ففي11 تشرين الثاني عُقد مؤتمر قطري استثنائي لانتخاب ثمانية أعضاء جدد للقيادة القطرية، لكي يصبح العدد 16 عضواً، بموجب النظام الداخلي الذي تبناه المؤتمر القومي السادس [المادة 38 المعدلة من النظام الداخلي]، غير أنه ما أن بُوشر بإجراء الانتخاب حتى داهم 15 ضابطاً مسلحاً قاعة الاجتماع بقيادة العقيد محمد المهداوي، الذي بدأ يتحدث أمام المؤتمرين قائلاً:
{لقد اخبرني الرفيق ميشيل عفلق، فيلسوف الحزب، أن عصابة استبدت بالحزب في العراق، ومثلها في سوريا، وأن العصابتين وضعتا رأسيهما معاً، وسيطرتا على المؤتمر القومي السادس، ولذلك يجب القضاء عليهما}.
كما هاجم المهداوي قرارات المؤتمر القومي السادس واصفاً إياه بمؤامرة ضد الحزب، وطالب بانتخاب قيادة قطرية جديدة، تحت تهديد أسلحة الضباط المرافقين له، وتظاهر المؤتمر باختيار قيادة جديدة، واشترك الضباط بالتصويت،علماً بان بعضهم لم يكن بعثياً على الإطلاق، وجاء على رأس القيادة الجديدة [حازم جواد] بالإضافة إلى فوز أنصاره.
غير أن المهزلة لم تنتهِ إلى هذا الحد، بل أسرع الضباط إلى اعتقال علي صالح السعدي، ومحسن الشيخ راضي، وحمدي عبد المجيد، وهاني الفكيكي، وأبو طالب الهاشمي، الذي كان يشغل منصب نائب القائد العام للحرس القومي،وسُفر الجميع على متن طائرة عسكرية إلى مدريد.
3 ـ امتداد الصراع إلى الشارع :
هكذا إذاً أنفجر الوضع المتأزم في ذلك اليوم، وامتد الصراع إلى الشارع، ففي صباح يوم 13 تشرين الثاني اندفعت أعداد غفيرة من مؤيدي علي صالح السعدي ومن الحرس القومي، إلى شوارع بغداد، وأقاموا الحواجز في الطرق، واحتلوا مكاتب البريد والبرق والهاتف، ودار الإذاعة، وهاجموا مراكز الشرطة، واستولوا على الأسلحة فيها، و أسرع الونداوي إلى قاعدة الرشيد الجوية ومعه طيار آخر وامتطيا طائرتين حربيتين، وقاما بقصف القاعدة المذكورة، ودمرا [5 طائرات] كانت جاثمة فيها.
وفي الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم أذاع صالح مهدي عماش، وزير الدفاع، بياناً من دار الإذاعة حذر فيه أحمد حسن البكر من أن هناك محاولة لجعل البعثيين يقتلون بعضهم بعضاً، وهذا ما لا يفيد إلا أعداء الحزب، كما وجه نداءً للعودة إلى العلاقات الرفاقية وإلى التفاهم والأخوة. وفي تلك الأثناء فرضت قوات الحرس القومي سيطرتها على أغلب مناطق بغداد، ورفض البكر وعماش إعطاء الأمر إلى الجيش بالتدخل، وأصبحت قيادة فرع بغداد للحزب هي التي تقود الحزب في تلك اللحظات الحرجة من تاريخ حكم البعث، وطالبت تلك القيادة بإعادة السعدي ورفاقه إلى العراق، وممارسة مهامهم الحزبية والرسمية.غير أنها لم تفلح في ذلك، واضطرت إلى الموافقة على إحالة القضية إلى القيادة القومية لتبت فيها.
4 ـ عفلق وأمين الحافظ في بغداد لمحاولة حسم الصراع:
وفي مساء ذلك اليوم، 13 تشرين الثاني، وصل إلى بغداد مؤسس الحزب [ميشيل عفلق] والرئيس السوري [أمين الحافظ] بالإضافة إلى عدد آخر من أعضاء القيادة القومية للحزب.
غير أن عبد السلام عارف لم يجر لهما استقبالاً رسمياً، كما يقتضي البروتوكول والعرف الدبلوماسي، كما لم يحاول الالتقاء بالوفد، مما جعل الوفد يحس أن هناك جو غير طبيعي في بغداد، وأن لابد من أن يكون هناك أمراً يدبر ضد حكم البعث.
حاول ميشيل عفلق ورفاقه في الوفد، التصرف بشؤون العراق!،وأصدروا قراراً بنفي حازم جواد، وزير الداخلية، وطالب شبيب، وزير الخارجية، متهمين إياهما بأنهما أساس الفتنة.
كما أصدر الوفد قراراً آخر بحل القيادة القطرية التي جرى انتخابها تحت تهديد الضباط الخمسة عشرة، وكذلك القيادة القطرية التي كان يقودها علي صالح السعدي، وأعلن عن تسلم القيادة القومية للمسؤولية لحين انتخاب قيادة قطرية جديدة.
هكذا إذاً كان تصرف عفلق والوفد الموافق له، تجاهلاً لعبد السلام عارف، بصفته رئيساً للجمهورية، كما أن الرابطة التي كانت تجمع الضباط البعثيين بالقيادة المدنية قد تفككت، ودبت الخلافات العميقة بينهم، وسارع الجناح المدني في الحزب يتحدى من أسماهم بأعداء الحزب، ودعا اتحاد العمال، الذي يسيطر عليه الحزب إلى سحق رؤوس البرجوازيين الذين خانوا الحزب، وإعدام أصحاب رؤوس الأموال الذين هربوا أموالهم إلى الخارج.
كما دعوا إلى تأميم كافة المشاريع الصناعية في البلاد، وكانت تلك الاندفاعات لجناح الحزب المدني كلها تصب في خانة عبد السلام عارف، الذي صمم على إزاحة حزب البعث عن السلطة، وأحكام قبضته على شؤون البلاد دون منازع أو شريك.
رابعاً:انقلاب عبد السلام عارف ضد البعث في 18 تشرين الثاني 63:
بعد أن وصلت حالة الحزب إلى أقصى درجات التمزق والتناحر، وبعد أن عمت الفوضى أرجاء البلاد، وبلغ استياء ضباط الجيش الممسكين بالمراكز القيادية في الجهاز العسكري من تصرف القيادة البعثية مداه، قرر عبد السلام عارف بالتعاون مع تلك العناصر العسكرية توجيه ضربته القاضية لحكم البعث، وإنهاء سيطرتهم على مقدرات البلاد، فقد استغل عبد السلام تلك الظروف البالغة الصعوبة التي مرّ بها حزب البعث وبالتنسيق مع عدد من أولئك الضباط ، كان منهم:
1- عبد الرحمن عارف، شقيقه، قائد الفرقة الخامسة.
2- الزعيم الركن عبد الكريم فرحان، قائد الفرقة الأولى.
3- العقيد سعيد صليبي، آمر الانضباط العسكري.
4- الزعيم الركن الطيار حردان التكريتي، قائد القوة الجوية [ بعثي].
5- اللواء الركن طاهر يحيى، رئيس أركان الجيش.
هذا بالإضافة إلى العديد من الضباط الآخرين ذوي الميول القومية.
وفي فجر يوم 18 تشرين الثاني 1963، قامت طائرات عسكرية بقصف مقر القيادة العامة للحرس القومي في الأعظمية، ثم تقدمت الدبابات، والمصفحات لتستولي على كافة المرافق العامة في بغداد، ومقرات الحرس القومي، وحاول البعثيون مقاومة الانقلاب في بادئ الأمر، إلا أن الأمر كان قد حسم في نهاية النهار، فلم يكن باستطاعة الحرس القومي، وهو يحمل الأسلحة الخفيفة أن يقاوم الدبابات والمصفحات والصواريخ والطائرات.
سارع أفراد الحرس إلى إلقاء سلاحهم، والتخلص منه، برميه في الحقول والمزارع والمزابل بعد أن هددهم النظام العارفي الجديد بإنزال العقاب الصارم بهم إن هم استمروا على حمل السلاح أو إخفائه، وأجرى الجيش مداهمات لدور أفراد الحرس القومي بحثاً عن السلاح.
كما جرى إلقاء القبض على أعداد كبيرة من البعثيين لفترة محدودة من الزمن، حيث تمكن الجيش من إحكام سيطرته على البلاد، وأخذ النظام فيما بعد يطلق سراح البعثيين المعتقلين في حين بقي السجناء والموقوفين الشيوعيين والديمقراطيين في السجون !!، وجرى تنفيذ أحكام بالإعدام كانت قد أصدرتها المحاكم العرفية على عهد البعثيين، بعد تسلم عبد السلام عارف زمام الأمور في البلاد، فقد كان العداء للشيوعية هو الجامع الذي جمع البعثيين والقوميين، دون استثناء، ربما شيء واحد قد تغير، هو تخفيف حملات التعذيب أثناء التحقيقات مع المعتقلين، واستمرت المحاكم العرفية تطحن بالوطنيين طيلة عهد عارف.
عبد السلام عارف يحكم سيطرته على البلاد :
في مساء يوم الثامن عشر من تشرين الثاني 1963، تلاشت مقاومة حزب البعث، وحرسه القومي في أنحاء البلاد، وتم لعبد السلام عارف وقادته العسكريين السيطرة التامة على البلاد، وبدأ على الفور بترتيب البيت، مانحاً نفسه صلاحيات استثنائية واسعة لمدة سنة، وتتجدد تلقائياً، إذا اقتضى الأمر ذلك، وعمد عبد السلام إلى الاعتماد على الروابط العشائرية، وخاصة عشيرة [الجميلات]، فقد عين شقيقه [عبد الرحمن عارف] وكيلاً لرئيس أركان الجيش، رغم عدم كونه ضابط أركان . كما عين صديقه، وأبن عشيرته [سعيد صليبي] قائداً لحامية بغداد، فيما أعلن عارف نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة.(6)
كما جاء عارف باللواء العشرين، الذي كان يقود أحد أفواجه عند قيام ثورة 14 تموز، واتخذه حرسه الجمهوري الخاص به، كل العناصر المؤيدة له فيه من عشيرة الجميلات وغيرها من عشائر محافظة الأنبار.
بدأ عبد السلام عارف حكمه معتمداً على ائتلاف عسكري ضم الضباط القوميين والناصريين، والضباط البعثيين الذين انقلبوا على سلطة البعث، فقد أصبح [طاهر يحيى] رئيساً للوزراء، و[حردان التكريتي]، نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، فيما عيين [أحمد حسن البكر] نائباً لرئيس الجمهورية، والزعيم [رشيد مصلح]وزيراً للداخلية وحاكماً عسكرياً عاماً، ويلاحظ أن هؤلاء جميعاً من تكريت، ومن العناصر البعثية، أما العناصر القومية التي شاركت في الحكم فكان على رأسها الزعيم الركن [محمد مجيد]،مدير التخطيط العسكري، والزعيم الركن[عبد الكريم فرحان]،الذي عيين وزيراً للإرشاد، و[عارف عبد الرزاق]، الذي عيين قائداً للقوة الجوية، والعقيد الركن [هادي خماس] مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، والمقدم [صبحي عبد الحميد] الذي عيين وزيراً للخارجية.
عبد السلام عارف يبعد العناصر البعثية عن الحكم:
رغم تعاون الضباط البعثيين مع عبد السلام عارف في انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 ضد قيادتهم المدنية، واشتراكهم في حكومته الانقلابية، إلا أن عارف لم يكن يطمأن لوجودهم في السلطة، ولم يكن إشراكهم في الحكم من قبله سوى كونه عمل تكتيكي من أجل نجاح انقلابه ضد سلطة البعث، وتثبيت حكمه، لكنه كان في نفس الوقت يتحين الفرصة للتخلص منهم، وقد ساعده في ذلك الكره الشعبي الواسع النطاق للحكام البعثيين بسبب ما اقترفوه من جرائم بحق الوطنيين طيلة فترة حكمهم، وهكذا وبعد أن تسنى لعارف تثبيت أركان حكمه، بدأ بتوجيه الضربات للعناصر البعثية تلك.
ففي 4 كانون الأول 964 ،أعفى عارف المقدم [عبد الستار عبد اللطيف] من وزارة المواصلات، وفي 16 منه ، أزاح عارف [ حردان التكريتي ] من منصبه كقائد للقوة الجوية، وفي 4 كانون الثاني 64 ألغي عارف منصب نائب رئيس الجمهورية، وتخلص من [احمد حسن البكر] الذي كان يشغل المنصب، وعينه سفيراً بديوان وزارة الخارجية. (7)
وفي 2 آذار 64، أعفى عارف [ حردان التكريتي ] من منصب وزير الدفاع، وعين محله طاهر يحيى، بالإضافة إلى منصبه كرئيس للوزراء، ولم يبقَ إلا رشيد مصلح التكريتي، وزير الداخلية والحاكم العسكري العام الذي ربط مصيره بمصير عارف، مهاجماً أعمال البعثيين وجرائمهم بحق الشعب، وبذلك أصبح الحكم بقيادة عبد السلام عارف، وبرز الناصريون في مقدمة النظام، وبدأ النظام يقلد الجمهورية العربية المتحدة في أساليبها وخططها التنموية، حيث أقدمت الحكومة على تأميم المصارف، وشركات التأمين مع 32 مؤسسة صناعية وتجارية كبيرة، وخصصت الدولة 25% من الأرباح للعمال، والموظفين العاملين فيها، وقررت تمثيلهم في مجالس الإدارة.
كما أقدم النظام الجديد على تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي في 14 تموز 1964 على غرار الاتحاد الاشتراكي في الجمهورية العربية المتحدة، ودُعيت القوى السياسية في البلاد إلى الانضواء تحت راية هذا الاتحاد، وقد أستهوى هذا الإجراء وتلك التحولات الاقتصادية جانباً من قيادة الحزب الشيوعي، حيث برزت دعوة لحل الحزب، والانضمام إلى الاتحاد المذكور، لكن هذا الاتجاه لم ينجح في جر الحزب إليه، بعد أن وقفت العناصر الحريصة على مصلحة الحزب ضد دعوة الحل والانضمام للاتحاد الاشتراكي المزعوم.
16/11/2010
م.ن
{لقد اخبرني الرفيق ميشيل عفلق، فيلسوف الحزب، أن عصابة استبدت بالحزب في العراق، ومثلها في سوريا، وأن العصابتين وضعتا رأسيهما معاً، وسيطرتا على المؤتمر القومي السادس، ولذلك يجب القضاء عليهما}.
كما هاجم المهداوي قرارات المؤتمر القومي السادس واصفاً إياه بمؤامرة ضد الحزب، وطالب بانتخاب قيادة قطرية جديدة، تحت تهديد أسلحة الضباط المرافقين له، وتظاهر المؤتمر باختيار قيادة جديدة، واشترك الضباط بالتصويت،علماً بان بعضهم لم يكن بعثياً على الإطلاق، وجاء على رأس القيادة الجديدة [حازم جواد] بالإضافة إلى فوز أنصاره.
غير أن المهزلة لم تنتهِ إلى هذا الحد، بل أسرع الضباط إلى اعتقال علي صالح السعدي، ومحسن الشيخ راضي، وحمدي عبد المجيد، وهاني الفكيكي، وأبو طالب الهاشمي، الذي كان يشغل منصب نائب القائد العام للحرس القومي،وسُفر الجميع على متن طائرة عسكرية إلى مدريد.
3 ـ امتداد الصراع إلى الشارع :
هكذا إذاً أنفجر الوضع المتأزم في ذلك اليوم، وامتد الصراع إلى الشارع، ففي صباح يوم 13 تشرين الثاني اندفعت أعداد غفيرة من مؤيدي علي صالح السعدي ومن الحرس القومي، إلى شوارع بغداد، وأقاموا الحواجز في الطرق، واحتلوا مكاتب البريد والبرق والهاتف، ودار الإذاعة، وهاجموا مراكز الشرطة، واستولوا على الأسلحة فيها، و أسرع الونداوي إلى قاعدة الرشيد الجوية ومعه طيار آخر وامتطيا طائرتين حربيتين، وقاما بقصف القاعدة المذكورة، ودمرا [5 طائرات] كانت جاثمة فيها.
وفي الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم أذاع صالح مهدي عماش، وزير الدفاع، بياناً من دار الإذاعة حذر فيه أحمد حسن البكر من أن هناك محاولة لجعل البعثيين يقتلون بعضهم بعضاً، وهذا ما لا يفيد إلا أعداء الحزب، كما وجه نداءً للعودة إلى العلاقات الرفاقية وإلى التفاهم والأخوة. وفي تلك الأثناء فرضت قوات الحرس القومي سيطرتها على أغلب مناطق بغداد، ورفض البكر وعماش إعطاء الأمر إلى الجيش بالتدخل، وأصبحت قيادة فرع بغداد للحزب هي التي تقود الحزب في تلك اللحظات الحرجة من تاريخ حكم البعث، وطالبت تلك القيادة بإعادة السعدي ورفاقه إلى العراق، وممارسة مهامهم الحزبية والرسمية.غير أنها لم تفلح في ذلك، واضطرت إلى الموافقة على إحالة القضية إلى القيادة القومية لتبت فيها.
4 ـ عفلق وأمين الحافظ في بغداد لمحاولة حسم الصراع:
وفي مساء ذلك اليوم، 13 تشرين الثاني، وصل إلى بغداد مؤسس الحزب [ميشيل عفلق] والرئيس السوري [أمين الحافظ] بالإضافة إلى عدد آخر من أعضاء القيادة القومية للحزب.
غير أن عبد السلام عارف لم يجر لهما استقبالاً رسمياً، كما يقتضي البروتوكول والعرف الدبلوماسي، كما لم يحاول الالتقاء بالوفد، مما جعل الوفد يحس أن هناك جو غير طبيعي في بغداد، وأن لابد من أن يكون هناك أمراً يدبر ضد حكم البعث.
حاول ميشيل عفلق ورفاقه في الوفد، التصرف بشؤون العراق!،وأصدروا قراراً بنفي حازم جواد، وزير الداخلية، وطالب شبيب، وزير الخارجية، متهمين إياهما بأنهما أساس الفتنة.
كما أصدر الوفد قراراً آخر بحل القيادة القطرية التي جرى انتخابها تحت تهديد الضباط الخمسة عشرة، وكذلك القيادة القطرية التي كان يقودها علي صالح السعدي، وأعلن عن تسلم القيادة القومية للمسؤولية لحين انتخاب قيادة قطرية جديدة.
هكذا إذاً كان تصرف عفلق والوفد الموافق له، تجاهلاً لعبد السلام عارف، بصفته رئيساً للجمهورية، كما أن الرابطة التي كانت تجمع الضباط البعثيين بالقيادة المدنية قد تفككت، ودبت الخلافات العميقة بينهم، وسارع الجناح المدني في الحزب يتحدى من أسماهم بأعداء الحزب، ودعا اتحاد العمال، الذي يسيطر عليه الحزب إلى سحق رؤوس البرجوازيين الذين خانوا الحزب، وإعدام أصحاب رؤوس الأموال الذين هربوا أموالهم إلى الخارج.
كما دعوا إلى تأميم كافة المشاريع الصناعية في البلاد، وكانت تلك الاندفاعات لجناح الحزب المدني كلها تصب في خانة عبد السلام عارف، الذي صمم على إزاحة حزب البعث عن السلطة، وأحكام قبضته على شؤون البلاد دون منازع أو شريك.
رابعاً:انقلاب عبد السلام عارف ضد البعث في 18 تشرين الثاني 63:
بعد أن وصلت حالة الحزب إلى أقصى درجات التمزق والتناحر، وبعد أن عمت الفوضى أرجاء البلاد، وبلغ استياء ضباط الجيش الممسكين بالمراكز القيادية في الجهاز العسكري من تصرف القيادة البعثية مداه، قرر عبد السلام عارف بالتعاون مع تلك العناصر العسكرية توجيه ضربته القاضية لحكم البعث، وإنهاء سيطرتهم على مقدرات البلاد، فقد استغل عبد السلام تلك الظروف البالغة الصعوبة التي مرّ بها حزب البعث وبالتنسيق مع عدد من أولئك الضباط ، كان منهم:
1- عبد الرحمن عارف، شقيقه، قائد الفرقة الخامسة.
2- الزعيم الركن عبد الكريم فرحان، قائد الفرقة الأولى.
3- العقيد سعيد صليبي، آمر الانضباط العسكري.
4- الزعيم الركن الطيار حردان التكريتي، قائد القوة الجوية [ بعثي].
5- اللواء الركن طاهر يحيى، رئيس أركان الجيش.
هذا بالإضافة إلى العديد من الضباط الآخرين ذوي الميول القومية.
وفي فجر يوم 18 تشرين الثاني 1963، قامت طائرات عسكرية بقصف مقر القيادة العامة للحرس القومي في الأعظمية، ثم تقدمت الدبابات، والمصفحات لتستولي على كافة المرافق العامة في بغداد، ومقرات الحرس القومي، وحاول البعثيون مقاومة الانقلاب في بادئ الأمر، إلا أن الأمر كان قد حسم في نهاية النهار، فلم يكن باستطاعة الحرس القومي، وهو يحمل الأسلحة الخفيفة أن يقاوم الدبابات والمصفحات والصواريخ والطائرات.
سارع أفراد الحرس إلى إلقاء سلاحهم، والتخلص منه، برميه في الحقول والمزارع والمزابل بعد أن هددهم النظام العارفي الجديد بإنزال العقاب الصارم بهم إن هم استمروا على حمل السلاح أو إخفائه، وأجرى الجيش مداهمات لدور أفراد الحرس القومي بحثاً عن السلاح.
كما جرى إلقاء القبض على أعداد كبيرة من البعثيين لفترة محدودة من الزمن، حيث تمكن الجيش من إحكام سيطرته على البلاد، وأخذ النظام فيما بعد يطلق سراح البعثيين المعتقلين في حين بقي السجناء والموقوفين الشيوعيين والديمقراطيين في السجون !!، وجرى تنفيذ أحكام بالإعدام كانت قد أصدرتها المحاكم العرفية على عهد البعثيين، بعد تسلم عبد السلام عارف زمام الأمور في البلاد، فقد كان العداء للشيوعية هو الجامع الذي جمع البعثيين والقوميين، دون استثناء، ربما شيء واحد قد تغير، هو تخفيف حملات التعذيب أثناء التحقيقات مع المعتقلين، واستمرت المحاكم العرفية تطحن بالوطنيين طيلة عهد عارف.
عبد السلام عارف يحكم سيطرته على البلاد :
في مساء يوم الثامن عشر من تشرين الثاني 1963، تلاشت مقاومة حزب البعث، وحرسه القومي في أنحاء البلاد، وتم لعبد السلام عارف وقادته العسكريين السيطرة التامة على البلاد، وبدأ على الفور بترتيب البيت، مانحاً نفسه صلاحيات استثنائية واسعة لمدة سنة، وتتجدد تلقائياً، إذا اقتضى الأمر ذلك، وعمد عبد السلام إلى الاعتماد على الروابط العشائرية، وخاصة عشيرة [الجميلات]، فقد عين شقيقه [عبد الرحمن عارف] وكيلاً لرئيس أركان الجيش، رغم عدم كونه ضابط أركان . كما عين صديقه، وأبن عشيرته [سعيد صليبي] قائداً لحامية بغداد، فيما أعلن عارف نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة.(6)
كما جاء عارف باللواء العشرين، الذي كان يقود أحد أفواجه عند قيام ثورة 14 تموز، واتخذه حرسه الجمهوري الخاص به، كل العناصر المؤيدة له فيه من عشيرة الجميلات وغيرها من عشائر محافظة الأنبار.
بدأ عبد السلام عارف حكمه معتمداً على ائتلاف عسكري ضم الضباط القوميين والناصريين، والضباط البعثيين الذين انقلبوا على سلطة البعث، فقد أصبح [طاهر يحيى] رئيساً للوزراء، و[حردان التكريتي]، نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، فيما عيين [أحمد حسن البكر] نائباً لرئيس الجمهورية، والزعيم [رشيد مصلح]وزيراً للداخلية وحاكماً عسكرياً عاماً، ويلاحظ أن هؤلاء جميعاً من تكريت، ومن العناصر البعثية، أما العناصر القومية التي شاركت في الحكم فكان على رأسها الزعيم الركن [محمد مجيد]،مدير التخطيط العسكري، والزعيم الركن[عبد الكريم فرحان]،الذي عيين وزيراً للإرشاد، و[عارف عبد الرزاق]، الذي عيين قائداً للقوة الجوية، والعقيد الركن [هادي خماس] مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، والمقدم [صبحي عبد الحميد] الذي عيين وزيراً للخارجية.
عبد السلام عارف يبعد العناصر البعثية عن الحكم:
رغم تعاون الضباط البعثيين مع عبد السلام عارف في انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 ضد قيادتهم المدنية، واشتراكهم في حكومته الانقلابية، إلا أن عارف لم يكن يطمأن لوجودهم في السلطة، ولم يكن إشراكهم في الحكم من قبله سوى كونه عمل تكتيكي من أجل نجاح انقلابه ضد سلطة البعث، وتثبيت حكمه، لكنه كان في نفس الوقت يتحين الفرصة للتخلص منهم، وقد ساعده في ذلك الكره الشعبي الواسع النطاق للحكام البعثيين بسبب ما اقترفوه من جرائم بحق الوطنيين طيلة فترة حكمهم، وهكذا وبعد أن تسنى لعارف تثبيت أركان حكمه، بدأ بتوجيه الضربات للعناصر البعثية تلك.
ففي 4 كانون الأول 964 ،أعفى عارف المقدم [عبد الستار عبد اللطيف] من وزارة المواصلات، وفي 16 منه ، أزاح عارف [ حردان التكريتي ] من منصبه كقائد للقوة الجوية، وفي 4 كانون الثاني 64 ألغي عارف منصب نائب رئيس الجمهورية، وتخلص من [احمد حسن البكر] الذي كان يشغل المنصب، وعينه سفيراً بديوان وزارة الخارجية. (7)
وفي 2 آذار 64، أعفى عارف [ حردان التكريتي ] من منصب وزير الدفاع، وعين محله طاهر يحيى، بالإضافة إلى منصبه كرئيس للوزراء، ولم يبقَ إلا رشيد مصلح التكريتي، وزير الداخلية والحاكم العسكري العام الذي ربط مصيره بمصير عارف، مهاجماً أعمال البعثيين وجرائمهم بحق الشعب، وبذلك أصبح الحكم بقيادة عبد السلام عارف، وبرز الناصريون في مقدمة النظام، وبدأ النظام يقلد الجمهورية العربية المتحدة في أساليبها وخططها التنموية، حيث أقدمت الحكومة على تأميم المصارف، وشركات التأمين مع 32 مؤسسة صناعية وتجارية كبيرة، وخصصت الدولة 25% من الأرباح للعمال، والموظفين العاملين فيها، وقررت تمثيلهم في مجالس الإدارة.
كما أقدم النظام الجديد على تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي في 14 تموز 1964 على غرار الاتحاد الاشتراكي في الجمهورية العربية المتحدة، ودُعيت القوى السياسية في البلاد إلى الانضواء تحت راية هذا الاتحاد، وقد أستهوى هذا الإجراء وتلك التحولات الاقتصادية جانباً من قيادة الحزب الشيوعي، حيث برزت دعوة لحل الحزب، والانضمام إلى الاتحاد المذكور، لكن هذا الاتجاه لم ينجح في جر الحزب إليه، بعد أن وقفت العناصر الحريصة على مصلحة الحزب ضد دعوة الحل والانضمام للاتحاد الاشتراكي المزعوم.
16/11/2010
م.ن