وبعد فمن الذي ينكر علينا أن نقول : إن فناً جديداً من فنون الشعر قد حدث أيام أبي العلاء ، ولم يعرفه الناس من قبل ؟ وهو الشعر الفلسفي الذي أنشأه أبو العلاء نفسه ، فمن الذي يدلنا على ديوان أنشئ لا لغرض إلا لشرح الحقائق الفلسفية وحدها ، في العصور الإسلامية الأولى ، إلى أواخر القرن الرابع ؟ ذلك رأي نراه ، وسنثبته في اللزوميات .
هناك اعتراض قيم نبدأ نحن بإيراده والإجابة عنه ، قبل أن تهم بنسيانه أو الغفلة عن مكانه ، وهو أن رقي الشعر يستلزم قوة في الأمة تضاعف حظ الخيال من الحركة ، وتبسط ظله إلى ما وراء الأشياء الواقعة ، والأمة الذليلة لا يمكن أن يكون لها شعر راق ، إلا في فن التضرع والاستعطاف . ذلك حق لا شك فيه ، لكن من الخطأ القول بأن الأمة الإسلامية قد كانت في ذلك العصر ذليلة ، بل كانت عزيزة قوية ، وإنما أصابها الفساد السياسي من جهة افتراقها وانقسامها .
***
لفظ الفيلسوف كلفظ الأديب ولفظ العالم ، مبهم غامض الحدود ، فمن الناس من يفهم منه الخارج على الدين ، ومنهم من يدل به على من يبتدع الجديد ، ومنهم من يطلقه على من يدرس كتب الفلسفة درساً علمياً ، فإذا قيل أن أبا العلاء فيلسوف ، ضاع الرجل بين هذه المعاني المختلفة ، لذلك لم بكن بد من أن نحدد معنى خاصاً لهذا اللفظ ، حين نطلقه على أبي العلاء .
مهما يكن أصل هذا اللفظ في اليونانية ، ومهما تكن معانيه عند المسلمين ، فإنا نفهم منه رجلاً درس العلوم الطبيعية ، والإلهية ، والخلقية ، درساً علمياً متقناً وبسط سلطانها على حياته العلمية ، وسيرته الخاصة ، فلم يكن تناقض بين هذه العلوم وبين أعماله .
***
مع أن الإنسان مفطور على حب البحث ، والرغبة في الاستطلاع فإن الحياة وأطوارها قد تصرفه عن مقتضى هذه الفطرة ، وتقنعه بنتائج ما لغيره من البحث ، فينفق أيامه مقلداً في علمه وعمله جميعاً ، فإذا رأيت رجلاً نجم من بيئة اجتماعية ما ، فخالف هذه القاعدة وشذ عن هذا القياس ، وأبى أن يكون لا أن يكون العلم والعمل ، منبعثاً في حياته وآرائه عن نفسه وشخصيته ، فاعلم أن مؤثرات خاصة قد أحاطت به فمنعت الوراثة والخمود من أن يفسد فطرته ، ويفنياها فيما ألف الاجتماع الذي يعيش فيه ، ولقد رأينا أبا العلاء يخالف عادة قومه، فيسلك في حياته طريقاً خاصاً ، وكذلك في درسه وعلمه بل هو لم يرض أن يكون مستسلماً لمألوف الاجتماع ، حتى لم يستطع أن يجاريهم في شيءٍ كل الناس يجاري فيه ، لا اعتزازه بسلطان الوراثة والوجدان والقوة السياسية ، وهو الدين .
هناك اعتراض قيم نبدأ نحن بإيراده والإجابة عنه ، قبل أن تهم بنسيانه أو الغفلة عن مكانه ، وهو أن رقي الشعر يستلزم قوة في الأمة تضاعف حظ الخيال من الحركة ، وتبسط ظله إلى ما وراء الأشياء الواقعة ، والأمة الذليلة لا يمكن أن يكون لها شعر راق ، إلا في فن التضرع والاستعطاف . ذلك حق لا شك فيه ، لكن من الخطأ القول بأن الأمة الإسلامية قد كانت في ذلك العصر ذليلة ، بل كانت عزيزة قوية ، وإنما أصابها الفساد السياسي من جهة افتراقها وانقسامها .
***
لفظ الفيلسوف كلفظ الأديب ولفظ العالم ، مبهم غامض الحدود ، فمن الناس من يفهم منه الخارج على الدين ، ومنهم من يدل به على من يبتدع الجديد ، ومنهم من يطلقه على من يدرس كتب الفلسفة درساً علمياً ، فإذا قيل أن أبا العلاء فيلسوف ، ضاع الرجل بين هذه المعاني المختلفة ، لذلك لم بكن بد من أن نحدد معنى خاصاً لهذا اللفظ ، حين نطلقه على أبي العلاء .
مهما يكن أصل هذا اللفظ في اليونانية ، ومهما تكن معانيه عند المسلمين ، فإنا نفهم منه رجلاً درس العلوم الطبيعية ، والإلهية ، والخلقية ، درساً علمياً متقناً وبسط سلطانها على حياته العلمية ، وسيرته الخاصة ، فلم يكن تناقض بين هذه العلوم وبين أعماله .
***
مع أن الإنسان مفطور على حب البحث ، والرغبة في الاستطلاع فإن الحياة وأطوارها قد تصرفه عن مقتضى هذه الفطرة ، وتقنعه بنتائج ما لغيره من البحث ، فينفق أيامه مقلداً في علمه وعمله جميعاً ، فإذا رأيت رجلاً نجم من بيئة اجتماعية ما ، فخالف هذه القاعدة وشذ عن هذا القياس ، وأبى أن يكون لا أن يكون العلم والعمل ، منبعثاً في حياته وآرائه عن نفسه وشخصيته ، فاعلم أن مؤثرات خاصة قد أحاطت به فمنعت الوراثة والخمود من أن يفسد فطرته ، ويفنياها فيما ألف الاجتماع الذي يعيش فيه ، ولقد رأينا أبا العلاء يخالف عادة قومه، فيسلك في حياته طريقاً خاصاً ، وكذلك في درسه وعلمه بل هو لم يرض أن يكون مستسلماً لمألوف الاجتماع ، حتى لم يستطع أن يجاريهم في شيءٍ كل الناس يجاري فيه ، لا اعتزازه بسلطان الوراثة والوجدان والقوة السياسية ، وهو الدين .