قد تنزل بالإنسان مصائب ويبتلى بمحن ويتعرض لخطوب الحياة وبلائها وتضيق عليه الدنيا بما رحبت ، حتى يصل إلى حال من شأنها أن تجعل الحزن والغم يأخذ بنفسه ، كل ذلك امتحان من الله سبحانه وتعالى ، فإذا صبر واحتسب الأجر والثواب ، ولم يضجر ولم يتضمر وييأس ، وعلم أن كل ذلك بقضاء الله وقدره ، فيرضى به ويطمإن قلبه لذلك ، تداركته رحمة الله تعالى، فكشفت ما به من غم ، وأجْلَتْ من نفسه كل حزن وضيق .
قال تعالى: " فلاتك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون“ .
فضل الصبر على المصائب
قال الله تعالى : " ولنبلونَّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " البقرة ( 155-157) .
قال رسول الله :" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " رواه مسلم.
ومن ثمرات الصبر :
الرضا، والطمأنينة، والشعور بالسعادة وتحقيق العزة والكرامة والخير، وفوق هذا كله تلك الثمرة الأخروية، التي تتمثل بذلك النعيم المقيم، الذي يحوزه موفوراً بغير حساب: قال تعالى"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " الزمر: ( 10 ) .
عن أنس رضي الله عنه قال : مر النبي () بامرأةٍ تبكي عند قبر فقال :
" اتقي الله واصبري " فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه فقيل لها:
إنه النبي () فأتت بباب النبي ( ) فلـم تجـد عنـده بوابيـن ، فقالت : لم أعرفك،
فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " . متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله () : " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة "
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: بادروا بالأعمال سبعاً :
هل تنتظرون إلا فقرا منسيا
أو غني مطغيا
أو مرضاً مفسدا
أو هرماً مفنداً
أو موتاً مجهزاً
أو الدجال فشرُّ غائب يُنتظر
أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر " .
رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
فعلى المؤمن أن يستفيد من المناسبات التي تتهيأ له فيها أفعال الخير، كالتاجر الذي يتحين المواسم للحصول على الربح الكبير ، فينبغي عليه أن يستفيد من صحته وعافيته بالمزيد من الطاعات وأعمال البر.
ومن فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم أن جعل لهم مواسم خير للتزوِّد من الطاعات .
فحياة المسلم بما فيها من مسرة ومضرة كلها خيرٌ وأجرٌ لـه عند الله تعالى، وإنَّ احتساب المصيبة والصبر عليها علامة من علامات كمال الإيمان.
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " . متفق عليه.
والوصب : المرض
والأمراض وغيرها من المؤذيات التي تصيب المؤمن ويصبر عليها سبب لتطهيره من الذنوب، نسأل المولى العلي القدير العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .
فضل عيادة المريض
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال :
أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال : يارب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين، قال :
أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال : يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال :
استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي .
رواه مسلم .
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث :
قال العلماء، إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا، ومعنى وجدتني عنده، أي وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث، لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو أسقيته لوجدت ذلك عندي أي ثوابه، والله أعلم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله عودوا المريض وأطعموا الجائع ، وفكوا العاني. رواه البخاري .
المرض: جمعه أمراض، وهو فساد المزاج وتغير الصحة بعد اعتدالها.
عيادة المريض: أي زيارته، يقال: عدت المريض أي زرته.
وقال السيوطي : العيادة : الزيارة ، واشتهر في عيادة المريض حتى صار كأنه مختص به .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ، قيل : يا رسول الله وما خرفة الجنة . قال : جناها " أي ما يقطع من الثمار مادام غضاً " رواه مسلم .
وعن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : ما من مسلم يعود مسلماً غدوةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
ومعنى غدوة: أي ما بين الصبح وطلوع الشمس.
الخريف : الثمر المخروف، أي المجتنى .
أدعية المريض
ما يقوله المريض ويُقال عنده ويُقرأ عليه وسؤاله عن حاله
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيها : " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات، قالت عائشة : فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به.
رواه بخاري ومسلم
وفي رواية في الصحيح : إن النبي كان ينفث على نفسه في المرض الذي توفي فيه بالمعوذات ، قالت عائشة : فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها
وفي رواية : كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث .
قيل للزهري - أحد رواة هذا الحديث - : كيف ينفث ؟
فقال : كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت قرحة أو جرح قال النبي بإصبعه هكذا – ووضع سفيان بن عيينة- الراوي- سبابته بالأرض ثم رفعها – وقال : " بسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا "
وفي رواية : " تربة أرضنا وريقة بعضنا " . رواه البخاري ومسلم وأبو داود
قال الإمام النووي : قال العلماء : معنى بريقة بعضنا : أي ببصاقه .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " وفي رواية : كان يرقى ، يقول : " امسح الباس رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف إلا أنت " رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن جبريل عليه السلام أتى النبي فقال:
اشتكيت يا محمد ؟
فقال : نعم
فقال: بسم الله أرقيك من كل ما يؤذيك، ومن شر كل نفس وعين، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك "
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والطبراني في كتاب الدعاء .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله رقي بهذه الرقية : امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف إلا أنت .
رواه البخاري ومسلم وأحمد والطبراني في كتاب الدعاء .
وعنها رضي الله عنها قالت : كان رسول الله إذا مرض أحد من أهله، قال:
أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشاف،ْ اشف شفاء لا يغادر سقما، قالت فلما اشتكى رسول الله r وثقل، أسندته إلى صدري ثم مسحت بيدي على وجهه، وقلت:
أذهب البأس رب الناس، كما كان يقول، فَأَخَّرَ يدي عنه وقال: رب اغفر لي واجعلني في الرفيق الأعلى، قالت: ثم ثقل وقبض عليه السلام.
رواه البخاري وابن ماجه وأحمد والطبراني في كتاب الدعاء .
وفي رواية لمسلم: فانتزع يده مني وقال: اللهم أدخلني في الرفيق الأعلى.
وعنها رضي الله عنها قالت : كان النبي إذا أتى المريض قال : أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت، شفاءً لا يغادر سقماً " رواه مسلم وابن ماجه .
وفي رواية أخرى: إذا اشتكى أحد من أهله مسحة بيمينه. ثم يقول الدعاء السابق .
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن سعد بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله قال في قوله تعالى : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " الأنبياء : ( 87 ) .
أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة ، فمات في مرضه ذلك أعطى أجر شهيد ، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه "
أخرجه الحاكم في المستدرك ورواه الذهبي في التلخيص .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا من أصحاب النبي رَقَى لديغاً بفاتحة الكتاب، فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبه " رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للترمذي : " فقرأت عليه الحمد سبع مرات " .
ومعنى : " قلبه " هي العلة والألم .
والمراد بقوله " الحمد لله رب العالمين " سورة الفاتحة كاملة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال : " من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات :
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله سبحانه وتعالى من ذلك المرض " رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي .
وعن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله دخل على أعرابي يعوده وهو محموم فقال : " كفارة وطهور " رواه ابن السني وقال الحافظ : هذا حديث حسن الغريب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي دخل على أعرابي يعوده قال : وكان النبي r إذا دخل على من يعوده قال : لا بأس طهورَ إن شاء الله " . رواه البخاري .
معني : " طهور " أي مرضك هذا مطهر لذنبك .
وعن عثمان بن أبي العاص قال : جاءني رسول الله يعودني من وجع اشتد بي فقال : امسح بيمينك سبع مرات وقل :
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد، ففعلت فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم.
رواه مالك في الموطأ ومسلم وأبو داود وغيرهم وفي رواية لأحمد : ضع يمينك على المكان الذي تشتكي فامسح به سبع مرات وقل :
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد، في كل مسحة.
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
وفي رواية أخرى ، قل : باسم الله ثلاثاً ، وقل : سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن ابن صامت رضي الله عنه قال : دخلت على النبي غدوة وبه من الوجع ما يعلم الله شدته ثم دخلت عليه العشية وقد برأ فقال : إن جبريل رقاني برقية برئت ، أفلا أعلمكها يا ابن الصامت ؟
قلت : بلى .
قال : باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حسد كل حاسد وعين ، باسم الله يشفيك .
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة وأحمد والحاكم وقال: على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه كان يعوِّذ الحسن والحسين : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن شر كل عين لامة
ويقول : هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ إسماعيل واسحق .
رواه البخاري وأحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن سعد بن أبي وقاس رضي الله عنه قال : عادني النبي فقال : اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً . رواه مسلم
وعن سلمان رضي الله عنه قال : عادني رسول الله وأنا عليل ، فقال : يا سلمان شفا الله سقمك ، وغفر ذنبك وعافاك في دينك وجسمك إلى مدة أجلك .
رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أمسح صدر رسول الله بيدي ، وقال محمد بن عبد الحكم - راوي الحديث - : على صدر رسول الله وأقول : اكشف البأس رب الناس أنت الطبيب وأنت الشافي
قالت : وهو يقول : ألحقني بالرفيق ، ألحقني بالرفيق .
رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال النبي : إذا جاء الرجل يعود مرضا فليقل : اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى صلاة " .
رواه أبو داود ولم يضعفه وقال الحافظ : حديث حسن .
طلب الزائر الدعاء من المريض
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : " إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك ، فإن دعاءه كدعاء الملائكة " .
رواه ابن ماجة وابن السني وقال في الزوائد : إسناده صحيح ورجاله ثقات .
ما يقول إذا أصابته حمى
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي كان يعلمهم من الأوجاع لمن يحمي أن يقول : " بسم الله الكبير ، نعوذ بالله العظيم من شر عرق نعار ، ومن شر حر النار " .
رواه الحاكم في المستدرك وصححه .
ما يرقى به من احتبس بوله
عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أنه أتاه رجل يذكر أن أباه احتبس بوله ، وأصابته حصاة البول ، فعلمه رقية من رسول الله :
" ربنا الذي في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء ، فاجعل رحمتك في الأرض ، واغفر لنا حوبنا ، وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، فأنزل شفاء من شفائك ، ورحمة من رحمتك على هذا الوجع فيبرأ " أمره أن يرقيه بها فرقاه بها فبرأ .
رواه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك .
ما يرقى به من العين
قال الله سبحانه وتعالى : " ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله "
الكهف آية ( 39 ) .
وقال النبي : " العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين " .
رواه مسلم والترمذي .
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه ، فإن العين حق "
و رواه ابن السني وأحمد والحاكم في المستدرك ويشهد له حديث عامر بن ربيعة التالي له .
عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إذا رأى أحدكم من نفسه وماله وأعجبه ما يعجبه فليدع بالبركة "
رواه ابن السني والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وقد مر معنا حديث أن النبي كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما .
وقال أبو سعيد: كان رسول الله r يتعوذ من الجان ، وعين الإنسان ، حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما " .
قال الترمذي ، حديث حسن ، ورواه ابن ماجه في سننه
قال تعالى: " فلاتك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون“ .
فضل الصبر على المصائب
قال الله تعالى : " ولنبلونَّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " البقرة ( 155-157) .
قال رسول الله :" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " رواه مسلم.
ومن ثمرات الصبر :
الرضا، والطمأنينة، والشعور بالسعادة وتحقيق العزة والكرامة والخير، وفوق هذا كله تلك الثمرة الأخروية، التي تتمثل بذلك النعيم المقيم، الذي يحوزه موفوراً بغير حساب: قال تعالى"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " الزمر: ( 10 ) .
عن أنس رضي الله عنه قال : مر النبي () بامرأةٍ تبكي عند قبر فقال :
" اتقي الله واصبري " فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه فقيل لها:
إنه النبي () فأتت بباب النبي ( ) فلـم تجـد عنـده بوابيـن ، فقالت : لم أعرفك،
فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " . متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله () : " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة "
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: بادروا بالأعمال سبعاً :
هل تنتظرون إلا فقرا منسيا
أو غني مطغيا
أو مرضاً مفسدا
أو هرماً مفنداً
أو موتاً مجهزاً
أو الدجال فشرُّ غائب يُنتظر
أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر " .
رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
فعلى المؤمن أن يستفيد من المناسبات التي تتهيأ له فيها أفعال الخير، كالتاجر الذي يتحين المواسم للحصول على الربح الكبير ، فينبغي عليه أن يستفيد من صحته وعافيته بالمزيد من الطاعات وأعمال البر.
ومن فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم أن جعل لهم مواسم خير للتزوِّد من الطاعات .
فحياة المسلم بما فيها من مسرة ومضرة كلها خيرٌ وأجرٌ لـه عند الله تعالى، وإنَّ احتساب المصيبة والصبر عليها علامة من علامات كمال الإيمان.
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " . متفق عليه.
والوصب : المرض
والأمراض وغيرها من المؤذيات التي تصيب المؤمن ويصبر عليها سبب لتطهيره من الذنوب، نسأل المولى العلي القدير العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .
فضل عيادة المريض
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال :
أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال : يارب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين، قال :
أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال : يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال :
استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي .
رواه مسلم .
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث :
قال العلماء، إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا، ومعنى وجدتني عنده، أي وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث، لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو أسقيته لوجدت ذلك عندي أي ثوابه، والله أعلم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله عودوا المريض وأطعموا الجائع ، وفكوا العاني. رواه البخاري .
المرض: جمعه أمراض، وهو فساد المزاج وتغير الصحة بعد اعتدالها.
عيادة المريض: أي زيارته، يقال: عدت المريض أي زرته.
وقال السيوطي : العيادة : الزيارة ، واشتهر في عيادة المريض حتى صار كأنه مختص به .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ، قيل : يا رسول الله وما خرفة الجنة . قال : جناها " أي ما يقطع من الثمار مادام غضاً " رواه مسلم .
وعن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : ما من مسلم يعود مسلماً غدوةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
ومعنى غدوة: أي ما بين الصبح وطلوع الشمس.
الخريف : الثمر المخروف، أي المجتنى .
أدعية المريض
ما يقوله المريض ويُقال عنده ويُقرأ عليه وسؤاله عن حاله
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيها : " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات، قالت عائشة : فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به.
رواه بخاري ومسلم
وفي رواية في الصحيح : إن النبي كان ينفث على نفسه في المرض الذي توفي فيه بالمعوذات ، قالت عائشة : فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها
وفي رواية : كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث .
قيل للزهري - أحد رواة هذا الحديث - : كيف ينفث ؟
فقال : كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت قرحة أو جرح قال النبي بإصبعه هكذا – ووضع سفيان بن عيينة- الراوي- سبابته بالأرض ثم رفعها – وقال : " بسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا "
وفي رواية : " تربة أرضنا وريقة بعضنا " . رواه البخاري ومسلم وأبو داود
قال الإمام النووي : قال العلماء : معنى بريقة بعضنا : أي ببصاقه .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " وفي رواية : كان يرقى ، يقول : " امسح الباس رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف إلا أنت " رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن جبريل عليه السلام أتى النبي فقال:
اشتكيت يا محمد ؟
فقال : نعم
فقال: بسم الله أرقيك من كل ما يؤذيك، ومن شر كل نفس وعين، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك "
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والطبراني في كتاب الدعاء .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله رقي بهذه الرقية : امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف إلا أنت .
رواه البخاري ومسلم وأحمد والطبراني في كتاب الدعاء .
وعنها رضي الله عنها قالت : كان رسول الله إذا مرض أحد من أهله، قال:
أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشاف،ْ اشف شفاء لا يغادر سقما، قالت فلما اشتكى رسول الله r وثقل، أسندته إلى صدري ثم مسحت بيدي على وجهه، وقلت:
أذهب البأس رب الناس، كما كان يقول، فَأَخَّرَ يدي عنه وقال: رب اغفر لي واجعلني في الرفيق الأعلى، قالت: ثم ثقل وقبض عليه السلام.
رواه البخاري وابن ماجه وأحمد والطبراني في كتاب الدعاء .
وفي رواية لمسلم: فانتزع يده مني وقال: اللهم أدخلني في الرفيق الأعلى.
وعنها رضي الله عنها قالت : كان النبي إذا أتى المريض قال : أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت، شفاءً لا يغادر سقماً " رواه مسلم وابن ماجه .
وفي رواية أخرى: إذا اشتكى أحد من أهله مسحة بيمينه. ثم يقول الدعاء السابق .
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن سعد بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله قال في قوله تعالى : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " الأنبياء : ( 87 ) .
أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة ، فمات في مرضه ذلك أعطى أجر شهيد ، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه "
أخرجه الحاكم في المستدرك ورواه الذهبي في التلخيص .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا من أصحاب النبي رَقَى لديغاً بفاتحة الكتاب، فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبه " رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للترمذي : " فقرأت عليه الحمد سبع مرات " .
ومعنى : " قلبه " هي العلة والألم .
والمراد بقوله " الحمد لله رب العالمين " سورة الفاتحة كاملة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال : " من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات :
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله سبحانه وتعالى من ذلك المرض " رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي .
وعن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله دخل على أعرابي يعوده وهو محموم فقال : " كفارة وطهور " رواه ابن السني وقال الحافظ : هذا حديث حسن الغريب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي دخل على أعرابي يعوده قال : وكان النبي r إذا دخل على من يعوده قال : لا بأس طهورَ إن شاء الله " . رواه البخاري .
معني : " طهور " أي مرضك هذا مطهر لذنبك .
وعن عثمان بن أبي العاص قال : جاءني رسول الله يعودني من وجع اشتد بي فقال : امسح بيمينك سبع مرات وقل :
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد، ففعلت فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم.
رواه مالك في الموطأ ومسلم وأبو داود وغيرهم وفي رواية لأحمد : ضع يمينك على المكان الذي تشتكي فامسح به سبع مرات وقل :
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد، في كل مسحة.
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
وفي رواية أخرى ، قل : باسم الله ثلاثاً ، وقل : سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن ابن صامت رضي الله عنه قال : دخلت على النبي غدوة وبه من الوجع ما يعلم الله شدته ثم دخلت عليه العشية وقد برأ فقال : إن جبريل رقاني برقية برئت ، أفلا أعلمكها يا ابن الصامت ؟
قلت : بلى .
قال : باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حسد كل حاسد وعين ، باسم الله يشفيك .
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة وأحمد والحاكم وقال: على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه كان يعوِّذ الحسن والحسين : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن شر كل عين لامة
ويقول : هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ إسماعيل واسحق .
رواه البخاري وأحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن سعد بن أبي وقاس رضي الله عنه قال : عادني النبي فقال : اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً . رواه مسلم
وعن سلمان رضي الله عنه قال : عادني رسول الله وأنا عليل ، فقال : يا سلمان شفا الله سقمك ، وغفر ذنبك وعافاك في دينك وجسمك إلى مدة أجلك .
رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أمسح صدر رسول الله بيدي ، وقال محمد بن عبد الحكم - راوي الحديث - : على صدر رسول الله وأقول : اكشف البأس رب الناس أنت الطبيب وأنت الشافي
قالت : وهو يقول : ألحقني بالرفيق ، ألحقني بالرفيق .
رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال النبي : إذا جاء الرجل يعود مرضا فليقل : اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى صلاة " .
رواه أبو داود ولم يضعفه وقال الحافظ : حديث حسن .
طلب الزائر الدعاء من المريض
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : " إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك ، فإن دعاءه كدعاء الملائكة " .
رواه ابن ماجة وابن السني وقال في الزوائد : إسناده صحيح ورجاله ثقات .
ما يقول إذا أصابته حمى
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي كان يعلمهم من الأوجاع لمن يحمي أن يقول : " بسم الله الكبير ، نعوذ بالله العظيم من شر عرق نعار ، ومن شر حر النار " .
رواه الحاكم في المستدرك وصححه .
ما يرقى به من احتبس بوله
عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أنه أتاه رجل يذكر أن أباه احتبس بوله ، وأصابته حصاة البول ، فعلمه رقية من رسول الله :
" ربنا الذي في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء ، فاجعل رحمتك في الأرض ، واغفر لنا حوبنا ، وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، فأنزل شفاء من شفائك ، ورحمة من رحمتك على هذا الوجع فيبرأ " أمره أن يرقيه بها فرقاه بها فبرأ .
رواه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك .
ما يرقى به من العين
قال الله سبحانه وتعالى : " ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله "
الكهف آية ( 39 ) .
وقال النبي : " العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين " .
رواه مسلم والترمذي .
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه ، فإن العين حق "
و رواه ابن السني وأحمد والحاكم في المستدرك ويشهد له حديث عامر بن ربيعة التالي له .
عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إذا رأى أحدكم من نفسه وماله وأعجبه ما يعجبه فليدع بالبركة "
رواه ابن السني والنسائي في عمل اليوم والليلة .
وقد مر معنا حديث أن النبي كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما .
وقال أبو سعيد: كان رسول الله r يتعوذ من الجان ، وعين الإنسان ، حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما " .
قال الترمذي ، حديث حسن ، ورواه ابن ماجه في سننه