زنجبـار
أندلس افريقيا الضائعة!!
لم تكن الأندلس هي الفردوس الأولى ولا الأخيرة، التي يفقدها العرب، أو يتم إخراجهم عنوة منها، بعد قرون من وجودهم وحضارتهم الزاهرة فيها، فهناك – في حقيقة الأمر - أكثر من فردوس أو أندلس عربية مفقود، لا يملك المرء عند ذكرها إلا الشعور بالألم والحسرة، على هذه الأمجاد الضائعة، رغم مرارة وبؤس الواقع العربي الراهن. والذي يزداد تدهورا يوما بعد يوم. وهاهنا واحدة من تلك الجنان المفقودة والأمجاد الضائعة..إنها زنجبار مملكة العرب القديمة ومفتاح الشاطئ الشرقي لأفريقيا، وأشهر مركز إشعاع إسلامي في القارة السوداء. زنجبار الجزيرة الخضراء البديعة العبقة، حيث اللسان عربي، والتاريخ عربي، والتراث الحضاري عربي، والحكم عربي حتى قبل 44عاما فقط مضت.. الفارق أن زنجبار لا بواكي لها. فكيف كانت بداية الوجود العربي.. وكيف انتهى أفول الخروج؟
بر الزنـج
زنجبار عبارة عن جزيرة تبدو صغيرة في حجمها، ولكنها كبيرة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبطبيعتها الجميلة الخلابة، وبشعبها الحيوي النشط، وهي تقع في المحيط الهندي على بعد عشرين ميلاً عن الساحل الشرقي لأفريقيا، ويعني اسمها باللغة العربية "بر الزنج". أو ساحل الزنج، وتكتب باللغة الإنجليزية هكذا ( Zanzibar )، وتبلغ مساحة زنجبار– أو الجزيرة الخضراء، كما يحلو لسكانها في وصفها - حوالي1600كم مربع، وأما عدد سكانها فيبلغ – طبقا لآخر الإحصائيات - زهاء مليون نسمة منهم حوالي 97% مسلمون. وهم من الأفارقة والعرب والفرس والهنود. والنسبة الباقية فتتشكل من المسيحيين والهندوس.
واللغة السائدة فيها حاليا هي اللغة السواحلية وهي مزيج من لغات أفريقية قديمة واللغة العربية. ويقدر بعض علماء اللغة أن 70% من اللغة السواحلية من أصل عربي. وتتبع جزيرة زنجبار سياسيا دولة تنزانيا الحديثة النشأة والتكوين وتخضع لنظام حكم شبه ذاتي.
وتجمع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب – وتحديدا عرب الجنوب الذين ركبوا البحر منذ القدم – قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، وأمتد نشاطهم التجاري حتى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة، وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند. ويحدثنا التاريخ بأن الحبشة أسسها عرب الجنوب الذين حكموا "الصومال" وما جاورها وأن"زنجبار" كان يحكمها سلطان عربي. وكل هؤلاء قدموا إلى هذه البلاد واستوطنوها معجاليات ضخمة من العرب عن طريق البحر، بسبب نشاطهم الملاحي الذي كان سبباً لانتشارهمفي أكثر البلاد والمدن الساحلية التي تقع على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهنديوالخليج العربي. وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية السائدة في زنجبار ومنها انتشرت إلى العديد من الدول الإفريقية المجاورة.
ويقول المسعودى في سياق الحديث عن التجارة بأن أصحاب المراكب الذين كانوا يبحرون إلى أفريقيا الشرقية في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي كانوا عربا، ووصلوا حتى ميناء سفاله في موزمبيق الذي كان آنذاك مرفأً لتجارة الذهب القادمة من داخل البلاد . وكانت السلع التي تسعى المراكب لجلبها هي الذهب والعاج والأخشاب والتوابل والعنبر.واستمر الحال هكذا حتى سقوط بغداد في يد الغزاة المنغوليين عام 656هـ / 1258م مما أدى مرة أخرى إلى هجرة كثير من المسلمين إلى بلدان سواحل شرق القارة .
وتبين الآثار التاريخية المادية أن العلاقات التجارية التي ربطت دول الخليج العربية الحالية بشرق إفريقيا منذ القدم, لم تنقطع إلا بعد ظهور النفط.
مركز إشعاع إسلامي
وتاريخيا تعتبر زنجبار أرضا مسلمةً منذ القرن الأول الهجري. وقد انتشر فيها الإسلام نتيجة الهجرات المنظمة والمتوالية لبعض القبائل الأزدية والحضرمية والشيرازية إليها ثم نتيجة للعلاقات التجارية بينها وبين عرب الجنوب والخليج. وما كان يتحلى به هؤلاء التجار من سلوك قويم ومعاملة حسنة. وتعود أقدم الهجرات العربية إليها إلى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان ( 65-86هـ) الموافق ( 685- 705م ). أثناء حملات الحجاج الثقفي العسكرية لضم عمان إلى الدولة الأموية.
وتجدر الإشارة إلى أن القبائل العربية التي هاجرت إلى زنجبار وشرق أفريقيا بعد الإسلام، لم تكن بوافدة على بيئة غريبة عليها, فقد كان هنالك تواصل وتداخل بين الجزيرة العربية والمناطق الإفريقية الداخلية منذ ما قبل الميلاد, تولد عنه كيان بشري وثقافة مشتركة، وقد شكل هذا الوعاء اللغوي والثقافي المشترك عاملا مهما لانتشار الإسلام في هذه المنطقة، بصورة تلقائية عن طريق الدعوة والإقناع، ومن ثم سهولة بسط نفوذ العرب المسلمين السياسي والثقافي في شرق أفريقيا. وكان من نتيجة انتشار الإسلام والمسلمين في المنطقة أن حل العرب والمسلمون محل غيرهم في التجارة البحرية بالمنطقة اعتبارا من القرن الثاني للهجرة ( الثامن الميلادي ) - وقد قامت في زنجبار أول دولة إسلامية عربية في أفريقيا وظلت زنجبار على مدى قرون عديدة من أهم مراكز نشر الإسلام واللغة العربية في شرق القارة الأفريقية.
وهناك من الباحثين من يرجع دخول الإسلام إلى زنجبار وشرق أفريقيا إلى مرحلة سابقة لهجرة تلك القبائل العربية إليها، وهي مرحلة فجر الإسلام، حين خرج العرب الذين أنار الدين الجديد عقولهم وحرر أخلاقهم وجدد هممهم، لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا – أثناء ذلك - من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية – بما فيها زنجبار- ويستدلون على ذلك بكون تلك المجتمعات الإفريقية لم تتبن المذاهب الفقهية أو العقائدية التي كانت تسود في المناطق التي هاجر منها أولئك العرب المسلمون. فلا نجد مثلا المذهب الإباضي أو المذهب الشيعي منتشرا في مناطق شرق إفريقيا أو وسطها. وهو ما ينطبق على زنجبار نفسها باستثناء الأسرة الحاكمة، والملتفين حولها، والذين اقتصرت أنشطتهم على التجارة والزراعة.إلى جانب أعداد قليلة من الشيعة وهم في أصولهم من مهاجري الهند وإيران والذين وفدوا إليها في مراحل لاحقة. ولذلك فقد ظلت زنجبار بمنأى عن الصراعات والفتن المذهبية لمدة طويلة، ولم تعرف الجاليات الإسلامية هذه الفتن إلا لمرة واحدة تقريبا، وذلك في عام 1336هـ الموافق 1928م ، أي بعد وقوع الجزيرة في براثن الاستعمار الانجليزي، وكانت هذه الفتنة بين الحضارم والعمانيين نتيجة للخلاف المذهبي بينهما– وهذا كما ذكر الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة في مقال له نقلا عن أحد المصادر-.
أندلس افريقيا الضائعة!!
لم تكن الأندلس هي الفردوس الأولى ولا الأخيرة، التي يفقدها العرب، أو يتم إخراجهم عنوة منها، بعد قرون من وجودهم وحضارتهم الزاهرة فيها، فهناك – في حقيقة الأمر - أكثر من فردوس أو أندلس عربية مفقود، لا يملك المرء عند ذكرها إلا الشعور بالألم والحسرة، على هذه الأمجاد الضائعة، رغم مرارة وبؤس الواقع العربي الراهن. والذي يزداد تدهورا يوما بعد يوم. وهاهنا واحدة من تلك الجنان المفقودة والأمجاد الضائعة..إنها زنجبار مملكة العرب القديمة ومفتاح الشاطئ الشرقي لأفريقيا، وأشهر مركز إشعاع إسلامي في القارة السوداء. زنجبار الجزيرة الخضراء البديعة العبقة، حيث اللسان عربي، والتاريخ عربي، والتراث الحضاري عربي، والحكم عربي حتى قبل 44عاما فقط مضت.. الفارق أن زنجبار لا بواكي لها. فكيف كانت بداية الوجود العربي.. وكيف انتهى أفول الخروج؟
بر الزنـج
زنجبار عبارة عن جزيرة تبدو صغيرة في حجمها، ولكنها كبيرة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبطبيعتها الجميلة الخلابة، وبشعبها الحيوي النشط، وهي تقع في المحيط الهندي على بعد عشرين ميلاً عن الساحل الشرقي لأفريقيا، ويعني اسمها باللغة العربية "بر الزنج". أو ساحل الزنج، وتكتب باللغة الإنجليزية هكذا ( Zanzibar )، وتبلغ مساحة زنجبار– أو الجزيرة الخضراء، كما يحلو لسكانها في وصفها - حوالي1600كم مربع، وأما عدد سكانها فيبلغ – طبقا لآخر الإحصائيات - زهاء مليون نسمة منهم حوالي 97% مسلمون. وهم من الأفارقة والعرب والفرس والهنود. والنسبة الباقية فتتشكل من المسيحيين والهندوس.
واللغة السائدة فيها حاليا هي اللغة السواحلية وهي مزيج من لغات أفريقية قديمة واللغة العربية. ويقدر بعض علماء اللغة أن 70% من اللغة السواحلية من أصل عربي. وتتبع جزيرة زنجبار سياسيا دولة تنزانيا الحديثة النشأة والتكوين وتخضع لنظام حكم شبه ذاتي.
وتجمع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب – وتحديدا عرب الجنوب الذين ركبوا البحر منذ القدم – قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، وأمتد نشاطهم التجاري حتى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة، وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند. ويحدثنا التاريخ بأن الحبشة أسسها عرب الجنوب الذين حكموا "الصومال" وما جاورها وأن"زنجبار" كان يحكمها سلطان عربي. وكل هؤلاء قدموا إلى هذه البلاد واستوطنوها معجاليات ضخمة من العرب عن طريق البحر، بسبب نشاطهم الملاحي الذي كان سبباً لانتشارهمفي أكثر البلاد والمدن الساحلية التي تقع على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهنديوالخليج العربي. وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية السائدة في زنجبار ومنها انتشرت إلى العديد من الدول الإفريقية المجاورة.
ويقول المسعودى في سياق الحديث عن التجارة بأن أصحاب المراكب الذين كانوا يبحرون إلى أفريقيا الشرقية في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي كانوا عربا، ووصلوا حتى ميناء سفاله في موزمبيق الذي كان آنذاك مرفأً لتجارة الذهب القادمة من داخل البلاد . وكانت السلع التي تسعى المراكب لجلبها هي الذهب والعاج والأخشاب والتوابل والعنبر.واستمر الحال هكذا حتى سقوط بغداد في يد الغزاة المنغوليين عام 656هـ / 1258م مما أدى مرة أخرى إلى هجرة كثير من المسلمين إلى بلدان سواحل شرق القارة .
وتبين الآثار التاريخية المادية أن العلاقات التجارية التي ربطت دول الخليج العربية الحالية بشرق إفريقيا منذ القدم, لم تنقطع إلا بعد ظهور النفط.
مركز إشعاع إسلامي
وتاريخيا تعتبر زنجبار أرضا مسلمةً منذ القرن الأول الهجري. وقد انتشر فيها الإسلام نتيجة الهجرات المنظمة والمتوالية لبعض القبائل الأزدية والحضرمية والشيرازية إليها ثم نتيجة للعلاقات التجارية بينها وبين عرب الجنوب والخليج. وما كان يتحلى به هؤلاء التجار من سلوك قويم ومعاملة حسنة. وتعود أقدم الهجرات العربية إليها إلى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان ( 65-86هـ) الموافق ( 685- 705م ). أثناء حملات الحجاج الثقفي العسكرية لضم عمان إلى الدولة الأموية.
وتجدر الإشارة إلى أن القبائل العربية التي هاجرت إلى زنجبار وشرق أفريقيا بعد الإسلام، لم تكن بوافدة على بيئة غريبة عليها, فقد كان هنالك تواصل وتداخل بين الجزيرة العربية والمناطق الإفريقية الداخلية منذ ما قبل الميلاد, تولد عنه كيان بشري وثقافة مشتركة، وقد شكل هذا الوعاء اللغوي والثقافي المشترك عاملا مهما لانتشار الإسلام في هذه المنطقة، بصورة تلقائية عن طريق الدعوة والإقناع، ومن ثم سهولة بسط نفوذ العرب المسلمين السياسي والثقافي في شرق أفريقيا. وكان من نتيجة انتشار الإسلام والمسلمين في المنطقة أن حل العرب والمسلمون محل غيرهم في التجارة البحرية بالمنطقة اعتبارا من القرن الثاني للهجرة ( الثامن الميلادي ) - وقد قامت في زنجبار أول دولة إسلامية عربية في أفريقيا وظلت زنجبار على مدى قرون عديدة من أهم مراكز نشر الإسلام واللغة العربية في شرق القارة الأفريقية.
وهناك من الباحثين من يرجع دخول الإسلام إلى زنجبار وشرق أفريقيا إلى مرحلة سابقة لهجرة تلك القبائل العربية إليها، وهي مرحلة فجر الإسلام، حين خرج العرب الذين أنار الدين الجديد عقولهم وحرر أخلاقهم وجدد هممهم، لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا – أثناء ذلك - من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية – بما فيها زنجبار- ويستدلون على ذلك بكون تلك المجتمعات الإفريقية لم تتبن المذاهب الفقهية أو العقائدية التي كانت تسود في المناطق التي هاجر منها أولئك العرب المسلمون. فلا نجد مثلا المذهب الإباضي أو المذهب الشيعي منتشرا في مناطق شرق إفريقيا أو وسطها. وهو ما ينطبق على زنجبار نفسها باستثناء الأسرة الحاكمة، والملتفين حولها، والذين اقتصرت أنشطتهم على التجارة والزراعة.إلى جانب أعداد قليلة من الشيعة وهم في أصولهم من مهاجري الهند وإيران والذين وفدوا إليها في مراحل لاحقة. ولذلك فقد ظلت زنجبار بمنأى عن الصراعات والفتن المذهبية لمدة طويلة، ولم تعرف الجاليات الإسلامية هذه الفتن إلا لمرة واحدة تقريبا، وذلك في عام 1336هـ الموافق 1928م ، أي بعد وقوع الجزيرة في براثن الاستعمار الانجليزي، وكانت هذه الفتنة بين الحضارم والعمانيين نتيجة للخلاف المذهبي بينهما– وهذا كما ذكر الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة في مقال له نقلا عن أحد المصادر-.