د.بهاء الدين عبد الرحمن
لن أتعرض للحديث عن معنى العمل والعامل في اللغة، فهو واضح لا يحتاج إلى بيان ، وإنما الذي يحتاج إلى الإيضاح معنى العامل في اصطلاح النحويين.
لا نجد في كتاب سيبويه ولا في الكتب التي تلته كالمقتضب والأصول تعريفا للعامل، وإن كان بالإمكان معرفة معناه من خلال الحديث عن علامات الإعراب، ففي نص سيبويه الذي ذكرته في المقدمة نفهم أن علامة الإعراب تختلف باختلاف العوامل الداخلة على الاسم المعرب، ولذلك عرّفه النحويون المتأخرون تعريفات مؤداها أن العامل هو ما أوجب كون الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب. ([1]9)
وقد شرح الإسفراييني هذا التعريف فقال : (اعلم أن تعلق الفعل وما أشبهه من الحروف والأسماء وغيرها بالاسم المتمكن سبب لثبوت وصف فيه ، كالفاعلية أو ما أشبهها والمفعولية أو ما جرى مجراها ، والإضافة ونحوها، وهذه معان معقولة، وتستدعي نصب علامات يستدل بها عليها فجعلوا الإعرب الذي هو الرفع والنصب والجر دلائل عليها ، وسموا تلك المعاني مقتضيات للإعراب، وسموا الأشياء التي تعلقها بالاسم المتمكن سبب لحدوث هذه المعاني العوامل... إذا عرفت هذا فقد عرفت معنى التعريف، فإن العامل بسببه يحدث المعنى المقتضي لكون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب) ([2])
والإسفراييني يشير بالمعنى المقتضى إلى ما جاء في تعريف ابن الحاجب للعامل ، حيث قال في الكافية: والعامل ما به يتقوّم المعنى المقتضي. ([3])
فإن معنى الفاعلية والمفعولية والإضافة كون الكلمة عمدة أو فضلة أو مضافا إليها، وهي كالأعراض القائمة بالعمدة والفضلة والمضاف إليه بسبب توسط العامل. ([4])
يعني أن العامل سبب لتقوم المعنى المقتضي للإعراب في الاسم المعرب، والمعاني المقتضية للإعراب عند النحويين هي الفاعلية والمفعولية والإضافة وما ألحق بها ، ويرى بعضهم أن المقتضي قد يتخلف في بعض العوامل كما في حال جزم المضارع في نحو: لم يضرب زيد ([5]) فالعامل هنا (لم) ولا يوجد بزعمهم مقتض للجزم في الفعل المضارع، وأرى أن المقتضي لا يتخلف عن العامل، وأن المقتضي للجزم هو معنى النفي على سبيل القطع، فالمعنى المقتضي لرفع المضارع هو قبوله الحال الاستقبال، والمعنى المقتضي لنصبه هو خلوصه للاستقبال، والمعنى المقتضي للجزم هو نفيه على سبيل القطع أو طلب وقوعه على سبيل القطع أو النهي عن وقوعه على سبيل القطع. فالخلاصة أن العامل يختلف عن المعنى المقتضي للإعراب فهو سبب لقيام المعنى المقتضي بالاسم المعرب أو الفعل المعرب لذلك يقول ابن يعيش:
(فالجر إنما يكون بالإضافة وليست الإضافة هي العاملة للجر، وإنما هي المقتضية له، والمعنيّ بالمقتضي ها هنا أن القياس يقتضي هذا النوع من الإعراب، لتقع المخالفة بينه وبين إعراب الفاعل والمفعول فيتميز عنهما).([6])
ومفهوم العامل نشأ في أول وضعه على يد أبي الأسود الدؤلي وتلامذته على ما يروي الزبيدي في طبقاته، وهو قوله: (فكان أول من أصل ذلك وأعمل فكره فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز فوضعوا للنحو أبوابا وأصلوا له أصولا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم ووصفوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف). ([7])
ونجد مفهوم العامل أيضا في الروايات التي نقلت لنا اختلاف بعض العلماء الذين سبقوا سيبويه والخليل، كاختلاف عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء في توجيه النصب في الطير من قوله تعالى (يا جبال أوبي معه والطير) ([8]) فكان عيسى يقول: هو على النداء كما في يا زيدُ والحارثَ ، وكان أبو عمرو يقول: النصب على إضمار فعل أي : وسخرنا الطير ([9]) وليس ببعيد أن يكون أبو الأسود الذي قام بتنقيط المصحف قد أعمل نكرة في مجيء الأسماء مضمومة الآخر ومفتوحة الآخر ومكسورة الآخر على نسق معين دائما فاستنتج أن رفع الفاعل يكون بورود فعل قبله ونصب المفعول كذلك وجر المضاف إليه يكون بذكر اسم قبله غير منون.. فجعل ما رآه سببا للرفع والنصب والجرّ عوامل ..
وليس بصحيح ما ذهب إليه بعض المحدثين وهو أن مفهوم العامل نشأ في النحو العربي بسبب تأثره بالمنطق الأرسطي مستدلا على ذلك بوجود فكرة التأثير والتأثر في الفلسفة الأرسطيه ([10]) ،ففكرة التأثير التأثر يدركها العقل الإنساني المجرد بدون الاطلاع على الفلسفة الأرسطية وكذلك ليس بصحيح أن مفهوم العامل نشأ على يد الخليل([11]) لملاحظته التفاعل بين الحروف والحركات والكلمات باعتبار أنه واضع علم العروض ، لأن هذه الفكرة كانت موجودة قبل الخليل بحسب الروايات التي وصلتنا في كتب طبقات النحويين.
فمفهوم العامل نشأ من طبيعة العقل الإنساني الذي فطر على البحث عن الأسباب ومعرفة العلل، وهو ما قرره أيضا بعض المحدثين بقوله: (ولقد كان التعليل في دراسة اللغة مسؤولا كذلك عن خلق نظرية العامل، فالفاعل مرفوع بعلة وجود الفعل، والمبتدأ مرفوع بعلة الابتداء وهلم جرا).([12])
ولم يختلف النحويون السابقون منهم واللاحقون حول مفهوم العامل الذي عرضناه ، غير أن بعض المحدثين نسب إلى ابن جني أنه خالف النحويين في نظرته للعامل، فقالوا: إن ابن جني اتجه في نظرته للعامل اتجاها يخالف سيبويه والبصريين ([13]) مستدلين بقوله: ( فأما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره). ([14]) وهذا النص مجتزأ من نص طويل، لو أخذ كاملا لتبين أن نظرة ابن جني لا تختلف مطلقا عن نظرة سيبويه وغيره من النحويين من أن العامل ه وما يوجب أن تكون الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب.
لذلك سأثبت نص ابن جني كاملا ليتبين خطأ الاعتماد على هذا الاجتزاء ، فقد قال في باب مقاييس العربية:
(ومثله اعتبارك باب الفاعل والمفعول به بأن تقول : (رفعت هذا لأنه فاعل ونصبت هذا لأنه مفعول ، فهدا اعتبار معنوي لا لفظي، ولأجله ما كانت العوامل اللفظية راجعة في الحقيقة إلى أنها معنوية ألا تراك إذا قلت : ضرب سعيدٌ جعفراً فإن (ضرب) لم تعمل في الحقيقة شيئا، وهل تحصل من قولك (ضرب) إلا على اللفظ بالضاد والراء والباء على صورة (فَعَلَ) فهذا هو الصوت، والصوت لا يجوز أن يكون منسوبا إليه الفعل .
وإنما قال النحويون: عامل لفظي وعامل معنوي ليروك أن بعض العمل يأتي مسببا عن لفظ يصحبه كـ(مررت بزيد، وليت عمرا قائم) وبعضه، يأتي عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به، كرفع المبتدأ بالابتداء ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم. هذا ظاهر الأمر وعليه صفحة القول )([15]) ثم أورد النص الذي ذكرناه قبل هذا.
فإٍسناد العمل للألفاظ أو المعاني ليست من قبيل أنها تقوم بنفسها بعمل الرفع والنصب والجر والجزم، فذلك أمر لا يتصوره عقل، لأن الألفاظ أصوات والمعاني أمور غير محسوسة، فكيف يمكن أن تؤثر بنفسها على الحقيقة؟؟
والدليل على أن ابن جني لا يختلف عن بقية النحويين في نظرته للعامل أنه ينسب العمل للعوامل في مواضع كثيرة، كقوله مثلا في (باب تقاود السماع وتقارع الانتزاع) : (فلو كانت التاء في (ضربتك) هي العاملة في الكاف لفسد ذلك، من قِبَل أن أصل عمل النصب إنما هو للفعل، وغيره من النواصب مُشَبَّهٌ في ذلك بالفعل ، والضمير بالإجماع أبعد شيء عن الفعل من حيث كان الفعل موغلاً في التنكير، والاسم المضمر متناه في التعريف) ([16])
وقوله : (ألا ترى أنهم لما شبّهوا الفعل باسم الفاعل فأعربوه كنفوا هذا المعنى بينهما، وأيدوه بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه ) ([17]) (الخصائص) وقوله أيضا: ( إن الظرف يعمل فيه الوهم مثلا كذا عهد إليّ أبو علي رحمه الله في هذا ، وهذا لفظه لي فيه البتة) ([18])
فلا خلاف بين ابن جني وسيبويه وغيرهما من النحويين في مفهوم العامل على التحقيق.
(1) المصباح للمطرزي:61.
(2) ضوء المصباح للإسفراييني: 39 أ- ب.
(3) ينظر في شرح الكافيه: 1-25 .
(4) شرح الكافية 1- 25.
(5) ينظر حاشية الصبان: 47-48 .
(6) شرح المفصل: 2/117.
(7) طبقات النحويين واللغويين:11 .
(8) الآية 10 سورة سبأ.
(9) طبقات النحويين واللغويين:41 .
(10) ينظر أصول النحو العربي : 239.
(11) ينظر الخليل بن أحمد الفراهيدي لمهدي المخزومي :243.
(12) اللغة بين المعايير الوصف لتمام حسان : 49.
(13) ينظر مقدمة تحقيق المصباح للدكتور عبد الحميد السيد طلب :10 -11 وينظر أصول النحو العربي 237-238.
(14) الخصائص 1 / 109-110.
(15) السابق .
(16) الخصائص: 1/103 .
(17) الخصائص: 1/187 .
(18) الخصائص: 2/20 وينظر بتفصيل 19-20
لن أتعرض للحديث عن معنى العمل والعامل في اللغة، فهو واضح لا يحتاج إلى بيان ، وإنما الذي يحتاج إلى الإيضاح معنى العامل في اصطلاح النحويين.
لا نجد في كتاب سيبويه ولا في الكتب التي تلته كالمقتضب والأصول تعريفا للعامل، وإن كان بالإمكان معرفة معناه من خلال الحديث عن علامات الإعراب، ففي نص سيبويه الذي ذكرته في المقدمة نفهم أن علامة الإعراب تختلف باختلاف العوامل الداخلة على الاسم المعرب، ولذلك عرّفه النحويون المتأخرون تعريفات مؤداها أن العامل هو ما أوجب كون الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب. ([1]9)
وقد شرح الإسفراييني هذا التعريف فقال : (اعلم أن تعلق الفعل وما أشبهه من الحروف والأسماء وغيرها بالاسم المتمكن سبب لثبوت وصف فيه ، كالفاعلية أو ما أشبهها والمفعولية أو ما جرى مجراها ، والإضافة ونحوها، وهذه معان معقولة، وتستدعي نصب علامات يستدل بها عليها فجعلوا الإعرب الذي هو الرفع والنصب والجر دلائل عليها ، وسموا تلك المعاني مقتضيات للإعراب، وسموا الأشياء التي تعلقها بالاسم المتمكن سبب لحدوث هذه المعاني العوامل... إذا عرفت هذا فقد عرفت معنى التعريف، فإن العامل بسببه يحدث المعنى المقتضي لكون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب) ([2])
والإسفراييني يشير بالمعنى المقتضى إلى ما جاء في تعريف ابن الحاجب للعامل ، حيث قال في الكافية: والعامل ما به يتقوّم المعنى المقتضي. ([3])
فإن معنى الفاعلية والمفعولية والإضافة كون الكلمة عمدة أو فضلة أو مضافا إليها، وهي كالأعراض القائمة بالعمدة والفضلة والمضاف إليه بسبب توسط العامل. ([4])
يعني أن العامل سبب لتقوم المعنى المقتضي للإعراب في الاسم المعرب، والمعاني المقتضية للإعراب عند النحويين هي الفاعلية والمفعولية والإضافة وما ألحق بها ، ويرى بعضهم أن المقتضي قد يتخلف في بعض العوامل كما في حال جزم المضارع في نحو: لم يضرب زيد ([5]) فالعامل هنا (لم) ولا يوجد بزعمهم مقتض للجزم في الفعل المضارع، وأرى أن المقتضي لا يتخلف عن العامل، وأن المقتضي للجزم هو معنى النفي على سبيل القطع، فالمعنى المقتضي لرفع المضارع هو قبوله الحال الاستقبال، والمعنى المقتضي لنصبه هو خلوصه للاستقبال، والمعنى المقتضي للجزم هو نفيه على سبيل القطع أو طلب وقوعه على سبيل القطع أو النهي عن وقوعه على سبيل القطع. فالخلاصة أن العامل يختلف عن المعنى المقتضي للإعراب فهو سبب لقيام المعنى المقتضي بالاسم المعرب أو الفعل المعرب لذلك يقول ابن يعيش:
(فالجر إنما يكون بالإضافة وليست الإضافة هي العاملة للجر، وإنما هي المقتضية له، والمعنيّ بالمقتضي ها هنا أن القياس يقتضي هذا النوع من الإعراب، لتقع المخالفة بينه وبين إعراب الفاعل والمفعول فيتميز عنهما).([6])
ومفهوم العامل نشأ في أول وضعه على يد أبي الأسود الدؤلي وتلامذته على ما يروي الزبيدي في طبقاته، وهو قوله: (فكان أول من أصل ذلك وأعمل فكره فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز فوضعوا للنحو أبوابا وأصلوا له أصولا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم ووصفوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف). ([7])
ونجد مفهوم العامل أيضا في الروايات التي نقلت لنا اختلاف بعض العلماء الذين سبقوا سيبويه والخليل، كاختلاف عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء في توجيه النصب في الطير من قوله تعالى (يا جبال أوبي معه والطير) ([8]) فكان عيسى يقول: هو على النداء كما في يا زيدُ والحارثَ ، وكان أبو عمرو يقول: النصب على إضمار فعل أي : وسخرنا الطير ([9]) وليس ببعيد أن يكون أبو الأسود الذي قام بتنقيط المصحف قد أعمل نكرة في مجيء الأسماء مضمومة الآخر ومفتوحة الآخر ومكسورة الآخر على نسق معين دائما فاستنتج أن رفع الفاعل يكون بورود فعل قبله ونصب المفعول كذلك وجر المضاف إليه يكون بذكر اسم قبله غير منون.. فجعل ما رآه سببا للرفع والنصب والجرّ عوامل ..
وليس بصحيح ما ذهب إليه بعض المحدثين وهو أن مفهوم العامل نشأ في النحو العربي بسبب تأثره بالمنطق الأرسطي مستدلا على ذلك بوجود فكرة التأثير والتأثر في الفلسفة الأرسطيه ([10]) ،ففكرة التأثير التأثر يدركها العقل الإنساني المجرد بدون الاطلاع على الفلسفة الأرسطية وكذلك ليس بصحيح أن مفهوم العامل نشأ على يد الخليل([11]) لملاحظته التفاعل بين الحروف والحركات والكلمات باعتبار أنه واضع علم العروض ، لأن هذه الفكرة كانت موجودة قبل الخليل بحسب الروايات التي وصلتنا في كتب طبقات النحويين.
فمفهوم العامل نشأ من طبيعة العقل الإنساني الذي فطر على البحث عن الأسباب ومعرفة العلل، وهو ما قرره أيضا بعض المحدثين بقوله: (ولقد كان التعليل في دراسة اللغة مسؤولا كذلك عن خلق نظرية العامل، فالفاعل مرفوع بعلة وجود الفعل، والمبتدأ مرفوع بعلة الابتداء وهلم جرا).([12])
ولم يختلف النحويون السابقون منهم واللاحقون حول مفهوم العامل الذي عرضناه ، غير أن بعض المحدثين نسب إلى ابن جني أنه خالف النحويين في نظرته للعامل، فقالوا: إن ابن جني اتجه في نظرته للعامل اتجاها يخالف سيبويه والبصريين ([13]) مستدلين بقوله: ( فأما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره). ([14]) وهذا النص مجتزأ من نص طويل، لو أخذ كاملا لتبين أن نظرة ابن جني لا تختلف مطلقا عن نظرة سيبويه وغيره من النحويين من أن العامل ه وما يوجب أن تكون الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب.
لذلك سأثبت نص ابن جني كاملا ليتبين خطأ الاعتماد على هذا الاجتزاء ، فقد قال في باب مقاييس العربية:
(ومثله اعتبارك باب الفاعل والمفعول به بأن تقول : (رفعت هذا لأنه فاعل ونصبت هذا لأنه مفعول ، فهدا اعتبار معنوي لا لفظي، ولأجله ما كانت العوامل اللفظية راجعة في الحقيقة إلى أنها معنوية ألا تراك إذا قلت : ضرب سعيدٌ جعفراً فإن (ضرب) لم تعمل في الحقيقة شيئا، وهل تحصل من قولك (ضرب) إلا على اللفظ بالضاد والراء والباء على صورة (فَعَلَ) فهذا هو الصوت، والصوت لا يجوز أن يكون منسوبا إليه الفعل .
وإنما قال النحويون: عامل لفظي وعامل معنوي ليروك أن بعض العمل يأتي مسببا عن لفظ يصحبه كـ(مررت بزيد، وليت عمرا قائم) وبعضه، يأتي عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به، كرفع المبتدأ بالابتداء ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم. هذا ظاهر الأمر وعليه صفحة القول )([15]) ثم أورد النص الذي ذكرناه قبل هذا.
فإٍسناد العمل للألفاظ أو المعاني ليست من قبيل أنها تقوم بنفسها بعمل الرفع والنصب والجر والجزم، فذلك أمر لا يتصوره عقل، لأن الألفاظ أصوات والمعاني أمور غير محسوسة، فكيف يمكن أن تؤثر بنفسها على الحقيقة؟؟
والدليل على أن ابن جني لا يختلف عن بقية النحويين في نظرته للعامل أنه ينسب العمل للعوامل في مواضع كثيرة، كقوله مثلا في (باب تقاود السماع وتقارع الانتزاع) : (فلو كانت التاء في (ضربتك) هي العاملة في الكاف لفسد ذلك، من قِبَل أن أصل عمل النصب إنما هو للفعل، وغيره من النواصب مُشَبَّهٌ في ذلك بالفعل ، والضمير بالإجماع أبعد شيء عن الفعل من حيث كان الفعل موغلاً في التنكير، والاسم المضمر متناه في التعريف) ([16])
وقوله : (ألا ترى أنهم لما شبّهوا الفعل باسم الفاعل فأعربوه كنفوا هذا المعنى بينهما، وأيدوه بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه ) ([17]) (الخصائص) وقوله أيضا: ( إن الظرف يعمل فيه الوهم مثلا كذا عهد إليّ أبو علي رحمه الله في هذا ، وهذا لفظه لي فيه البتة) ([18])
فلا خلاف بين ابن جني وسيبويه وغيرهما من النحويين في مفهوم العامل على التحقيق.
(1) المصباح للمطرزي:61.
(2) ضوء المصباح للإسفراييني: 39 أ- ب.
(3) ينظر في شرح الكافيه: 1-25 .
(4) شرح الكافية 1- 25.
(5) ينظر حاشية الصبان: 47-48 .
(6) شرح المفصل: 2/117.
(7) طبقات النحويين واللغويين:11 .
(8) الآية 10 سورة سبأ.
(9) طبقات النحويين واللغويين:41 .
(10) ينظر أصول النحو العربي : 239.
(11) ينظر الخليل بن أحمد الفراهيدي لمهدي المخزومي :243.
(12) اللغة بين المعايير الوصف لتمام حسان : 49.
(13) ينظر مقدمة تحقيق المصباح للدكتور عبد الحميد السيد طلب :10 -11 وينظر أصول النحو العربي 237-238.
(14) الخصائص 1 / 109-110.
(15) السابق .
(16) الخصائص: 1/103 .
(17) الخصائص: 1/187 .
(18) الخصائص: 2/20 وينظر بتفصيل 19-20