قالوا ربنا الله ... ثم استقاموا
الدكتور عثمان قدري مكانسي
كيف قالوا ربنا الله ؟ أقالوها بألسنتهم دون أن يدروا كنهها،أم بقلوبهم فآمنوا مقتنعين راضين مطمئنين ،وفي أعمالهم فحققوا وثابروا ؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها " رواه النسائي .
وعن سعيد بن عمران قال : قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال هم الذين لم يشركوا بالله شيئا " ويذكر القرطبي رحمه الله أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: ما تقولون في هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قالوا: استقاموا من ذنب . فقال: فلم يلتفتوا إلى إله غيره . وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله ، واستقاموا على فرائضه. وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
وعلى هذا فالقول" قالوا ربنا الله " ذكر باللسان وفهم بالجنان وإيمان بالقلب ، وعمل بالجوارح ، أما القول بطقطقة اللسان واستنكافٍ عن حقيقة القول فنسمعه من المنافقين والمشركين وأصحاب الأهواء كل لحظة وآن على سبيل اللغو والعادة .
قال الزهري : تلا عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا واللهِ لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب وقال أبو العالية " ثم استقاموا " أخلصوا له الدين والعمل .
وروى الإمام أحمد أن رجلا قال يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه ..
وفي تقديم الخبر على المبتدإ " ربنا الله " - وهو الوجه الأقوى نحوياً - تحقيقُ الربوبية ، وهذا يقوله غير المسلمين " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولُنّ الله فأنى يؤفكون " وفي القرآن كثير من الآيات في هذا المعنى ..
إن غالبية البشر يقرون بربوبية الله على تفاوت في فهم معنى الربوبية وخلط في المعرفة الحقيقية للرب . أما تحقيق الألوهية فيحتاج إلى استقامة كما ذكرنا بالمعاني التي ذكرنا بعضها آنفاً. ولن تكون الاستقامة التي يرتضيها الله تعالى إلا بعد تحقيق الربوبية الحقة ، وهي - الإقرار لله بالألوهية - ترجمة صادقة للإقرار بالربوبية . فقدم" ربنا الله " على " استقاموا " وكان لحرف العطف " ثمّ " الدال على الترتيب والتراخي معنى دقيقاً يقرر أن الاستقامة تأتي بعد العلم بالحقيقة .
وذكر بعضهم أن نزول الملائكة " في قوله تعالى " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا " أثناء الموت يطمئنون المقبل عليه أنه في أمان الله وفضله ، كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال " إن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ،اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان" .
وقال بعضهم : إن الملائكة تتنزل عليهم حين البعث والنشور ، فقد بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له : لا تخف ولا تحزن . والقولان يعضد بعضهما بعضاً .
ولعل " تتنزّل " على وزن تتفعّل تصور نزول الملائكة المتوالي والسريع على المحتضر ليأنس بهم في حالة كربه في انتقاله من برزخ إلى برزخ، وروحه تنسل من جسده وهو يعرق ويتألم . مثله مثَل الطالب الذكي الذي يعلم أجوبة أسئلة الامتحان ويؤديها بمهارة لكن رهبة الموقف والخوف من الوقوع في الخطأ يؤزم الموقف ، فيكون للمدرس دور في تهدئة الطالب وإشعاره بالراحة .
وتكون كلمات الملائكة تخفيفاً للموقف وتيسيراً لحسن الانتقال ، فلا خوف ولا حزن ، إنما بشرى بالأمان وتهنئة بالفوز بالجنة التي عمل المسلم لها كل حياته راجياً عفو ربه " أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"
ونسمع قول الملائكة في ساعة الاحتضار تقول : " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ولكنْ كيف تكون الملائكة أولياء المؤمنين في الدنيا والآخرة ؟ تعال معي إلى ما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى : تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار " نحن كنا قرناءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم ".
فكما كانت الملائكة معنا في الدنيا تحفظنا بأمر الله وتسدد خطانا وتحصي حركاتنا وسكناتنا " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " فسوف تزورنا في قبورنا تؤنس وحشتنا ، وتلازمنا حين ينفخ في الصور فيقودنا الرقيب ويتابعنا العتيد وتكون الملائكة عون المؤمن في تجاوز العقبات لتصل به إلى الأمان الموعود به ،بل إن الملائكة تهنئنا بالجنة وتدخل علينا مسلّمة مبشرة " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "
إن في القرآن الكريم جنات يحس بها المؤمن ويعيش في أجوائها حين يقرأ بقلبه وعقله ويتابع المعاني ، ويفهم الألفاظ وإيحاءاتها ، فيتلذذ بما يقرأ ويفهم . فالرياض أنواع كثيرة ، منها رياض القلب ورياض العقل ورياض البصر والسمع والشم والذوق واللمس ، ولعل لكل مجتهد رياضاً يسعد بها .
وقد دنا رمضان الخير ، إنه على الأبواب ، سرعان ما يدلف إلينا بخيراته ، فلْنهيئ أنفسنا له لننعم به ونسعد ، ولْيكن القرآن رفيقنا فيه وأنيسنا في أيامه فالسعيد من يغتنم الفرص ...
الدكتور عثمان قدري مكانسي
كيف قالوا ربنا الله ؟ أقالوها بألسنتهم دون أن يدروا كنهها،أم بقلوبهم فآمنوا مقتنعين راضين مطمئنين ،وفي أعمالهم فحققوا وثابروا ؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها " رواه النسائي .
وعن سعيد بن عمران قال : قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال هم الذين لم يشركوا بالله شيئا " ويذكر القرطبي رحمه الله أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: ما تقولون في هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قالوا: استقاموا من ذنب . فقال: فلم يلتفتوا إلى إله غيره . وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله ، واستقاموا على فرائضه. وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
وعلى هذا فالقول" قالوا ربنا الله " ذكر باللسان وفهم بالجنان وإيمان بالقلب ، وعمل بالجوارح ، أما القول بطقطقة اللسان واستنكافٍ عن حقيقة القول فنسمعه من المنافقين والمشركين وأصحاب الأهواء كل لحظة وآن على سبيل اللغو والعادة .
قال الزهري : تلا عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا واللهِ لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب وقال أبو العالية " ثم استقاموا " أخلصوا له الدين والعمل .
وروى الإمام أحمد أن رجلا قال يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه ..
وفي تقديم الخبر على المبتدإ " ربنا الله " - وهو الوجه الأقوى نحوياً - تحقيقُ الربوبية ، وهذا يقوله غير المسلمين " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولُنّ الله فأنى يؤفكون " وفي القرآن كثير من الآيات في هذا المعنى ..
إن غالبية البشر يقرون بربوبية الله على تفاوت في فهم معنى الربوبية وخلط في المعرفة الحقيقية للرب . أما تحقيق الألوهية فيحتاج إلى استقامة كما ذكرنا بالمعاني التي ذكرنا بعضها آنفاً. ولن تكون الاستقامة التي يرتضيها الله تعالى إلا بعد تحقيق الربوبية الحقة ، وهي - الإقرار لله بالألوهية - ترجمة صادقة للإقرار بالربوبية . فقدم" ربنا الله " على " استقاموا " وكان لحرف العطف " ثمّ " الدال على الترتيب والتراخي معنى دقيقاً يقرر أن الاستقامة تأتي بعد العلم بالحقيقة .
وذكر بعضهم أن نزول الملائكة " في قوله تعالى " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا " أثناء الموت يطمئنون المقبل عليه أنه في أمان الله وفضله ، كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال " إن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ،اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان" .
وقال بعضهم : إن الملائكة تتنزل عليهم حين البعث والنشور ، فقد بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له : لا تخف ولا تحزن . والقولان يعضد بعضهما بعضاً .
ولعل " تتنزّل " على وزن تتفعّل تصور نزول الملائكة المتوالي والسريع على المحتضر ليأنس بهم في حالة كربه في انتقاله من برزخ إلى برزخ، وروحه تنسل من جسده وهو يعرق ويتألم . مثله مثَل الطالب الذكي الذي يعلم أجوبة أسئلة الامتحان ويؤديها بمهارة لكن رهبة الموقف والخوف من الوقوع في الخطأ يؤزم الموقف ، فيكون للمدرس دور في تهدئة الطالب وإشعاره بالراحة .
وتكون كلمات الملائكة تخفيفاً للموقف وتيسيراً لحسن الانتقال ، فلا خوف ولا حزن ، إنما بشرى بالأمان وتهنئة بالفوز بالجنة التي عمل المسلم لها كل حياته راجياً عفو ربه " أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"
ونسمع قول الملائكة في ساعة الاحتضار تقول : " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ولكنْ كيف تكون الملائكة أولياء المؤمنين في الدنيا والآخرة ؟ تعال معي إلى ما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى : تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار " نحن كنا قرناءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم ".
فكما كانت الملائكة معنا في الدنيا تحفظنا بأمر الله وتسدد خطانا وتحصي حركاتنا وسكناتنا " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " فسوف تزورنا في قبورنا تؤنس وحشتنا ، وتلازمنا حين ينفخ في الصور فيقودنا الرقيب ويتابعنا العتيد وتكون الملائكة عون المؤمن في تجاوز العقبات لتصل به إلى الأمان الموعود به ،بل إن الملائكة تهنئنا بالجنة وتدخل علينا مسلّمة مبشرة " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "
إن في القرآن الكريم جنات يحس بها المؤمن ويعيش في أجوائها حين يقرأ بقلبه وعقله ويتابع المعاني ، ويفهم الألفاظ وإيحاءاتها ، فيتلذذ بما يقرأ ويفهم . فالرياض أنواع كثيرة ، منها رياض القلب ورياض العقل ورياض البصر والسمع والشم والذوق واللمس ، ولعل لكل مجتهد رياضاً يسعد بها .
وقد دنا رمضان الخير ، إنه على الأبواب ، سرعان ما يدلف إلينا بخيراته ، فلْنهيئ أنفسنا له لننعم به ونسعد ، ولْيكن القرآن رفيقنا فيه وأنيسنا في أيامه فالسعيد من يغتنم الفرص ...