مُقدّمة في نظم المعلومات الجغرافيّة
بقلم: حسين أحمد سليم
مهندس إختصاص في المعلوماتيّة الرّقميّة يُعتبر و يُعدّ علم الجغرافيا بين بقيّة العلوم, و بشكل عام, من أقدم العلوم التي إهتمّ بها و أتقنها الإنسان, و أولاها الشّأن و عُني بها لما لها من علاقة وطيدة و مميّزة بحياته و إستمراريّتها, و الأرض التي يمشي عليها، و الّتي تتجلّى في كينونته و كينونتها بدائع صنع الله تعالى و وحدانيّته... لذلك و من خلال المتابعة و الإستقراء و الدراسات و التّحاليل الموضوعيّة, نجد أنّ هذا العلم أصبح من أكثر العلوم تطوّراً و أكثرها تداخلا مع باقي العلوم الأخرى و السّائدة في عصر و ثورة الحضارة بما أنجبت من تطوّرات بارزة على أكثر من صعيد علمي و غيره, سيّما ثورة المكننة و البرمجيّات الرّقميّة و شموليّة الشّبكة العالميّة العنكبوتيّة للمعلومات, الأنترنت... إذا درسنا و تعمّقنا و تفكّرنا بعقلنة واعية و منفتحة بعلم الجغرافيا و مارسنا حركة فعل التّحاليل الموضوعيّة لهذا العلم, نستنتج من خلال إستقراءاتنا و بما لا يقبل الجدل, أنّ علم الجغرافيا اليوم, هو على صلة وطيدة بالكثير من العلوم العصريّة المعروفة و خاصّة و على سبيل المثال لا الحصر, علوم الإقتصاد و شؤون السّياسة و مجالات الزّراعة و هندسة الجيولوجيا و الهندسة المدنيّة و المعماريّة و هندسة الطّرقات و شبكات الخدمات و البنى التّحتيّة من مياه و مجاري إضافة لعلوم الملاحة و تقلّبات الطّقس و غيرها من العلوم... و مع التّطوّر الصّناعي و التّقني للإنسان و ظهور أحدث الإختراعات و الإكتشافات التي تمخّضت عنها علومه التي وصل إلى سبر خفاياها, و هو علم الآلة الحاسبة الرّقميّة و الحاسب الرّقمي و تطبيقاته الرّقميّة... و هو ما ساهم بشكل مباشر و غير مباشر في حركة فعل تكوير علم الجغرافيا, بحيث كان لا بدّ لعلم الجغرافيا إلاّ أن يضيفه إلى فروعه و تطبيقاته العمليّة و يندمج معه تفاعليّا, ليظهر لنا عصرنة حضارة هندسيّة معلوماتيّة, ما يعرف اليوم في المجالات الهندسيّة و غيرها بنظم المعلومات الجغرافية و الذي يُعدّ من المجالات الهامّة التي يظهر فيها حقاً أهمّيّة الحاسوب الرّقمي و ملحقاته و تطبيقاته و برمجيّاته في تطوير و تحسين البيئة التي يعيش فيها الإنسان في شتّى الأقطار و الدّول التي تواكب التّطوّر و تعمل بأدواته, و تمارس تطبيقاته المدروسة في التّجمّعات البشريّة في المدن و الأقاليم و المحافظات و البلدات و القرى و الأحياء... و بناء على ما تقدّم من تعريف لنظم المعلومات الجغرافيّة و أهمّيته, و لما ما يتميّز به العديد من الأقطار في العالم و خاصّة وطننا العربي بكافّة دوله و منها دولة لبنان بالتّحديد و الصّغير بمساحته قياسا للمساحات الجغرافيّة الواسعة و الهائلة و الممتدّة و المتنوّعة التّضاريس و البيئات و المناخات و التّربة، و ممّا يتميّز به أيضاَ بأنّه من أكثر الأماكن تطوّراً عمرانيّاً و سكّانيّاً, بحيث كان لزاماً للحكومات الفاعلة في دولها أن يهتمّوا بهذا العلم و يقومون بتطويره بما يتوافق و واقعهم و بما يناسبهم و يناسب مختلف إحتياجاتهم, تحقيقا لتقدّمهم و تسهيلا لهم للحصول على تفاصيل المعلومات الضّروريّة لهم على غالبيّة الصّعد و المستويات البيئيّة و الخدماتيّة... و بالإنتقال للتّعريف الشّامل فإنّ نظم المعلومات الجغرافيّة ما هي إلاّ طريقة علميّة هندسيّة أو مسار أو أسلوب أو منهج مُبرمج, لتنظيم كافّة المعلومات الجغرافيّة و الوصفيّة و برمجتها و حفظها بواسطة الحاسوب، و العمل الصّحيح و السّليم لربطها بمواقعها و أمكنتها الجغرافيّة المُحدّدة لها, إعتماداً على منظومة إحداثيات معيّنة و معتمدة عالميّا أو محلّيّا و هي ما تُعرف بخطوط الطّو و العرض إضافة للإرتفاعات عن مستوى سطح البحر أو خلافه... و نظم المعلومات الجغرافية مكوّنة أساسا من ثلاثة أجزاء هي: مكوّنات النّظم و التي هي كينونة تكنولوجيا الحاسوب و أنماط البرمجيّات الرّقميّة المرتبطة به، و مُجمل المعلومات اللازمة و هي البيانات التي تتكوّن منها هذه النّظم، و طرق و أساليب إدارتها و تنظيمها و حفظها و إسترجاعها لإستخدامها عند الحاجة لها، و الأمكنة الجغرافيّة المُحدّدة و هي العنصر المكاني الثّابت في هذه النّظم، و الذي هو الأرض و ما عليها و ما فيها من حركات و أفعال طبيعيّة و صناعيّة، و العالم الحقيقي الذي توجد به تلك المعلومات بناء على الدّراسات الإفتراضيّة المُنفّذة... و باللغة التي يتمّ إختيارها, هذا و تُعتبر اللغة الإنجليزية أو الفرنسيّة هي الأساس في تشكيل نظم المعلومات الجغرافيّة في غالبيّة أنحاء دول العالم... إلى هذا و يمكننا تحديد و تعريف و توصيف نظم المعلومات الجغرافيّة أيضاً على أنّها مجموعة من الوسائل المُتعدّدة و الأدوات المُتكاملة فيما بينها, للتّعامل مع مختلف البيانات و الإفتراضيّات و الدّراسات التّنفيذيّة, من حيث حركة فعل جمعها من مصادر مختلفة و العمل على تخزينها بصورة رقميّة صحيحة و دقيقة و سليمة و بطريقة سهلة و فعّالة و حركة إدارتها بفعل توحّدي و دمج مختلف البيانات من المصادر المختلفة و عمليّة إستعادتها و إستعراضها و فق الطّلب بعد تخزينها بسهولة و القيام بمراجعتها و مطابقتها و تعديلها و تنقيحها و تطويرها و تحديثها و تحويلها من مسقط أفقيّ أو كرويّ أو مُثلّثيّ إلى آخر و من مقياس ما إلى آخر مطلوب و من ثمّ العمل على فعل تحليلها لخلق معلومات جديدة و معطيات حديثة تساعد على تكوين الأفكار المساعدة على الوصول لنتائج هدفيّة معيّنة... و نظم المعلومات الجغرافيّة مكونة من عدّة طبقات شفّافة لكلّ طبقة رمزها الأحاديّ الذي يُظهر حالة معيّنة مترابطة ببعضها و التي تكوّن هذه الطّبقات في مجموعها خرائط و مخطّطات معيّنة و موضوعيّة لمنطقة جغرافية محدّدة, تُظهر من خلال محتوياتها الصّفات الجغرافيّة و غير الجغرافيّة لتلك المنطقة المُستهدفة... و الهدف من صنع الخرائط المختلفة وفق نظم المعلومات الجغرافيّة هو مقارنة الصّفات المتباينة للمنطقة الجغرافيّة الواحدة، و إعطاء نظرة شموليّة لها، و مقارنة الصّفات المتباينة لمناطق جغرافيّة مختلفة... و من الممكن صناعة هذه الخرائط بالرّسم و التّشكيل التّقليدي اليدوي بواسطة الأوراق الخاصّة من الكرتون المُقوّى أو الأوراق السّيلوفانيّة الشّفّافة و عمليّة الرّسم لكافّة التّفاصيل عليها بواسطة الأقلام و الأحبار و أوراق الرّموز و الألوان و الشّبكات و مساطر الرّسم و الخطوط المختلفة الأحجام و الأنواع و هو ما كان سائدا و معمولا به قبل إكتشاف الحواسيب و برمجيّاتها و وضع برمجيّات النّظم للمعلومات الجغرافيّة... غير أنّ صناعتها بواسطة الحاسوب و البرمجيّات الخاصّة بها هو أسرع و أدق و أسهل و أكثر فعاليّة... و من المعروف هندسيّا أنّه من خلال برامج نظم المعلومات الجغرافيّة, يمكن وضع عدد من الطّبقات الشّفّافة و الّتي تُؤلّف في مجموعها الخرائط الكاملة و اللازمة لمنطقة جغرافيّة محدّدة مثل المخطّطات الجيولوجيّة و البحريّة و التّضاريسيّة العامّة و الدّوليّة و خرائط التّربة و الخرائط التّضاريسيّة الواسعة و المساحة المستوية للأودية و الأنهار و الجبال و السّهول و المباني و الطّرق و توزيع السّكّان و البنى التّحتيّة و الخدمات العامّة و المراكز الرّسميّة و الخرائط العسكريّة و ما يخدم القوى الأمنيّة... فوق بعثها لنرى مدى توافق و إختلاف الظواهر لُيصار إلى تحليل العلاقات بين الظّواهر، فنجد العلاقة مثلاً وثيقة بين السّكان و التّربة الجيّد ، و توافق بين الأمطار الغزيرة و الزّراعة. و من خلال النّظر إلى مجمل الطّبقات مع بعضها نحصل على نظرة شموليّة لصفات الموقع الجغرافي...