الفصل الثاني: القرار - غرفة معزولة حيث منبع الضوء الوحيد هو مصباح صغير موضوع فوق طاولة مهترئة، كسر الصمت صوت ضربة على الطاولة يليها صراخ رجل غاضب : -لماذا فعلت ذلك؟ ! فرد رجل آخر بكل هدوء: -أنا لم أخالف أي شرط، فجرت المكان و قتلت الرجل الذي استحوذ على مخططاتكم و قمت باستعادتها. لكن الغاضب لم يقتنع و ظل يصرخ به: -و لكن.. ! لم يكمل كلامه فقد قاطعه الرجل الهادئ: -كما قلت لك، أنا احترمت الاتفاق، لم أظن بأنك ستفكر في أمر كهذا، ولدان صغيران يعلمان شيئا عن مخططاتك ! ما هذا التوقع السخيف؟ -كيف تجرؤ ! فرمقه الرجل الهادئ بنظرة مخيفة أخرسته، و أخذ حقيبة كانت موضوعة فوق الطاولة ثم انصرف دون أن يضيف أحد كلمة. ••• أشرقت الشمس و تسللت أشعتها إلى داخل إحدى غرف ذلك المنزل الكبير، حيث ينام ولدان صغيران كالملائكة، عندما شعرت الفتاة بأشعة الشمس تداعب وجنتيها فتحت عينيها و نهضت من السرير، تأملت ما حولها مطولا حتى أدركت أنها لم تكن في بيتها، التفتت إلى أخيها الذي كان غارقا في النوم و فضّلت عدم إيقاظه، فخرجت من الغرفة لتستكشف المكان، عندما فتحت الباب لمحت أروقة كبيرة و سلالم كثيرة كأنها متاهة، رغم ذلك قررت المسير. في كل مرة تفتح فيها بابًا تجد مجموعة من الأشخاص يرتدون زي الخدم و تفر هاربة في اتجاهات عشوائية، لكنها استغربت فلم يلحقها أي منهم، أثناء تجاولها لاحظت وجود بابين مختلفين عن بقية الأبواب، كان أحدهما بلون أحمر دموي و الآخر لونه ذهبي و كان كل منهما موصدا و لم تستطع الصغيرة فتحهما فاستسلمت و واصلت التجوال. لم تعرف كم من الوقت أمضت و هي تدور في أنحاء المنزل، ربما نصف ساعة أو ساعة، شعرت بالتعب فتوقفت أمام باب كبير نوعا ما و جلست ترتاح بضع دقائق و عندما أدركت بأن النعاس سيغلبها نهضت و هزت رأسها بسرعة حتى تستيقظ تماما، الباب الذي كانت تقف أمامه كان مختلفا قليلا عن بقية الأبواب، لا بد انه ليس غرفة عادية، حاولت الوصول إلى المقبض و نجحت بصعوبة بسبب قصر قامتها ثم دفعت الباب بكلتا يديها، كان توقعها في محله، لا بد أنها غرفة الطعام فعلى عكس بقية الغرف التي دخلتها كانت تتوسط هذه الغرفة طاولة كبيرة تحيط بها عدة كراسي، يجلس على إحداها رجل يمسك بيده اليمنى جريدة و بيده الأخرى كوب قهوة، شعره اسود ناعم و له عينان بلون أزرق داكن، التفت إلى الفتاة التي فتحت الباب و نظر إليها مطولا لكن ما كاد ينطق بكلمة حتى فرت الفتاة هاربة. ظنت الصغيرة أنه مثل البقية لن يلحق بها فتوقفت عن الركض لتلتقط أنفاسها بعد أن ابتعدت مسافة قصيرة، لكن عندما نظرت إلى ما حولها لتتفقد الأمر كان الرجل قد لحق بها، فأطلقت صرخة فزغ في نفس اللحظة التي أمسك فيها بها. -أتركني ! -هدوء ! -لا ! أفلتني ! - لن أؤذيك ! لكن الفتاة لم تقتنع و ظلت تحاول جاهدة الهرب، فتركها الرجل و انطلقت تجري حتى ابتعدت مسافة تقارب العشرة أمتار ثم توقفت و فكرت : " لقد أفلتني "، اقترب الرجل بخطوات بطيئة و سألها : -أين أخوكِ يا صغيرة ؟ لم تبرح الصغيرة مكانها و قد اصبح الرجل المجهول على بعد سنتمترات منها و أجابت : -لم أوقظه لأنه سيفزع و سيركض بشكل عشوائي في المكان. فأثنى الرجل ركبتيه و انحنى حتى أصبحت عيناهما في مستوى واحد يكاد يلامس أنفه أنف الفتاة و قال بنوع من الانزعاج : -أليس هذا ما فعلتيه قبل قليل؟ لم تجبه الصغيرة و إنما اشاحت بنظرها بعيدا في انزعاج و قد احمر وجهها، فاستطرد الرجل بصوت رقيق : -ما رأيكِ أن نحضره و نتحدث نحن الثلاثة معا؟ أنا واثق بأنّ أسئلة كثيرة تدور في رأسك. و بدون أن تنظر إليه أجابت: حسنا. { بعد قليل في غرفة الطعام } -تم استدعاء والدي من قِبل الشركة التي يعمل فيها؟ سأل الفتى الصغير الجالس على إحدى الكراسي. و أنت من سيعتني بنا أثناء غيابه أليس كذلك؟ فأجابه الرجل : -أجل، و هو يعتذر على عدم توديعكما فقد كان الأمر طارئا و اضطر للمغادرة ليلا. -هكذا إذن. قالت الاخت. أعتذر على تصرفي سابقا. -ردة فعلكِ متوقعة، لا تستيقظين في منزل مختلف كل يوم. ثم اضافت الصغيرة : -أنت صديق والدي إذن؟ لا بد أنك تعرف بأنني هارو و هذا أخي الأصغر ناتسو. في نفس اللحظة صرخ بها ناتسو : -أصغر منك بثلاثين ثانية ! لم تبدي هارو اهتمام لكلام أخيها و واصلت : -هل لك أن تخبرنا عن اسمك يا عم؟ فتجرع الرجل من كوب القهوة و رد : -ماكوتو أيتها الصغيرة. -اسم جميل، و لكن رجاءً توقف عن مناداتي بالصغيرة. فقاطعها أخوها : -هذا لأنكِ صغيرة ! -لا تتكلم و كأنك أكبر مني فأنا الاكبر ! -بثلاثين ثانية ! طرق أحدهم الباب ليوقف الشجار، عندما أذن له ماكوتو بالدخول ظهر عجوز يبدو في الستين من عمره، يرتدي ثيابا مختلفة قليلا عن بقية الخدم، شعره أشيب و له عينان بنيتان، فقال ماكوتو : -ماتسودا-سان، كنت بانتظارك، رافق الولدين إلى الحديقة لو سمحت. -حاضر يا سيدي. ثم توجه نحو الصغيرين و أضاف : -تفضلا، آنستي الصغيرة، سيدي الصغير. آنسة صغيرة؟ سيد صغير؟ لم يعتد التوأمان على مثل هذه المعاملة فقالت الفتاة من فورها : -أنا هارو، و هذا أخي ناتسو. فرد العجوز مع ابتسامة : -هارو-شان، ناتسو-كن، أنا ماتسودا رئيس الخدم. اتبعاني رجاءً. "هارو-شان، ناتسو-كن"، كان ذلك مريحا أكثر من "آنسة و سيد" بالنسبة للتوأمين. { بعد عدة ساعات و في وقت متأخر من الليل } التوأمان و الخدم، كلهم نيام، كل من في المنزل ماعدا صاحبه الذي كان في مكتبه، واضعا مرفقيه على الطاولة و يداه تعبثان بشعره. فجأة، قطع حبل أفكاره طرق خفيف على الباب. -من هناك؟ فأجاب صوت الرجل العجوز وراء الباب : -ماتسودا. لم يكن ماكوتو ليأذن بدخول أحدهم إلى مكتبه الخاص و في هذا الوقت، لكن ماتسودا استثناء. -أدخل. فدخل العجوز و أغلق الباب وراءه. -أردت أن أعرف القرار الذي اتخذته يا ماكوتو. -ماتسودا-سان ..أنت الوحيد الذي استطيع أن أطلب منه النصيحة. فابتسم العجوز و قال برقة : -كنت واثقا بأنك لم تتخلى تماما عن جانبك الرقيق. أظهرت الرحمة لأول مرة منذ ثماني سنوات، ماكوتو، أنت تدرك جيدا ما يمليه عليك ضميرك، إذا أردت نصيحة مني فسأنصحك : الوعد الذي قطعته على نفسك منذ ثماني سنوات كان خطأ كبيرا، لعل هذه فرصتك لتعوض ما خسرته في الماضي لذا لا تمنع نفسك، و أنا اريد أن أراه مجددا، ماكوتو قبل ثماني سنوات، أريدك أن تعود إلى طبيعتك، حتى لو كان ذلك مؤلما لكن عليك أن تحاول، مشكلتك أنك لم تحاول قط. فألصق ماكوتو وجهه بالطاولة و يداه لا تزالان تعبثان بشعره، ضغط على أسنانه بقوة و قد شعر بألم فظيع يعتصر قلبه لدرجة أنه تمنى للحظة أن يغرز سكينا في صدره حتى يرتاح، و بعد مدة قصيرة من الصمت نطق العجوز من جديد بنفس النبرة الرقيقة : -لا اصدق ما أرى، أنت تصبح عاطفيا. أجبني بصراحة يا ماكوتو..هل تريد أن تستعيد شعورك بالسعادة؟ ضغط ماكوتو على اسنانه بقوة أكبر حتى نزف قليلا من فمه، و سقطت على الطاولة دموع من عينيه، و قال بصوت متقطع : -ماتسودا-سان..شكرا لك. ابتسم ماتسودا مرة أخرى، و دون إضافة كلمة خرج من الغرفة و أوصد بابها. اتخذ ماكوتو قراراه النهائي. - جميع الفصول سـر بين ثنايا الظلام | فـهـرس | The Hunters - |