الفصل الثالث : محادثة مشوقة ~ . . " ما الذي حدث ؟ أين أنا ؟ ! " لم تر فيزا أي شيء حولها و لم تبصر سوى ظلام دامس، لم تتمكن من الكلام، عندما حاولت تحريك فمها أحسّت بالشريط الذي أُلصق فيه، و لم تمر سوى لحظات حتى أدركت بأن يديها مقيدتان إلى كرسي، كرسي مريح جدا... أما قدماها فمقيدتان إلى بعضهما، بدأ رأسها يغلي من الغضب، و تخبطت في مكانها بانزعاج لا مثيل له، امتزج غضبها هذا بالصدمة عندما سمعت فجأة صوتا رجوليا غير مألوف يقول : " استيقظت الآنسة... " ضربت قدميها بالأرض بعنف عدة مرات، كان بودها لو تصرخ على ذلك الشخص صرخة تجعله يرغب بإغلاق أذنيه إلى الأبد، و يبدو بأنه انتبه إلى نواياها حيث قال بهدوء و صبر : " اسمعيني جيدا، سأنزع عنك الشريط اللاصق، و كذلك عصابة العينين، لا تحدثي أي صوت و إلا سأعيد وضعهم و لن أنزعهم من جديد " صمت لبرهة ثم أضاف مهدّدا : " مفهوم ؟ " تطلب الأمر بضع ثوان لتستطيع الفتاة أن تهدأ من روعها و تسيطر على غضبها، إذا ارادت تفسيرا فعليها التحكم برغبتها الجامحة في ركل أي من كان أمامها، فهزت رأسها بالموافقة بعد أن ران الصمت بضع ثوان أخرى. شعرت بالشريط اللاصق ينتزع من فمها شيئا فشيئا، ثم عصابة عينيها ارتخت حتى سقطت على رقبتها كالوشاح، حركت رأسها حركة سريعة من اليسار إلى اليمين ثم في الاتجاه المعاكس لتبعد شعرها المنسدل الذي حجب رؤيتها حتى يتبين لها وجه من أمامها، في تلك اللحظة كان يشيح بنظره و عيناه مغلقتان إذ يبدو أن شعرها الطويل قد مر على وجهه، شعرت بالرضى لأنها فعلت ذلك و إن كان عن غير عمد، فهو بنظرها يستحق أن يُصفع كما يجب ليتعلم أن لا يُفقد الناس وعيهم ثم يقيدهم. فتح عينيه و التفت إليها، انتظرت منه أن يعنّفها أو ما شابه، لكن ردة فعله غير المتوقعة قد حيرتها، فعندما نظر إلى عينيها بدت عليه المفاجأة، و سمعته يقول بصوت خافت و مرتجف : " أمــــي ! " لكنها سرعان ما أشاحت بنظرها هي الأخرى، عضت شفتها السفلى و قد ارتسم تعبير غريب على وجهها، كأنها صُدمت أو خافت لرؤية شيء ما، و في نفس الوقت انتباها شعور بالأسى و نوع من الشفقة. أغلق الرجل عينيه و فتحهما عدة مرات باستغراب، حتى تذكر بأن هنالك ندبة مخيفة مطبوعة على وجهه، بحركات خفيفة ابتعد عن الفتاة بضع خطوات للوراء، ثم قال و هو يحاول أن يبدو جديّا بقدر المستطاع : " لنوضح أمرا، أنا من يطرح الأسئلة هنا " خطرت له فكرة سخيفة، و في تلك اللحظة بالضبط قالتها الفتاة بصوت مسموع : " بل يفترض بك أن تجيب على أسئلتي ! " ثم استطردت بطريقة مستعجلة و هي تلتفت إليه : " من أنت ؟! ما الذي يحصل بالضبط ؟ ! و... " شعرت بغضبها يتضاعف للتفكير في السؤال التالي : " و أين لونا ؟! ماذا فعلتهم بها ؟! " مشى الرجل بضع خطوات أخرى و جلس خلف مكتبه، لأول مرة منذ أن فتحت فيزا عينيها...نظرت حول المكان، كان يبدو مكتبا فخما لمدير شركة مرموقة، لفت نظرها أنه بالأبيض و الأسود، تماما مثل غرفتها، لكنه لم يكن الوقت المناسب بالتأكيد للإعجاب بديكور المكان، كانت الستائر الداكنة منسدلة على النوافذ الكبيرة، لربما هي على ارتفاع شاهق الآن، و لم تتكبد عناء محاولة معرفة الساعة، أو إذا كان الوقت ليلا أو نهارا، بل التفتت مجددا نحو الرجل الذي انتبهت أنه يرتدي قميصا و سروالا أبيض ناصع، و لم تسنح لها أن تقول كلمة إضافية، فقد نطق هو قبلها، بنبرته الأكثر هدوء، مجيبا على أسئلتها : " أنا أكون تايغر، غنيّ عن التعريف " عندما سمعت اسمه، صُدمت للحظة، ثم أظهرت ملامحها الاشمئزاز و هي تنظر إلى وجهه. لكنه أكمل حديثه و كأن رأيها كان آخر همّه : " ما يحصل هنا ببساطة هو عملية اختطاف، في الواقع العملية تمت بالفعل و أنتِ الآن رهينة عندي ... " ابتسم ابتسامة مُطمئِنة و اردف : " لم نمسّ صديقتك مطلقا " اختفت ابتسامته فجأة، تنهد ثم استطرد : " لكنني بصراحة لا أظن أنها بخير… " صرخت فيزا لا إراديا و كادت تقف من مقعدها : " ما الذي...؟ ! " لكن تايغر رفع يده و قاطعها : " صه ! " ، ببرود قاتل أجبرها على السكوت، و أكمل حديثه بنفس البرود : " أظن أنها تحمل نفسها مسؤولية اختطافك، فهي من ألحت عليك للذهاب إلى الديسكو... " أصرّت على أسنانها بقوة، واثقة بأنها على الأرجح لن يكون بإمكانها أن تكون أكثر غضبا من الآن في أي مرحلة قادمة من حياتها، أرادت أن تلقي بكرسيّها المريح في وجه ذلك الشخص الذي يقابلها، شعرت بدمها يغلي و أطرافها ترتجف، و تمكنت بصعوبة بالغة من السؤال بصوت متزعزع مرتجف : " إذن أنت من أرسل أولئك الشبان ؟ ! " فرد ببساطة : " أجل " تعالى صوتها أكثر مع كل كلمة تنبس بها و هي تقول : " الذين حاولوا مضايقتنا ! و الذين أنقذونا أيضا ! " " تماما " لم تحتمل أن تفقد أعصابها بينما هو يبقى هادئا، لم يزدها ذلك إلا انزعاجا و غضبا فوق ما هي عليه، عندها صرخت و لم تهتم بالعواقب على الإطلاق : " ما هدفك من كل هذا؟ ! " هزّ تايغر كتفيه و أجاب كأنها سألت سؤالا غبيا : " والدك العزيز دفع ثلاثة ملايين دولار لرجل إنجليزي أحمق من أجل أن يقتلني... " ابتسم ابتسامة فيها نوع من البراءة و أكمل : " لذا سآخذ منه ثلاثة أضعاف المبلغ من أجل سلامتكِ " لاحظ بأن فيزا لم تقتنع تماما بمعنى كلمة 'سلامة'، فسارع بإضافة : " أنتِ ستكونين بخير تماما، طالما انه سيسلمني المال، و طالما... " شكّل مدسا بأصابعه و وجهه نحوها قائلا بهدوء و قد علت وجهه نظرة تهديد مخيفة : " طالما تتصرفين كفتاة مطيعة و تلزمي مكانك دون إصدار أي صوت، صدقيني لا أريد أن أضع عليك الشريط اللاصق و عصابة العينين من جديد " ضحك ضحكة قصيرة و استطرد بسخرية : " إذا اصبتِ باحتقان في الأنف لن تتمكني من التنفس و سـتخـتـنـقـيـن، و أنا سأفقد رهينة ثمينة " كانت تتنفس بصوت مسموع لتحاول استعادة هدوءها، شحب وجهها قليلا و بلعت ريقها بينما تفكر في إمكانية حصول ذلك، سألت بصوت فيه رجفة خفيفة : " إلى متى سأبقى هنا ؟ " " أوه لا تقلقي " أجاب تايغر بحيوية و هو يضع يديه خلف رأسه، " سنغادر في أقل من ساعة إلى مكان اللقاء " تشوشت أفكارها للحظة، و قالت بسرعة دون أن تسنح لها الفرصة لمنع نفسها : " هكذا إذن، و يفترض بي أن أجلس و احدق في وجهك إلى ذلك الحين ؟ " " ماذا؟ ! "، تايغر الذي صُدم صدمة غير متوقعة حيث رفع حاجبيه، حملق فيها بغرابة و هو يغلق عينيه و يفتحهما عدة مرات بسرعة، يداه لا تزالان خلف رأسه. أغلقت الفتاة فمها و عينيها بحركة سريعة، شعرت بالقلق الشديد، و لم تعلم كيف أمكنها قول ذلك بكل بساطة، أحست بوجنتيها تحترقان في هذا الجو البارد فأخفضت رأسها، لم تفهم شعورها تماما، إن كان خوفا أو إحراجا، و هل يجوز أن تُحرج أمام شخص كهذا ؟ سمعت صوت تايغر الذي بدا مخيفا أكثر من أي وقت مضى يقول : " سأقتلك ! " نظرت إليه من جديد بقلق و استغراب و هي تفكر : " سيقتلني لهذا السبب البسيط ؟ ! " و سرعان ما شعرت بأنفاسها تُحبس، عندما ظنت أنها هدأت أخيرا... أصبحت غاضبة جدا لدرجة لا يمكن تصورها عندما سمعت صوت ضحك تايغر الساخر، هدأ هذا الأخير بعد بضع ثوان و قال مع ابتسامة عريضة : " سأقتلك لهذا السبب البسيط ؟ " " لقد أخافني السافل ! يظن نفسه مضحكا ! أهذا وقت المزاح على أية حال ؟ ! عندما أتحرر من قيدي سوف... ! " تتمنى لو تقول هذه الكلمات بصوت مسموع يملؤه الغضب، لكن التسبب بالمزيد من المشاكل لن يكون في صالحها أبدا، كان عليها أن تراقب ذلك الأحمق يسخر منها و هي لا حول لها و لا قوة، سمحت للغضب بأن يسيطر عليها لدرجة نسيانها ان التخلص من الرهينة قبل إتمام الصفقة مخاطرة كبيرة، هذا يعني أنها بخير في الوقت الحالي، رغم أن قلقها على والدها لم يفارقها و لو للحظة، لا يمكن الثقة بالمجرمين، هي أدرى بذلك... مرت عشر دقائق منذ حُبست في هذا المكان، كان تايغر يجعل كرسيه يدور باستمرار و هو ينظر إلى السقف، لم يقل أحد شيئا، لم يتلقى الرجل أي اتصال، جعلها ذلك تتساءل... " أليس لديه شيء ليفعله ؟ ! يفترض أن يتلقى عشرات المكالمات في خمس دقائق أو ما شابه ! إنه مجرم مشهور ! " حياة والدها كانت تجري بهذه الطريقة، مكالمات، مشاغل، مشاكل، بلا توقف، و هذا ما جعلها تحتار في أمر تايغر الذي بدا لها هادئا جدا، لكن لم تختلف حياة هذا الأخير عن حياة والدها كثيرا، كل ما في الأمر هو أن تايغر، كما قال، قد ' أخذ إجازة ' للاهتمام بأمرها. كُسر الصمت الطويل أخيرا بعد مرور عشر دقائق أخرى، خاطرت الفتاة بسؤال، مترددة و صوتها خافت متجنبة النظر إلى تايغر مباشرة : " أنت...لن تقتل أبي، أليس كذلك ؟ " لم يوقف تايغر كرسيه عن الدوران، هو أيضا كان يتجنب النظر إليها مباشرة عندما أجاب بلا مبالاة : " ربما... " نظرت إليه مباشرة، نظرة متوسلة، كطفل صغير يرفض أن يُجبر على التخلي عن لعبته العزيزة، و قالت بنبرتها المترددة و صوتها الخافت الذي لم يتغير : " أرجح أنك طلبت منه أن يأتي وحيدا...و لا بد أنه سيخضع لتفتيش قبل مقابلتك... " توقف كرسي تايغر عن الدوران، لكنه لم يحرك عينيه من السقف، أصبحت فيزا أكثر ترددا، كل كلمة كانت تقولها اختارتها بعناية، صوتها أصبح بالكاد مسموعا و هي تكمل : " ...سيطيع أوامرك...من أجلي أنا...لا يمكنك قتله... " أصبحت فجأة أكثر ثقة بنفسها، فزادت من حدة نبرتها و أضافت : " سيعطيك ما تريد ! سيلتزم بوعده و عليك فعل المثل ! " قاطعها صوت ضربة عنيفة على طاولة المكتب، أغلقت عينيها و هي تحاول بجهد إخفاء خوفها، سمعت خطواته و هو يقترب بسرعة فتسارعت نبضات قلبها، ليس من عادتها أن تخاف لهذه الدرجة من أي إنسان، فتحت عينيها ببطء لتجده واقفا أمامها و قد علت وجهه ملامح الجدية و الصرامة، قرّب وجهه منها لدرجة أن أنفه يكاد يلامس أنفها، و قال بينما يصرّ على أسنانه : " لا تعلميني قوانين المعركة ! وفّري كلامك هذا لوالدك الذي أرسل شخصا آخر لاغتيالي بدل أن يواجهني مباشرة ! " رفع يده و وجه إصبعه السبابة نحوها و أردف مهدّدا إياها : " أخبرتكِ أن تظلي صامتة و إلا سأضطر لاتخاذ إجراءات لن تعجبك ! " ما كاد يضيف كلمة أخرى حتى صُدم بالفتاة التي فتحت عينيها، قطبت حاجبيها و حدقت فيه بشجاعة فذة، كما تعجب من نبرة صوتها الحازمة و هي تقول بصوت عال : " إذا كنت من هذا النوع الرخيص من البشر...أتمنى لو أنه ينهي أمرك تماما ! و إن كان هذا على حساب 'سلامتي' ! " هدأت نبرتها و أخفضت صوتها قليلا لتكمل : " هذه ليست أول مرة أُخطف فيها...و لن تكون الأخيرة على الأرجح...إذا تكرر ذلك... " أشاحت بنظرها بعيدا، إذا ظلت تُخطف مرارا و تكرارا...ستكون عبئا على والدها، هذا ما فكرت به، في كل مرة يحدث أمر مشابه...كان يواجه خطر الموت، و في اعتقادها أنه بسببها، لكن ذلك غير صحيح، الواقع هو أنها تتعرض لهذه المواقف الصعبة دفعا لثمن أخطاء والدها، أما تايغر الذي أقل ما يُقال عنه أنه منذهل، و الذي كان ليصفع من يخاطبه بهذه الطريقة صفعة تذكره بمكانته، كان يدور في رأسه الآن سؤال واحد : " ما الذي خاضته هذه الفتاة حتى اكتسبت جرأة كهذه ؟ ! " قبل أن ينبس أحد بكلمة أخرى، سُمع صوت رنين هاتفه، رد على المكالمة بسرعة كبيرة و كأنه انتظرها لسنوات، تمتم بضع كلمات لم تفهمها فيزا جيدا ثم اغلق الخط ليلتفت إلى الفتاة، هذه الأخيرة انتباها شعور فظيع بالريبة و الخوف من نظرته الباردة المفاجئة، ما هذا الشخص ؟ أحيانا يبدو إنسانا طبيعيا و أحيانا أخرى يُخيل لها بأن الشيطان قد يرتجف أمامه... ! السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كيف حالكم ؟ إن شاء الله بخير و عافية يبدو أن حملة الردود و قانون وضع الفصل كانوا ذوي فائدة لحسن الحظ فقد حصلت على متابعين جدد لا يتكاسلون عن الرد...أحم ليس هنالك شخصيات جديدة في هذا الفصل و إنما أردت أن أشير فيه إلى بعض من جوانب البطلين كما لاحظتم، الجانب الفكاهي لـ تايغر و الجانب القاسي لـ فيزا كما أن في بداية المحادثة تلميحا صغيرا جدا عن... ^ إذا لم اتوقف سأبدأ بالحرق المهم أستودعكم الله في امان الله و رعايته |