يعود تاريخ كوريا إلى عام 2333 ق0. م. حينما قام الملك " دان كون" الابن الأسطوري من الإله السماوي وامرأة من قبيلة الدب بتأسيس أول مملكة في التاريخ الكوري وهي مملكة " تشو سون" القديمة. ويطلق المؤرخون على عصر مملكة " تشو سون" القديمة بالعصر الكوري الأول.
وتتميز كوريا القديمة بمجموعات قبلية شكلت دويلات صغيرة. تم اتحادها تدريجيًا بسبب روابط قبيلية مع هياكل سياسية معقدة والتي تحولت أخيرًا إلى ممالك. وبسبب هذه الروابط القبيلية، أصبحت " كو غو ريو"(37 ق.م. - 668) التي كانت تقع على ضفاف المنطقة الوسطى من نهر " أب نوك كانغ(" يالو" بالصينية)" أول مملكة.
قامت قوات مملكة " كو غو ريو" باحتلال القبائل المجاورة واحدة فواحدة حتى أنها احتلت منطقة " لولانغ" الصينية في عام 313. وأصبحت " بايك جيه الصغيرة"(18 ق.م. - 660) التي كانت تقع في المنطقة الجنوبية من نهر " هان كانغ" وهي منطقة قريبة من العاصمة سيول الحالية مملكة مشابهة لمملكة " كو غو ريو". وخلال فترة حكم الملك " غيون تشو غو"(346-375)، تطورت مملكة " بايك جيه" إلى دولة مركزية أرستقراطية.
أما مملكة " شيلا"(57 ق.م. - 935) فكانت تقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة الكورية وكانت أضعف وأقل الممالك الثلاث في البداية. ولكنها تبنت الأفكار والأساليب غير الصينية أكثر من المملكتين بسهولة بسبب تحررها الجغرافي من التأثيرات الصينية. وتميز مجمتع مملكة " شيلا" بأنه مبني على فئات وفيما بعد قام بتطوير نظام القوات باسم "هوا رانغ(زهرة الشباب)" كما تبنت تعاليم البوذية.
مملكة " شيلا" الموحدة ومملكة " بال هاي"
لقد أخضعت مملكة "شيلا" كل ممالك "غايا" المجاورة تحت سيطرتها في أواسط القرن السادس وهي مجموعة من الدويلات الصغيرة القوية التي تطورت في جنوب شبه الجزيرة الكورية في فترة ما بين أواسط القرن الأول وأواسط القرن السادس. حيث شكلت مملكة " شيلا" اتحادًا عسكريًا مع مملكة" تانغ" الصينية" لكي تخضع تحت سيطرتها كل من مملكتي " كو غو ريو" و " بايك جيه". لكنها فيما بعد حاربت ضد مملكة" تانغ" الصينية التي أعربت عن طموحها في دمج أراضي كل من مملكتي " كو غو ريو" و" بايك جيه" إلى أراضيها.
انتصرت مملكة " شيلا" على الصين في عام 676. وفيما بعد قام أتباع مملكة " كو غو ريو" الذين استقروا في جنوب وسط منشوريا بتشكيل مملكة جديدة اسمها " بال هاي". ولم يتكون مواطنو مملكة " بال هاي" من مواطني مملكة " كو غو ريو" فقط، بل من مواطني دولة " مالغال" أيضًا.
أسست مملكة " بال هاي" نظام حكم مركزي في خمس عواصم إقليمية على أساس النظم الإدارية لمملكة " كو غو ريو". وقد امتلكت مملكة " بال هاي" ثقافة متقدمة تعود أصولها إلى ثقافة مملكة " كو غو ريو".
وتمتعت مملكة " بال هاي" بقمة ازدهارها في أوائل القرن التاسع الذي احتلت فيه مملكة " بال هاي" أراضي واسعة تمتد إلى نهر " أمور" شمالا وإلى منطقة " كايوان" في جنوب وسط منشوريا غربًا. كما قامت بتأسيس روابط دبلوماسية مع تركيا واليابان. واستمرت مملكة " بال هاي" حتى عام 926 وذلك حينما تغلبت دولة " قيدان" عليها. ثم انتقلت الطبقة الحاكلة من مملكة " بال هاي" التي معظمها من الكوريين إلى الجنوب حيث لجأت إلى المملكة الجديدة " كو ريو".
وقامت مملكة " شيلا" بتوحيد شبه الجزيرة الكورية في عام 668. وشهدت قمة ازدهارها وقوتها في أواسط القرن الثامن. كما حاولت مملكة " شيلا" إنشاء دولة بوذية نموذجية. وخلال عصر مملكة " شيلا" الموحدة، تم بناء المعبد البوذي " بول كوك سا". لكن بدأ تأثير العقيدة البوذية ضعيفاً في الدولة وذلك لانخراط طبقة النبلاء في حياة الترف واللهو. كما كان هناك خلاف بين الطبقة الحاكمة وقادة الأقاليم الذين طالبوا بفرض سلطتهم على أراضي مملكتي " كو غو ريو" وبايك جيه" المحتلة واستلم ملك مملكة " شيلا" رسميًا الحكم لمملكة الجديدة " كو ريو".
مملكة " كو ريو"
استمر حكم شبه الجزيرة الكورية من قبل حكومة واحدة محافظة على استقلالها السياسي وتراثها الثقافي والعرقي بعد أن قام ملك مملكة "شيلا" بتوحيدها في عام 668 على الرغم من الغزوات الأجنبية المتلاحقة.
وبذلت كل من مملكتي " كو ريو"(918-1392) و" تشو سون"(1392-1910) جهودهما لتعزيز قوتهما وازدهارهما الثقافي بينما ظلت مملكة "كو ريو تصد الهجومات المستمرة من القيدان والمغول واليابان. والمؤسس الأول لمملكة " كو ريو" هو الجنرال " وانغ كون" الذي خدم كأمير ثائر من مملكة " شيلا". وأختير ملكاً " وانغ كون" لمدينة " سونغ آك"(أي، مدينة " كاي سونغ" في كوريا الشمالية حاليًا) والتي ولد فيها حيث جعلها عاصمة مملكة " كو ريو" وبذلك يعنى أن الملك " وانغ كون" قد أعلن هدفه لاستعادة الأراضي السليبة من مملكة " كو غو ريو" في شمال شرق الصين.
وأطلق ملك "وانغ كون"على مملكته اسم " كو ريو" الذي ينحدر منه اسم كوريا الحالي. وبالرغم من أن مملكة " كو ريو" لم تتمكن من استعادة أراضيها السليبة، إلا أنها حققت منجزاتها الثقافية الرائعة بما فيها الجرة الجزفية الزرقاء (أي " سيلادون" بالإنكليزية) وازدهار التقاليد البوذية. ومن أشهر منجزاتها اختراع أول آلة طابعة متحركة معدنية في عام 1234، أي قبل 200 سنة من "غوتنبيرغ" الذي اخترع آلة الطباعة المعدنية في ألمانيا. وفي هذه الفترة، أكمل الفنانون الكورين المهرة الإنجاز العملاق الخاص بنقش محتويات الكتب المقدسة للبوذية على لوحات خشبية كبيرة يبلغ عددها أكثر من 80000 لوحة. وهذا لان شعب ممكلة " كو ريو" رجا بهذا العمل استنصار بوذا لصد الهجوم المغولي. والآن هذه اللوحات الخشبية محفوظة في معبد "هاي إن سا" التاريخي.
ومع مرور السنوات، ضعفت مملكة " كو ريو" بسبب الصراع الدائر بين العلماء والمحاربين ،أي بين الكنفوشيوسيين والبوذيين. وكذلك " أمام الهجوم المغولي الذي بدأ في عام1231 على الرغم من مقاومة مواطني مملكة " كو ريو" المستميتة. وقد حكم المغول مملكة كوريو قرناً من الزمن تقريباً.
مملكة " تشو سون"
أسس الجنرال " لي سونغ كيه" مملكة جديدة اسمها " تشو سون" في عام 1392. ودعم ملوك مملكة " تشو سون" الكنفوشيوسية كفلسفة ارشادية للمملكة في بداية عصرها. وذلك من أجل إزالة التأثيرات البوذية المسيطرة خلال عصر مملكة " كو ريو".
وحكم ملوك مملكة " تشو سون" شعبهم ومملكتهم باستخدام النظام السياسي المتوازن. وجرت الاختبارات كقناة رئيسية لتعيين الموظفين الحكوميين. ولعبت هذه الاختبارات دور العمود الفقري لكل الأنشطة الاجتماعية والفكرية خلال فترة مملكة " تشو سون". لكن مجتمع مملكة " تشو سون" المبني على الكونفوشيوسية اهتم بالتربية الأكاديمية اهتمامًا كبيرًا بينما ضعفت الأنشطة التجارية والإنتاجية عامة.
وشهد عصر ملك " سيه جونغ" العظيم (1418-1450)، الملك الرابع في مملكة "تشو سون" ذروة الازدهار في مجالات الثقافة والفن والسياسة. وفي هذا العصر، اخترع العلماء في معهد الأكاديمية الملكية الحروف الكورية المسماة بـ "هان كول" تحت رعاية ملك " سيه جونغ" العظيم والتي سميت "هون مين جونغ ووم" أو " نظام الأصوات الصحيحة لتربية الشعب".
وأبدى الملك " سيه جونغ" العظيم اهتماماته الخاصة في العلوم الفلكية حيث أنه أشرف على اختراع كثير من الآلات العلمية بما فيها الساعة الشمسية والساعة المائية والكرة السماوية والخارطة الفلكية وغيرها. وتنازل عن العرش لابنه الملك " مون جونغ"(1450-1452) إلا أن ولي العهد البالغ من العمر 11 عامًا فقط " تان جونغ" تولى العرش بعد وفاة أبيه الملك " مون جونغ" في عام 1452.
وفي عام 1455، اغتصب الأمير " سو يانغ تاي كون" وهو عم الملك " تان جونغ" العرش من الملك الصغير السن وأصبح ملكًا باسم " سيه جو". قام الملك " سيه جو"(1455-1468) بتأسيس الإطار التنفيذي للحكومة وبسنّ مجموعة القوانين المسماة بـ " كيونغ كوك داي جون".
في عام 1592، قامت اليابان بغزو مملكة " تشو سون" كي تمهد الطريق إلى الصين. وقام أمير البحر " لي سون سين"(1545-1598) وهو أحد أهم الشخصيات البارزة في تاريخ كورية بشنّ مناورات بحرية عديدة ضد اليابان وباستخدام سفينة " كيو بوك سون(سفينة السلحفاة)" التي تعتبر أول سفينة حربية مصفحة بألواح من الحديد في تاريخ العالم.
وبالنسبة للهجوم البري، قاتل العديد من الرهبان البوذيين والمحاربين المتطوعين ومعظمهم من الفلاحين الأشداء بالبسالة والشجاعة. وبدأت اليابان في انسحاب قواتها من كوريا بعد موت قائدها الحربي " تويوتومي هيديوسي". وأخيرًا انتهت هذه الحرب في عام 1598 لكنها أثرت على المملكتين المتحاربتين " تشو سون" الكورية و" مينغ" الصينية في الوقت نفسه. وخلال هذه الحرب، تم إرسال العديد من الفنانين والفنيين إلى جانب الخزافين إلى اليابان إجباريًا.
ظهرت حركة علم " سيل هاك(أي ، مذهب التعليم العلمي)" في أوائل القرن السابع عشر واحتلت مكانة عالية بين العلماء الحكوميين الليبراليين كوسيلة لبناء دولة حديثة.
وأكدت هذه الحركة ضرورة القيام بإصلاحات في المجالات الزراعية والصناعية وبخاصة كإصلاح جذري في توزيع الأراضي. إلا أن الحكومة الأربتقراطية المحافظة لم تكن مستعدة للتأقلم مع هذه التغيرات الشديدة.
وفي أواخر عصر مملكة " تشو سون" شهدت الحكومة التنفيذية والطبقات العليا ظاهرة التحزب المستمر. وأخيرًا تبنى ملك "يونغ جو"(1724-1776) سياسة العدالة والنزاهة لتصحيح هذه الأوضاع السياسية الأمر الذي يقدّره على تدعيم السلطة الملكية وإحراز الاستقرار السياسي.
أما الملك "جونغ جو"(1776-1800) فقام وباستمرار في سياسة العدالة والنزاهة وإنشاء مكتبة ملكية لحفظ الوثائق والسجلات الملكية. كما قام بإصلاح المجالات الثقافية والسياسية. وشهدت فترة الملك "جونغ جو" ازدهاراً علمياً " سيل هاك" حيث أن العديد من العلماء البارزين ألفوا كثيرًا من الكتب التي تشجع الإصلاحات الزراعية والصناعية. لكن الحكومة لم تتخذ هذه الأفكار إلا قليلا.