رأى الملك رؤيا عجيبة ، سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان ، وسبع سنبلات يابسات يأكلن سبع سنبلات خضر، فسال أولى العلم عن تأويل ما رأى فاعتذروا قائلين
" أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين "
وما ينبغي لمن لا يدري أمراً أن يدلي بدلوه فيه . فكانوا صادقين فيما أجابوا ، وهذا دأب المستشار الأمين ، يقول ما يعرف ويسكت عما يجهل ، وكثيراً ما كان مالك بن أنس رحمه الله تعالى عالم المدينة يجيب عن سؤال أحدهم : لا أدري ، ويعقب قائلاً : نصف العلم لا أدري .
وهنا يتذكر ساقي الملك الذي كان أحد اللذَين استفتيا يوسف عليه السلام في السجن لحلم رآه أنّ يوسف قال له
" اذكرني عند ربك " – الملك – فنسي الأمر سبع سنوات ، ثم تذكر الصديقَ يوسفَ ، فأخبر الملك بقصته وأنه يستطيع أن يفسر الرؤيا فأرسله الملك إلى يوسف عليه السلام يستفتيه في ذلك ، فيجيبه يوسف عليه السلام : إن سبع السنوات القادمة فيهنّ خير كثير ينبغي أن يُحتفظ بجُلّ خيرهنّ لسبع سنوات تليهنّ شديدات يأكلن الأخضر واليابس ، ثم يعود الخير في السنة الخامسة عشرة . وهنا يودّ الملك أن يتعرّف على المفسّر القابع في السجن ليجعله من بعض خدمه كما فعل بالساقي نفسه ،فقال " ائْتوني به "
فهل اغتنم الصدّيق يوسف عليه السلام هذه الدعوة ليخرج من السجن بعفو ناقص لا يعطيه حقه ولا يبرئه من الظلم الذي وقع عليه ؟ وليظلَّ في أعين الناس رجلاً حاول ان يعتدي على شرف من آواه في بيته وعامله معاملة الابن ؟! إنه إنْ فعل ذلك فقد أثبت التهمة عليه مدى الحياة ، ولن يستطيع بعد ذلك أن يقوم بواجب الدعوة بين أناس ينظرون إليه بريبة وشك ، وكيف يصدّقونه فيما يدعوهم إليه وهو متّهم بأخلاقه مشكوك بصدقه ؟! فلن يخرج من السجن إلا بريئاً يمشي بين الناس مرفوع الرأس طاهر الثوب يعلم الجميعُ أنه ظُلم تلك السنوات الطويلة وأنه كان مثال الأخلاق الكريمة والسيرة العطرة ، فقال للساقي " ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إن ربي بكيدهنّ عليم "
وحين تعترف النساء بنصاعة أخلاقه وكريم شمائله ستضطر امرأة العزيز – وقد رأت نفسها وحيدة – أن تقر بذنبها وتعترف بجريرتها ، فدعا الملك النسوة مشدداً عليهنّ أن يقلن الحقيقة " ما خطبُكنّ إذ راودتُنّ يوسف عن نفسه "
ولعل سائلاً يسأل : لماذا صدّق الملك دعوى يوسف بالبراءة - وهو لم يره بعدُ – فتبنّى موقفه واتـّهم النساء بمراودة يوسف ؟ والجواب : ما من رجل يرفض عفو الملك ويأبى الخروج من السجن دون تحقيق إلا إذا كان بريئاً من التهمة التي رُميَ بها ، وكان صادقاً فيما يدّعيه ومطمئناً إلى قوّة موقفه .
حين رأت النساء أن الملك يخاطبهنّ كمن يعرف الحقيقة أقررن بها ونفين التهمة عن يوسف عليه السلام
" حاشا لله ما علمنا عليه من سوء " ،
وهنا لم يكن لامرأة العزيز بد من أن تعترف بالحقيقة ، وتبرئ المتّهم المظلوم ، وتقر أنها المذنبة التي راودتْه عن نفسه
" الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "
فلما تناهى اعترافها إلى الصدّيق يوسف وهو لمّا يزل في سجنه قال بلهجة الواثق من نفسه
" ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين "
فيوسف عليه السلام الذي رباه الله تعالى على عينه لا يخون من رعاه في بيته وأمِنه على عرضه وشرفه .
ويكبر يوسف عليه السلام بعين الملك ، فيقول
" ائْتوني به أستخلصْه لنفسي " .
لقد قال في المرة الأولى :
" ائْتوني به " ،
فلما عرف قدْر يوسف وعظم شأنـُه في نفسه زاد في قوله
" أستخلصه لنفسي "
لقد كان يريده واحداً من ضمن خدمه في المرة الآولى ، وأراده في المرّة الثانية مستشارً أميناً يُعتمد عليه في كبار الأمور وجليلها ، وقرّبه إليه ، وقال له حين التقاه وكلّمه فرأى فيه النباهة والصدق
" إنك اليوم لدينا مكين أمين "
إنه ذو مكانة لا تضاهيها مكانة ، مكين لأنه كريم الشمائل أمين .
إن من أراد أن يعلوَ بقدره بين الناس مسموعَ الكلمة عظيم المكانة فليكن صادقاً مع نفسه ، حافظاً للأمانة لطيف المعشر ، متحبباً إلى الناس ... صلى الله على يوسف الكريم ابن الكريم يعقوب ابن الكريم إسحاق ابن الكريم إبراهيم . وعلى الحبيب المصطفى محمد وعلى الأنبياء جميعاً .
" أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين "
وما ينبغي لمن لا يدري أمراً أن يدلي بدلوه فيه . فكانوا صادقين فيما أجابوا ، وهذا دأب المستشار الأمين ، يقول ما يعرف ويسكت عما يجهل ، وكثيراً ما كان مالك بن أنس رحمه الله تعالى عالم المدينة يجيب عن سؤال أحدهم : لا أدري ، ويعقب قائلاً : نصف العلم لا أدري .
وهنا يتذكر ساقي الملك الذي كان أحد اللذَين استفتيا يوسف عليه السلام في السجن لحلم رآه أنّ يوسف قال له
" اذكرني عند ربك " – الملك – فنسي الأمر سبع سنوات ، ثم تذكر الصديقَ يوسفَ ، فأخبر الملك بقصته وأنه يستطيع أن يفسر الرؤيا فأرسله الملك إلى يوسف عليه السلام يستفتيه في ذلك ، فيجيبه يوسف عليه السلام : إن سبع السنوات القادمة فيهنّ خير كثير ينبغي أن يُحتفظ بجُلّ خيرهنّ لسبع سنوات تليهنّ شديدات يأكلن الأخضر واليابس ، ثم يعود الخير في السنة الخامسة عشرة . وهنا يودّ الملك أن يتعرّف على المفسّر القابع في السجن ليجعله من بعض خدمه كما فعل بالساقي نفسه ،فقال " ائْتوني به "
فهل اغتنم الصدّيق يوسف عليه السلام هذه الدعوة ليخرج من السجن بعفو ناقص لا يعطيه حقه ولا يبرئه من الظلم الذي وقع عليه ؟ وليظلَّ في أعين الناس رجلاً حاول ان يعتدي على شرف من آواه في بيته وعامله معاملة الابن ؟! إنه إنْ فعل ذلك فقد أثبت التهمة عليه مدى الحياة ، ولن يستطيع بعد ذلك أن يقوم بواجب الدعوة بين أناس ينظرون إليه بريبة وشك ، وكيف يصدّقونه فيما يدعوهم إليه وهو متّهم بأخلاقه مشكوك بصدقه ؟! فلن يخرج من السجن إلا بريئاً يمشي بين الناس مرفوع الرأس طاهر الثوب يعلم الجميعُ أنه ظُلم تلك السنوات الطويلة وأنه كان مثال الأخلاق الكريمة والسيرة العطرة ، فقال للساقي " ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إن ربي بكيدهنّ عليم "
وحين تعترف النساء بنصاعة أخلاقه وكريم شمائله ستضطر امرأة العزيز – وقد رأت نفسها وحيدة – أن تقر بذنبها وتعترف بجريرتها ، فدعا الملك النسوة مشدداً عليهنّ أن يقلن الحقيقة " ما خطبُكنّ إذ راودتُنّ يوسف عن نفسه "
ولعل سائلاً يسأل : لماذا صدّق الملك دعوى يوسف بالبراءة - وهو لم يره بعدُ – فتبنّى موقفه واتـّهم النساء بمراودة يوسف ؟ والجواب : ما من رجل يرفض عفو الملك ويأبى الخروج من السجن دون تحقيق إلا إذا كان بريئاً من التهمة التي رُميَ بها ، وكان صادقاً فيما يدّعيه ومطمئناً إلى قوّة موقفه .
حين رأت النساء أن الملك يخاطبهنّ كمن يعرف الحقيقة أقررن بها ونفين التهمة عن يوسف عليه السلام
" حاشا لله ما علمنا عليه من سوء " ،
وهنا لم يكن لامرأة العزيز بد من أن تعترف بالحقيقة ، وتبرئ المتّهم المظلوم ، وتقر أنها المذنبة التي راودتْه عن نفسه
" الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "
فلما تناهى اعترافها إلى الصدّيق يوسف وهو لمّا يزل في سجنه قال بلهجة الواثق من نفسه
" ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين "
فيوسف عليه السلام الذي رباه الله تعالى على عينه لا يخون من رعاه في بيته وأمِنه على عرضه وشرفه .
ويكبر يوسف عليه السلام بعين الملك ، فيقول
" ائْتوني به أستخلصْه لنفسي " .
لقد قال في المرة الأولى :
" ائْتوني به " ،
فلما عرف قدْر يوسف وعظم شأنـُه في نفسه زاد في قوله
" أستخلصه لنفسي "
لقد كان يريده واحداً من ضمن خدمه في المرة الآولى ، وأراده في المرّة الثانية مستشارً أميناً يُعتمد عليه في كبار الأمور وجليلها ، وقرّبه إليه ، وقال له حين التقاه وكلّمه فرأى فيه النباهة والصدق
" إنك اليوم لدينا مكين أمين "
إنه ذو مكانة لا تضاهيها مكانة ، مكين لأنه كريم الشمائل أمين .
إن من أراد أن يعلوَ بقدره بين الناس مسموعَ الكلمة عظيم المكانة فليكن صادقاً مع نفسه ، حافظاً للأمانة لطيف المعشر ، متحبباً إلى الناس ... صلى الله على يوسف الكريم ابن الكريم يعقوب ابن الكريم إسحاق ابن الكريم إبراهيم . وعلى الحبيب المصطفى محمد وعلى الأنبياء جميعاً .