السيد الشهيد ، الكبير الشأن ، علم المجاهدين أبو عبد الله ، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي ، أخو علي بن أبي طالب ، وهو أسن من علي بعشر سنين .
هاجر الهجرتين ، وهاجر من الحبشة إلى المدينة ، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها ، فأقام بالمدينة أشهرا ، ثم أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك ، فاستشهد . وقد سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرا بقدومه ، وحزن -والله- لوفاته .
روى شيئا يسيرا ، وروى عنه ابن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وأم سلمة ، وابنه عبد الله .
حديج بن معاوية : عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود ، قال : بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشي ثمانين رجلا : أنا ، وجعفر ، وأبو موسى ، عبد الله بن عرفطة ، وعثمان بن مظعون . وبعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية . فقدما على النجاشي ، فلما دخلا سجدا له وابتدراه ، فقعد واحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فقالا : إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك ، فرغبوا عن ملتنا . قال : وأين هم ؟ قالوا : بأرضك .
فأرسل في طلبهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم . فاتبعوه ، فدخل فسلم ، فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله . قالوا : ولم ذاك ؟ قال : إن الله أرسل فينا رسولا ، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله ، وأمرنا بالصلاة والزكاة . فقال عمرو : إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه . قال : ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر : نقول كما قال الله : روح الله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر .
قال: فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، ما تريدون ، ما يسوءني هذا ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته ، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضِّئه .
وقال : انزلوا حيث شئتم . وأمر بهدية الآخرين فرُدَّت عليهما ، قال : وتعجل ابن مسعود ، فشهد بدرا .
وروى نحوا منه مجالد ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه . وروى نحوه ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن عمرو بن العاص .
محمد بن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة ، قالت : لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء ، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان هو في منعة من قومه وعمه ، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه ، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ؛ فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا .
فخرجنا إليه أرسالا ، حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا .
قال الشعبي : تزوج علي أسماء بنت عميس ، فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ، فقال كل منهما : أبي خير من أبيك . فقال علي : يا أسماء ، اقضي بينهما . فقالت : ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر ، ولا كهلا خيرا من أبي بكر . فقال علي : ما تركت لنا شيئا ، ولو قلت غير هذا لمقتُّك . فقالت : والله إن ثلاثة أنت أخسُّهم لخيار .
مجالد : عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : ما سألت عليا شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه .
ابن مهدي ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن شمير ، قال : قدم علينا عبد الله بن رباح ، فاجتمع إليه ناس ، فقال : حدثنا أبو قتادة ، قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيش الأمراء ، وقال : عليكم زيد ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر ، فابن رواحة . فوثب جعفر ، وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي . قال : امضوا ؛ فإنك لا تدري أي ذلك خير .
فانطلق الجيش ، فلبثوا ما شاء الله ، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر ، وأمر أن ينادي : الصلاة جامعة . قال -صلى الله عليه وسلم- : ألا أخبركم عن جيشكم ، إنهم لقوا العدو ، فأصيب زيد شهيدا ، فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء جعفر ، فشد على الناس حتى قتل ، ثم أخذه ابن رواحة ، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا ، ثم أخذ اللواء خالد ، ولم يكن من الأمراء -هو أمر نفسه- فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبعيه وقال : اللهم هو سيف من سيوفك فانصره -فيومئذ سمي سيف الله-. ثم قال : انفروا فامددوا إخوانكم ، ولا يتخلفن أحد فنفر الناس في حر شديد .
ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد ، عن أبيه ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني -وكان من بني مرة بن عوف- قال : لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل .
قال ابن إسحاق : وهو أول من عقر في الإسلام ، وقال : يـا حبـذا الجنة واقترابها
طيبـــة وبــارد شــرابها
والروم روم قد دنا عذابها
علـي إن لاقيتهــا ضرابهــا
الواقدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، قال : ضربه رومي فقطعه بنصفين . فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا .
أبو أويس عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : فقدنا جعفرا يوم مؤتة ، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين ، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده .
أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، أن ابن عمر قال : جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة ، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من بين ضربة وطعنة .
أبو أحمد الزبيري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه : سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جعفر ، فقال رجل : رأيته حين طعنه رجل ، فمشى إليه في الرمح ، فضربه ، فماتا جميعا .
سعدان بن الوليد : عن عطاء ، عن ابن عباس : بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : يا أسماء ، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مرَّ ، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم ، فردي عليه السلام ، وقال : إنه لقي المشركين ، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون ، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ، ثم أخذ باليسرى فقطعت . قال : فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها .
وعن أسماء ، قالت : دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فدعا بني جعفر ، فرأيته شمهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : نعم ، قُتِل اليوم . فقمنا نبكي ، ورجع ، فقال : اصنعوا لآل جعفر طعاما ؛ فقد شغلوا عن أنفسهم .
وعن عائشة ، قالت : لما جاءت وفاة جعفر ، عرفنا في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- الحزن .
أبو شيبة العبسي : حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة ، مضرجة قوادمه بالدماء ، يطير في الجنة .
عبد الله بن جعفر المديني : عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : رأيت جعفرا له جناحان في الجنة .
وجاء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي -صلى الله عليه وسلم .
ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة -رضي الله عنه .
عبد الله بن نمير : عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبر تلقاه جعفر ، فالتزمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبَّل بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أنا أفرح : بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر .
وفي رواية محمد بن ربيعة ، عن أجلح : فقبل ما بين عينيه ، وضمه واعتنقه .
قال ابن إسحاق : آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين جعفر بن أبي طالب ، ومعاذ ابن جبل . فأنكر هذا الواقدي، وقال : إنما كانت المؤاخاة قبل بدر ، فنزلت آية الميراث ، وانقطعت المؤاخاة ، وجعفر يومئذ بالحبشة .
حفص بن غياث : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها ، فاختصم فيها هو وجعفر ، وزيد ، فقال علي : ابنة عمي وأنا أخرجتها . وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي . فقضى بها لجعفر ، وقال : الخالة والدة . فقام جعفر ، فحجل حول النبي -صلى الله عليه وسلم- ، دار عليه ، فقال : ما هذا ؟ قال : شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم .
أمها سلمى بنت عميس ، وخالتها أسماء .
ابن إسحاق : عن ابن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد ، عن أبيه : سمع النبي يقول لجعفر : أشبه خَلقُك خَلْقي وأشبه خُلقك خُلُقي ، فأنت مني ومن شجرتي .
إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن البراء ، وعن هبيرة بن مريم وهانئ بن هانئ ، عن علي ، قالا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي حماد بن سلمة عن ثابت ( ح ) وعوف عن محمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك لجعفر .
قال الشعبي : كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر ، قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين .
ابن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي وقد مر بعض ذلك ، قالت : فلما رأت قريش ذلك ، اجتمعوا على أن يرسلوا إليه ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة ، فجمعوا هدايا له ولبطارقته، فقدموا على الملك ، وقالوا : إن فتية منا سفهاء ، فارقوا ديننا ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه ، ولجئوا إلى بلادك ، فبعثنا إليك لتردهم . فقالت بطارقته : صدقوا أيها الملك . فغضب ، ثم قال : لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم ؛ قوم لجئوا إلى بلادي ، واختاروا جواري . فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو ، وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم.
فلما جاءهم رسول النجاشي ، اجتمع القوم ، وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال النجاشي : ما هذا الدين ؟ قالوا : أيها الملك ، كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ، ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم والدماء ، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده ، ونصل الرحم ، ونحسن الجوار ونصلي ، ونصوم . قال : فهل معكم شيء مما جاء به ؟ -وقد دعا أساقفته ، فأمرهم فنشروا المصاحف حوله- فقال لهم جعفر : نعم ، فقرأ عليهم صدرا من سورة كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى ، انطلقوا راشدين ، لا والله ، لا أردهم عليكم ، ولا أنعمكم عينا . فخرجا من عنده ، فقال عمرو : لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم ، فذكر له ما يقولون في عيسى .
قال شباب : علي ، وجعفر ، وعقيل ، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
قال الواقدي : هاجر جعفر إلى الحبشة بزوجته أسماء بنت عميس ، فولدت هناك عبد الله ، وعونا ، ومحمدا .
وقال ابن إسحاق : أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفسا .
إسماعيل بن أويس : حدثنا أبي ، عن الحسن بن زيد أن عليا أول ذكر أسلم ، ثم أسلم زيد ، ثم جعفر . وكان أبو بكر الرابع ، أو الخامس .
قال أبو جعفر الباقر : ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره .
وروي من وجوه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم جعفر قال : لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر .
في رواية : تلقاه واعتنقه وقبله .
وفي "الصحيح" من حديث البراء وغيره : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي .
أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، قال : " ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أفضل من جعفر بن أبي طالب " يعني في الجود والكرم .
رواه جماعة عن خالد ، وله علة ، يرويه عبيد الله بن عمرو ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة .
ابن عجلان : عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : كنا نسمي جعفرا أبا المساكين . كان يذهب بنا إلى بيته ، فإذا لم يجد لنا شيئا ، أخرج إلينا عكة أثرها عسل ، فنشقها ونلعقها .
هاجر الهجرتين ، وهاجر من الحبشة إلى المدينة ، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها ، فأقام بالمدينة أشهرا ، ثم أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك ، فاستشهد . وقد سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرا بقدومه ، وحزن -والله- لوفاته .
روى شيئا يسيرا ، وروى عنه ابن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وأم سلمة ، وابنه عبد الله .
حديج بن معاوية : عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود ، قال : بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشي ثمانين رجلا : أنا ، وجعفر ، وأبو موسى ، عبد الله بن عرفطة ، وعثمان بن مظعون . وبعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية . فقدما على النجاشي ، فلما دخلا سجدا له وابتدراه ، فقعد واحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فقالا : إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك ، فرغبوا عن ملتنا . قال : وأين هم ؟ قالوا : بأرضك .
فأرسل في طلبهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم . فاتبعوه ، فدخل فسلم ، فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله . قالوا : ولم ذاك ؟ قال : إن الله أرسل فينا رسولا ، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله ، وأمرنا بالصلاة والزكاة . فقال عمرو : إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه . قال : ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر : نقول كما قال الله : روح الله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر .
قال: فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، ما تريدون ، ما يسوءني هذا ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته ، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضِّئه .
وقال : انزلوا حيث شئتم . وأمر بهدية الآخرين فرُدَّت عليهما ، قال : وتعجل ابن مسعود ، فشهد بدرا .
وروى نحوا منه مجالد ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه . وروى نحوه ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن عمرو بن العاص .
محمد بن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة ، قالت : لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء ، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان هو في منعة من قومه وعمه ، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه ، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ؛ فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا .
فخرجنا إليه أرسالا ، حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا .
قال الشعبي : تزوج علي أسماء بنت عميس ، فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ، فقال كل منهما : أبي خير من أبيك . فقال علي : يا أسماء ، اقضي بينهما . فقالت : ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر ، ولا كهلا خيرا من أبي بكر . فقال علي : ما تركت لنا شيئا ، ولو قلت غير هذا لمقتُّك . فقالت : والله إن ثلاثة أنت أخسُّهم لخيار .
مجالد : عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : ما سألت عليا شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه .
ابن مهدي ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن شمير ، قال : قدم علينا عبد الله بن رباح ، فاجتمع إليه ناس ، فقال : حدثنا أبو قتادة ، قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيش الأمراء ، وقال : عليكم زيد ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر ، فابن رواحة . فوثب جعفر ، وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي . قال : امضوا ؛ فإنك لا تدري أي ذلك خير .
فانطلق الجيش ، فلبثوا ما شاء الله ، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر ، وأمر أن ينادي : الصلاة جامعة . قال -صلى الله عليه وسلم- : ألا أخبركم عن جيشكم ، إنهم لقوا العدو ، فأصيب زيد شهيدا ، فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء جعفر ، فشد على الناس حتى قتل ، ثم أخذه ابن رواحة ، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا ، ثم أخذ اللواء خالد ، ولم يكن من الأمراء -هو أمر نفسه- فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبعيه وقال : اللهم هو سيف من سيوفك فانصره -فيومئذ سمي سيف الله-. ثم قال : انفروا فامددوا إخوانكم ، ولا يتخلفن أحد فنفر الناس في حر شديد .
ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد ، عن أبيه ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني -وكان من بني مرة بن عوف- قال : لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل .
قال ابن إسحاق : وهو أول من عقر في الإسلام ، وقال : يـا حبـذا الجنة واقترابها
طيبـــة وبــارد شــرابها
والروم روم قد دنا عذابها
علـي إن لاقيتهــا ضرابهــا
الواقدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، قال : ضربه رومي فقطعه بنصفين . فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا .
أبو أويس عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : فقدنا جعفرا يوم مؤتة ، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين ، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده .
أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، أن ابن عمر قال : جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة ، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من بين ضربة وطعنة .
أبو أحمد الزبيري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه : سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جعفر ، فقال رجل : رأيته حين طعنه رجل ، فمشى إليه في الرمح ، فضربه ، فماتا جميعا .
سعدان بن الوليد : عن عطاء ، عن ابن عباس : بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : يا أسماء ، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مرَّ ، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم ، فردي عليه السلام ، وقال : إنه لقي المشركين ، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون ، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ، ثم أخذ باليسرى فقطعت . قال : فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها .
وعن أسماء ، قالت : دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فدعا بني جعفر ، فرأيته شمهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : نعم ، قُتِل اليوم . فقمنا نبكي ، ورجع ، فقال : اصنعوا لآل جعفر طعاما ؛ فقد شغلوا عن أنفسهم .
وعن عائشة ، قالت : لما جاءت وفاة جعفر ، عرفنا في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- الحزن .
أبو شيبة العبسي : حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة ، مضرجة قوادمه بالدماء ، يطير في الجنة .
عبد الله بن جعفر المديني : عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : رأيت جعفرا له جناحان في الجنة .
وجاء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي -صلى الله عليه وسلم .
ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة -رضي الله عنه .
عبد الله بن نمير : عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبر تلقاه جعفر ، فالتزمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبَّل بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أنا أفرح : بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر .
وفي رواية محمد بن ربيعة ، عن أجلح : فقبل ما بين عينيه ، وضمه واعتنقه .
قال ابن إسحاق : آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين جعفر بن أبي طالب ، ومعاذ ابن جبل . فأنكر هذا الواقدي، وقال : إنما كانت المؤاخاة قبل بدر ، فنزلت آية الميراث ، وانقطعت المؤاخاة ، وجعفر يومئذ بالحبشة .
حفص بن غياث : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها ، فاختصم فيها هو وجعفر ، وزيد ، فقال علي : ابنة عمي وأنا أخرجتها . وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي . فقضى بها لجعفر ، وقال : الخالة والدة . فقام جعفر ، فحجل حول النبي -صلى الله عليه وسلم- ، دار عليه ، فقال : ما هذا ؟ قال : شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم .
أمها سلمى بنت عميس ، وخالتها أسماء .
ابن إسحاق : عن ابن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد ، عن أبيه : سمع النبي يقول لجعفر : أشبه خَلقُك خَلْقي وأشبه خُلقك خُلُقي ، فأنت مني ومن شجرتي .
إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن البراء ، وعن هبيرة بن مريم وهانئ بن هانئ ، عن علي ، قالا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي حماد بن سلمة عن ثابت ( ح ) وعوف عن محمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك لجعفر .
قال الشعبي : كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر ، قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين .
ابن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي وقد مر بعض ذلك ، قالت : فلما رأت قريش ذلك ، اجتمعوا على أن يرسلوا إليه ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة ، فجمعوا هدايا له ولبطارقته، فقدموا على الملك ، وقالوا : إن فتية منا سفهاء ، فارقوا ديننا ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه ، ولجئوا إلى بلادك ، فبعثنا إليك لتردهم . فقالت بطارقته : صدقوا أيها الملك . فغضب ، ثم قال : لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم ؛ قوم لجئوا إلى بلادي ، واختاروا جواري . فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو ، وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم.
فلما جاءهم رسول النجاشي ، اجتمع القوم ، وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال النجاشي : ما هذا الدين ؟ قالوا : أيها الملك ، كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ، ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم والدماء ، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده ، ونصل الرحم ، ونحسن الجوار ونصلي ، ونصوم . قال : فهل معكم شيء مما جاء به ؟ -وقد دعا أساقفته ، فأمرهم فنشروا المصاحف حوله- فقال لهم جعفر : نعم ، فقرأ عليهم صدرا من سورة كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى ، انطلقوا راشدين ، لا والله ، لا أردهم عليكم ، ولا أنعمكم عينا . فخرجا من عنده ، فقال عمرو : لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم ، فذكر له ما يقولون في عيسى .
قال شباب : علي ، وجعفر ، وعقيل ، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
قال الواقدي : هاجر جعفر إلى الحبشة بزوجته أسماء بنت عميس ، فولدت هناك عبد الله ، وعونا ، ومحمدا .
وقال ابن إسحاق : أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفسا .
إسماعيل بن أويس : حدثنا أبي ، عن الحسن بن زيد أن عليا أول ذكر أسلم ، ثم أسلم زيد ، ثم جعفر . وكان أبو بكر الرابع ، أو الخامس .
قال أبو جعفر الباقر : ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره .
وروي من وجوه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم جعفر قال : لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر .
في رواية : تلقاه واعتنقه وقبله .
وفي "الصحيح" من حديث البراء وغيره : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي .
أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، قال : " ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أفضل من جعفر بن أبي طالب " يعني في الجود والكرم .
رواه جماعة عن خالد ، وله علة ، يرويه عبيد الله بن عمرو ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة .
ابن عجلان : عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : كنا نسمي جعفرا أبا المساكين . كان يذهب بنا إلى بيته ، فإذا لم يجد لنا شيئا ، أخرج إلينا عكة أثرها عسل ، فنشقها ونلعقها .