر بعد ردة فعلك سابقا...عندما قلت بأنك ستفقد 'ياقوت' هذه... " تخلى عن ابتسامته تلك لينطلق في المشي من الجديد متجاهلا فيزا و متجاوزا إياها، أما هي فقد وقفت ساكنة لمدة ثم انطلقت خلفه، لقد كان الغضب يعتريه، و حتى هو لم يفهم السبب، دفع الباب الذي لم يغلقه شامشير وراءه، التفت إلى فيزا ليتأكد من أنها تلحق به ثم دخل. و لم تمر سوى ثوان قليلة حتى دخلت فيزا هي الأخرى، فور دخولها سمعت صوتا غريبا مصدره المطبخ، لا شك بأنه شامشير يستخدم المايكرويف، التفتت إلى الكرسي الهزاز الذي اتخذه تايغر مجلسا له، و هي بدورها تقدمت نحو الأريكة التي يتكئ معطفها الأسود عليها و عيناها لا تفارقان الرجل، لتجلس و قد غمرها شعور عميق بعدم الارتياح، و عندما حوّل تايغر بصره من إطارات الصور إلى وجهها تضاعف ذلك الشعور بطريقة فظيعة، " ماذا أفعل يا الهي؟! ربما من الأفضل إذا أشحت بنظري، و لكنه قد يظنها علامة ضعف! سيعتقد بأنني أخافه! " بلعت ريقها و ظلت تحدق في عينيه، أخرج يديه من جيوب بنطاله ليشبك أصابعه مشكلا قبضة و يسند مرفقيه على ركبتيه، أخفى ذقنه الملتحي وراء تلك القبضة و عيناه لم تفارق عينيّ فيزا، و هذه الأخيرة راحت تتسائل في نفسها " هل هذا تحدي تحديق أم ماذا؟! " نظرت إليه مطولا و لم يرمش و لو لمرة، " تحدي تحديق! كم أن تفكيري سخيف! إنه يحاول إخافتي فحسب! " لم تحتمل أن يسود هذا الصمت المريب لفترة أطول، فرغم أنه لم تمر سوى ثوان قليلة على ذلك إلا أنها شعرت و كأنها تنظر إليه منذ ربع ساعة، الآن و قد تأكدت من سلامة أبيها أصبحت أكثر حرية في الكلام، فسألت بهدوء محاولة تغيير الجو : " من تكون ياقوت؟ " ظل ساكتا لفترة أمام سؤالها ذاك، فكرت بأنه محتار بين السكوت و بين الإجابة، لكنها لا يمكن أن تتيقن فعلا ممّا يدور في رأسه، و هي التي كانت عازمة على أن لا تسمح للصمت بالهيمنة على الجو أضافت بإلحاح و هي تلتفت إلى صورة ذات الوشاح الأزرق : " هل هي تلك المرأة؟ إنها هي أليس كذلك؟ جميلة جدا، ما علاقتك بها؟ لا أظنها أختك فهي لا تشبهك إطلاقا، ربما تتعقبها؟ هل انت مغرم بها؟ ممكن... " " اخرسي! " قاطعها إيب بصوت عال و قد نفذ صبره. ابتسمت فيزا ابتسامة خاطفة، لقد حققت مبتغاها و تمكنت من إجباره على الكلام، لا بد أن أسئلتها المزعجة ستجعله يعترف بكل شيء، و مجددا صمت لثوان قليلة محدقا بإطار الصورة، أحسّت خلالها بأنه من الأفضل أن لا تكسر ذلك الصمت، و قد نطق أخيرا كما تمنت، قائلا في سياق المحادثة : " أجل، ياقوت هي تلك المرأة ذات الشعر البني... " أبعد عينيه عن الصورة ليلتفت إلى فيزا و استطرد : " إنها تكون... " السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كيف حال متوحشاتي الجميلات ؟ إن شاء الله بخير... أعلم أنني أطلت عليكم كثيرا لطرح هذا الفصل و لكن ماذا افعل؟ لا أحد يمكنه التحكم بالإلهام تحكما كاملا على كل أتمنى بأنني عوضت عليكم لأن الفصل أكثر من 2700 كلمة بدأت الأحداث تخرج عن سيطرتي قليلا و هذا سبب آخر لتأخري على أية حال، لا أسئلة هذا الفصل لا تحرموني من ردودكم المشجعة في أمان الله |