الفصل الخامس : ليلة الوداع - خمس سنوات أخرى مرت منذ علم التوأمان بمصير والدهما، هما الآن طالبان في الثانوية، ناتسو معروف بأنه أكثر الطلاب المشاغبين في المدرسة، لكن رغم ذلك علاماته جيدة جدا، هارو فتاة لطيفة عادة، لكن إذا أردت الحفاظ على ماء وجهك فلا تقترب منها و هي غاضبة، أما إذا أغضبتها بنفسك فاكتب وصيّتك مسبقا، ماكوتو لم يتغير إطلاقا، نفس الرجل الهادئ و الغامض، صفاته هذه بالإضافة إلى وسامته تجعله جذابا، لطالما تساءل الأخوان لماذا لم يتزوج رجل غنيّ مثله، لكن من خلال الفترة التي قضاها الاثنان معه تبيّن بأنه ليس من النوع الذي قد يهتم لهذه الأمور. أجمل وقت على مدار السنة هو بالطبع العطلة الصيفية، لا ملاحظات من الأساتذة، لا واجبات، لا احتجاز و لا إزعاج فيما يخص الدراسة، لكن الأهم هو مهرجان الألعاب النارية، أشهر المهرجانات و أجملها و أكثرها اكتظاظا، رغم أنهم يحضرون المهرجان كل سنة تقريبا إلا انهم لم يملّو منه بعد، في نظر هارو الألعاب النارية تزداد جمالا كل سنة، و هذه السنة بالذات مميزة، عادة ما تحضره الفتاة مع صديقاتها، لكن هذه المرة ستذهب برفقة أخيها و ماكوتو لأول مرة، و هذا ما جعلها متحمسة أكثر من العادة. في صباح يوم المهرجان، صوت طرق على الباب، ثم سُمع صوت الفتى المراهق الذي يتذمر قائلا : -لماذا عليّ الاستيقاظ باكرا في يوم عطلة؟ ثم اضاف و هو يرفع صوته : -أدخل ! فتح أحد الخدم الباب و قال بكل أدب : -صباح الخير سيدي الصغير، من فضلك ارتدي ثيابك و توجه إلى قاعة الطعام. -لكن لماذا في مثل هذا الوقت المبكر؟ -هل نسيت يا سيدي؟ اليوم مهرجان الألعاب النارية و من المفترض أن أوقظك أنت و الآنسة بأمر من السيد. ضرب الفتى جبينه بكفه و شعر بالإحراج. -نسيت ذلك تماما ! شكرا على إيقاظي. بعد قليل اجتمع بأخته و ماكوتو في قاعة الطعام حيث أطلعهما هذا الأخير على مخططاته لليوم : -بعد الانتهاء من الطعام سنخرج و نتوجه مباشرة إلى المركز التجاري للتسوق.. ما كاد يكمل كلامه حتى صرخ ناتسو بحماس : -أخيرا ! سأحصل على آخر إصدار من لعبتي المفضلة ! ابتسم ماكوتو و أكمل كلامه : -كان عليّ إيقاظكما باكرا لأنني واثق بأننا سنستغرق ساعات طويلة في التسوق، بعد ذلك سنقصد مدينة الملاهي و نستمتع فيها بقية اليوم، و أخيرا مهرجان الألعاب النارية. بطبيعة الحال، تحمس التوأمان بشكل كبير، كل النشاطات التي ذكرها ماكوتو تبدو ممتعة جدا، فانطلاقا بسرعة بعد الإفطار للتجهز من أجل الرحلة. في هذه الأثناء، في مكتب ماكوتو أو بالأحرى غرفته، جو الغموض نفسه الذي يسود كل محادثاته مع ماتسودا، فقال هذا الأخير و هو يضع يده على كتف ماكوتو : -قرارك صائب، و أنا أؤيدك فيه، لكن لا أستطيع منع نفسي من الشعور بالقلق، بالتفكير في أنك.. لمعت عينا العجوز نتيجة تراكم الدموع فيهما، لكنه لم يتوقف عن الكلام. -بالتفكير في أنك ستُقدم على أمر كهذا، لا بد أنك خائف. فرد ماكوتو بصوت مرتجف متقطع : -لا، لست خائفا، بل إنني مرتعب ! لكن حان الوقت لأضع حدا للكوابيس التي تراودني كل ليلة. -أنت تدرك جيدا كيف سينتهي هذا الأمر، ستفقد حياتك بالتأكيد.. -و لهذا اريد القيام به ! ليس هنالك ثمن أغلى من حياتي أدفعه لقاء مسامحتهما لي.. -و ماذا لو لم يفعلا؟ -ماذا تقصد؟ -ماذا لو لم يسامحاك رغم كل ما ستفعله؟ الحزن و اليأس في نظرات ماكوتو كان واضحا و هو يقول : -سيكون ذلك أسوأ بكثير من كل الكوابيس التي راودتني مجتمعة..لكنه أمر يستحق المحاولة. -بالحكم على شخصيتيهما، سيغضبان قليلا، و يبكيان كثيرا، لكن سيسامحانك في النهاية. -حسنا، سأُسمعك خطاب الوداع المؤثر لاحقا، عليّ الذهاب الآن.. -بالتوفيق. أثناء تواجد كل من ماكوتو، ناتسو و هارو في السيارة، و عندما كان يفترض بثلاثتهم التزام الهدوء، لم يتوقف الفتى عن الثرثرة بشان اللعبة التي تحمس للحصول عليها : -كل رفاقي في الصف سيحصلون عليها ! سأكون الأفضل بالتأكيد كالعادة، لا يملك أحدهم فرصة أمامي، الجميع يلقبونني بـ الملك التقني.. فقاطعته أخته فجأة : -لا أحد يلقبك بهذا. -بلى يفعلون ! -هل أنت مغفل؟ هل نسيت أنني في صفك؟ لا أحد يلقبك بذلك اللقب، و بصراحة هذا لحسن حظك لأنه سخيف. -سخيف؟ أنظروا من يتكلم ! ما الذي تقرئينه على أية حال؟ وجه نظره نحو الكتيب الذي بين يدي أخته فأجابت هذه الأخيرة بانزعاج : -كيفية إخراس الإخوة المزعجين. ضحك ناتسو بشكل سخيف و قال : -من هذا الذي قد يؤلف شيئا كهذا؟ -على الأرجح أنه يمتلك أخا مثلك. -و هل تظنيني غبيا؟ سأصدق كلامك مثلا؟ -أجل أظنك غبيا، و ستصدق كلامي. أغلقت الكتيب ليظهر العنوان، ما كُتب على الغلاف هي نفس الجملة التي قالتها قبل قليل، التعابير التي ظهرت على وجه أخيها أشبه بشخص اكتشف للتو أنه يتناول طبقا من الفئران، سُمع صوت ضحك خفيف بجوارهما ثم توقف الصوت و قال صاحبه : -أنتما الاثنان غير معقولان ! ابتسم التوأمان بدورهما و شعرا بالراحة و هما ينظران إلى التعابير اللطيفة التي ارتسمت على وجه ماكوتو. عندما وصلوا إلى المركز التجاري انقلبت الأدوار، المزعج الذي لم يتوقف عن الثرثرة كانت هارو هذه المرة، هي و حيرتها في اختيار ما سترتديه في الغد، أما ناتسو فما كان منه إلا أن يشتكي : -مزعجة مزعجة مزعجة ! فأجابه ماكوتو بهدوء : -عليك أن تتحمل، فهي لم تعترض على ثرثرتك بشأن تلك اللعبة. -و لكنها تتصرف مثل.. ! -مثل فتاة. -تبا، أكره أن يكون معك حق ! أمضوا وقتا أطول في التسوق أكثر من التمتع بألعاب مدينة الملاهي، هذا طبيعي عندما تصطحب معك فتاة أنيقة مثل هارو، لكن كان عليها دفع الثمن، فقد أُجبرت على تجربة 'كهف الخوف' الذي تكرهه كثيرا بسبب الأشياء التي تسلل إليك في الداخل، و لكنها لم تكن الوحيدة التي فعلت ما تكرهه، فكل من ناتسو و ماكوتو أُجبرا هما الاثنان من طرف قبضة هارو المتوحشة على تجربة الأفعوانية التي أصابتهما بالدوار، لم يكن لديهما خيار و إلا سيدفعان ماء وجهيهما ثمنا لدخول هارو لـ'كهف الخوف'، فهي مع أنها لا تبدو كذلك فتاة قوية و عنيدة لا يُنصح بالعبث معها. بعد يوم طويل من اللهو و الاستجمام، لم يبق سوى ربع ساعة على إطلاق الألعاب النارية في السماء التي تلونت باللون الأزرق الغامق، القمر كان مختفيا تماما و النجوم تحتل السماء بلمعانها الذي لا مثيل له، السماء المثالية لإطلاق الألعاب النارية، كل من ماكوتو و ناتسو جذب الأنظار بجمالهم الخلاب مرتدين الـ يوكاتا الأحمر، أما هارو فلم يكن بإمكان أحد رؤيتها لأن هذان الأخيران كانا يرمقان بنظرات مرعبة كل من يحاول فعل ذلك. ثلاثون ثانية فقط تبقت على الإطلاق، الجميع متحمسون لرؤية السماء تضيء، علا فجأة صوت الجمهور و هو يقول " عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة.." أجل، إنه العد التنازلي للإطلاق، كان الجميع يحدقون في السماء منتظرين، إلا ماكوتو الذي نظر إلى التوأمين و كأنها أول و آخر مرة يراهما فيها، "ستة، خمسة، أربعة.." ، أمسك هذا الأخير يد ناتسو الذي كان يقف على يمينه و يد هارو التي كانت تقف على يساره، "ثلاثة، إثنان.." في اللحظة التي صرخ فيها الجميع "واحد !!!" ، زينت السماء مجموعة لا متناهية من الأضواء بمختلف الألوان، بدا للحظة و كأنه طلوع الفجر، الاهتمام كله يصب على لمعان تلك الأضواء التي تشع بشكل خيالي، أما ماكوتو فقد كان يراقب لمعان آخر أشد بكثير في نظره ألا و هو اللمعان الذي ظهر في عيون الأخوين، لمعان صاف و نقيّ لا مثيل له، ابتسم ماكوتو ابتسامة رقيقة و نظر إلى السماء و هو يقول : -هنالك أشخاص أعزاء، أردتهم أن يكونوا هنا الآن، شكرا لأنكما هنا بدلا منهم.. أراد عندها ناتسو أن يسأل عمّن يكون هؤلاء الأشخاص، لكنه بدل ذلك رد عليه قائلا : -و أنت أيضا، شكرا لأنك هنا بدلا من أبي.. خلابة هي الأمسية التي قضاها الثلاثة معا، بالنسبة لكل منهم، هذا اليوم هو أفضل يوم في حياتهم، و هذا بالضبط الانطباع الذي أراد ماكوتو أن يتركه عن هذا اليوم. { في اليوم التالي } "غريب، غريب جدا ! أين اختفى؟ لماذا لا يعرف أحد أين اختفى؟" هذا كل ما يشغل التوأمين الآن، سألوا كل خادم و خادمة في البيت و لم يعرف أحدهم الإجابة، لم يبق سوى شخص واحد ألا و هو رئيس الخدم العجوز ماتسودا، "ها هو !" لمحاه أخيرا عند الباب الكبير ذي اللون الذهبي، الباب الذي لم يفتحاه يوما، باب غرفة ماكوتو، أسرع الاثنان إلى العجوز ركضا و توقفا عنده بأنفاس مقطوعة، أول من تكلم هي هارو فقالت بفزع لا مثيل له : -ماتسودا-سان ! أين هو؟ أين اختفى كو-سان؟ لم نجده اليوم في أي مكان ! ليس من عادته أن يختفي فجأة دون أن يخبرنا ! أخرج العجوز مفتاحا من جيبه و أجاب بهدوء : -لم كل هذه العجلة؟ ادخلا و سأخبركما بكل شيء. انتفض ناتسو و رد في حيرة : -ندخل؟ هل تقصد غرفة ماكوتو-سان؟ -أجل بالتأكيد. -مهلا..لا يمكن أنك تمتلك المفتاح ! ماكوتو-سان لا يعطيه لأي كان ! -كما قلت، ادخلا و سأشرح لكما. الأسئلة تراكمت داخل رأسيهما و لم يفهما أي شيء مما يجري، ماكوتو اختفى دون ترك اية رسالة او تلميح، ماتسودا لديه مفتاح الغرفة المحظورة التي لا يدخلها أحد إلا ماكوتو نفسه، في هذه الحال ليس لديهما خيار سوى تنفيذ أمر العجوز إن أرادا الإجابة على أسألتهما. [ يُتبع... ] - جميع الفصول سـر بين ثنايا الظلام | فـهـرس | The Hunters - |