الفصل السابع : طريق مسدود - نوع من الحيرة، بعض من الغضب، الكثير و الكثير من الانزعاج، أغلقت الفتاة الصهباء قبضتها بقوة و قالت بانزعاج شديد محاولة الحفاظ على هدوءها : -ماتسودا-سان، هل هذه مزحة من نوع ما؟ لعلّك تحاول الترفيه عنّا بعد سماع قصة كو-سان الأليمة و لكن هذا لا ينجح إطلاقا !!! ثم أضاف أخوها بنفس النبرة : -ماكوتو-سان مرّ بكثير من الصعاب فعلا و حظّه لم يكن جيدا إطلاقا، أنا أفهم هذا، و لكن الجزء المتعلق بقتله لوالدنا ما هو إلا محاولة منك لتخفيف الجو أليس كذلك؟ أعني..لماذا قد يقتل ماكوتو-سان والدنا على أية حال؟ ماتسودا كان في موقف لا يُحسد عليه، كانت تدور في رأسه عبارات الشتم التي يريد قولها لـماكوتو لأنه وضعه في مثل هذا الموقف الحرج، استجمع ما لديه من شجاعة و قال بكل هدوء : -سأخبركما السبب.. عندما قال تلك الكلمات خطر للتوأمين أنه سيقول شيئا مثل "قتله لأنه..!" ثم يبتسم و يضيف "كانت هذه مزحة كما قلتما بالضبط !" و أخيرا يضحك بشكل سخيف، لكن ما قاله كان : -أنا آسف جدا، الأمر ليس بيدي، لكن هذه ليست مزحة، سأطلعكما على ما حصل.. ضربت هارو بقدمها على الأرض بعنف و ظهرت على وجهها تعابير مرعبة، و قالت بغضب لا مثيل له : -يكفي ! معذرة ! سأذهب إلى مكان آخر ! استدارت ناحية الباب و خطت أول خطوة و ما كادت تخطو الثانية حتى شعرت بيد تمسك ذراعها بقوة، التفتت لترى أخاها تعتلي وجهه نظرة جادة و قال لها : -فلنستمع إلى ما سيقوله. ثم تغيرت نظره الجادة إلى نظرة طفولية و همس في أذنها : -فلنستمع إليه حتى نتخلص منه و حسب ! حسنا؟ أومأت برأسها موافقة أخاها و عادت إلى مكانها و الانزعاج لم يفارقها، ثم تمتمت : -أسمعنا ما عندك. تنهد العجوز و بدأ بالكلام بأسلوبه المعتاد الهادئ : -قبل ثمانية عشر عاما، تورط والدكما مع إحدى العصابات دون قصد، كان المسؤول عن تصميم نظام الأمن في الشركة التي يعمل فيها، و لهذا كان يمتلك مخططاتها و يعرف كيفية التخلص من أنظمة الحماية و اختراق الحواسيب، أحد زملائه في العمل كان عضوا في إحدى العصابات المشهورة في السوق السوداء، لقد كان يلحّ عليه دائما ليقدم إليه المخططات مدّعيا بأنه يريد الاطمئنان بأن كل شيء يسير على ما يرام، و لكن أباكما لم يكن غبيا ليفعل، بعدما اكتشف أمره و أمر العصابة التي ينتمي إليها بات والدكما خطرا عليهم، و لإخراسه كانت هنالك طريقة واحدة مضمونة ألا و هي إنهاء حياته.. فتكلم ناتسو بسرعة مقاطعا ماتسودا : -والدي مات في حادث عرضي ! و أضافت أخته من بعده : -حتى و لو كان ما تقوله صحيحا، ما علاقة ماكوتو-سان بكل هذا؟ فرد العجوز : -إنقاذ ماكوتو لكما حقيقة لا يمكن نكرانها، و إلا لما كنتما هنا أصلا، كنتُ قد ذكرتُ من قبل أن ماكوتو أصبح قاتلا مأجورا.. عند قوله تلك الكلمات ارتسمت تعابير الضجر على وجهي التوأمين و كأنهما يقولان "أجل بالتأكيد، يستحيل أن يكون هذا صحيحا"، لكن ماتسودا أكمل كلامه رغم ملاحظته لتعابيرهما : -الشخص الذي أُرسل لاغتيال والدكما و تسبب في انفجار منزلكما هو نفسه الشخص الذي أنقذكما من الانفجار و اعتنى بكما طيلة السنين العشر الماضية، ماكوتو. كان واضحا وضوح الشمس أنهما لا يصدقان حرفا مما قاله، ماتسودا شخص هادئ جدا، لكنه بدأ يشعر بالاستياء فعلا، يتمنى لو كان ماكوتو هنا حتى يلكمه لوضعه في موقف كهذا، لن يختار كلماته الآن، سيتكلم بما يشعر و يفكر به و حسب، هكذا يفعل عندما يفقد أعصابه. -أنتما لا تصدقانني، هل لديكما فكرة..عن الموقف الذي أنا فيه الآن؟ هل لديكما فكرة عن مدى صعوبة إخباركما بأمر مماثل؟ لماذا تظنان ماكوتو رحل و ترك مهمة قول الحقيقة لي أنا؟ الحقيقة مُرّة، إنها وحش، وحش لم يستطع هو أن يواجهه، تعتقدان بأنني خرف أو ما شابه؟ أؤكد لكما أنني بكامل قواي العقلية و أنا مستاء، بعدما استجمعت شجاعتي و قررت إخباركما بكل شيء لا تصدقانني؟ ألديكما فكرة عن مدى صعوبة هذا الموقف؟ ! و استطرد بعد أن التقط أنفاسه : -حقّا لأن العقل و العاطفة شيئانِ لا يجتمعان، تغلبت عليكما العاطفة بشكل كبير، لا ألومكما فقد كنتما ولدين صغيرين تصدقان كل ما يُقال، لقد صدقتما الأكاذيب، و الآن ترفضان تصديق الحقيقة، ما الذي عليّ فعله في هكذا موقف؟ فنطقت هارو بكلمات صدمت الكلّ : -حسنا، سأصدّقك على شرط واحد، أرجوك أن تخبرنا أين اختفى كو-سان، و إن كان ما ستقوله منطقيا، عندها..عندها لن يكون أمامي سوى تصديقك.. فقاطعها أخوها بصوت مرتجف : -هل أنتِ جادّة؟ ! -جادّة تماما، لكنني لن أصدّقه، يستحيل أن أصدق.. ثم التفتت إلى ماتسودا و قالت : -هذا لأنك لا تملك تفسيرا منطقيا لرحيل كو-سان، أليس كذلك؟ لذلك لن أصدقك، كو-سان سوف يعود بعد أن ينتهي من عمله مع شركته ! لقد قالت آخر جملة و هي شبه واثقة بأنها على خطأ، تكاد الدموع تنهمر من مقلتيها بغزارة، ثم اضافت بصوت متقطع يستدرج العطف : -أليس كذلك؟ ماتسودا-سان؟ بصوت لا يختلف عن صوتها المتألم قال ناتسو : -ماتسودا-سان، أين ماكوتو-سان الآن؟ فرد العجوز : -أولا أخبراني، إذا انتهى بكما الأمر بالتصديق أن قاتل والدكما هو ماكوتو، عندها...عندها هل ستسامحانه؟ سؤال صعب، لقد ضرب الوتر الحساس، ملامح التوتر ترتسم على وجه الأخوين، قبل أن يجيب أيّ منهما قال ماتسودا : -لنقل أنه سيدفع ثمنا غاليا جدا لقاء مسامحتكما، حياته مثلا.. الصدمة المطلقة، شعور لم يشعرا به قط حتى عندما علما بأن والدهما قد توفي، لم يعد ناتسو قادرا على التحكم بكلماته و هو يقول : -مـ..ماذا..ماذا تقصد؟ ! حـياته؟ ! و أضافت هارو بصوت مرتفع : -أنت لا تقصد بأنه سيُقدم على الانتحار أو ما شابه صحيح؟ ! فأجاب ماتسودا محاولا تخفيف الجو : -لا، أبدا، هل كان ليكسب احترامكما لو قام بفعل كهذا؟ -هلّا أخبرتنا أين هو و حسب؟ و ما الذي تعنيه بأنه سيدفع حياته ثمنا؟ -ماكوتو كان قاتلا مأجورا لمدة ثلاثة عشر عاما، و أحد التّجار في السوق السوداء لثمان عشرة سنة... أصعب جزء، لماذا لا تخرج الكلمات من فمه و حسب؟ لماذا لا يقولها و ينتهي الأمر؟ صعب ! صعب جدا ! صمت لبرهة قبل أن يقول تلك الكلمات التي تؤلم سامعها : -برأيكما ما هو الحُكم الذي سيُطبّقُ عليه لو أن شخصا مثله سلّم نفسه للشرطة؟ أطلقت هارو سراح دموعها التي حبستها طويلا، سأل أخوها و شفتاه ترتجفان : -سـ..سلَّم نفسه؟ هل أنت جاد؟ ! و قالت أخته بصوت متقطع من شدة البكاء : -هل هذا يعني..أننا لن نرى كو-سان بعد اليوم؟ قل إن هذا كذب ! هذه مزحة ! مزحة ثقيلة ! فرد العجوز برقة و حزن شديدين : -أنا آسف يا صغيرتي، هذه الحقيقة...ماكوتو سلّم نفسه في الليلة التي اختفى فيها، و قد استلزم التحقيق في أمره و أمر شركاءه أشهرا عدّة، و في الليلة الماضية اتصل بي، أخبرني بالحكم النهائي و أمرني أن أطلعكما على كل ما حصل.. -كو-سان سوف يُعد... ما كادت الفتاة تكمل جملتها حتى أحست بصداع شديد و تشوش في رؤيتها، بعد لحظات فقدت توازنها و أُغمي عليها، فأمسك بها ناتسو يهزهّا محاولا إيقاظها، و الدموع لا تنفك تنزل من عينيه على وجهها بغزارة و هو يقول : -هارو ! أوي ! ما الخطب؟ أفيقي ! هارو ! أخفى ماتسودا عينيه الدامعتين بيده عندما صرخ ناتسو صرخة نابعة من سويداء قلبه هزت القصر بأكمله، و سُمع صوت الأواني تتحطم و الهلع يسيطر على المنزل، كل هذا نتيجة صدمة الخدم بتلك الصرخة دون أن يعرفوا مصدرها.. إنه السر الذي بقي مخفيا بين ثنايا الظلام لمدة عشر سنوات، لقد كُشف أخيرا، وخلّف جرحا عميقا في نفوس من يعرفونه.. في مكان آخر، و عندما طلعت الشمس لتداعب أشعتها وجه ذلك الرجل البارد، أحس بأنه قد عرف هذا الشعور من قبل، منذ عشر سنوات مضت، صورة طفلين مبتسمين ابتسامة بريئة قد داعبت أوتار قلبه بلطف، أبقى هذه الصورة في مخيلته، ما جعله يبتسم ابتسامة خفيفة، لتكون تلك الصورة آخر ما يراه، مصحوبة بصوت الرصاصة التي استقرت في رأسه و أنهت حياته.. هل فكر بأنه سيجرح الأخوين بتركه لهما بهذه الطريقة؟ أجل، هل فكر بأن موقف ماتسودا سيكون صعبا جدا؟ أجل، لقد فكر بأنه أناني في الأصل، فلم لا يكون أنانيا مرة واحدة بعد في حياته؟ كما أنه من الصعب تخيّل النظرات التي سيرمقه بها التوأمان لو أخبرهم هو بشكل كل شيء، لن يستطيع العيش معهما بعد ذلك، في مرحلة ما من حياتهما سيتجاوزان الأمر و حسب، أما هو فالطريقة الوحيدة لتجاوزه في نظره هي الموت. [ يُمنع الرد.. ] - جميع الفصول سـر بين ثنايا الظلام | فـهـرس | The Hunters - |