أولا : العلاقة بين الأسماء والمعاني:
قال ابن القيم : " فلما كانت الأسماء قوالب للمعاني، ودالةً عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بـينها وبـينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبـي المحض الذي لا تعلّق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبى ذٰلك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثيرٌ في المسميات، وللمسميات تأثّر عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة، كما قيل:
ثانيا : اشتقاق الاسم ومدلوله
جرت عادة العلماء أن يتكلموا عن " الاسم " ، ومن أين اشتقاقه، والمسألة خلافية وقديمة بين أهل البصرة و الكوفة، وملخص ذلك ماذكره القرطبي في تفسيره حيث قال: " اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين؛ فقال البصريون: هو مشتق من السُّمُوّ وهو العلوّ والرفعة، فقيل: اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به. وقيل: لأن الاسم يسمو بالمسمّى فيرفعه عن غيره. وقيل: إنما سُمِّيَ الاسم اسما لأنه علا بقوّته على قسمي الكلام: الحرف والفعل؛ والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل؛ فلِعلُوّه عليهما سمى اسماً؛ فهذه ثلاثة أقوال. وقال الكوفيون: إنه مشتق من السِّمَة وهي العلامة؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له؛ فأصل اسم على هذا «وسم».والأوّل أصح؛ لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء؛والجمع والتصغير يردّان الأشياء إلى أصولها؛ فلا يقال:وسيم ولا أوسام "(2)
ولكن الإمام البقاعي أدرك أن المذهبين ليس بينهماتعارض بل هما يخدمان المقصود الذي يهدف إليه-والذي هومقصود السور، فنقل عن الأستاذ الحرالي – كما كان يحل له ان يلقبه-رأيا ثالثا يجمع بينهما فقال في تفسير قوله تعالى: " وعلم آدم الاسمآء كلها " الأسماء : وهو جمع اسم وهو ما يجمع اشتقاقين من السمة والسمو؛ فهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من ذات الشيء سمو، وذلك السمو هو مدلول الاسم الذي هو الوسم الذي ترادفه التسمية- قاله الحرالي" (3)، ويضيف ناقلا عن الإمام أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتابه الزينة ليثبت هذا المعنى فيقول: ويقال إن الاسم مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة، وإنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على معنى الاسم لأن المعنى تحت الاسم - هذا قول النحويين؛ والسمة تدل على صاحبها، لأنهما حرفان سين وميم، فالسين من السناء والميم من المجد وهو لب الشيء، فكأنه سمى اسماً لأنه يضيء لك عن لب الشيء ويترجم عن مكنونه، وليس شيء إلا وقد وسمه الله بسمة تدل على ما فيه من الجوهر؛ فاحتوت الأسماء على جميع العلم بالأشياء، فعلمها الله آدم وأبرز فضيلته على الملائكة عليهم السلام " (4)
ثالثا : العارف بالأسماء وبحقائقها ومدلولاتها هوالعالم بحق:
وتعلم الأسماء ومعرفة مدلولاتها هو العلم الحقيقي عند الإمام البقاعي ، وهو الذي خص الله عز وجل به آدم دون سائر المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " بينما خصت الملائكة بالإنباء " فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـؤُلاءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ، وهناتظهر براعة الإمام الحرالي الذي ينقل عنه الإمام البقاعي هذا المعنى النفيس بقوله في كتابه أصول الفقه:" وهو عند آدم علم وعند الملائكة، ومن لا يعلم حقيقة الاسم المعروض توقيف ونبأ . " (5)
رابعا : ليس في مقدور كل أحد أن يسمي:
اطلاق الأسماء ليس بالأمر السهل ولا الهين ولذلك يقول الإمام البقاعي رحمه الله: " وكما أنه ليس لكل أحد مُنّة أن يصف فكذلك ليس لكل أحد منة أن يسمي " (6)
ولذلك كانت تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض السور بأسماء مختلفة هو من باب العلم الذي علمه الله كما علم أباه-آدم عليه السلام- " وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً "[النساء: 113]
خامسا: تعدد الأسماء دال على شرف المسمى:
قال الامام البقاعي : " أنَّ الاسم دال على المسمى ، وأن تعدد أسماء الشيء دال على شرفه " (7)
سادسا: أسماء السور هل هو توقيفي أواجتهادي.والمسألة أيضا قديمة، وقد ذكر العلماء في هذه المسألة قولين.
القول الأول : أنها توقيفية وهو رأي الطبري، والزركشي، والسيوطي، والكثير من أهل العلم
يقول الطبري :" لسور القرآن أسماء سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" . (8)
ويقول الإمام الزركشي:" ينبغي البحث عن تعداد الأسامي هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات ؟ فإن كان الثاني ؛ فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسماء لها ، وهو بعيد " (9)
وقال السيوطي : "وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار" (10)
القول الثاني :وهو رأي عمر، وابن عباس ، وابن عمر رضي الله عنهم
وتسميتهم لسورة الحشر بسورة النضير ولسورة التوبة بأسماء تفوق العشرة وقد نقل الإمام السيوطي في الاتقان كلامهم (11)، أما الامام البقاعي فإنه لم يفصح عن مذهبه في المسألة مع أهميتها في اكتشاف مقصد السورة ومن ثم اكتشاف وجوه المناسبات بين آيها.
سابعا : نموذج (أسماء سورة البقرة) 1-البقرة : وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة . وهو أشهر أسمائها
2-الزهراء :
عن أَبُي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ:" اقْرَأُوا الْقُرْآنَ. فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ. اقْرَأُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ. فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ.أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. َوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ.تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ.فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ.وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ.وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ".قَالَ مُعَاوِيةُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ.(12)
قال الإمام القرطبي : للعلماء في تسمية «البقرة وآل عمران» بالَّزهرَاوَيْن ثلاثة أقوال:
الأول: أنهما النّيِّرتان، مأخوذ من الزّهْر والزُّهْرَةِ؛ فإمّا لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما.وإما لِما يترتب على قراءتهما من النور التامّ يوم القيامة، وهو القول الثاني.
الثالث: سُمّيتا بذلك لأنهما ٱشركتا فيما تضمنه ٱسم الله الأعظم، كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن اسِمَ الله الأعظم في هاتين الآيتين "وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ" والتي في آل عمران " ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ" أخرجه ابن ماجه " (13)
3- سنام القرآن
- عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن البقرة وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام . " (14)
-عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً، واستخرجت " ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ " [آل عمران:2] من تحت العرش فوصلت بها ـ أو فوصلت بسورة البقرة ـ ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفرله، واقرؤوها على موتاكم " (15)
- روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير وفيه ضعف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيءٍ سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي. " (16)
- عنْ عبدِاللَّهِ بن مسعود:" أنَّهُ قالَ: إنَّ لكلّ شيءٍ سَناماً، وإنَّ سنامَ القرآنِ سورةُ البقرةِ، وإنَّ لكلّ شيءٍ لُباباً، وإنَّ لبابَ القرآنَ المفصَّلُ. " (17)
قال ابن منظور: " سنام كل شيء أَعلاه؛ وفـي شعر حسَّان:
وإِن سَنامَ الـمَـجْدِ من آلِ هاشِمٍ *** بَنُو بِنتِ مَخْزومٍ ووالدُك العَبْدُ
أَي : أَعلـى الـمـجد؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابـي :
* قَضى القُضاة أَنها سَنامُها * فسَّره فقال معناه خِيارُها لأَن السَّنام خِيارُ ما فـي البعير سَنَّم الشيءَ رَفَعَه " (18)
4- ذروة القرآن:
- حديث معقل بن يسار سبق ذكره: " البقرة سنام القرآن وذروته... " (19)
5- فسطاط القرآن:
- رواه الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : " السورة التي تذ كر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها ؛ فإن تعلمها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة " (20)
- روى الدارمي عَنْ خالدِ بنِ معدانَ قالَ:"سورةُ البقرةِ تعليمُهَا بركَةٌ وتركُهَا حسرةٌ، وَلاَ يستطيعُهَا البَطَلَةُ وهِيَ فُسطاطُ القرآنِ"(21)
الفُسْطاط هو بالضم والكسر: المدينة التي فيها مُجْتَمَع الناس. وكل مدينة فُسْطاط . وقال الزمخشري: هو ضَرْب من الابنْيِةَ في السَّفر دون السُّرادِق وبه سُمِّيت المدينه. ويقال لمِصْروالبَصْرة : الفُسْطاط " (22)
6- سيد ة سورالقرآن:
-عن علي مرفوعا: " سيدُ البشر آدمُ وسيد العربِ محمدٌ ولا فخرٌ وسيدُ الفُرس سلمانُ وسيدُ الرومِ صُهيبٌ وسيدُ الحبشةِ بلالٌ وسيد الجبال الطورُ وسيدُ الأيام يومُ الجمعة وسيدُ القرآنِ سورةُ البقرة وسيدُ البقرةِ آيةُ الكرسي ". (23)
فهل استطاع الإمام البقاعي أن يستفيد من هذه الأسماء ليستخرج المقصود من سورة البقرة ؟
نجد الإمام البقاعي يعدد أسماء سورة البقرة فيقول : " سورة البقرة : وتسمى : السنام ، والذروة ، والزهراء ، والفسطاط " (24)
وأما في كتابه التطبيقي- نظم الدرر- ، فهو لا يسردها كما فعل في مصاعد النظر، بل يذكر ها كلما احتاج إليها في اكتشاف المناسبة؛ فلا نراه يتعرض لتسميتها ب" البقرة " و" الزهراء " مع أن الأحاديث الواردة بذلك صحيحة ، ولم يتعرض لاسم الزهراء إلا حينما تعرض لتفسير سورة آل عمران ،والتي المقصود منها التوحيد حيث قال، وهي تشارك البقرة في هذا الاسم حيث قال :" والتوحيد موجب لزهرة المتحلي به فلذلك سميت الزهراء " (25).
وقد تعرض لأسمائها الأخر في تفسير قوله تعالى : " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .... إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(26)
ناقلا عن الاستاذ الحرالي قوله : " وذلك لأن هذه السورة هي فسطاط القرآن الجامعة لجميع ما تفصّل فيه؛ وهي سنام القرآن، وسنام الشيء أعلاه؛ وهي سيدة سور القرآن؛ ففيها لذلك جوامع ينتظم بعضها ببعض أثر تفاصيله خلالها في سنامية معانيها وسيادة خطابها . " (27)
وهو يرى رحمه الله أن سر تسميتها بـ" الفسطاط، والسنام "لكونها تضمنت :" خطابَ إجمال يناسب مورد السورة التي موضوعها إجمالات ما يتفسر فيها وفي سائر القرآن من حيث إنها فسطاطه وسنامه " (26)
ويعلن في آخر السورة عن ذلك النظام الذي تميزت به السورة ، ومطابقة اسم " السنام " لهذا النظام الموزع بقوله : " وسر ترتيب سورة السنام على هذا النظام أنه لما افتتحها سبحانه وتعالى بتصنيف الناس الذين هم للدين كالقوائم الحاملة لذي السنام فاستوى وقام ابتداء المقصود بذكر أقرب السنام إلى أفهام أهل القيام فقال مخاطباً لجميع الأصناف التي قدمها " يا أيها الناس اعبدوا ربكم "[البقرة: 21] واستمر إلى أن بان الأمر غاية البيان فأخذ يذكر مننه سبحانه على الناس... ، فلما تزكوا فترقوا فتأهلوا لأنواع المعارف قال معلياً لهم من مصاعد الربوبية إلى معارج الإلهية " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو "[البقرة: 163] ، فلما تسنموا هذا الشرف لقنهم العبادات المزكية.... فحث على أشياء أكثرها من وادي الإحسان الذي هو مقام أولي العرفان." (27)
وفي آخر تفسيره لسورة البقرة بين معنى كونها السنام بقوله: " فلذلك كانت سورة البقرة سناماً له والسنام أعلى ما في الحيوان المنكب وأجمله جملة وهو البعير، وكانت سورة آل عمران تاج القرآن والتاج هو أعلى ما في المخلوقات من الخلق القائم المستخلف في الأرض ظاهره وفي جميع المكون إحاطته؛ فوقع انتظام هاتين السورتين على نحو من انتظام الآي .... وكانت منزلة سورة آل عمران منزله تاج الراكب وكان منزله سورة البقرة منزلة سنام المطية؛ قال صلى الله عليه وسلم: " لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة، لكل شيء تاج وتاج القرآن سورة آل عمران "(28)
قال ابن القيم : " فلما كانت الأسماء قوالب للمعاني، ودالةً عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بـينها وبـينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبـي المحض الذي لا تعلّق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبى ذٰلك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثيرٌ في المسميات، وللمسميات تأثّر عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة، كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ *** إلا ومعناه إن فكرت في لقبه.
…ولما كان بـين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة، ما بـين قوالب الأشياء وحقائقها، وما بـين الأرواح والأجسام، عبر العقل من كل منهما إلى الآخر، كما كان إياس بن معاوية وغيره يرى الشخص، فيقول: ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت، فلا يكاد يخطىء، وضدّ هذا العبور من الاسم إلى مسماه " (1)ثانيا : اشتقاق الاسم ومدلوله
جرت عادة العلماء أن يتكلموا عن " الاسم " ، ومن أين اشتقاقه، والمسألة خلافية وقديمة بين أهل البصرة و الكوفة، وملخص ذلك ماذكره القرطبي في تفسيره حيث قال: " اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين؛ فقال البصريون: هو مشتق من السُّمُوّ وهو العلوّ والرفعة، فقيل: اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به. وقيل: لأن الاسم يسمو بالمسمّى فيرفعه عن غيره. وقيل: إنما سُمِّيَ الاسم اسما لأنه علا بقوّته على قسمي الكلام: الحرف والفعل؛ والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل؛ فلِعلُوّه عليهما سمى اسماً؛ فهذه ثلاثة أقوال. وقال الكوفيون: إنه مشتق من السِّمَة وهي العلامة؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له؛ فأصل اسم على هذا «وسم».والأوّل أصح؛ لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء؛والجمع والتصغير يردّان الأشياء إلى أصولها؛ فلا يقال:وسيم ولا أوسام "(2)
ولكن الإمام البقاعي أدرك أن المذهبين ليس بينهماتعارض بل هما يخدمان المقصود الذي يهدف إليه-والذي هومقصود السور، فنقل عن الأستاذ الحرالي – كما كان يحل له ان يلقبه-رأيا ثالثا يجمع بينهما فقال في تفسير قوله تعالى: " وعلم آدم الاسمآء كلها " الأسماء : وهو جمع اسم وهو ما يجمع اشتقاقين من السمة والسمو؛ فهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من ذات الشيء سمو، وذلك السمو هو مدلول الاسم الذي هو الوسم الذي ترادفه التسمية- قاله الحرالي" (3)، ويضيف ناقلا عن الإمام أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتابه الزينة ليثبت هذا المعنى فيقول: ويقال إن الاسم مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة، وإنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على معنى الاسم لأن المعنى تحت الاسم - هذا قول النحويين؛ والسمة تدل على صاحبها، لأنهما حرفان سين وميم، فالسين من السناء والميم من المجد وهو لب الشيء، فكأنه سمى اسماً لأنه يضيء لك عن لب الشيء ويترجم عن مكنونه، وليس شيء إلا وقد وسمه الله بسمة تدل على ما فيه من الجوهر؛ فاحتوت الأسماء على جميع العلم بالأشياء، فعلمها الله آدم وأبرز فضيلته على الملائكة عليهم السلام " (4)
ثالثا : العارف بالأسماء وبحقائقها ومدلولاتها هوالعالم بحق:
وتعلم الأسماء ومعرفة مدلولاتها هو العلم الحقيقي عند الإمام البقاعي ، وهو الذي خص الله عز وجل به آدم دون سائر المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " بينما خصت الملائكة بالإنباء " فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـؤُلاءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ، وهناتظهر براعة الإمام الحرالي الذي ينقل عنه الإمام البقاعي هذا المعنى النفيس بقوله في كتابه أصول الفقه:" وهو عند آدم علم وعند الملائكة، ومن لا يعلم حقيقة الاسم المعروض توقيف ونبأ . " (5)
رابعا : ليس في مقدور كل أحد أن يسمي:
اطلاق الأسماء ليس بالأمر السهل ولا الهين ولذلك يقول الإمام البقاعي رحمه الله: " وكما أنه ليس لكل أحد مُنّة أن يصف فكذلك ليس لكل أحد منة أن يسمي " (6)
ولذلك كانت تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض السور بأسماء مختلفة هو من باب العلم الذي علمه الله كما علم أباه-آدم عليه السلام- " وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً "[النساء: 113]
خامسا: تعدد الأسماء دال على شرف المسمى:
قال الامام البقاعي : " أنَّ الاسم دال على المسمى ، وأن تعدد أسماء الشيء دال على شرفه " (7)
سادسا: أسماء السور هل هو توقيفي أواجتهادي.والمسألة أيضا قديمة، وقد ذكر العلماء في هذه المسألة قولين.
القول الأول : أنها توقيفية وهو رأي الطبري، والزركشي، والسيوطي، والكثير من أهل العلم
يقول الطبري :" لسور القرآن أسماء سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" . (8)
ويقول الإمام الزركشي:" ينبغي البحث عن تعداد الأسامي هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات ؟ فإن كان الثاني ؛ فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسماء لها ، وهو بعيد " (9)
وقال السيوطي : "وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار" (10)
القول الثاني :وهو رأي عمر، وابن عباس ، وابن عمر رضي الله عنهم
وتسميتهم لسورة الحشر بسورة النضير ولسورة التوبة بأسماء تفوق العشرة وقد نقل الإمام السيوطي في الاتقان كلامهم (11)، أما الامام البقاعي فإنه لم يفصح عن مذهبه في المسألة مع أهميتها في اكتشاف مقصد السورة ومن ثم اكتشاف وجوه المناسبات بين آيها.
سابعا : نموذج (أسماء سورة البقرة) 1-البقرة : وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة . وهو أشهر أسمائها
2-الزهراء :
عن أَبُي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ:" اقْرَأُوا الْقُرْآنَ. فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ. اقْرَأُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ. فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ.أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. َوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ.تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ.فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ.وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ.وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ".قَالَ مُعَاوِيةُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ.(12)
قال الإمام القرطبي : للعلماء في تسمية «البقرة وآل عمران» بالَّزهرَاوَيْن ثلاثة أقوال:
الأول: أنهما النّيِّرتان، مأخوذ من الزّهْر والزُّهْرَةِ؛ فإمّا لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما.وإما لِما يترتب على قراءتهما من النور التامّ يوم القيامة، وهو القول الثاني.
الثالث: سُمّيتا بذلك لأنهما ٱشركتا فيما تضمنه ٱسم الله الأعظم، كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن اسِمَ الله الأعظم في هاتين الآيتين "وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ" والتي في آل عمران " ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ" أخرجه ابن ماجه " (13)
3- سنام القرآن
- عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن البقرة وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام . " (14)
-عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً، واستخرجت " ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ " [آل عمران:2] من تحت العرش فوصلت بها ـ أو فوصلت بسورة البقرة ـ ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفرله، واقرؤوها على موتاكم " (15)
- روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير وفيه ضعف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيءٍ سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي. " (16)
- عنْ عبدِاللَّهِ بن مسعود:" أنَّهُ قالَ: إنَّ لكلّ شيءٍ سَناماً، وإنَّ سنامَ القرآنِ سورةُ البقرةِ، وإنَّ لكلّ شيءٍ لُباباً، وإنَّ لبابَ القرآنَ المفصَّلُ. " (17)
قال ابن منظور: " سنام كل شيء أَعلاه؛ وفـي شعر حسَّان:
وإِن سَنامَ الـمَـجْدِ من آلِ هاشِمٍ *** بَنُو بِنتِ مَخْزومٍ ووالدُك العَبْدُ
أَي : أَعلـى الـمـجد؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابـي :
* قَضى القُضاة أَنها سَنامُها * فسَّره فقال معناه خِيارُها لأَن السَّنام خِيارُ ما فـي البعير سَنَّم الشيءَ رَفَعَه " (18)
4- ذروة القرآن:
- حديث معقل بن يسار سبق ذكره: " البقرة سنام القرآن وذروته... " (19)
5- فسطاط القرآن:
- رواه الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : " السورة التي تذ كر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها ؛ فإن تعلمها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة " (20)
- روى الدارمي عَنْ خالدِ بنِ معدانَ قالَ:"سورةُ البقرةِ تعليمُهَا بركَةٌ وتركُهَا حسرةٌ، وَلاَ يستطيعُهَا البَطَلَةُ وهِيَ فُسطاطُ القرآنِ"(21)
الفُسْطاط هو بالضم والكسر: المدينة التي فيها مُجْتَمَع الناس. وكل مدينة فُسْطاط . وقال الزمخشري: هو ضَرْب من الابنْيِةَ في السَّفر دون السُّرادِق وبه سُمِّيت المدينه. ويقال لمِصْروالبَصْرة : الفُسْطاط " (22)
6- سيد ة سورالقرآن:
-عن علي مرفوعا: " سيدُ البشر آدمُ وسيد العربِ محمدٌ ولا فخرٌ وسيدُ الفُرس سلمانُ وسيدُ الرومِ صُهيبٌ وسيدُ الحبشةِ بلالٌ وسيد الجبال الطورُ وسيدُ الأيام يومُ الجمعة وسيدُ القرآنِ سورةُ البقرة وسيدُ البقرةِ آيةُ الكرسي ". (23)
فهل استطاع الإمام البقاعي أن يستفيد من هذه الأسماء ليستخرج المقصود من سورة البقرة ؟
نجد الإمام البقاعي يعدد أسماء سورة البقرة فيقول : " سورة البقرة : وتسمى : السنام ، والذروة ، والزهراء ، والفسطاط " (24)
وأما في كتابه التطبيقي- نظم الدرر- ، فهو لا يسردها كما فعل في مصاعد النظر، بل يذكر ها كلما احتاج إليها في اكتشاف المناسبة؛ فلا نراه يتعرض لتسميتها ب" البقرة " و" الزهراء " مع أن الأحاديث الواردة بذلك صحيحة ، ولم يتعرض لاسم الزهراء إلا حينما تعرض لتفسير سورة آل عمران ،والتي المقصود منها التوحيد حيث قال، وهي تشارك البقرة في هذا الاسم حيث قال :" والتوحيد موجب لزهرة المتحلي به فلذلك سميت الزهراء " (25).
وقد تعرض لأسمائها الأخر في تفسير قوله تعالى : " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .... إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(26)
ناقلا عن الاستاذ الحرالي قوله : " وذلك لأن هذه السورة هي فسطاط القرآن الجامعة لجميع ما تفصّل فيه؛ وهي سنام القرآن، وسنام الشيء أعلاه؛ وهي سيدة سور القرآن؛ ففيها لذلك جوامع ينتظم بعضها ببعض أثر تفاصيله خلالها في سنامية معانيها وسيادة خطابها . " (27)
وهو يرى رحمه الله أن سر تسميتها بـ" الفسطاط، والسنام "لكونها تضمنت :" خطابَ إجمال يناسب مورد السورة التي موضوعها إجمالات ما يتفسر فيها وفي سائر القرآن من حيث إنها فسطاطه وسنامه " (26)
ويعلن في آخر السورة عن ذلك النظام الذي تميزت به السورة ، ومطابقة اسم " السنام " لهذا النظام الموزع بقوله : " وسر ترتيب سورة السنام على هذا النظام أنه لما افتتحها سبحانه وتعالى بتصنيف الناس الذين هم للدين كالقوائم الحاملة لذي السنام فاستوى وقام ابتداء المقصود بذكر أقرب السنام إلى أفهام أهل القيام فقال مخاطباً لجميع الأصناف التي قدمها " يا أيها الناس اعبدوا ربكم "[البقرة: 21] واستمر إلى أن بان الأمر غاية البيان فأخذ يذكر مننه سبحانه على الناس... ، فلما تزكوا فترقوا فتأهلوا لأنواع المعارف قال معلياً لهم من مصاعد الربوبية إلى معارج الإلهية " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو "[البقرة: 163] ، فلما تسنموا هذا الشرف لقنهم العبادات المزكية.... فحث على أشياء أكثرها من وادي الإحسان الذي هو مقام أولي العرفان." (27)
وفي آخر تفسيره لسورة البقرة بين معنى كونها السنام بقوله: " فلذلك كانت سورة البقرة سناماً له والسنام أعلى ما في الحيوان المنكب وأجمله جملة وهو البعير، وكانت سورة آل عمران تاج القرآن والتاج هو أعلى ما في المخلوقات من الخلق القائم المستخلف في الأرض ظاهره وفي جميع المكون إحاطته؛ فوقع انتظام هاتين السورتين على نحو من انتظام الآي .... وكانت منزلة سورة آل عمران منزله تاج الراكب وكان منزله سورة البقرة منزلة سنام المطية؛ قال صلى الله عليه وسلم: " لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة، لكل شيء تاج وتاج القرآن سورة آل عمران "(28)