كلمات في القرآن
البلاء
د. عثمان قدري مكانسي
قال ابن منظور في لسان العرب : بلوت الرجل بَلْواً وبلاء ، وابتليته : اختبرته . وكذلك قال الفيروزآبادي في قاموسه المحيط .
نجد هذا المعنى في قوله تعالى في الآية 17 من سورة القلم " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون " فاختبرهم الله تعالى بعد موت أبيهم الصالح . ونراه في قوله تعالى في الآية 31 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم " ولنبلونـّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين "
وقد تأتي هذه الكلمة في القرآن الكريم تتضمن معاني أخرى بالإضافة إلى المعنى الأصيل فيها ( الاختبار ) فيها تفصيل وتنويع وتوضيح . من ذلك :
- أن الابتلاء يكون بالخير والشر كما في قوله تعالى في الآية 35 من سورة الأنبياء " ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا تـُرجعون " قال ابن كثير في تفسيره : نختبركم بِالْمَصَائِبِ تَارَة وَبِالنِّعَمِ أُخْرَى فَنَنْظُر مَنْ يَشْكُر وَمَنْ يَكْفُر وَمَنْ يَصْبِر وَمَنْ يقنط كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : نبلوكم بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاء وَالصِّحَّة وَالسَّقَم وَالْغِنَى والفقر والحلال وَالْحَرَام وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْهُدَى والضلال فإذا رجعتم إلينا – يوم القيامة - جازيناكم بأعمالكم . وكذلك في قوله سبحانه في الآية 168 من سورة الأعراف " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " والرجوع هنا التوبةُ والإقلاعُ عن الذنب والاستغفار .
- ومن فضل الله تعالى علينا أنه حين يختبرنا يحملنا ما نطيقه . يدل على ذلك قوله تعالى في الآية 155 من سورة البقرة " ولنبلوَنّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " والابتلاء القليل ينبه برفق ولا يصيب صاحبه بالفزع ، فإن كان الابتلاء شديداً كما في قوله تعالى في الآية 112 من سورة النحل " فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف " فإنه يفزع القلب ويضيّع العقل وهوعلامة الهلاك والدمار .وليس للإنسان طاقة بذلك ، أذاق الله الكفار من أهل مكة لباس الجوع حين كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم واِسْتَعْصَوْا عليه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَوْا إلا خلافه فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُف ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَة أَذْهَبَتْ كُلّ شَيْء لَهُمْ ، فَأَكَلُوا وَبَر الْبَعِير يُخْلَط بِدَمِهِ إِذَا نَحَرُوهُ وخافوا لأنهم بُدِّلُوا بِأَمْنِهِمْ خَوْفًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه حِين قاتلهم ونصره الله عليهم .
- ويكون الابتلاء بمعنى العلم والمعرفة كما في قوله تعالى في الآية 9 من سورة الطارق " يوم تـُبلى السرائر " تُبلى يَوْم الْقِيَامَة فيظْهَر ما كان الإنسان يخفيه من سر ويبقى السِّرّ علانية والمكنون مشهوراً ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُرْفَع لكل غَادِر لِوَاء عند اِسْته يُقَال : هذه غَدْرَة فلان ابن فلان " . ومثلها في الآية الثلاثين من سورة يونس " هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت " فتعلم ما سلف من عملها ، ألا يقول تعالى " يُنبـّأ الإنسان بما قدم وأخّر " فالصحف تنشر " وإذا الصحف نشرت " يقول تعالى " وَنُخرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اِقْرَأْ كِتَابك كَفى بِنَفْسِك الْيَوم عَلَيْك حَسِيبًا " ... وفي قوله تعالى في الآية 154 من سورة آل عمران " وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ..." إظهار المخبوء إلى العلن وكشفه للجميع في ذلك اليوم العصيب نسأل الله العافية وحسن الختام .
- وقد يكون في الابتلاء- وقد : هذه للتحقيق- إظهار فضل الله تعالى على المسلمين ، يقول تعالى في الآية 17 من سورة الأنفال " وليُبلي المؤمنين منه بلاء حسناً " وقد قال تعالى " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " فكان نصره إياهم فضلاً عميماً ، فالله هو الْمَحْمُود عَلَى جَمِيع مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنْ خَيْر في معركة بدر إذ قَالَ " فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه قَتَلَهُمْ " ولم يكن ذلك النصر بحول المسلمين وقوتهم ، فقد كانوا قليلين ضعافاً ، وَإِنَّمَا النَّصْر مِنْ عِنْده تَعَالَى ، روى ابن عباس أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يَدَيْهِ يَوْم بَدْر فَقَالَ " يَا رَبّ إن تهلك هَذِهِ الْعِصَابَة فَلَنْ تُعْبَد فِي الأرض أَبَدًا " فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل خُذْ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب فَارْمِ بِهَا فِي وُجُوههمْ فَأَخَذَ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوههمْ فَمَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَحَد إلا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَفَمَه تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَة فَوَلَّوْا مدبرين ، ثُمَّ رَدَفَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ يقتلونهم ويأسرونهم ، فعرّف الله تعالى الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَته عَلَيْهِمْ مِنْ إِظْهَارهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ مَعَ كَثرَة عَدُوّهُمْ وَقِلَّة عَدَدهمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَته
- ويأتي مع البلاء إسعاد المسلمين ورفع درجاتهم ، فيكون فيه الخير الكثير مما يحفزهم إلى الاجتهاد في البلاء والصبر والتحمل ، يقول الله تعالى في الآية الرابعة من سورة محمد صلى الله عليه وسلم : " ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ..." ففي قتال العدو محامد كثيرة منها الشعور بالعزة والنصر وشفاء قلوب المؤمنين وراحة النفس، قال تعالى " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويُذهب غيظ قلوبهم " وهذه سعادة ما بعدها سعادة نرجو الله أن يحققها فينا فنرى في عدونا ما تقر به العيون . هذا في الدنيا أما الشهيد فله في الآخرة ست خصال : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن للشهيد عند الله ست خصال : أن يغفر له في أول دفقة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة ، ويُحَلّى حلة الإيمان ، ويُزَوّج من الحور العِين ، وَيُجَار مِنْ عَذَاب القبر ، وَيَأْمَن مِن الْفَزَع الأكبر، وَيُوضَع عَلَى رَأْسه تَاج الْوَقَار مرصع بالدر والياقوت ، الياقوتة خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زَوْجَة مِن الحُور الْعِين ، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ وَابْن مَاجَهْ .
البلاء
د. عثمان قدري مكانسي
قال ابن منظور في لسان العرب : بلوت الرجل بَلْواً وبلاء ، وابتليته : اختبرته . وكذلك قال الفيروزآبادي في قاموسه المحيط .
نجد هذا المعنى في قوله تعالى في الآية 17 من سورة القلم " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون " فاختبرهم الله تعالى بعد موت أبيهم الصالح . ونراه في قوله تعالى في الآية 31 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم " ولنبلونـّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين "
وقد تأتي هذه الكلمة في القرآن الكريم تتضمن معاني أخرى بالإضافة إلى المعنى الأصيل فيها ( الاختبار ) فيها تفصيل وتنويع وتوضيح . من ذلك :
- أن الابتلاء يكون بالخير والشر كما في قوله تعالى في الآية 35 من سورة الأنبياء " ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا تـُرجعون " قال ابن كثير في تفسيره : نختبركم بِالْمَصَائِبِ تَارَة وَبِالنِّعَمِ أُخْرَى فَنَنْظُر مَنْ يَشْكُر وَمَنْ يَكْفُر وَمَنْ يَصْبِر وَمَنْ يقنط كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : نبلوكم بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاء وَالصِّحَّة وَالسَّقَم وَالْغِنَى والفقر والحلال وَالْحَرَام وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْهُدَى والضلال فإذا رجعتم إلينا – يوم القيامة - جازيناكم بأعمالكم . وكذلك في قوله سبحانه في الآية 168 من سورة الأعراف " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " والرجوع هنا التوبةُ والإقلاعُ عن الذنب والاستغفار .
- ومن فضل الله تعالى علينا أنه حين يختبرنا يحملنا ما نطيقه . يدل على ذلك قوله تعالى في الآية 155 من سورة البقرة " ولنبلوَنّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " والابتلاء القليل ينبه برفق ولا يصيب صاحبه بالفزع ، فإن كان الابتلاء شديداً كما في قوله تعالى في الآية 112 من سورة النحل " فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف " فإنه يفزع القلب ويضيّع العقل وهوعلامة الهلاك والدمار .وليس للإنسان طاقة بذلك ، أذاق الله الكفار من أهل مكة لباس الجوع حين كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم واِسْتَعْصَوْا عليه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَوْا إلا خلافه فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُف ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَة أَذْهَبَتْ كُلّ شَيْء لَهُمْ ، فَأَكَلُوا وَبَر الْبَعِير يُخْلَط بِدَمِهِ إِذَا نَحَرُوهُ وخافوا لأنهم بُدِّلُوا بِأَمْنِهِمْ خَوْفًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه حِين قاتلهم ونصره الله عليهم .
- ويكون الابتلاء بمعنى العلم والمعرفة كما في قوله تعالى في الآية 9 من سورة الطارق " يوم تـُبلى السرائر " تُبلى يَوْم الْقِيَامَة فيظْهَر ما كان الإنسان يخفيه من سر ويبقى السِّرّ علانية والمكنون مشهوراً ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُرْفَع لكل غَادِر لِوَاء عند اِسْته يُقَال : هذه غَدْرَة فلان ابن فلان " . ومثلها في الآية الثلاثين من سورة يونس " هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت " فتعلم ما سلف من عملها ، ألا يقول تعالى " يُنبـّأ الإنسان بما قدم وأخّر " فالصحف تنشر " وإذا الصحف نشرت " يقول تعالى " وَنُخرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اِقْرَأْ كِتَابك كَفى بِنَفْسِك الْيَوم عَلَيْك حَسِيبًا " ... وفي قوله تعالى في الآية 154 من سورة آل عمران " وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ..." إظهار المخبوء إلى العلن وكشفه للجميع في ذلك اليوم العصيب نسأل الله العافية وحسن الختام .
- وقد يكون في الابتلاء- وقد : هذه للتحقيق- إظهار فضل الله تعالى على المسلمين ، يقول تعالى في الآية 17 من سورة الأنفال " وليُبلي المؤمنين منه بلاء حسناً " وقد قال تعالى " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " فكان نصره إياهم فضلاً عميماً ، فالله هو الْمَحْمُود عَلَى جَمِيع مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنْ خَيْر في معركة بدر إذ قَالَ " فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه قَتَلَهُمْ " ولم يكن ذلك النصر بحول المسلمين وقوتهم ، فقد كانوا قليلين ضعافاً ، وَإِنَّمَا النَّصْر مِنْ عِنْده تَعَالَى ، روى ابن عباس أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يَدَيْهِ يَوْم بَدْر فَقَالَ " يَا رَبّ إن تهلك هَذِهِ الْعِصَابَة فَلَنْ تُعْبَد فِي الأرض أَبَدًا " فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل خُذْ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب فَارْمِ بِهَا فِي وُجُوههمْ فَأَخَذَ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوههمْ فَمَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَحَد إلا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَفَمَه تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَة فَوَلَّوْا مدبرين ، ثُمَّ رَدَفَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ يقتلونهم ويأسرونهم ، فعرّف الله تعالى الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَته عَلَيْهِمْ مِنْ إِظْهَارهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ مَعَ كَثرَة عَدُوّهُمْ وَقِلَّة عَدَدهمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَته
- ويأتي مع البلاء إسعاد المسلمين ورفع درجاتهم ، فيكون فيه الخير الكثير مما يحفزهم إلى الاجتهاد في البلاء والصبر والتحمل ، يقول الله تعالى في الآية الرابعة من سورة محمد صلى الله عليه وسلم : " ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ..." ففي قتال العدو محامد كثيرة منها الشعور بالعزة والنصر وشفاء قلوب المؤمنين وراحة النفس، قال تعالى " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويُذهب غيظ قلوبهم " وهذه سعادة ما بعدها سعادة نرجو الله أن يحققها فينا فنرى في عدونا ما تقر به العيون . هذا في الدنيا أما الشهيد فله في الآخرة ست خصال : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن للشهيد عند الله ست خصال : أن يغفر له في أول دفقة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة ، ويُحَلّى حلة الإيمان ، ويُزَوّج من الحور العِين ، وَيُجَار مِنْ عَذَاب القبر ، وَيَأْمَن مِن الْفَزَع الأكبر، وَيُوضَع عَلَى رَأْسه تَاج الْوَقَار مرصع بالدر والياقوت ، الياقوتة خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زَوْجَة مِن الحُور الْعِين ، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ وَابْن مَاجَهْ .