السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القلب ملكٌ والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده ،
والقلب عليه تدور سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وإن الشقاء والتعاسة
التي يعيشها كثير من الناس إنما سببها عدم راحة القلوب والصراع الذي تعيشه البشرية
اليوم أفراد وجماعات ودول قد لا يدرك الكثير أن سبب ذلك فساد القلوب ..
والقلق والهموم التي اجتاحت العالم يعود سببها إلى ضيق القلوب وقسوتها
وبعدها عن غذائها الروحي وأسباب حياتها ،
فالقلب وعاء كل شيء في حياة الإنسان فالإيمان والكفر لا يكون إلا في القلب والنية
لا تخرج إلا من القلب والفهم والفقه والتدبر والإتعاظ والإستفادة من دروس الحياة
وأحداث الزمان إنما يكون في القلوب
قال تعالى"(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179}..
وانظروا إلى بعض آثار هذه القلوب وأهميتها وأثرها في حياة الإنسان ..
يقول الله سبحانه وتعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا
الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا
مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
(سورة القلم آية (17 – 33).
هذه قصة أصحاب الحديقة والبستان المثمر والمنظر البديع والخير الوفير ذكرها الله في
القرآن ليعتبر المعتبرون فهل تساءل أحدنا لماذا عاجلهم الله بالعقوبة ؟
ولماذا أحرق حديقتهم ودمر زرعهم وأهلك أموالهم ؟
لقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن السبب هو أنهم أضمروا في قلوبهم الشر والبخل والخبث والمكر
ومنع ما كان للفقراء والمساكين من حق ...
فسبحان الله مجرد الإضمار في القلب والنية لعمل المنكر وفساد المقصد سبباً
للهلاك فكيف بمن يفعل ذلك ويمارسه سلوكاً في واقع الحياة .
إنه يجب على كل مسلم أن يتعاهد قلبه بالإيمان والعمل الصالح
وأن يصفية من أمراض القلوب كالنفاق والحقد والحسد و والكبر والبغض
والكراهية والقسوة والخبث وإن رمضـــان فرصة عظيمة لإصلاح القلوب
وترميمها وصقلها لما فيه من النفحات الربانية ..
فالصيام يربى المسلم على تقوى الله ومراقبته واستشعار عظمته
وهذا لا يكون إلا في القلب والصيام يوجه المسلم للتعاون والتعاطف مع من حوله
والصيام نتعلم منه الصبر وحسن الخلق وبذل المعروف وشهر الصوم شهر العتق من النيران
شهر العفو والمغفرة ينبه المسلم إلى أهمية أن يعفو ويسامح ويصفح عن من أساء إليه
من حوله فيكون التآلف والإخاء والتراحم بين أفراد المجتمع ،
وشهر رمضان شهر القرآن فيقبل عليه المسلم بشغف فيقرأ آياته
ويتعلم أحكامه ويتربى على قيمه وتوجيهاته ..
ورمضان شهر الصدق والإخلاص وكم نحن بحاجة إلى ترميم قلوبنا وإمدادها
بهذه القيم العظيمة في زمن تنصل الكثير عن مبادئهم وظهر النفاق في حياتهم
بأبشع صوره ووجد الرياء في الأعمال والأقوال والعبادات ،
ورمضان شهر التوبة والإنابة ولا يكون ذلك إلا إذا أنابت القلوب بصدق إلى ربها
ورغبت في عفوه ومغفرته ورمضان فرصة عظيمة لتصفية القلوب من ووساوس الشيطان
ونزغاته ، ورمضان فرصة للخشوع في الذكر والدعاء والصلاة
والقيام وبذلك تلين القلوب وتطمئن وتكون أهلاً لنظر الله فالله سبحانه وتعالى
لا ينظر إلى الصور والأجساد بل ينظر إلى القلوب والأعمال،
ويُجازي عليها فلا تجعل محل نظر الله إليك هو أخبث الأماكن وأكثرها جرماً
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )( مسلم(2564)
وقال تعالى({لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم
فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
فالإيمان والصدق وإتباع الحق لا يستدل عليه من الصور والهيئات ولكن الله
يعلم أن مكانه القلب ...
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
{ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب }
(رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه)
وقال تعالى مبيناً أهمية القلب في حياة الإنسان وأنه محل سؤال الله يوم القيامة
(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)
[سورة الإسراء، الآية: 36].
...
لقد ربط الله تعالى النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب:
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88، 89].
والقلب السليم هو القلب سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه وسلم من مخالفة
رسوله صلى الله عليه وسلم و سلم من الغل والحقد والحسد والكبر وغيرها
من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة و هو قلب يخشى الله في السر والعلن ،
كثير التوبة والإنابة إليه قال تعالى
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن
بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [سورة ق، الآية: 31].
.. وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟
قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال:
"هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد"
(صحيح ابن ماجه للألباني(3416)
.. يا لروعة هذه القلوب كيف جعلت من أصحابها أفضل الخلق عند الله وعند رسوله
بل وعند الناس جميعاً. .. لقد كان أعظم هذه القلوب صفاءاً وأوسعها رحمة وليناً
ورفقاً وحلماً هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
(آل عمران:159) ..
وقلوب المؤمنين يجب أن تكون كذلك تتصف باللين والخشوع والرحمة والوجل
لتنال رحمة الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة قال تعالى
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)
[سورة الأنفال:2-4].
لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور،
فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، ...
كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً يعطف بعضهم على بعض ويرحم بعضهم بعضاً ويحب بعضهم
بعضاً كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال:
﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
( الحشر: 9)
وكما قال جل ذكره في وصفهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾( الفتح: 29)
و كان لسلامة قلوبهم منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم قال إياس
بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي صلَى الله عليه وسلم
((كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة))
و قال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟
قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر:
لسلامة صدورهم..
لا يمكر لأخيه ولا يحقد عليه ولا يهجره ولا يتمنى أن ينزل أو يحل
بداره شرٌ أو مكروه ولو كان بينهم خصومات أو اختلاف في وجهات النظر بل يتمنى
له الخير يرجو بذلك ثواب الله ويطلب رضاه ..
هــذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان
المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".
إن رقة القلب وسلامة الصدر نعمة من أجل النعم وأعظمها ،
وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله فقد قال سبحانه
{ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ } (الزمر:22) ،
وما رق قلب لله وانكسر إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات ، مشمراً إلى الطاعات ...
إن قسوة القلوب وفسادها سبب لمشاكل الحياة فالعنف والشدة والغلظة على
بعضنا البعض وغياب التراحم والتكافل وسوء الظن على مستوى
الفرد والأسرة والمجتمع سببه قسوة القلوب قال تعالى
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ *
فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
[الأنعام:42-45]..
وإنه قد آن الآوان لهذه القلوب أن تخشع وتلين وتعمر بالإيمان والتقوى
فقد حذر سبحانه من الغرور والغفلة وطول الأمل فقال
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16] ..
القلب ملكٌ والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده ،
والقلب عليه تدور سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وإن الشقاء والتعاسة
التي يعيشها كثير من الناس إنما سببها عدم راحة القلوب والصراع الذي تعيشه البشرية
اليوم أفراد وجماعات ودول قد لا يدرك الكثير أن سبب ذلك فساد القلوب ..
والقلق والهموم التي اجتاحت العالم يعود سببها إلى ضيق القلوب وقسوتها
وبعدها عن غذائها الروحي وأسباب حياتها ،
فالقلب وعاء كل شيء في حياة الإنسان فالإيمان والكفر لا يكون إلا في القلب والنية
لا تخرج إلا من القلب والفهم والفقه والتدبر والإتعاظ والإستفادة من دروس الحياة
وأحداث الزمان إنما يكون في القلوب
قال تعالى"(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179}..
وانظروا إلى بعض آثار هذه القلوب وأهميتها وأثرها في حياة الإنسان ..
يقول الله سبحانه وتعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا
الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا
مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
(سورة القلم آية (17 – 33).
هذه قصة أصحاب الحديقة والبستان المثمر والمنظر البديع والخير الوفير ذكرها الله في
القرآن ليعتبر المعتبرون فهل تساءل أحدنا لماذا عاجلهم الله بالعقوبة ؟
ولماذا أحرق حديقتهم ودمر زرعهم وأهلك أموالهم ؟
لقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن السبب هو أنهم أضمروا في قلوبهم الشر والبخل والخبث والمكر
ومنع ما كان للفقراء والمساكين من حق ...
فسبحان الله مجرد الإضمار في القلب والنية لعمل المنكر وفساد المقصد سبباً
للهلاك فكيف بمن يفعل ذلك ويمارسه سلوكاً في واقع الحياة .
إنه يجب على كل مسلم أن يتعاهد قلبه بالإيمان والعمل الصالح
وأن يصفية من أمراض القلوب كالنفاق والحقد والحسد و والكبر والبغض
والكراهية والقسوة والخبث وإن رمضـــان فرصة عظيمة لإصلاح القلوب
وترميمها وصقلها لما فيه من النفحات الربانية ..
فالصيام يربى المسلم على تقوى الله ومراقبته واستشعار عظمته
وهذا لا يكون إلا في القلب والصيام يوجه المسلم للتعاون والتعاطف مع من حوله
والصيام نتعلم منه الصبر وحسن الخلق وبذل المعروف وشهر الصوم شهر العتق من النيران
شهر العفو والمغفرة ينبه المسلم إلى أهمية أن يعفو ويسامح ويصفح عن من أساء إليه
من حوله فيكون التآلف والإخاء والتراحم بين أفراد المجتمع ،
وشهر رمضان شهر القرآن فيقبل عليه المسلم بشغف فيقرأ آياته
ويتعلم أحكامه ويتربى على قيمه وتوجيهاته ..
ورمضان شهر الصدق والإخلاص وكم نحن بحاجة إلى ترميم قلوبنا وإمدادها
بهذه القيم العظيمة في زمن تنصل الكثير عن مبادئهم وظهر النفاق في حياتهم
بأبشع صوره ووجد الرياء في الأعمال والأقوال والعبادات ،
ورمضان شهر التوبة والإنابة ولا يكون ذلك إلا إذا أنابت القلوب بصدق إلى ربها
ورغبت في عفوه ومغفرته ورمضان فرصة عظيمة لتصفية القلوب من ووساوس الشيطان
ونزغاته ، ورمضان فرصة للخشوع في الذكر والدعاء والصلاة
والقيام وبذلك تلين القلوب وتطمئن وتكون أهلاً لنظر الله فالله سبحانه وتعالى
لا ينظر إلى الصور والأجساد بل ينظر إلى القلوب والأعمال،
ويُجازي عليها فلا تجعل محل نظر الله إليك هو أخبث الأماكن وأكثرها جرماً
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )( مسلم(2564)
وقال تعالى({لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم
فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
فالإيمان والصدق وإتباع الحق لا يستدل عليه من الصور والهيئات ولكن الله
يعلم أن مكانه القلب ...
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
{ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب }
(رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه)
وقال تعالى مبيناً أهمية القلب في حياة الإنسان وأنه محل سؤال الله يوم القيامة
(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)
[سورة الإسراء، الآية: 36].
...
لقد ربط الله تعالى النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب:
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88، 89].
والقلب السليم هو القلب سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه وسلم من مخالفة
رسوله صلى الله عليه وسلم و سلم من الغل والحقد والحسد والكبر وغيرها
من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة و هو قلب يخشى الله في السر والعلن ،
كثير التوبة والإنابة إليه قال تعالى
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن
بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [سورة ق، الآية: 31].
.. وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟
قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال:
"هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد"
(صحيح ابن ماجه للألباني(3416)
.. يا لروعة هذه القلوب كيف جعلت من أصحابها أفضل الخلق عند الله وعند رسوله
بل وعند الناس جميعاً. .. لقد كان أعظم هذه القلوب صفاءاً وأوسعها رحمة وليناً
ورفقاً وحلماً هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
(آل عمران:159) ..
وقلوب المؤمنين يجب أن تكون كذلك تتصف باللين والخشوع والرحمة والوجل
لتنال رحمة الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة قال تعالى
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)
[سورة الأنفال:2-4].
لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور،
فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، ...
كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً يعطف بعضهم على بعض ويرحم بعضهم بعضاً ويحب بعضهم
بعضاً كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال:
﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
( الحشر: 9)
وكما قال جل ذكره في وصفهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾( الفتح: 29)
و كان لسلامة قلوبهم منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم قال إياس
بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي صلَى الله عليه وسلم
((كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة))
و قال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟
قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر:
لسلامة صدورهم..
لا يمكر لأخيه ولا يحقد عليه ولا يهجره ولا يتمنى أن ينزل أو يحل
بداره شرٌ أو مكروه ولو كان بينهم خصومات أو اختلاف في وجهات النظر بل يتمنى
له الخير يرجو بذلك ثواب الله ويطلب رضاه ..
هــذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان
المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".
إن رقة القلب وسلامة الصدر نعمة من أجل النعم وأعظمها ،
وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله فقد قال سبحانه
{ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ } (الزمر:22) ،
وما رق قلب لله وانكسر إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات ، مشمراً إلى الطاعات ...
إن قسوة القلوب وفسادها سبب لمشاكل الحياة فالعنف والشدة والغلظة على
بعضنا البعض وغياب التراحم والتكافل وسوء الظن على مستوى
الفرد والأسرة والمجتمع سببه قسوة القلوب قال تعالى
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ *
فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
[الأنعام:42-45]..
وإنه قد آن الآوان لهذه القلوب أن تخشع وتلين وتعمر بالإيمان والتقوى
فقد حذر سبحانه من الغرور والغفلة وطول الأمل فقال
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16] ..