مبادىء من تنك .. بقلم ازهر اللويزي
المبادىء عبارة عن أدوات توجيه السلوك وهي أساسية غير قابلة للنقاش بديهة . كوفي
ولأهمية الأمر يتحتم علينا كيف نعرف صاحب المبدأ الحقيقي من صاحب المبدأ ( التنك ) الهش المزور في حياة شهدت تواجد الطرفين ؟
عندما تكون هناك مصلحة أومنفعة كمنصب أو مال أو عرض دنيوي زائل ، وكذلك عندما تكون هناك تضحية تحتاج لثبات جنان تنكشف حقيقة المبدأ الحق من المبدأ المزور .
أصحاب مبادىء التنك تجد أحدهم بارعاً في التلون كالحرباء ويتنازل عن مبدأه بسهولة ويسر ولصاحبه أكثر من وجه ولديهم ألسنة تقطر عسلاً منقعة بالكذب والخديعة والمكر .
أصحاب مبادىء التنك متى ما أشرقت شمس المنفعة تجد أحدهم متفتحاً عليها ، فهم خواء من كل معنى جميل وفكر نيرٍ وضمير يقظ وبصيرة حية .
فنجد صورتهم واضحة للعيان مكشوفة غير مستورة فعن ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية " واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا " في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال : مرحباً بالصدَيق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله .
ثم أخذ بيد عمر - رضي الله عنه - فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله .
ثم أخذ بيد علي فقال : مرحباً بإبن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ، ثم افترقوا .
فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت ؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيراً ، فرجع المسلمون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بذلك ، فأنزل الله هذه الآية .
انظر الى هذا الموقف المترع بالخسة والنذالة والهشاشة فتجد صورته واضحة كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين ، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " . رواه البخاري
ومعنا صورة اُخرى جبلة بن الأيهم وهو آخر ملوك الغساسنة في الشام دخل في الاسلام ثم قدم إلى المدينة و لما دخل على عمر رضي الله عنه رحب به وادنى مجلسه .
ثم خرج في موسم الحج مع عمر رضي الله عنه فبينما هو يطوف بالبيت اذ وطىء على إزاره رجل فقير من بني فزارة فالتفت اليه جبلة مغضباً فلطمه فهشم أنفه فغضب الفزاري .
واشتكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث اليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه ! .
فقال : إنه وطىء إزاري ولولا حرمة البيت لضربت عنقه .
فقال له عمر : أما الآن فقد اقررت فإما أن ترضيه وإلا اقتص منك بلطمك على وجهك .
قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! .
قال عمر رضي الله عنه : يا جبلة إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه ، فما تفضله بشيء إلا بالتقوى .
فهرب جبلة الى الشام فتنصر وبدل دينه ومبدأه فخسر الدنيا والآخرة .
كل إنسان يخطئ ولا عصمة في الإسلام إلا لمن تفضل الله عليهم بنعمة العصمة والحفظ وهم الأنبياء ويمكن للعبد أن يتوب من ذنوبه ويدعو ربه عز وجل فيجود عليه بالمغفرة .
فالإسلام ساوى بين الناس في الحقوق والواجبات فكلهم عيال الله فلا طبقية فوقية ولا عنصرية مقيتة .
فالخليفة عمر بن الخطاب خاطب جبلة بلغة العدل والمساوات والمبدأ الحق وجبلة يرد بلغة الإستكبار والتعالي بأنه ملك وذلك الرجل من السوقة فهنا نعرف معدن جبلة الذي كان من تنك مصدىء .
لو كان جبلة صاحب مبدأ لما رفض العدل والمساواة ولما ترك عقيدته الجديدة وبدل دينه فهو يتنقل بأيام من دين الى دين ومن عقيدة الى اُخرى حسب ما تقتضيه مصلحته وهواه .
الذين مبادئهم من تنك تجدهم يميلون مع كل ريح ويسعىون مع كل قوم ، فهم يستترون خلف مبدأهم المزيف الذي سرعان ما ينكشف بموقف أو مصلحة لتنجلي حقيقتهم لكل عاقل لبيب حصيف .
وعكسهم تجد أصحاب المبادىء الحقيقية الذين يثبتون على مبادئهم ولا يتنازلون عنها بحجة الأخذ بالرخص والأعذار الواهية ولا هي قابلة للمساومة أو التجزئة عندهم ، فتجدهم كالجبال الراسخة التي لا تنحي لهبة ريح عاصفة .
وبهذا تظهر الفجوة الهائلة بين صاحب مبدأ الحق ومبدأ التنك الهزيل الهش المزور .
وأظن قد حان الوقت المناسب لأطرح على جنابك سؤالاً : هل أنت صاحب مبدأ حق تثبت عليه أم صاحب مصلحة تدور حيث دارت وتختفي حيث اختفت ؟
ولأن المبادئ تصنع التاريخ أكثر مما تفعله الكلمات جاءت الحاجة ملحة للتأكيد عليها وتذكير نفسي وأنفسكم من أجل تفحص مبادئنا بين الحين والحين وتدارك ما يجب تداركه وتقويم ما يجب تقويمه .
ويبقى الثبات على المبدأ الحق إمتحان شاق يخضع له الجميع ، فمنهم من يتجاوزه بكفاءة ومنهم من يهوي الى الحضيض .
المبادىء عبارة عن أدوات توجيه السلوك وهي أساسية غير قابلة للنقاش بديهة . كوفي
ولأهمية الأمر يتحتم علينا كيف نعرف صاحب المبدأ الحقيقي من صاحب المبدأ ( التنك ) الهش المزور في حياة شهدت تواجد الطرفين ؟
عندما تكون هناك مصلحة أومنفعة كمنصب أو مال أو عرض دنيوي زائل ، وكذلك عندما تكون هناك تضحية تحتاج لثبات جنان تنكشف حقيقة المبدأ الحق من المبدأ المزور .
أصحاب مبادىء التنك تجد أحدهم بارعاً في التلون كالحرباء ويتنازل عن مبدأه بسهولة ويسر ولصاحبه أكثر من وجه ولديهم ألسنة تقطر عسلاً منقعة بالكذب والخديعة والمكر .
أصحاب مبادىء التنك متى ما أشرقت شمس المنفعة تجد أحدهم متفتحاً عليها ، فهم خواء من كل معنى جميل وفكر نيرٍ وضمير يقظ وبصيرة حية .
فنجد صورتهم واضحة للعيان مكشوفة غير مستورة فعن ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية " واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا " في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال : مرحباً بالصدَيق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله .
ثم أخذ بيد عمر - رضي الله عنه - فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله .
ثم أخذ بيد علي فقال : مرحباً بإبن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ، ثم افترقوا .
فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت ؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيراً ، فرجع المسلمون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بذلك ، فأنزل الله هذه الآية .
انظر الى هذا الموقف المترع بالخسة والنذالة والهشاشة فتجد صورته واضحة كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين ، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " . رواه البخاري
ومعنا صورة اُخرى جبلة بن الأيهم وهو آخر ملوك الغساسنة في الشام دخل في الاسلام ثم قدم إلى المدينة و لما دخل على عمر رضي الله عنه رحب به وادنى مجلسه .
ثم خرج في موسم الحج مع عمر رضي الله عنه فبينما هو يطوف بالبيت اذ وطىء على إزاره رجل فقير من بني فزارة فالتفت اليه جبلة مغضباً فلطمه فهشم أنفه فغضب الفزاري .
واشتكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث اليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه ! .
فقال : إنه وطىء إزاري ولولا حرمة البيت لضربت عنقه .
فقال له عمر : أما الآن فقد اقررت فإما أن ترضيه وإلا اقتص منك بلطمك على وجهك .
قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ! .
قال عمر رضي الله عنه : يا جبلة إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه ، فما تفضله بشيء إلا بالتقوى .
فهرب جبلة الى الشام فتنصر وبدل دينه ومبدأه فخسر الدنيا والآخرة .
كل إنسان يخطئ ولا عصمة في الإسلام إلا لمن تفضل الله عليهم بنعمة العصمة والحفظ وهم الأنبياء ويمكن للعبد أن يتوب من ذنوبه ويدعو ربه عز وجل فيجود عليه بالمغفرة .
فالإسلام ساوى بين الناس في الحقوق والواجبات فكلهم عيال الله فلا طبقية فوقية ولا عنصرية مقيتة .
فالخليفة عمر بن الخطاب خاطب جبلة بلغة العدل والمساوات والمبدأ الحق وجبلة يرد بلغة الإستكبار والتعالي بأنه ملك وذلك الرجل من السوقة فهنا نعرف معدن جبلة الذي كان من تنك مصدىء .
لو كان جبلة صاحب مبدأ لما رفض العدل والمساواة ولما ترك عقيدته الجديدة وبدل دينه فهو يتنقل بأيام من دين الى دين ومن عقيدة الى اُخرى حسب ما تقتضيه مصلحته وهواه .
الذين مبادئهم من تنك تجدهم يميلون مع كل ريح ويسعىون مع كل قوم ، فهم يستترون خلف مبدأهم المزيف الذي سرعان ما ينكشف بموقف أو مصلحة لتنجلي حقيقتهم لكل عاقل لبيب حصيف .
وعكسهم تجد أصحاب المبادىء الحقيقية الذين يثبتون على مبادئهم ولا يتنازلون عنها بحجة الأخذ بالرخص والأعذار الواهية ولا هي قابلة للمساومة أو التجزئة عندهم ، فتجدهم كالجبال الراسخة التي لا تنحي لهبة ريح عاصفة .
وبهذا تظهر الفجوة الهائلة بين صاحب مبدأ الحق ومبدأ التنك الهزيل الهش المزور .
وأظن قد حان الوقت المناسب لأطرح على جنابك سؤالاً : هل أنت صاحب مبدأ حق تثبت عليه أم صاحب مصلحة تدور حيث دارت وتختفي حيث اختفت ؟
ولأن المبادئ تصنع التاريخ أكثر مما تفعله الكلمات جاءت الحاجة ملحة للتأكيد عليها وتذكير نفسي وأنفسكم من أجل تفحص مبادئنا بين الحين والحين وتدارك ما يجب تداركه وتقويم ما يجب تقويمه .
ويبقى الثبات على المبدأ الحق إمتحان شاق يخضع له الجميع ، فمنهم من يتجاوزه بكفاءة ومنهم من يهوي الى الحضيض .
