الابتسامة سرٌّ آسر، وسلطان قاهرٌ، أدرك الطفل بفطرته البريئة سحرها، فهو يبثُّها بين الحين والآخر، وأمام ابتسامة الطفل ينحني أقسى الناس، وفي مواجهة ابتسامة الصبي يرقُّ أغلظ الناس.
الابتسامة هي المفتاح الأول لكلِّ القلوب المغلقة، وليس من الضروري أن تكون الابتسامة بالفعل؛ فأحيانًا تبتسم الحروف حينما تكتب؛ لأنها تكون من قلوب صادقة، وتبتسم الهدايا عندما تُهدى؛ لأنها مليئة بالحبِّ والوفاء.
الابتسامة الحقيقية لا يمكن تزييفها؛ فهي كالذهب، عبثًا يحاول المخادعون تقليده، ولكن بريق الذهب ليس كأيِّ بريق.
الابتسامة إشراقة روح، وإطلالة نَفْس، وصورة فؤاد، الابتسامة بَلْسَم الألم ودواء الحزن، الابتسامة أقصر طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، الابتسامة المشرقة أقوى قوانين الجاذبيَّة للقلوب والأرواح، وللابتسامة سحرٌ خلاَّّب يستميل القلوب، ويأخذ بالألباب، والمبتسمون أحسن الناس مِزاجًا، وأهنؤهم عيشًا، وأطيبهم نفسًا[1].
فهل يمكننا أن نتقن فنَّ الابتسامة؟
تعال أخي، تعرَّف على فن الابتسامة، لماذا نبتسم؟ ولمن نبتسم؟ ومتى نبتسم؟
لماذا نبتسم؟
♦ نبتسم لنسعد أنفسنا ومَن حولنا.
♦ نبتسم لنتغلَّب على تيار الضغوط اليوميَّة التي جلبت الكثير من الأمراض: كالسكري والضغط والتوتر والقلق والأزمات القلبيَّة، كلها من آثار الضغوط التي تعرِض للفرد، فتعال نبتسم في كلِّ يومٍ، بل في كلِّ لحظةٍ؛ لنسلم - بإذن الله - من تلك الضغوط.
♦ نبتسم لنزيد رصيدنا من الحسنات؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة))، وقال: ((لا تَحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))، وكأنما يريد - صلى الله عليه وسلم - أن يدرِّبنا على الابتسامة؛ لتكون سجيةً لنا، فكلما ابتسمت، أُهديت إليك صدقة، فهل تزيد رصيدك من الصدقات؟!
♦ نبتسم محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأسِّيًا به؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر طلق المحيَّا، البشاشة تعلو وجهه، والابتسامة لا تكاد تفارقه؛ فعن عبدالله بن الحارث بن جزء، قال: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألبانيُّ.
وعن جرير - رضي الله عنه - قال: ما حجبني النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري، وقال: ((اللهم ثبِّته واجعله هاديًا ومهديًّا))؛ رواه البخاريُّ.
لمن نبتسم؟
♦ نبتسم لأنفسنا؛ فمن حقها علينا أن نبتسم لها ونسعدها وندخل السرور عليها.
♦ نبتسم لأقرب الناس إلينا من والدين وزوجة وأولاد؛ فهم أولى الناس بالابتسامة، فكم حُطِّمت على بريق الابتسامة من الحواجز الوهميَّة التي نسجها الشيطان! فبددت تلك الابتسامة جبال المشاكل، التي هي أشبه ما تكون بجبال ثلجيَّة ما أن تُلقَى عليها حرارة الابتسامة، إلا وسارعت بالانصهار والذوبان.
جرِّبْ سحر الابتسامة عندما تتعرَّض لبعض المشاكل العائليَّة؛ لترى أثر الابتسامة في ذلك.
♦ نبتسم لرفقاء العمل وجيران المنزل وتلاميذ الفصل، كل أولئك ينتظرون منك ابتسامة تسعدهم بها، تفرِّج عن مهموم وتداوي مكلوم، وتنشط عامل وتفرح محزون.
♦ نبتسم لكل من نلقاه.
الْقَ بِالبِشْرِ مَنْ لَقِيتَ مِنْ النَّا سِ جَمِيعًا وَلاَقِهِمْ بِالطَّلاَقَهْ
تَجْنِ مِنْهُمْ بِهِ جَنِيَّ ثِمَارٍ طَيِّبٌ طَعْمُهُ لَذِيذُ الْمَذَاقَهْ
وَدَعِ التِّيهَ وَالْعُبُوسَ عَنِ النَّا سِ فَإِنَّ الْعُبُوسَ رَأْسُ الْحَمَاقَهْ
متى نبتسم؟
♦ نبتسم كلَّ صباح؛ لتشرق نفوسنا قبل أن تشرق الشمس على البسيطة.
♦ نبتسم عندما نحقق إنجازًا ولو صغيرًا؛ فإن ذلك يدفع إلى مزيد من العطاء والإنجاز.
♦ نبتسم عند ورود المشاكل وتتابع الهموم؛ فإن ذلك من أعظم الحلول لها، وما أجمل قول السعدي - رحمه الله -: الحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهموم.
♦ نبتسم عند الإخفاق؛ لأن ذلك خطوة على طريق النجاح.
ختامًا ما أجمل قول الشاعر:
قَالَ السَّمَاءُ كَئِيبَةٌ وَتَجَهَّمَا قُلْتُ ابْتَسِمْ يَكْفِي التَّجَهُّمُ فِي السَّمَا
قَالَ الصِّبَا وَلَّى فَقُلْتُ لَهُ ابْتَسِمْ لَنْ يُرْجِعَ الأَسَفُ الصِّبَا الْمُتَصَرِّمَا
قَالَ الْعِدَا حَوْلِي عَلَتْ صَيْحَاتُهُمْ أَأُسَرُّ وَالأَعْدَاءُ حَوْلِي فَي الْحِمَى
قُلْتُ ابْتَسِمْ لَمْ يَطْلُبُوكَ بِذَمِّهِمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ أَجَلَّ وَأَعْظَمَا
قَالَ الْمَوَاسِمُ قَدْ بَدَتْ أََعْلاَمُهَا وَتَعَرَّضَتْ لِي فِي الْمَلاَبِسِ وَالدُّمَى
وَعَلَيَّ لِلأَحْبَابِ فَرْضٌ لاَزِمٌ لَكِنَّ كَفِّي لَيْسَ تَمْلِكُ دِرْهَمَا
قُلْتُ ابْتَسِمْ يَكْفِيكَ أَنَّكَ لَمْ تَزَلْ حَيًّا وَلَسْتَ مِنَ الأَحِبَّةِ مُعْدَمَا
قَالَ الَّليَالِي جَرَّعَتْنِي عَلْقَمًا قُلْتُ ابْتَسِمْ وَلَئِنْ جَرَعْتَ الْعَلْقَمَا
فَلَعَلَّ غَيْرَكَ إِنْ رَآكَ مُرَنِّمًا طَرَحَ الْكَآبَةَ جَانِبًا وَتَرَنَّمَا
أَتُرَاكَ تَغْنَمُ بِالتَّبَرُّمِ دِرْهَمًا أَمْ أَنْتَ تَخْسَرُ بِالْبَشَاشِةِ مَغْنَمَا
يَا صَاحِ لاَ خَطَرٌ عَلَى شَفَتَيْكَ أَنْ تَتَثَلَّمَا وَالْوَجْهُ أَنْ يَتَحَطَّمَا
فَاضْحَكْ فَإِنَّ الشُّهْبَ تَضْحَكُ وَالدُّجَى مُتَلاَطِمٌ وَلِذَا نُحِبُّ الأَنْجُمَ
أخي الحبيب، كُلِّي أمل أن نبدأ رحلةً جديدة نمخر عُبَاب الحياة، وشعارنا البسمة والأنس، وإدخال السرور على أنفسنا ومَن حولنا، حادينا إلى ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحبُّ الأعمال إلى الله - تعالى - سرور تدخله على مسلم))؛ رواه الطبراني، وحسَّنه الألبانيُّ.
ــــــــــــــــــ
[1] - "أسرار القيادة والتأثير"، بتصرُّف.