أصبح مفهوم سيطرة أحد نصفي الكرة المخية أساسًا للعديد من اختبارات تقييم الشخصية، وكتب تحفيز الذات، وتدريبات تكوين الفِرق؛ ولكنه في الحقيقة مفهوم زائف لا صحة له.
لعل الثقافة الشعبية جعلتك تؤمن بأن الأشخاص ذوي التفكير المنطقيّ والمنهجيّ والتحليليّ يسيطر عليهم نصف الكرة المخية الأيسر، بينما يسيطر النصف الأيمن على الأشخاص ذوي التفكير الإبداعيّ والفنيّ.
المشكلة هنا هي أن العلم لم يدعم مطلقًا، في الواقع، هذا المفهوم.
وقد كشف الآن العلماء في جامعة يوتا في الولايات المتحدة زيف هذه الفكرة بتحليلهم ما يزيد عن 1000 مخ بشريّ، وتوصلوا إلى أنه ما من دليل يثبت أن الناس يستخدمون على نحو تفضيليّ نصف الكرة المخية الأيسر أو الأيمن.
فكل المشاركين في الدراسة -والعلماء بلا شك- كانوا يستخدمون مخهم بالكامل على نحو متساوٍ، على مدار التجربة.
ظهرت ورقة بحثية تصف هذه الدراسة في عدد آب/أغسطس من صحيفة PLOS ONEبعنوان «عشرة أشياء تجهلها عن المخ البشريّ».
يقول الكاتب الرئيسيّ للدراسة الطبيب (جيف آندرسون-(Jeff Anderson مدير خدمة التخطيط الجراحيّ العصبيّ بالتصوير بالرنين المغناطيسيّ الوظيفيّ في جامعة يوتا: «إن تفضيل استخدام منطقة واحدة بالمخ على مناطق أخرى في مهام معينة أمر لا ريب فيه.
على سبيل المثال، يصدر الخطاب من الجانب الأيسر من المخ لدى معظم الناس الذين يستخدمون يدهم اليمنى.
لكن ذلك لا يعني أن كبار الكتّاب أو الخطباء يستخدمون جانب مخهم الأيسر أكثر من الجانب الأيمن، أو أن أحد الجانبين أكثر ثراءً بالخلايا العصبية».
يضيف آندرسون أن ثمة اعتقادًا خاطئًا بأن كل ما يتعلق بالطبيعة التحليلية يقتصر على جانب واحد من المخ، وأن كل ما يتعلق بالطبيعة الإبداعية يقتصر على الجانب الآخر.
ففي الواقع، الاتصالات بين كل مناطق المخ هي التي تمكّن البشر من الإبداع والتفكير التحليليّ.
وفي حديثه مع موقع «ليف ساينس-LiveScience» العلميّ الإخباريّ، قال آندرسون: «إن جانب الكرة المخية الأيسر في الواقع لا يرتبط بالمنطق أو الاستدلال أكثر من الجانب الأيمن.
يذكر الباحثون أن فكرة سيطرة أحد نصفي الكرة المخية مغالطة لا أساس لها من الصحة
وكذلك فإن الإبداع لا يتحقق أيضًا في جانب الكرة المخية الأيمن أكثر من الأيسر».
فحص فريق آندرسون صور مخ المشاركين في التجربة الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و29 عامًا، في أثناء راحتهم.
ودرسوا النشاط في 7000 منطقة بالمخ، وفحصوا الاتصالات العصبية داخل هذه المناطق وفيما بينها.
وعلى الرغم من رؤيتهم لجيوب من التواصل العصبي المكثف في مناطق رئيسية معينة، ففي المتوسط، كلا جانبي المخ كانا متساويين على نحو أساسيّ في شبكاتهما العصبية وقابليتهما للاتصال.
ويقول (جاريد نيلسن- (Jared Nielsen، وهو طالب دراسات عليا وأول مَن كتب عن الدراسة الجديدة: «نحن لا نرى ببساطة نماذج تكون فيها شبكة المخ اليسرى الكاملة أكثر اتصالًا، أو شبكة المخ اليمنى أكثر اتصالًا لدى بعض الناس».
لعل مغالطة انقسام الناس إلى فئتين (فئة يسيطر عليها نصف الكرة المخية الأيمن وأخرى يسيطر عليها النصف الأيسر) قد ترجع إلى بحث (روجر سبيري- (Roger Sperryالحائز على جائزة نوبل والذي أجري في الستينيات من القرن العشرين.
درس سبيري مرضى الصرع الذي خضعوا لعلاج جراحيّ شُقّ فيه المخ عند جزء يُسمَى الجسم الثفنيّ.
ونظرًا لأن الجسم الثفنيّ يربط بين نصفي الكرة المخية، لم يعد بإمكان الجانبين الأيسر والأيمن بأمخاخ أولئك المرضى الاتصال بعضهما ببعض.
ومن خلال سلسلة من الدراسات البارعة، حدد سبيري وباحثون آخرون أجزاء أو جوانب من المخ الأكثر ارتباطًا باللغة والرياضة والرسم وأي وظائف أخرى لدى أولئك المرضى.
لكن المتحمسين لعلم النفس الشعبيّ تبنوا هذه الفكرة، واخترعوا مفهوم أن الشخصيات والخِصال البشرية الأخرى يحددها نصف الكرة المخية المسيطر لدى المرء.
ويقول آندرسون أن مجتمع علم الأعصاب لم يقتنع أبدًا بهذا المفهوم، وصار لديهم الآن أدلة من أكثر من 1000 صورة للمخ تثبت أنه لا يوجد ما يدل على الإطلاق على سيطرة نصف الكرة المخي الأيسر أو الأيمن على الأفراد.
ويذكر آندرسون أنه لم يكن يسعى لكشف زيف إحدى المغالطات؛ وإنما كان هدف فريقه هو فهم تخصيص جانبَي المخ على نحو أفضل من أجل معالجة الحالات المرضية مثل متلازمة داون أو التوحّد أو الفُصام، التي يلعب فيها نصفا الكرة المخية الأيسر والأيمن أدوارًا لا نمطية.
السؤال الآن هو: هل ينبغي عليك التخلص من التطبيق الذي يحاول تحديد ما إذا كان نصف الكرة المخية الأيمن أم الأيسر هو المسيطر عليك؟
الإجابة عن هذا السؤال التي يؤيدها كلٌ من جانبي مخك وعلماء الأعصاب هي: نعم!