" العلوم البحتة "
1- الطب :
يعتبر علم الطب من العلوم التي اهتمت بها العرب عناية فائقة واستطاعوا أن يكتشفوا الكثير من النظريات العلمية وأن يؤلفوا كثيراً من الكتب الطبية .
وقد ترجمت الكثير من المؤلفات الطبية من العربية إلى اللغات الأوروبية ولقيت اهتماماً كبيراً وكان لها تأثير كبير في عالم الطب لعدة قرون وتعتبر المصادر الأساسية التي يعتمد عليها والمراجع الهامة التي يرجع إليها .
وقد عرف العرب الطب منذ العصر الجاهلي واستفادوا بعلومهم الطبية من الأمم والشعوب السابقة مثل الكلدانيين والفرس والهنود .
وأشهر أطباء العصر الجاهلي هم :
1- الحارث بن كلدة الثقفي وعاصر الجاهلية والإسلام .
وعند ظهور الإسلام ظهر نوع جديد من الطب عرف باسم [ الطب النبوي ] وظهرت الأحاديث النبوية الخاصة بالمعلومات الطبية .
وهذه الأحاديث موجودة في الجزء السابع من صحيح البخاري وتحتوي على وصفات طبية من حيث العلاج لبعض الأمراض والعلل مثل صداع الرأس والشقيقة والرمد والجزام والحمى والتهاب الرئة والطاعون ولسعة الحية والعقرب وذكروا رواية الشفاء مثل العسل والكلى والحمية والاحتجام .
وأشهر كتب الطب النبوي :
1- الذهبي : الطب النبوي كتاب الأحكام النبوية في الصناعة الطبية .
2- ابن القيم الجوزية : الطب النبوي .
وأشهر أطباء العصر الأموي :
1- ابن اتال وكان طبيب معاوية بن أبي سفيان وله خبرة في الأدوية المركبة والمفردة .
2- وأبو الحكم وحفيده عيسى وعبد الملك بن ابحر الكناني وكان طبيباً وعالماً وماهراً .
وقد شجع خلفاء بني أمية الطب والأطباء .
وكان الخليفة الوليد بن عبد الملك أول من أنشأ البيمارستان في الإسلام بمنطقة دمشق سنة 88هـ وعين فيه الأطباء وحجز المجزومين في محجر صحي خارج دمشق وأجرى لهم أرزاق .
وفي العصر العباسي تقدم علم الطب تقدماً عظيماً بسبب حركة الترجمة وأشهر الأطباء بختيشوع وابنه جبريل واشتهرت هذه الأسرة بمهارتها الطبية خلفاً عن سل مدة ثلاثة قرون انفردت في خدمة خلفاء بني العباس .
وفي منتصف القرن الرابع عشر ظهرت حركة التأليف وأشهر المؤلفات العربية الطبية :
1- علي بن سهل الطبري وكتابه [ فردوس الحكمة وحفظ الصحة ومنافع الأطعمة والأشربة ] .
2- محمد بن زكريا الرازي : ولقب بجاليتوس العرب وكان مديراً لمستشفى أطباء الري ثم مديراً لمستشفى بغداد وقد أجمع المستشرقون والمشتغلون بالطب أن الرازي أفضل طبيب أنجبته النهضة العربية الإسلامية ، وهو أول من تكلم عن الجراحة وأمراض الأطفال .
3- ابن سينا : وهو أبو علي بن الحسن ولد بمدينة بخارى .
2- علم الرياضيات :
عرف العرب علم الرياضيات بأنه علم غرضه إدراك المقادير وأطلقت الرياضيات على الحساب – الجبر – المثلثات – الهندسة – الفلك .
أ- الحساب :
ويسمى علم الأعداد وعرف العرب نظام الترقيم وهذبوه وكونوا منه سلسلتين :
1- أحدهما يعرف بالأرقام الهندسية وهي المستعملة الآن .
2- الأرقام الغبارية وسميت بذلك لأن أهل الهند كانوا يأخذون غباراً ناعماً ويبسطونه على لوح ويرسمون عليه الأرقام التي يحتاجون إليها في عملياتهم الحسابية ومعاملاتهم التجارية .
وقسم العرب الحساب إلى نوعين :
1- غباري وهو الذي يحتاج إلى ورق وقلم .
2- هوائي وهو الحساب الذهني الذي لا يحتاج فيه إلى أدوات .
واستعمل العرب الصفر في الترقيم .
وعرفوا علامة الكسر العشري والنظام العشري أي القيم الرضعية للأرقام وهي الآحاد والعشرات والمئات .
ب- الجبر :
هو الذي تستخرج منه المجهولات باستخدام حروف وأرقام وعلامات .
وأول من اخترع علم الجبر العرب وهم أول من أطلق عليه هذا الاسم . وقد أخذه الأفرنج منهم والعرب أول من ألف في علم الجبر .
وعرف علم الجبر في القرن الثالث الهجري في عهد المأمون وهو الذي شجع هذا العلم فقد كلف الخليفة " محمد بن موسى الخوارزمي " بوضع كتاب في علم الجبر يكون سهل المثال على علماء العرب وعندما نشر هذا الكتاب استفاد منه المسلمون والأوروبيون واعتمدوا عليه في أبحاثهم ونظرياتهم .
وقام الدكتور مصطفى مشرفه والدكتور محمد موسى أحمد بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول بنشر الكتاب والتعليق عليه والمخطوطة لهذا الكتاب بجامعة اكسفورد كما أن الأوروبيون نشروه عام 1831م .
3- الكيمياء :
تشير المصادر أن " خالد بن يزيد بن معاوية " أول من اشتغل بعلم الكيمياء ويطلق العرب عليه [ علم الصنعة ] ويعتمد على التجربة والبحث .
والعرب أول من أنشأوا علم الكيمياء وكشفوا أجزائها المهمة مثل : حامض الكبرتيك – ونترات الفضة والكحول واستخدموا التجربة والتدقيق والبحث عن عناصر الأشياء وكان لتقدمهم في هذا العلم أثر في تقدم العلوم الطبية .
كما بذل العرب الكثير من الجهد لمعرفة الإكسير وهو عبارة عن دواء أنه يعيد الحيوية والنشاط للإنسان .
وأيضاً محاولاتهم لمعرفة حجر الفلاسفة الذي قيل فيه بتحويل المعادن إلى ذهب .
كما استطاعوا معرفة التقطير والتبخير وكشف الكحول من المواد السكرية والنشوية .
لم يعتمد العرب على نظريات علماء اليونان مثل ارسطوا وغيره بل خالفوهم في كثير من النظريات وجاءوا بنظريات جديدة معتمدة على البحث العلمي .
كما أضافوا العرب إلى الكيمياء إضافات علمية اعتبرها الأوروبيون علماً عربياً .
وقسم العرب الكيمياء إلى أربعة أقسام :
1- المواد المعدنية .
2- المواد النباتية .
3- المواد الحيوانية .
4- المواد المشتقة .
وعرفت أوروبا علم الكيمياء عن طريق العرب وأسماء مواده العربية الإكسير والكحول والقصدير والزرنيخ والخميرة وغير ذلك .
وعن طريق علم الكيمياء عرف العرب :
1- العقاقير الطبية .
2- تنقية المعادن .
3- تركيب الروائح العطرية .
4- دبغ الجلود .
5- صبغ الأقمشة .
6- صناعة الزجاج .
7- طلاء الخشب .
أشهر علماء الكيمياء :
1- جابر بن حيان .
ويعتبر أن الكيمياء العربية أعظم الكيمياء في العصور الوسطى .
وهو أول من أدرك أهمية الاختبار والتجربة العلمية ، وينسب إليه مائة كتاب .
حركة الترجمة وأثرها في التأليف وتطوير المعارف
لم يعتمد المسلمون على الاجتهاد الشخصي في الدراسة والبحث وإنما عمدوا إلى التعرف على ما أحرزته الأمم السابقة في مجالات الثقافة والعلوم المختلفة حتى يتسنى لهم معرفة أكبر عدد من العلوم لكي يضيفوا شيئاً جديداً إلى ما وصلوا إليه حتى تزداد المعرفة الإنسانية وتتطور .
ومن أهم الوسائل إلى ذلك ترجمة الكتب للأمم والشعوب الغير عربية إلى اللغة العربية .
وقد بدأت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان يكلف بعض صحابته بتعلم اللغات الأخرى حتى يترجموا الكتب التي تأتي من أقطار أخرى .
ولم تكن هناك عناية بالترجمة في العهد الأموي ولكن ازدهرت حركة الترجمة في العصر العباسي ازدهاراً عظيماً في عهد المأمون واستمرت حتى القرن الثالث الهجري .
ومن مظاهر الترجمة :
1- تشجيع المترجمين بإبذال العطايا لهم .
2- البحث عن المخطوطات القديمة وبذل المال في سبيل الحصول عليها .
3- إرسال الوفود والسفارات إلى إحضار المخطوطات من أماكن بعيدة .
وبذلك ترجمت إلى العربية الكثير من الكتب الفارسية والهندية واليونانية والسريانية والعبرية.
وكانت السيادة للثقافة اليونانية في مجال الطب والفلسفة والرياضيات والثقافة الفارسية دور بارز في مجال الأدب .
وكان لأهل الذمة من يهود ونصارى دور بارز في حركة الترجمة .
أشهر المترجمين :
1- أبو يحيى البطريق ترجم عن اليونانية كما ترجم للخليفة المنصور كتب جالينوس وأبقراط .
2- يوحنا ماسويه : اشتغل بالترجمة في عهد الرشيد وأسند إليه الخليفة حفظ الكتب القديمة التي وجدت في أنقرة وعمورية . وكان أكثرها من الطب وعاش حتى عهد المتوكل .
3- حسنين بن إسحاق شيخ المترجمين ، ويقال أنه كان أعلم عصره بدراسة الطب واللغة اليونانية وعمل مع جبريل بن نخشوع طبيب المأمون . ثم عهد إليه الخليفة المأمون برئاسة دار الحكمة وأن يترجم ما يمكنه من الكتب اليونانية وكان يعمل مع ابنه إسحاق وابن أخته حبيش بن الحسن . وأهم الكتب التي ترجمها : أرسطو جالينوس أبقراط وكانت حوالي مائة كتاب . وكان المأمون يعطي حسنين بن إسحاق زنة ما يترجمه ذهباً .
4- أبناء موسى بن شاكر كانوا يدفعون لحسنين بن إسحاق وزملائه خمسمائة دينار شهرياً .
5- ثابت بن قرة الحراني وآباؤه وكانت لهم رعاية خاصة من الخليفة المعتضد وترجموا الكثير من الكتب اليونانية مثل مؤلفات ارشميدس .
وللأسف أن كثير من هذه المؤلفات فقدت ولم تحفظ إلا بفضل ترجمتها العربية مثل كتاب جالينوس وكليلة ودمنة وغيره .
وبفضل حركة الترجمة دخلت في العربية كثير من الكلمات المعربة مثل كلمة جغرافية وفلسفة وإسطرلاب وبذلك ساعدت اللغة العربية على تطور الفكر العلمي لدى المسلمين .
وبعد عصر الترجمة جاء عصر الابتكار إذ أخذ علماء العرب يحصون آراء الأقدمين ويشرحونها ويصححونها .
في الوقت التي أحرزت فيه الدولة الإسلامية تقدماً رائعاً في البحث العلمي والترجمة كانت أوروبا تعيش في ظلام دامس لم تعرف قيمة هذه العلوم والمعارف ثم بعد ذلك أقبلوا على هذه العلوم ينهلون منها وكان للعرب المسلمين الفضل في إنارة الطريق لهم وانتشالهم من براثن الجهل والحق أن دار الحكمة ببغداد كمعهد حكومي . قد نجحت في استكمال الجهود الفردية التي قام بها بعض علماء النصارى واليهود ببغداد الذين أسلموا وترجموا الكتب العلمية للغة اليونانية إلى اللغة العربية .
وقد دام عصر الترجمة ما يقرب من قرن من الزمان .
وكان شيخ المترجمين ببغداد هو " حسنين بن إسحاق " وقد صحـب في شبابـه الطبيب " يوحنا بن ماسويه " باعتباره صيدلياً ولما غضب عليه يوحنا كرس جهده لتعلم اللغة اليونانية حتى ترجم كتب جالينوس أبقراط وديسفوريدس في الطب .
كما ترجم كتب السياسة لأفلاطون والطبيعيات والأخلاق لأرسطو .
ومما يذكر عن المصادر العربية أن حسنين بن إسحاق وأصحابه كانوا يرزقون 500 دينار شهرياً .
وأن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما يترجمه حتى بلغ ذروة مجده .
ثم أصبح الطبيب الخاص للخليفة المتوكل على الله ولم يتخلى عن قيمه الأخلاقية عندما حبسه سنة كاملة لأنه امتنع عن وصف دواء للخليفة وهو أعظم طبيب في ذلك .
وفي القرن السادس الهجري بدأت أوروبا تفيق من سباتها العميق لتهتم اهتماماً كبير بالعلم والترجمة فترجمت المؤلفات العربية إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوروبية وأخذت تترجم كل المؤلفات العربية في شتى أنواع المعرفة من طب وفلسفة وصيدلية وفلك وآداب ويرجع الفضل إلى العرب في بث حركة روح النهضة الأوروبية وتقدمها .
العمارة
ربما كانت اعمارة من أهم المجالات التي زاولها وتفوق فيها المسلمون فشارك المعماريون بناء جميع أنواع العمائر وقد خلفوا لنا الكثير من العمائر الدينية مثل : المساجد – المدارس – الكتاتيب .
ومدنية مثل : القصور والبيوت والأسواق والحمامات والبيمارستانات وعسكرية مثل : القلاع – والحصون – والثغور – والأسوار .
1- العمارة الدينية :
تحتل المنشآت الدينية المقام الأسمى بين العمائر الإسلامية سواء من حيث :
أ- كثرة العدد .
ب- ودرجة الحفظ .
ج- وجمال الزخرفة .
د- ومهارة الصنعة ومدى الفخامة .
وتنقسم العمارة الدينية إلى أنواع من : المساجد – المدارس – الأربطة التي تجمع بين الوظيفة الدينية والحربية .
أ- المساجد :
أشهر المساجد في الإسلام هي :
1- المسجد الحرام بمكة المكرمة .
2- المسجد النبوي بالمدينة المنورة .
3- المسجد الأقصى بفلسطين .
والمسجد الحرام يطلق عليه عدة أسماء هو المسجد العتيق وبيت الله والبيت الحرام وسمي بالكعبة لتكعيبه أو تربيعه .
فقد كانت العرب تسمي كل بيت مربع ومرتفع كعبة وقد ذكر اسمه في القرآن الكريم قال تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين } .
وتحتل المساجد في الإسلام المكانة الأولى بين العمائر الإسلامية لأن المساجد بيوت الله وتعميرها من أفضل القربات إلى الله .
ولم تقتصر وظيفة المسجد على الصلاة بل هو مركز للحكم والقضاء والإدارة والدعوة والسياسة .
وقد ظهرت هذه المهام منذ أول بناء المساجد كما هو الحال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث خططه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة شعائر الصلاة بالإضافة إلى بقية الوظائف .
أما تخطيط المسجد فهو عبارة عن فناء أو صحن مكشوف مربع الشكل أو مستطيل تحيط من جوانبه الأربعة ظلات أربعة اصطلح على تسميتها الأروقة وأطولها رواق هو رواق القبلة وتقوم هذه الأروقة على أعمدة تعلوها عقد .
ثم ظهر طراز ثاني لبناء المساجد ويشتمل على فناء أو صحن مربع مكشوفاً أو مسقوفاً تحيط به أربعة أيوانات والأيوانات عبارة عن بناء يشبه سقفه بالأقبية حيث يرتكز هذا القبو على جدران أو أعمدة لكي يستظل بها الناس .
وفي العصر العثماني ظهر طراز لعمارة المساجد مشتق من تصميم " آيا صوفيا " ومتأثر في الوقت نفسه بطراز المساجد السلجوقية في آسيا الصغرى .
وفي هذا الطراز كان المسجد يسقف بقبة كبيرة تحف بها قباب صغيرة ويقام في كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة ممشوقة عالية .
2- المدارس :
كان المسجد يقوم بدور المدرسة فكثير ما قامت الكتاتيب التي يتعلم بها الصبيان في المساجد .
كما أقيمت حلقات التدريس لمختلف العلوم في المساجد ولكن في العصر السلجوقي في القرن 5هـ ولظروف خاصة ظهرت مباني خاصة للتعليم عرفت بالمدارس . وقد أنشئت في العصر السلجوقي كرد فعل لنشاط دور العلم الشيعية إذ كانت مهمتها نشر المذهب السني ومحاربة المذهب الشيعي الذي نشط في العصر الفاطمي وازداد نشاطاً في العصر البويهي .
وبذلك أنشأ السلاجقة المدارس لمحاربة المذهب الشيعي عن طريق العلم والتدريس .
وازدهرت حركة تأسيس المدارس في عصر السلاجقة على يد الوزير [ نظام الملك ] ثم انتشرت في مصر وخراسان وبلاد المغرب .
وارتبط بنشأة نظام المدارس في العالم الإسلامي ظهور طراز خاص في العمارة الإسلامية هو طراز المدرسة ذات الأيوانات .
ويبدوا أن المدارس النظامية اتخذت طابعاً معمارياً متشابهاً .
من أشهر المدارس :
أ- المدرسة النظامية بمنطقة " نيسابور " التي أسسها الوزير " نظام الملك " وعين فيها مدرسين من كبار العلماء والفقهاء في ذلك العصر مثل إمام الحرمين " الجويني " .
كما أصدر السلطان " سنجر السلجوقي " مرسوم بتعيين الشيخ محمد بن يحيى مدرساً في نظامية بغداد .
ب- المدرسة النظامية ببغداد أنشأها نظام الملك ببغداد سنة 457هـ على شاطئ دجلة وبنى حولها أسواقاً أوقفت على المدرسة . كما اشترى ضياعاً وخانات وحمامات أوقفها عليها .
وبلغت نفقات هذه المدرسة ما يقرب من ستين ألف ديناراً وعين فيها جملة من مشاهير العلماء مثل أبو السعود الشيرازي والإمام أبو حامد الغزالي وقد انتشرت هذه المدارس حتى عمت جميع أرجاء الدولة السلجوقية .
وفي العصر الأيوبي أنشأ نور الدين زنكي كثير من المدارس في مصر والشام ومن أشهرها المدرسة النورية بدمشق وقد عثر على نص أثري يتضمن إنشاء المدرسة مؤرخ بشعبان سنة 567هـ.
ثم توسع صلاح الدين الأيوبي في إنشاء المدارس بحيث أصبحت من أعظم المدارس في الإسلام .
ج- المدرسة الصالحية في مصر لتدريس المذاهب الأربعة :
ثم ظهر في العصر الأيوبي مظفر الدين كوكبردي صاحب اربل توفي سنة 630هـ واشتهر ببناء المدارس ودور الأيتام والأرامل .
أما في العصر المملوكي فازدهرت المدارس ازدهاراً كبيراً وتنافس سلاطين المماليك في إنشاء المدارس واقتدى بهم أثرياء دولتهم .
حتى بلغ مجموع ما أنشئ من مدارس في مصر حتى منتصف القرن التاسع الهجري خمس وأربعين مدرسة ومن أشهر المدارس :
مدرسة السلطان حسن التي شيدها ما بين 757هـ-762هـ وهي إحدى المنجزات العظيمة وذلك لضخامة بناءها في الشكل ورقة جمالها وزخرفها . وكانت هذه المدارس تدرس بها المذاهب الأربعة ثم انتقل نظام المدارس في المغرب الأقصى ثم بقية العالم الإسلامي .
2- العمارة الإسلامية :
من العمائر الإسلامية ذات طابع مدني تختلف وظائفها ما بين التجارة والسكن وتوفير الماء والعلاج ومن أهمها :
أ- القصور ومن أهمها :
قصور الخلفاء من أهمها قصر المشتى بالشام وقصر الأخيضر بالعراق وقصر الحمراء بغرناطة.
أما قصر المشتى فيقع جنوب شرق عمان وهو قصر يقع في قلب الصحراء وقد وجد في حالة مهدمة .
وقد نقلت أهم الأجزاء من الزخارف المحفورة في الحجر الجيري في الواجهة الجنوبية إلى برلين مهداه من السلطان عبد الحميد الثاني إلى القيصر " غليوم " إمبراطور ألمانيا ووضعت في متحف برلين سنة 1903م .
والقصر مستطيل الشكل ومساحته من الداخل حوالي 144متر وحائطه الخارجي تكتنفه أبراج نصف دائرية ومبانيه الداخلية مبنية بالطوب ترتكز على قاعدة من الحجر وسمك الحائط الداخلي حوالي 1.70 سم وقطر الأبراج 5.25 سم وتبتعد عن بعضها بحوالي 19م .
وتتميز واجهته الجنوبية بزخارفها الجميلة وهي عبارة عن زخارف متنوعة بعضها يمثل حيوانين متقابلين يفصلهما إناء وزخارف نباتية محفورة على الحجر وزخارف هندسية وهي عبارة عن مثلثات معتدلة ومقلوبة بحيث تظهر في مجموعها على شكل خط منكسر .
ب- الأسواق :
هناك الكثير من الآثار لبقايا الأسواق الإسلامية والتي لا تزال آثارها باقية في كثير من المدن مثل القاهرة – دمشق – حلب – تونس – أصفهان واسطنبول وغيرها .
وهي عبارة عن أحياء تجارية مغلقة ومسقوفة تقام على مقربة من المسجد الجامع .
وقد أنشأ خالد بن عبد الله القسري أحد ولاة الكوفة في العصر الأموي حوانيت بمدينة الكوفة جعل لها سقوفاً ذات عقود وجعل لكل باعة مكاناً خاصاً به .
ومن أشهر الأسواق :
أ- سوق خان الخليلي بالقاهرة وكان موقعه أصلاً مدفناً عرف " بالتربة " وقد أنشأه جوهر الصقلي ليدفن به أحد أجداد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي .
غير أن هذا المدفن قد أزيل في عهد السلطان برقوق المملوكي وبنى في موقعه خاناً جعل ريعه على فقراء مكة .
إلا أن السلطان قانصوه الغوري أمر بهدم هذا الخان وجعل مكانه سوق وحوانيت .
وأصبح هذا السوق تزاول فيه الصناعات العربية الدقيقة من ترصيع وتطعيم وتكفيت .
وأصبح سوق خان الخليلي في العصر الحالي قبلة يقصده الزوار من المصريين والأجانب يشترون منه التحف الجميلة من السجاد والأقمشة والنحاس المكفت بالفضة والأواني وكلها تتميز بالطابع الشرقي .
ج- الحمامات :
وهي من المنشآت المهمة في العالم الإسلامي وذلك نظراً لأهميتها في الطهارة والنظافة ويراعى في تصميمها أن تتيح للمستجم أن ينتقل تدريجياً من الجو الحار إلى الجو البارد حتى لا يصاب بأذى .
وكان الحمام يسخن عن طريق إيقاد النار تحت أرضيته ويشتمل على أنابيب الماء الساخن والبارد داخل الجدران .
ومما يسترعي الانتباه أن الحمامات كانت من أقدم الآثار الإسلامية ومن أشهر هذه الحمامات حمام قيصر عمره الذي يقع على بعد خمسين ميلاً شرق مدينة عمان وقد كشف عنه موزيل سنة 1316هـ/1898م .
3- العمارة الحربية :
لقد حث الإسلام على اتخاذ القوة وإعداد العدة حتى لا يأخذهم الأعداء على غره .
قال تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } .
وكانت من وسائل المسلمين التي اتبعوها في التحصينات العسكرية إنشاء القلاع – الحصون – والأسوار – والرباطات .
1- القلاع :
1- ومن أشهرها قلعة الجبل بالقاهرة .
2- وقلعة موسى في العلا .
3- قلعة الأزنم الواقعة بين مدينتي الوجه وضبا بالمملكة العربية السعودية.
قلعة الجبل :
أسسها صلاح الدين الأيوبي على جبل المقطم بالقاهرة وأكمل بناءها أخوه الملك العادل سنة 614هـ وعلى الرغم أن مساحة قلعة صلاح الدين لم تتغير وبقيت محدودة بأسوارها الشاهقة فإن مبانيها الداخلية قد تعرضت لكثير من التغيرات على يد عدد من ولاة مصر كما جددت أسوارها في عهود مختلفة .
ولا تزال قلعة الجبل قائمة حتى الآن وتشتمل على عدد من المباني والمنشآت مثل بئر يوسف الحلزوني – وجامع الناصر محمد بن قلاوون – وجامع سليمان باشا – وجامع محمد علي – والمتحف الحربي .
2- الرباطات :
الرباط : مدلوله المعماري هو بناء حربي يمثل حصناً من الحصون يقام عند ساحل أو شاطئ نهر أو حد صحراوي بقصد الدفاع عن الثغور أو الحدود عن طريق المجاهدين من المرابطين .
ومن ثم كانت خطة الرباط تتكون من سور حصين يحيط به وتقام به حجر كسكني ومخازن للأسلحة والمؤن وبروج للإشارة .
وقد ظهرت هذه الأربطة في القرن الثاني الهجري أشهرها :
رباط المنستير في تونس شيده هرثمه بن أعين سنة 179هـ .
وإذا كان هدف إنشاء الأربطة هو حماية الثغور والحدود الإسلامية فإن الهدف من إنشائها قد تغير واستبدل بدلاً منه الرباطات من أجل الإقامة فيه وتكوين حياة يملأها الزهد والتقشف وترديد الصلوات يدل على الجهاد في سبيل الله .
وأصبحت كلمة رباط في القرن الحادي عشر والثاني عشر تطلق على الزاوية وهي المكان الذي يجتمع فيه الزهاد حول شيخ من الشيوخ أو حول ضريح واحد منهم .
ثم اتخذ العلماء من الربط أماكن للمطالعة والكتابة والاستنساخ والتأليف وساعدهم على ذلك احتوائها على مكتبات عامرة بالكتب .
ولذلك نجد أن كثير من كتب التصوف ألفت في تلك الربط كونها مجتمعاً للزهاد والمتصوفة وقد كثر رواد الربط من العلماء والفقهاء والفلاسفة حتى فاقت المدارس وتولى مشيختها أكبر العلماء والفقهاء .
أهم مراكز الحضارة الإسلامية في الشرق والغرب :
لقد نشأت عدة مدن إسلامية في الشرق والغرب فبعضها نشأ في العراق وبعضها نشأ في مصر وبعضها نشأ في المغرب .
1- مدينة بغداد [ عاصمة العباسيين ] سنة 145هـ :
من الطبيعي أن يبتعد الخليفة العباسي [ أبي جعفر المنصور ] عن الكوفة المتمردة وعن دمشق الأموية ويختار منطقة قريبة من الفرس الموالين له والمؤيدين لدولته ولأهل بيته فأسرع مباشرة ببناء " بغداد " لتكون عاصمة جديدة لدولته .
وفي ذلك الوقت كان الخليفة يقيم في " الهاشمية " وهي منطقة " الأنبار " بين الكوفة والحيرة .
أما موقـع بغداد فهو قديـم وهي قرية ساسانية تسمى " بغداد " ومعناها " هبة الله " أو " عطية الله " .
وتذكر المصادر أن الخليفة المنصور ارتاد عدة مواقع قبل أن يقرر بناء عاصمة دولته الجديدة فاختار بغداد لعدة مميزات ذكرها الطبري في كتابه على لسان المنصور وهي :
1- هذا موضع معسكر صالح أي يقصد بغداد .
2- هذه دجلة يأتينا فيها كل ما في البحر وتأتينا الميرة أي الأغذية من الجزيرة وأرمينيا وما حول ذلك .
3- وهذا الفرات يجيء فيه كل شيء من الشام والرقة وما حول ذلك .
ويطلق عليها مدينة " السلام " وهو الاسم الرسمي الذي اختاره المنصور ليكون اسماً لعاصمته ونقشه على نقودهم .
وتقع بغداد على الضفة الغربية لنهر دجلة وهو الوادي الذي قامت فيه أعظم العواصم في العام القديم .
وقد تم تأسيسها في أربع سنوات وهي مدينة مدورة انفق عليها المنصور ما يقرب من خمسة ملايين درهم وعمل على إنشائها ما بين مائة ألف مهندس وصانع وعامل جميعهم من أنحاء الإمبراطورية في ظل نظام الليتورجيا Leiturgia وهو نظام قوامه في الإسلام التزام أقاليم العالم الإسلامي بتقديم الغنيمة ومواد الصناعة إلى الحكومة المركزية للقيام بما تريده من الأعمال الفنية الجليلة .
وقد جعل المنصور لمدينته سور مزدوج من الأجر الطوب الأحمر المحروق وأحاطها بخندق ويقيم في داخل المدينة سور نالت بلغ ارتفاعه 27 متر وجعل في أسوارها الثلاثة أربعة أبواب متتابعة تمتد إلى المركز وتتفرع متسعة إلى الطرق الرئيسية .
ووسط المدينة يقيم قصر الخليفة الذي أطلق عليه " باب الذهب " لأنه مدخله مذهباً أو يطلق عليه قصر القبة الخضراء .
وإلى جـوار القصر كان الجامع الكبير وكانت أنقاض ومخلفات العاصمة الساسانية القديمة " المدائن " بمثابة محجر تؤخذ منه المواد اللازمة لبناء بغداد على حين كان يضرب الأجر بجوار المدينة ويتولى عليه الإمام أبي حنيفة النعمان .
وقد أستشار الخليفة المنصور علماء الفلك قبل بناء المدينة الجديدة لاختيار طالع سعيد لبغداد التي ستصبح مقراً حربياً له ولأسرته ولحرسه الخراساني .
وقد أضحت مسألة اختيار طالع سعيد عند البناء سُنة لمن أراد من الحكام المسلمين إنشاء المدن والعواصم في المشرق أو المغرب .
وقد تنبأ المنجمون وعلى رأسهم " أبو سهل بن نوبخت " بذلك الطالع السعيد فأضحت بغداد في سنوات قلائل :
1- مركزاً هاماً للتجارة والمبادلات .
2- مركزاً سياسياً ودولياً .
وبذلك بلغت مدينة بغداد درجة لم تصل إليها أي مدينة في العصور الوسطى .
فقد أنشأ بها المنصور شبكة من القنوات وأقام عليها الجسور .
كما شيد الكثير من المنشآت المائية والتحصينات ما يسر على الناس سبل العيش .
كما ضمت المدينة مجموعة من المناطق المجاورة أهمها مدينة الكرخ .
كما بنى خارج أسوار بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة قصراً يسمى قصر الخلد وسمي بذلك لأن حدائقه شبهت بالجنة ليكون مقراً حربياً له ولأسرته ولحرسه الخراساني .
وإلى الشمال أسس قصر آخر سماه " الرصافة " وقصد به أن يكـون لابنه ولولـي عهده " المهدي " وأقطع المنصور أقربائه ومواليه وقواده الضواحي المحيطة بالمدينة .
ولتنشيط التجارة في بغداد أمر الخليفة المنصور بهدم قناة خليج أمير المؤمنين التي تصل الفسطاط بالبحر الأحمر وقد طُمر هذا الخليج ولم يبقى غير اسمه وبذلك نشط الطريق التجاري بين الهند وأوروبا والخليج العربي وبغداد .
ثم ربط بغداد بالطريق البري إلى الشام ثم سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية .
وكان الهدف من ذلك أن الخليفة منع تموين ثورات الشيعة ضده بالمدينة عن طريق البحر الأحمر وخليج أمير المؤمنين .
كما ساعد موقع بغداد على إدخال الآراء من الشرق بحيث اختلفت روح بغداد كلياً عن روح دمشق .
وعلى الرغم من أن العرب كانوا يتوافدون على بلاط المنصور إلا أنهم لا يستطيعوا الاقتراب منه بعكس ما كان في الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان .
فخليفة بغداد لم يعد شيخ من شيوخ القبائل بل خلفاً لملوك فارس فأقام الخلفاء العباسيون في العصر الأول من عهد المنصور على الطراز الكسروي الساساني فخضع العرب للنفوذ الفارسي وشاعت الأفكار والآراء الفارسية التي مهدت الطريق لعهد جديد ازدهرت فيه العلوم والدراسات الفارسية بحيث لم يبقى من العربية غير الإسلام واللغة .
ثم ظهر منصب جديد في الدولة وهو منصب الوزارة وهي جهاز مركزي شامل للدولة .
وقد اتخذ الخلفاء وزراء لهم بدل نواب وذلك لتقوية هيبتهم كملوك وسلطتهم كأئمة . وأول من شغل منصب الوزارة " خالد بن برمك " وكان صديقاً حميماً للخليفة المنصور وبرز من أسرته وزراء كثيرون أثروا ثراء فاحشاً وأنفقوا في المنشآت العامة والخاصة أموالاً طائلة شقوا الترع وأنشئوا القصور والمساجد والمباني العامة حتى أنه ينسب لحفيد خالد الفضل بن يحيى إدخال المصابيح إلى المساجد في شهر رمضان .
وكان جعفر البرمكي مشهوراً بفصاحة اللسان والمقدرة الأدبية وحُسن الخط وابتكار الأزياء الجديدة في بغداد كلها . وهكذا ارتفع شأن أسرة البرامكة ووزرائها حتى أطلق عليهم " أهل الكرم " و " أهل القلم " .
وبموت الخليفة المنصور وهو في طريق الحج فقدت أسرة البرامكة أكبر نصير لها وأن حظيت بعطف من ابنه المهدي الذي عهد إلى يحيى بن خالد أمر تربية ابنه " هارون الرشيد " .
ولكن في خلافة الرشيد حان الوقت للتخلص من تسلط البرامكة ونفوذهم .
فقتل هارون جعفر وشق جثته نصفين علق كل نصف على أحد جسور بغداد بينما علق رأسه على جسر آخر .
ولعل شناعة هذه الحادثة أدت إلى تعدد أراء المؤرخين في أسباب نكبة البرامكة .
1- لوجود علاقة عاطفية بين جعفر وأخت العباس .
2- تسلط البرامكة على الدولة ومحاولتهم إقصاء الخليفة وعزله عن رعيته .
أما بقية الأسرة فيحيى سجن وهو الأب العجوز وابنه الفضل وبقية الأسرة .
وصودرت أموالهم من ضياع وقصور وغيره .
المهم أن بغداد استمرت بدون البرامكة في طريق الرقي والازدهار ولم يمضي على تأسيسها سوى نصف قرن حتى أضحت مركزاً عالمياً في الثروة لا ينافسها سوى بيزنطة " القسطنطينية " عاصمة الدولة الرومانية الشرقية .
فقصر بغداد يشغل ثلث مدينة بغداد ويمتلئ بالجواري والغلمان وكانت زوجة الرشيد وابنة عمه السيدة زبيدة التي أنشأت عين زبيدة بمكة أثناء أداءها فريضة الحج ، وكانت تستعمل الأواني الذهبية والفضية على موائدها وتنتعل الأحذية المرصعة بالأحجار الكريمة .
وقد بلغ البذخ في البلاط العباسي أقصى درجاته أثناء الاحتفال بتنصيب الخليفة أو الاحتفال بالزواج والإسراف والبذخ فيه كزواج المأمون من يوران بنت الحسن بن سهل .
وكان يفسد إلى أسواق بغداد الخزف والحرير والمسك من الصين والطيب والمعادن من الهند والياقوت والنسيج والرقيق من بلاد الترك . والعسل والشمع والغراء من السويد والنرويج .
وكان لبضائع الصين سوق خاص .
وكانت الأقاليم والأمصار ترسل القوافل سواء براً من وسط آسيا أو بحراً من المحيط الهندي إلى الخليج العربي .
ويرد الأرز والحبوب والكتان المنسوج من مصر والزجاج والتحف المعدنية والفاكهة من الشام واللؤلؤ من جزيرة العرب والحرير والعطور من فارس .
ومن بغداد قام العرب بتصدير المنسوجات والجواهر والمرايا المعدنية والعطور إلى أوروبا وأفريقيا .
وسكوا الدنانير الذهبية والدراهم الفضية الإسلامية .
وبذلك لعبت التجارة دوراً هاماً في بغداد إذ كان لكل تجارة سوق خاصة .
النهضة الثقافية في بغداد :
شهدت بغداد أكبر وأعظم يقظة فكرية في الإسلام بل شهدت إحدى الحركات الثقافية العظيمة في العالم بأسره ويرجع بعض المؤرخين أن أسباب هذه اليقظة إلى :
1- مؤثرات خارجية بعضها هندي أو فارسي أو سرياني ومعظمها يوناني .
2- أصبح العربي في العصر العباسي وريث حضارة الشعوب العريقة التي احتواها أو سيطر عليها أو جاورها أو اتصل بها .
رغم اهتمام العرب قبل الإسلام بالنجوم إلا أن الاهتمام العلمي بالفلك لم يظهر إلا في العصر العباسي وكان الفزاري أول فلكي في الإسلام .
حين وضع العالم الخوارزمي جداوله الفلكية استناداً إلى كتاب الفزاري .
فجمع ما استنبطه اليونان والهنود في علم الفلك وزاد عليه أمور جديدة .
وقد تم للعباسيين إنشاء أول إرصاد فلكية منظمة استخدم فيها الآلات الدقيقة التي صنعها المسلمون في منطقة " جنديسابور " .
وأسس الخليفة المأمون مرصداً في بغداد وآخر في ضواحي دمشق .
وأدخلت أدوات القياس مثل الاصطرالب والمزولة والكرة الفلكية .
أما التراث الفكري اليوناني فكان أشد العوامل الأجنبية تأثيراً في الحياة الثقافية البغدادية .
وقد بلغ هذا التأثير في عهد الخليفة المأمون وهو صاحب النزعات الفكرية الحرة .
وأنشأ المأمون دار الحكمة في بغداد لتكون معهداً علمياً ومدرسة للترجمة وخزانة للكتب فكانت أعظم المعاهد الثقافية التي أنشأت بعد متحف الإسكندرية .
ولم يكد عصر الترجمة ينتهي حتى كانت كتب فلاسفة اليونان قد أصبحت في متناول القارئ العربي .
في وقت كانت أوروبا لا تعلم شيء عن علوم اليونان وأفكارهم وبينما كان علماء وطلبة العرب يترددون على دار الحكمة كان شارلمان ملك فرنسا فشارلمان ورجال بلاطه الذي عاصر الخليفة هارون الرشيد يحاولون إتقان كتابة أسمائهم .
وبينما كان عميد وشيخ المترجمين حسين بن إسحاق ينعم لحمام دافئ بعد يوم شاق من العمل كان الأساتذة والطلاب في جامعة أكسفورد يستنكرون الاستحمام ويعتبرونه من ملذات الحياة التي يجب الترفع عنها . أو التشبه بها كالعرب أصحاب الحمامات النظيفة ذات الزخارف المبهجة .
وقد تبع دور الترجمة في بغداد في الحركة الثقافية والفكرية دور الابتكار والإبداع وأصبحت اللغة العربية هي لغة الإمبراطورية العباسية التي امتدت من آسيا الوسطى شرقاً إلى الشمال الأفريقي غرباً .
ولعل أشهر مبتكرات العرب في ميدان الطب والكيمياء والفلك والرياضيات والجغرافيا فضلاً عن التاريخ والفقه والأدب .
ولم يكن الطبيب في بغداد مجرد عالم بفن الطب والتشريح فقط وإنما أضافوا إلى علمهم معرفة ما وراء الطبيعة وأصول الفلسفة والحكمة .
وتقدموا علماء العرب في علم الصيدلة والعلاج بشتى أنوا العقاقير وهم أقدم من أسس مدرسة للصيدلة ورسائل في علم العقاقير .
وكان يفرض على الصيادلة اجتياز اختبار خاص بهم في عهد المأمون وغيره .
كما كانت بغداد تهتم بإرسال البعثات الطبية إلى الأرياف من قبل وزارة بغداد لمعالجة المرضى والمعوزين وتفقد المرضى المسجونين .
وقد أنشأ هارون الرشيد أول مستشفى في الإسلام ثم أخذت المستشفيات تنتشر في أنحاء الدولة الإسلامية وكان بها أجنحة خاصة بالنساء .
وكان لكل مستشفى مستوصف خاص به في الحارة وأن بعضها مجهزاً بمكتبات يقوم الأطباء بتدوين بعض الموضوعات الطبية وقد أنجبت بغداد أشهر الأطباء مثل :
1- الرازي .
2- ابن سينا .
ولا تزال تزدان بصور في القاعة الكبرى في مدرسة الطب بباريس وكان الرازي من أكثر الأطباء ابتكاراً وإنتاجاً فشغل منصب رئيس الأطباء في مستشفى بغداد .
وأهم مؤلفاته في الكيمياء " كتاب الأسرار " وترجم إلى اللغة اللاتينية وظل في أوروبا مرجع لعلم الكيمياء .
كما وضع رسالة في الجدري والحصبة .
وأشهر كتبه " الحاوي " وترجم إلى اللاتينية عن طريق رعاية ملوك صقلية التومانديين وهي موسوعة طبية حوت الكثير من العلوم والمعارف المستقاة من مصادر يونانية وفارسية وهندية مع إضافة العرب عليها .
وهكذا سيطرت أفكار الرازي ومؤلفاته الطبية على العقول والأكاديميات الأوروبية قروناً عديدة .
ثم يأتي ابن سيناء من بعده في الشهرة وتعددت مؤلفاته حتى بلغت المائة وأشهرها القانون في الطب بحيث أصبح مرجعاً تعتمد عليه دور العلم في أوروبا وأصبح مرجع طلاب العلم في الشرق والغرب .
ولقد اهتم علماء بغداد بعلم الكيمياء وأدخل عليه العرب " التجربة الموضوعية " وكان جبر بن حيان من ألمع علماء الكيمياء الذين نادوا بأهمية البحث التجريبي .
وحسن جابر بن حيان :
أساليب التبخر والصهر والتبلور .
نجح في تحضير حامض الكبريتيك والنتريك ومن خليطهما أنتج الماء الملكي لإذابة الذهب والفضة .
عدل نظريات أرسطو في تركيب المعادن .
وترجمة مؤلفاته إلى اللاتينية وأصبحت مصدراً للثقافة والفكر الأوروبي .
وكان أشهر الفلكيين العالم الكندي فيلسوف العرب فكان عالماً ملكياً وكيميائياً وطبيباً وعارف بأصول الموسيقى .
ولقي علم الجغرافية اهتمام كبير في بغداد في العصر العباسي تحت تأثير الحوافز الدينية وأهمها الحج واتجاه القبلة في المساجد .
كما أن علم الفلك الذي يتطلب معرفة خطوط الطور والعرض لكل موضع دفع علماء الفلك للعناية بالجغرافية .
كما أن تجار المسلمين وصلوا من بغداد إلى الصين مارين بسمرقند وتركستان حتى روسيا عن طريق الفلجا وكان للاختبار التي عاد بها هؤلاء التجار أثره باهتمام الباحثين في معرفة أسرار البلدان والأقاليم .
فنقلوا علماء بغداد جغرافية بطليموس إلى العربية وبذلك اعتمد العالم الخوارزمي في رسم صورة الأرض وهي أول خريطة في الإسلام .
ويتضح أن للثقافة العربية في العصر العباسي ناحيتان هامتان :
1- ناحية رئيسية ترتبط بدراسة القرآن والحديث والفقه .
2- وناحية لغوية ترتبط بدراسة علم النحو والأدب شعراً ونثراً .
وأن التوسع في حركة الترجمة جعل اللغة العربية مطيعة للتعبير عن المصطلحات العلمية والأدبية وبذلك أصبحت لغة العلم والفلسفة .
والأهم من ذلك أن السيطرة العربية في الميدان الثقافي أدت إلى اضمحلال اللغات المحلية كالسريانية واليونانية واللاتينية في دار السلام مدينة بغداد .
وخوفاً من اللحن لابد من ضبط اللسان العربي وفق قواعد النحو وتحاشياً عن الخطأ فنهضت حركة وضع المعاجم اللغوية بعد الرجوع إلى أعراب البادية وهنا ظهرت [ المترادفات ] حتى ألف صاحب القاموس كتاب اسمه [ الروض المسلوف فيما له اسمان إلى العرف ] .
أما الأدب في اللغة في العصر العباسي والذي تأثر بالأدب الفارسي فزال عن الأدب العربي:
1- الإيجاز .
2- والاقتصاد اللفظي .
3- وبساطة العبارة وحل محلها :
أسلوب الزخرفة اللفظية .
الميل إلى السجع والمحسنات البديعية .
وكانت ثمرته كتاب ألف ليلة وليلة وهي قصص فارسية قديمة نقلها ابن المقفع إلى العربية في عهد الخليفة المنصور .
إلا أن الرائيين أضافوا إليها قصص أخرى وجعلوا بطلتها شهرزاد .
ومع مرور الزمن ألحقت بها قصص هندية ويونانية ومصرية وتطرقوا إليها بنوادر وغراميات من بلاط الخليفة هارون الرشيد .
وأشهر شعراء العصر العباسي :
أبو نواس وهو ابن عساله فارسية قضى شبابه في البصرة والكوفة بعد موت والده العربي وتمكن من اللغة العربية في جميع فروعها .
وكانت له موهبة أصيلة في الشعر الغنائي وكان يمثل دور النديم في البلاط العباسي والمجتمع البغدادي .
ولكن ظهر الشاعر [ أبو العتاهية ] الذي ردع المجتمع البغدادي الذي انغمس في الترف والملذات وكان شاعراً زاهداً توفي ببغداد سنة 211هـ .
1- المدينة المنورة :
كانت المدن الإسلامية مراكز الإشعاع الفكري والحضاري للمسلمين .
وقد أسهمت المدن بدور أساسي في إيصال الحضارة الإسلامية إلى الشرق والغرب .
وفي المدينة المنورة استقر الإسلام والمسلمون واستكمل الوحي رسالته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وألف الإسلام بين قلوب أهلها وبني النبي صلى الله عليه وسلم فيها الدولة الإسلامية ومنها خرج مجاهداً غازياً في سبيل الله وفيها صعدت روحه إلى بارئها حيث ضم ثراها رفاته الطاهر .
كانت الهجرة إلى يثرب نقطة تحول في تاريخها كما كانت تحديداً عملياً لقيام الدولة الإسلامية فيثرب قبل الإسلام كانت واحدة من المراكز الحضارية في إقليم الحجاز لها وضعها الاقتصادي الذي نافست به مكة والطائف كما كان لها ثقلها السياسي ومن ثم كان الصراع بينها وبين جيرانها على الزعامة السياسية لإقليم الحجاز .
كذلك كان التكوين البشري في يثرب يختلف عما أصبح عليه بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فقد سكنها مع الأوس والخزرج القبائل اليهودية التي وصلت إلى يثرب بعد زوال دولتهم في فلسطين .
أما الأوس والخزرج فقد هاجروا إليها واستقروا فيها من اليمن بعد اضطراب أحوالها عقب تهدم سد مآرب .
عاشت القبائل العربية الأوس والخزرج فترات عصبية في يثرب فقد كانوا موالي لليهود وقد وقعت الكثير من الحروب بين الأوس والخزرج وكان السبب في هذه الحروب اليهود .
وكان وصول النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه إلى يثرب نهاية للمعاناة والحروب وبداية لمرحلة جديدة يعمها الهدوء والاستقرار فكان أهلها يتطلعون إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه على الحماية والنصر .
ويبدوا أن أهل يثرب من الأوس والخزرج قد سئموا الحروب والحياة غير المستقرة فلم تعرف يثرب قبل الإسلام أي نوع من أنواع الاستقرار السياسي أو التنظيم الإداري ذلك أن الحروب المستمرة والتنافر في عناصر السكان والتنافس بينها وبين المراكز التجارية المجاورة أدى إلى تدهور الأوضاع فيها والتي ستنتهي بوصول المسلمين إليها واستقرار الإسلام فيها .
وفيها أسس الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده ومنه سرت إشعاعات الحضارة الإسلامية فتحولت يثرب إلى مدينة إسلامية اتخذها المسلمون قاعدة لهم وفيها وضع الرسول أسس البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة الإسلامية ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار وأصدر دستور المدينة المنورة ووضع نواة النظم الإدارية للدولة الإسلامية كما أرسى قواعد الاقتصاد الإسلامي .
وكان تأسيس المسجد النبوي في المدينة المنورة إيذاناً بتحويلها إلى مدينة إسلامية ومن ثم أصبح بناء المسجد الأصلي في إقامة المدن والعواصم الإسلامية وعلى غرار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بنيت مساجد المسلمين في الأقاليم التي فتحتها جيوش المسلمين .
والمسجد النبوي بسيط في بنائه ويشتمل على رحبة واسعة تحيط به أربعة جدران وأقام لهم مظلة ثم جعل بالمسجد سواري من جذوع النخل .
واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجده مكاناً للقاء المسلمين وجامعة يتعلمون فيها أمور دينهم وأحوال دنياهم وفيه كان رسول الله يتلقى الوحي فيعلم المسلمين ما ألقى إليه من ربه .
وفي المسجد النبوي كانت تعقد المعاهدات وتمضي العهود ويعلن الجهاد وتقلد الرايات وينظر في المظالم وتستقبل الوفود .
وفي المسجد اتخذ المسلمون الآذان نداء للصلاة ودليلاً رسوخ قدم الإسلام وظهوره في المدينة ثم في المسجد فرضت الزكاة وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام .
وعاشت المدينة عصراً من الاستقرار السياسي ، كما شهدت فترة من الرخاء الاقتصادي فقد أصبحت رؤوس الأموال ومصادر الدخل في أيدي أهلها خاصة بعد إجلاء اليهود وتهيأت للدفاع عن دين الإسلام بل أخذت على عاتقها حماية هذا الدين ونشره خارج الجزيرة العربية .
وظلت مدينة الرسول عاصمة للخلافة الإسلامية وحاضره للمسلمين خلال عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين ثم حدثت فتنة عثمان التي انتهت بقتله ثم كان الخليفة علي رضي الله عنه ولما غادرها إلى العراق فارقتها الخلافة وزال عنها مقر الحكم إلى دمشق ومنها إلى بغداد .
1- الطب :
يعتبر علم الطب من العلوم التي اهتمت بها العرب عناية فائقة واستطاعوا أن يكتشفوا الكثير من النظريات العلمية وأن يؤلفوا كثيراً من الكتب الطبية .
وقد ترجمت الكثير من المؤلفات الطبية من العربية إلى اللغات الأوروبية ولقيت اهتماماً كبيراً وكان لها تأثير كبير في عالم الطب لعدة قرون وتعتبر المصادر الأساسية التي يعتمد عليها والمراجع الهامة التي يرجع إليها .
وقد عرف العرب الطب منذ العصر الجاهلي واستفادوا بعلومهم الطبية من الأمم والشعوب السابقة مثل الكلدانيين والفرس والهنود .
وأشهر أطباء العصر الجاهلي هم :
1- الحارث بن كلدة الثقفي وعاصر الجاهلية والإسلام .
وعند ظهور الإسلام ظهر نوع جديد من الطب عرف باسم [ الطب النبوي ] وظهرت الأحاديث النبوية الخاصة بالمعلومات الطبية .
وهذه الأحاديث موجودة في الجزء السابع من صحيح البخاري وتحتوي على وصفات طبية من حيث العلاج لبعض الأمراض والعلل مثل صداع الرأس والشقيقة والرمد والجزام والحمى والتهاب الرئة والطاعون ولسعة الحية والعقرب وذكروا رواية الشفاء مثل العسل والكلى والحمية والاحتجام .
وأشهر كتب الطب النبوي :
1- الذهبي : الطب النبوي كتاب الأحكام النبوية في الصناعة الطبية .
2- ابن القيم الجوزية : الطب النبوي .
وأشهر أطباء العصر الأموي :
1- ابن اتال وكان طبيب معاوية بن أبي سفيان وله خبرة في الأدوية المركبة والمفردة .
2- وأبو الحكم وحفيده عيسى وعبد الملك بن ابحر الكناني وكان طبيباً وعالماً وماهراً .
وقد شجع خلفاء بني أمية الطب والأطباء .
وكان الخليفة الوليد بن عبد الملك أول من أنشأ البيمارستان في الإسلام بمنطقة دمشق سنة 88هـ وعين فيه الأطباء وحجز المجزومين في محجر صحي خارج دمشق وأجرى لهم أرزاق .
وفي العصر العباسي تقدم علم الطب تقدماً عظيماً بسبب حركة الترجمة وأشهر الأطباء بختيشوع وابنه جبريل واشتهرت هذه الأسرة بمهارتها الطبية خلفاً عن سل مدة ثلاثة قرون انفردت في خدمة خلفاء بني العباس .
وفي منتصف القرن الرابع عشر ظهرت حركة التأليف وأشهر المؤلفات العربية الطبية :
1- علي بن سهل الطبري وكتابه [ فردوس الحكمة وحفظ الصحة ومنافع الأطعمة والأشربة ] .
2- محمد بن زكريا الرازي : ولقب بجاليتوس العرب وكان مديراً لمستشفى أطباء الري ثم مديراً لمستشفى بغداد وقد أجمع المستشرقون والمشتغلون بالطب أن الرازي أفضل طبيب أنجبته النهضة العربية الإسلامية ، وهو أول من تكلم عن الجراحة وأمراض الأطفال .
3- ابن سينا : وهو أبو علي بن الحسن ولد بمدينة بخارى .
2- علم الرياضيات :
عرف العرب علم الرياضيات بأنه علم غرضه إدراك المقادير وأطلقت الرياضيات على الحساب – الجبر – المثلثات – الهندسة – الفلك .
أ- الحساب :
ويسمى علم الأعداد وعرف العرب نظام الترقيم وهذبوه وكونوا منه سلسلتين :
1- أحدهما يعرف بالأرقام الهندسية وهي المستعملة الآن .
2- الأرقام الغبارية وسميت بذلك لأن أهل الهند كانوا يأخذون غباراً ناعماً ويبسطونه على لوح ويرسمون عليه الأرقام التي يحتاجون إليها في عملياتهم الحسابية ومعاملاتهم التجارية .
وقسم العرب الحساب إلى نوعين :
1- غباري وهو الذي يحتاج إلى ورق وقلم .
2- هوائي وهو الحساب الذهني الذي لا يحتاج فيه إلى أدوات .
واستعمل العرب الصفر في الترقيم .
وعرفوا علامة الكسر العشري والنظام العشري أي القيم الرضعية للأرقام وهي الآحاد والعشرات والمئات .
ب- الجبر :
هو الذي تستخرج منه المجهولات باستخدام حروف وأرقام وعلامات .
وأول من اخترع علم الجبر العرب وهم أول من أطلق عليه هذا الاسم . وقد أخذه الأفرنج منهم والعرب أول من ألف في علم الجبر .
وعرف علم الجبر في القرن الثالث الهجري في عهد المأمون وهو الذي شجع هذا العلم فقد كلف الخليفة " محمد بن موسى الخوارزمي " بوضع كتاب في علم الجبر يكون سهل المثال على علماء العرب وعندما نشر هذا الكتاب استفاد منه المسلمون والأوروبيون واعتمدوا عليه في أبحاثهم ونظرياتهم .
وقام الدكتور مصطفى مشرفه والدكتور محمد موسى أحمد بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول بنشر الكتاب والتعليق عليه والمخطوطة لهذا الكتاب بجامعة اكسفورد كما أن الأوروبيون نشروه عام 1831م .
3- الكيمياء :
تشير المصادر أن " خالد بن يزيد بن معاوية " أول من اشتغل بعلم الكيمياء ويطلق العرب عليه [ علم الصنعة ] ويعتمد على التجربة والبحث .
والعرب أول من أنشأوا علم الكيمياء وكشفوا أجزائها المهمة مثل : حامض الكبرتيك – ونترات الفضة والكحول واستخدموا التجربة والتدقيق والبحث عن عناصر الأشياء وكان لتقدمهم في هذا العلم أثر في تقدم العلوم الطبية .
كما بذل العرب الكثير من الجهد لمعرفة الإكسير وهو عبارة عن دواء أنه يعيد الحيوية والنشاط للإنسان .
وأيضاً محاولاتهم لمعرفة حجر الفلاسفة الذي قيل فيه بتحويل المعادن إلى ذهب .
كما استطاعوا معرفة التقطير والتبخير وكشف الكحول من المواد السكرية والنشوية .
لم يعتمد العرب على نظريات علماء اليونان مثل ارسطوا وغيره بل خالفوهم في كثير من النظريات وجاءوا بنظريات جديدة معتمدة على البحث العلمي .
كما أضافوا العرب إلى الكيمياء إضافات علمية اعتبرها الأوروبيون علماً عربياً .
وقسم العرب الكيمياء إلى أربعة أقسام :
1- المواد المعدنية .
2- المواد النباتية .
3- المواد الحيوانية .
4- المواد المشتقة .
وعرفت أوروبا علم الكيمياء عن طريق العرب وأسماء مواده العربية الإكسير والكحول والقصدير والزرنيخ والخميرة وغير ذلك .
وعن طريق علم الكيمياء عرف العرب :
1- العقاقير الطبية .
2- تنقية المعادن .
3- تركيب الروائح العطرية .
4- دبغ الجلود .
5- صبغ الأقمشة .
6- صناعة الزجاج .
7- طلاء الخشب .
أشهر علماء الكيمياء :
1- جابر بن حيان .
ويعتبر أن الكيمياء العربية أعظم الكيمياء في العصور الوسطى .
وهو أول من أدرك أهمية الاختبار والتجربة العلمية ، وينسب إليه مائة كتاب .
حركة الترجمة وأثرها في التأليف وتطوير المعارف
لم يعتمد المسلمون على الاجتهاد الشخصي في الدراسة والبحث وإنما عمدوا إلى التعرف على ما أحرزته الأمم السابقة في مجالات الثقافة والعلوم المختلفة حتى يتسنى لهم معرفة أكبر عدد من العلوم لكي يضيفوا شيئاً جديداً إلى ما وصلوا إليه حتى تزداد المعرفة الإنسانية وتتطور .
ومن أهم الوسائل إلى ذلك ترجمة الكتب للأمم والشعوب الغير عربية إلى اللغة العربية .
وقد بدأت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان يكلف بعض صحابته بتعلم اللغات الأخرى حتى يترجموا الكتب التي تأتي من أقطار أخرى .
ولم تكن هناك عناية بالترجمة في العهد الأموي ولكن ازدهرت حركة الترجمة في العصر العباسي ازدهاراً عظيماً في عهد المأمون واستمرت حتى القرن الثالث الهجري .
ومن مظاهر الترجمة :
1- تشجيع المترجمين بإبذال العطايا لهم .
2- البحث عن المخطوطات القديمة وبذل المال في سبيل الحصول عليها .
3- إرسال الوفود والسفارات إلى إحضار المخطوطات من أماكن بعيدة .
وبذلك ترجمت إلى العربية الكثير من الكتب الفارسية والهندية واليونانية والسريانية والعبرية.
وكانت السيادة للثقافة اليونانية في مجال الطب والفلسفة والرياضيات والثقافة الفارسية دور بارز في مجال الأدب .
وكان لأهل الذمة من يهود ونصارى دور بارز في حركة الترجمة .
أشهر المترجمين :
1- أبو يحيى البطريق ترجم عن اليونانية كما ترجم للخليفة المنصور كتب جالينوس وأبقراط .
2- يوحنا ماسويه : اشتغل بالترجمة في عهد الرشيد وأسند إليه الخليفة حفظ الكتب القديمة التي وجدت في أنقرة وعمورية . وكان أكثرها من الطب وعاش حتى عهد المتوكل .
3- حسنين بن إسحاق شيخ المترجمين ، ويقال أنه كان أعلم عصره بدراسة الطب واللغة اليونانية وعمل مع جبريل بن نخشوع طبيب المأمون . ثم عهد إليه الخليفة المأمون برئاسة دار الحكمة وأن يترجم ما يمكنه من الكتب اليونانية وكان يعمل مع ابنه إسحاق وابن أخته حبيش بن الحسن . وأهم الكتب التي ترجمها : أرسطو جالينوس أبقراط وكانت حوالي مائة كتاب . وكان المأمون يعطي حسنين بن إسحاق زنة ما يترجمه ذهباً .
4- أبناء موسى بن شاكر كانوا يدفعون لحسنين بن إسحاق وزملائه خمسمائة دينار شهرياً .
5- ثابت بن قرة الحراني وآباؤه وكانت لهم رعاية خاصة من الخليفة المعتضد وترجموا الكثير من الكتب اليونانية مثل مؤلفات ارشميدس .
وللأسف أن كثير من هذه المؤلفات فقدت ولم تحفظ إلا بفضل ترجمتها العربية مثل كتاب جالينوس وكليلة ودمنة وغيره .
وبفضل حركة الترجمة دخلت في العربية كثير من الكلمات المعربة مثل كلمة جغرافية وفلسفة وإسطرلاب وبذلك ساعدت اللغة العربية على تطور الفكر العلمي لدى المسلمين .
وبعد عصر الترجمة جاء عصر الابتكار إذ أخذ علماء العرب يحصون آراء الأقدمين ويشرحونها ويصححونها .
في الوقت التي أحرزت فيه الدولة الإسلامية تقدماً رائعاً في البحث العلمي والترجمة كانت أوروبا تعيش في ظلام دامس لم تعرف قيمة هذه العلوم والمعارف ثم بعد ذلك أقبلوا على هذه العلوم ينهلون منها وكان للعرب المسلمين الفضل في إنارة الطريق لهم وانتشالهم من براثن الجهل والحق أن دار الحكمة ببغداد كمعهد حكومي . قد نجحت في استكمال الجهود الفردية التي قام بها بعض علماء النصارى واليهود ببغداد الذين أسلموا وترجموا الكتب العلمية للغة اليونانية إلى اللغة العربية .
وقد دام عصر الترجمة ما يقرب من قرن من الزمان .
وكان شيخ المترجمين ببغداد هو " حسنين بن إسحاق " وقد صحـب في شبابـه الطبيب " يوحنا بن ماسويه " باعتباره صيدلياً ولما غضب عليه يوحنا كرس جهده لتعلم اللغة اليونانية حتى ترجم كتب جالينوس أبقراط وديسفوريدس في الطب .
كما ترجم كتب السياسة لأفلاطون والطبيعيات والأخلاق لأرسطو .
ومما يذكر عن المصادر العربية أن حسنين بن إسحاق وأصحابه كانوا يرزقون 500 دينار شهرياً .
وأن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما يترجمه حتى بلغ ذروة مجده .
ثم أصبح الطبيب الخاص للخليفة المتوكل على الله ولم يتخلى عن قيمه الأخلاقية عندما حبسه سنة كاملة لأنه امتنع عن وصف دواء للخليفة وهو أعظم طبيب في ذلك .
وفي القرن السادس الهجري بدأت أوروبا تفيق من سباتها العميق لتهتم اهتماماً كبير بالعلم والترجمة فترجمت المؤلفات العربية إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوروبية وأخذت تترجم كل المؤلفات العربية في شتى أنواع المعرفة من طب وفلسفة وصيدلية وفلك وآداب ويرجع الفضل إلى العرب في بث حركة روح النهضة الأوروبية وتقدمها .
العمارة
ربما كانت اعمارة من أهم المجالات التي زاولها وتفوق فيها المسلمون فشارك المعماريون بناء جميع أنواع العمائر وقد خلفوا لنا الكثير من العمائر الدينية مثل : المساجد – المدارس – الكتاتيب .
ومدنية مثل : القصور والبيوت والأسواق والحمامات والبيمارستانات وعسكرية مثل : القلاع – والحصون – والثغور – والأسوار .
1- العمارة الدينية :
تحتل المنشآت الدينية المقام الأسمى بين العمائر الإسلامية سواء من حيث :
أ- كثرة العدد .
ب- ودرجة الحفظ .
ج- وجمال الزخرفة .
د- ومهارة الصنعة ومدى الفخامة .
وتنقسم العمارة الدينية إلى أنواع من : المساجد – المدارس – الأربطة التي تجمع بين الوظيفة الدينية والحربية .
أ- المساجد :
أشهر المساجد في الإسلام هي :
1- المسجد الحرام بمكة المكرمة .
2- المسجد النبوي بالمدينة المنورة .
3- المسجد الأقصى بفلسطين .
والمسجد الحرام يطلق عليه عدة أسماء هو المسجد العتيق وبيت الله والبيت الحرام وسمي بالكعبة لتكعيبه أو تربيعه .
فقد كانت العرب تسمي كل بيت مربع ومرتفع كعبة وقد ذكر اسمه في القرآن الكريم قال تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين } .
وتحتل المساجد في الإسلام المكانة الأولى بين العمائر الإسلامية لأن المساجد بيوت الله وتعميرها من أفضل القربات إلى الله .
ولم تقتصر وظيفة المسجد على الصلاة بل هو مركز للحكم والقضاء والإدارة والدعوة والسياسة .
وقد ظهرت هذه المهام منذ أول بناء المساجد كما هو الحال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث خططه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة شعائر الصلاة بالإضافة إلى بقية الوظائف .
أما تخطيط المسجد فهو عبارة عن فناء أو صحن مكشوف مربع الشكل أو مستطيل تحيط من جوانبه الأربعة ظلات أربعة اصطلح على تسميتها الأروقة وأطولها رواق هو رواق القبلة وتقوم هذه الأروقة على أعمدة تعلوها عقد .
ثم ظهر طراز ثاني لبناء المساجد ويشتمل على فناء أو صحن مربع مكشوفاً أو مسقوفاً تحيط به أربعة أيوانات والأيوانات عبارة عن بناء يشبه سقفه بالأقبية حيث يرتكز هذا القبو على جدران أو أعمدة لكي يستظل بها الناس .
وفي العصر العثماني ظهر طراز لعمارة المساجد مشتق من تصميم " آيا صوفيا " ومتأثر في الوقت نفسه بطراز المساجد السلجوقية في آسيا الصغرى .
وفي هذا الطراز كان المسجد يسقف بقبة كبيرة تحف بها قباب صغيرة ويقام في كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة ممشوقة عالية .
2- المدارس :
كان المسجد يقوم بدور المدرسة فكثير ما قامت الكتاتيب التي يتعلم بها الصبيان في المساجد .
كما أقيمت حلقات التدريس لمختلف العلوم في المساجد ولكن في العصر السلجوقي في القرن 5هـ ولظروف خاصة ظهرت مباني خاصة للتعليم عرفت بالمدارس . وقد أنشئت في العصر السلجوقي كرد فعل لنشاط دور العلم الشيعية إذ كانت مهمتها نشر المذهب السني ومحاربة المذهب الشيعي الذي نشط في العصر الفاطمي وازداد نشاطاً في العصر البويهي .
وبذلك أنشأ السلاجقة المدارس لمحاربة المذهب الشيعي عن طريق العلم والتدريس .
وازدهرت حركة تأسيس المدارس في عصر السلاجقة على يد الوزير [ نظام الملك ] ثم انتشرت في مصر وخراسان وبلاد المغرب .
وارتبط بنشأة نظام المدارس في العالم الإسلامي ظهور طراز خاص في العمارة الإسلامية هو طراز المدرسة ذات الأيوانات .
ويبدوا أن المدارس النظامية اتخذت طابعاً معمارياً متشابهاً .
من أشهر المدارس :
أ- المدرسة النظامية بمنطقة " نيسابور " التي أسسها الوزير " نظام الملك " وعين فيها مدرسين من كبار العلماء والفقهاء في ذلك العصر مثل إمام الحرمين " الجويني " .
كما أصدر السلطان " سنجر السلجوقي " مرسوم بتعيين الشيخ محمد بن يحيى مدرساً في نظامية بغداد .
ب- المدرسة النظامية ببغداد أنشأها نظام الملك ببغداد سنة 457هـ على شاطئ دجلة وبنى حولها أسواقاً أوقفت على المدرسة . كما اشترى ضياعاً وخانات وحمامات أوقفها عليها .
وبلغت نفقات هذه المدرسة ما يقرب من ستين ألف ديناراً وعين فيها جملة من مشاهير العلماء مثل أبو السعود الشيرازي والإمام أبو حامد الغزالي وقد انتشرت هذه المدارس حتى عمت جميع أرجاء الدولة السلجوقية .
وفي العصر الأيوبي أنشأ نور الدين زنكي كثير من المدارس في مصر والشام ومن أشهرها المدرسة النورية بدمشق وقد عثر على نص أثري يتضمن إنشاء المدرسة مؤرخ بشعبان سنة 567هـ.
ثم توسع صلاح الدين الأيوبي في إنشاء المدارس بحيث أصبحت من أعظم المدارس في الإسلام .
ج- المدرسة الصالحية في مصر لتدريس المذاهب الأربعة :
ثم ظهر في العصر الأيوبي مظفر الدين كوكبردي صاحب اربل توفي سنة 630هـ واشتهر ببناء المدارس ودور الأيتام والأرامل .
أما في العصر المملوكي فازدهرت المدارس ازدهاراً كبيراً وتنافس سلاطين المماليك في إنشاء المدارس واقتدى بهم أثرياء دولتهم .
حتى بلغ مجموع ما أنشئ من مدارس في مصر حتى منتصف القرن التاسع الهجري خمس وأربعين مدرسة ومن أشهر المدارس :
مدرسة السلطان حسن التي شيدها ما بين 757هـ-762هـ وهي إحدى المنجزات العظيمة وذلك لضخامة بناءها في الشكل ورقة جمالها وزخرفها . وكانت هذه المدارس تدرس بها المذاهب الأربعة ثم انتقل نظام المدارس في المغرب الأقصى ثم بقية العالم الإسلامي .
2- العمارة الإسلامية :
من العمائر الإسلامية ذات طابع مدني تختلف وظائفها ما بين التجارة والسكن وتوفير الماء والعلاج ومن أهمها :
أ- القصور ومن أهمها :
قصور الخلفاء من أهمها قصر المشتى بالشام وقصر الأخيضر بالعراق وقصر الحمراء بغرناطة.
أما قصر المشتى فيقع جنوب شرق عمان وهو قصر يقع في قلب الصحراء وقد وجد في حالة مهدمة .
وقد نقلت أهم الأجزاء من الزخارف المحفورة في الحجر الجيري في الواجهة الجنوبية إلى برلين مهداه من السلطان عبد الحميد الثاني إلى القيصر " غليوم " إمبراطور ألمانيا ووضعت في متحف برلين سنة 1903م .
والقصر مستطيل الشكل ومساحته من الداخل حوالي 144متر وحائطه الخارجي تكتنفه أبراج نصف دائرية ومبانيه الداخلية مبنية بالطوب ترتكز على قاعدة من الحجر وسمك الحائط الداخلي حوالي 1.70 سم وقطر الأبراج 5.25 سم وتبتعد عن بعضها بحوالي 19م .
وتتميز واجهته الجنوبية بزخارفها الجميلة وهي عبارة عن زخارف متنوعة بعضها يمثل حيوانين متقابلين يفصلهما إناء وزخارف نباتية محفورة على الحجر وزخارف هندسية وهي عبارة عن مثلثات معتدلة ومقلوبة بحيث تظهر في مجموعها على شكل خط منكسر .
ب- الأسواق :
هناك الكثير من الآثار لبقايا الأسواق الإسلامية والتي لا تزال آثارها باقية في كثير من المدن مثل القاهرة – دمشق – حلب – تونس – أصفهان واسطنبول وغيرها .
وهي عبارة عن أحياء تجارية مغلقة ومسقوفة تقام على مقربة من المسجد الجامع .
وقد أنشأ خالد بن عبد الله القسري أحد ولاة الكوفة في العصر الأموي حوانيت بمدينة الكوفة جعل لها سقوفاً ذات عقود وجعل لكل باعة مكاناً خاصاً به .
ومن أشهر الأسواق :
أ- سوق خان الخليلي بالقاهرة وكان موقعه أصلاً مدفناً عرف " بالتربة " وقد أنشأه جوهر الصقلي ليدفن به أحد أجداد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي .
غير أن هذا المدفن قد أزيل في عهد السلطان برقوق المملوكي وبنى في موقعه خاناً جعل ريعه على فقراء مكة .
إلا أن السلطان قانصوه الغوري أمر بهدم هذا الخان وجعل مكانه سوق وحوانيت .
وأصبح هذا السوق تزاول فيه الصناعات العربية الدقيقة من ترصيع وتطعيم وتكفيت .
وأصبح سوق خان الخليلي في العصر الحالي قبلة يقصده الزوار من المصريين والأجانب يشترون منه التحف الجميلة من السجاد والأقمشة والنحاس المكفت بالفضة والأواني وكلها تتميز بالطابع الشرقي .
ج- الحمامات :
وهي من المنشآت المهمة في العالم الإسلامي وذلك نظراً لأهميتها في الطهارة والنظافة ويراعى في تصميمها أن تتيح للمستجم أن ينتقل تدريجياً من الجو الحار إلى الجو البارد حتى لا يصاب بأذى .
وكان الحمام يسخن عن طريق إيقاد النار تحت أرضيته ويشتمل على أنابيب الماء الساخن والبارد داخل الجدران .
ومما يسترعي الانتباه أن الحمامات كانت من أقدم الآثار الإسلامية ومن أشهر هذه الحمامات حمام قيصر عمره الذي يقع على بعد خمسين ميلاً شرق مدينة عمان وقد كشف عنه موزيل سنة 1316هـ/1898م .
3- العمارة الحربية :
لقد حث الإسلام على اتخاذ القوة وإعداد العدة حتى لا يأخذهم الأعداء على غره .
قال تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } .
وكانت من وسائل المسلمين التي اتبعوها في التحصينات العسكرية إنشاء القلاع – الحصون – والأسوار – والرباطات .
1- القلاع :
1- ومن أشهرها قلعة الجبل بالقاهرة .
2- وقلعة موسى في العلا .
3- قلعة الأزنم الواقعة بين مدينتي الوجه وضبا بالمملكة العربية السعودية.
قلعة الجبل :
أسسها صلاح الدين الأيوبي على جبل المقطم بالقاهرة وأكمل بناءها أخوه الملك العادل سنة 614هـ وعلى الرغم أن مساحة قلعة صلاح الدين لم تتغير وبقيت محدودة بأسوارها الشاهقة فإن مبانيها الداخلية قد تعرضت لكثير من التغيرات على يد عدد من ولاة مصر كما جددت أسوارها في عهود مختلفة .
ولا تزال قلعة الجبل قائمة حتى الآن وتشتمل على عدد من المباني والمنشآت مثل بئر يوسف الحلزوني – وجامع الناصر محمد بن قلاوون – وجامع سليمان باشا – وجامع محمد علي – والمتحف الحربي .
2- الرباطات :
الرباط : مدلوله المعماري هو بناء حربي يمثل حصناً من الحصون يقام عند ساحل أو شاطئ نهر أو حد صحراوي بقصد الدفاع عن الثغور أو الحدود عن طريق المجاهدين من المرابطين .
ومن ثم كانت خطة الرباط تتكون من سور حصين يحيط به وتقام به حجر كسكني ومخازن للأسلحة والمؤن وبروج للإشارة .
وقد ظهرت هذه الأربطة في القرن الثاني الهجري أشهرها :
رباط المنستير في تونس شيده هرثمه بن أعين سنة 179هـ .
وإذا كان هدف إنشاء الأربطة هو حماية الثغور والحدود الإسلامية فإن الهدف من إنشائها قد تغير واستبدل بدلاً منه الرباطات من أجل الإقامة فيه وتكوين حياة يملأها الزهد والتقشف وترديد الصلوات يدل على الجهاد في سبيل الله .
وأصبحت كلمة رباط في القرن الحادي عشر والثاني عشر تطلق على الزاوية وهي المكان الذي يجتمع فيه الزهاد حول شيخ من الشيوخ أو حول ضريح واحد منهم .
ثم اتخذ العلماء من الربط أماكن للمطالعة والكتابة والاستنساخ والتأليف وساعدهم على ذلك احتوائها على مكتبات عامرة بالكتب .
ولذلك نجد أن كثير من كتب التصوف ألفت في تلك الربط كونها مجتمعاً للزهاد والمتصوفة وقد كثر رواد الربط من العلماء والفقهاء والفلاسفة حتى فاقت المدارس وتولى مشيختها أكبر العلماء والفقهاء .
أهم مراكز الحضارة الإسلامية في الشرق والغرب :
لقد نشأت عدة مدن إسلامية في الشرق والغرب فبعضها نشأ في العراق وبعضها نشأ في مصر وبعضها نشأ في المغرب .
1- مدينة بغداد [ عاصمة العباسيين ] سنة 145هـ :
من الطبيعي أن يبتعد الخليفة العباسي [ أبي جعفر المنصور ] عن الكوفة المتمردة وعن دمشق الأموية ويختار منطقة قريبة من الفرس الموالين له والمؤيدين لدولته ولأهل بيته فأسرع مباشرة ببناء " بغداد " لتكون عاصمة جديدة لدولته .
وفي ذلك الوقت كان الخليفة يقيم في " الهاشمية " وهي منطقة " الأنبار " بين الكوفة والحيرة .
أما موقـع بغداد فهو قديـم وهي قرية ساسانية تسمى " بغداد " ومعناها " هبة الله " أو " عطية الله " .
وتذكر المصادر أن الخليفة المنصور ارتاد عدة مواقع قبل أن يقرر بناء عاصمة دولته الجديدة فاختار بغداد لعدة مميزات ذكرها الطبري في كتابه على لسان المنصور وهي :
1- هذا موضع معسكر صالح أي يقصد بغداد .
2- هذه دجلة يأتينا فيها كل ما في البحر وتأتينا الميرة أي الأغذية من الجزيرة وأرمينيا وما حول ذلك .
3- وهذا الفرات يجيء فيه كل شيء من الشام والرقة وما حول ذلك .
ويطلق عليها مدينة " السلام " وهو الاسم الرسمي الذي اختاره المنصور ليكون اسماً لعاصمته ونقشه على نقودهم .
وتقع بغداد على الضفة الغربية لنهر دجلة وهو الوادي الذي قامت فيه أعظم العواصم في العام القديم .
وقد تم تأسيسها في أربع سنوات وهي مدينة مدورة انفق عليها المنصور ما يقرب من خمسة ملايين درهم وعمل على إنشائها ما بين مائة ألف مهندس وصانع وعامل جميعهم من أنحاء الإمبراطورية في ظل نظام الليتورجيا Leiturgia وهو نظام قوامه في الإسلام التزام أقاليم العالم الإسلامي بتقديم الغنيمة ومواد الصناعة إلى الحكومة المركزية للقيام بما تريده من الأعمال الفنية الجليلة .
وقد جعل المنصور لمدينته سور مزدوج من الأجر الطوب الأحمر المحروق وأحاطها بخندق ويقيم في داخل المدينة سور نالت بلغ ارتفاعه 27 متر وجعل في أسوارها الثلاثة أربعة أبواب متتابعة تمتد إلى المركز وتتفرع متسعة إلى الطرق الرئيسية .
ووسط المدينة يقيم قصر الخليفة الذي أطلق عليه " باب الذهب " لأنه مدخله مذهباً أو يطلق عليه قصر القبة الخضراء .
وإلى جـوار القصر كان الجامع الكبير وكانت أنقاض ومخلفات العاصمة الساسانية القديمة " المدائن " بمثابة محجر تؤخذ منه المواد اللازمة لبناء بغداد على حين كان يضرب الأجر بجوار المدينة ويتولى عليه الإمام أبي حنيفة النعمان .
وقد أستشار الخليفة المنصور علماء الفلك قبل بناء المدينة الجديدة لاختيار طالع سعيد لبغداد التي ستصبح مقراً حربياً له ولأسرته ولحرسه الخراساني .
وقد أضحت مسألة اختيار طالع سعيد عند البناء سُنة لمن أراد من الحكام المسلمين إنشاء المدن والعواصم في المشرق أو المغرب .
وقد تنبأ المنجمون وعلى رأسهم " أبو سهل بن نوبخت " بذلك الطالع السعيد فأضحت بغداد في سنوات قلائل :
1- مركزاً هاماً للتجارة والمبادلات .
2- مركزاً سياسياً ودولياً .
وبذلك بلغت مدينة بغداد درجة لم تصل إليها أي مدينة في العصور الوسطى .
فقد أنشأ بها المنصور شبكة من القنوات وأقام عليها الجسور .
كما شيد الكثير من المنشآت المائية والتحصينات ما يسر على الناس سبل العيش .
كما ضمت المدينة مجموعة من المناطق المجاورة أهمها مدينة الكرخ .
كما بنى خارج أسوار بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة قصراً يسمى قصر الخلد وسمي بذلك لأن حدائقه شبهت بالجنة ليكون مقراً حربياً له ولأسرته ولحرسه الخراساني .
وإلى الشمال أسس قصر آخر سماه " الرصافة " وقصد به أن يكـون لابنه ولولـي عهده " المهدي " وأقطع المنصور أقربائه ومواليه وقواده الضواحي المحيطة بالمدينة .
ولتنشيط التجارة في بغداد أمر الخليفة المنصور بهدم قناة خليج أمير المؤمنين التي تصل الفسطاط بالبحر الأحمر وقد طُمر هذا الخليج ولم يبقى غير اسمه وبذلك نشط الطريق التجاري بين الهند وأوروبا والخليج العربي وبغداد .
ثم ربط بغداد بالطريق البري إلى الشام ثم سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية .
وكان الهدف من ذلك أن الخليفة منع تموين ثورات الشيعة ضده بالمدينة عن طريق البحر الأحمر وخليج أمير المؤمنين .
كما ساعد موقع بغداد على إدخال الآراء من الشرق بحيث اختلفت روح بغداد كلياً عن روح دمشق .
وعلى الرغم من أن العرب كانوا يتوافدون على بلاط المنصور إلا أنهم لا يستطيعوا الاقتراب منه بعكس ما كان في الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان .
فخليفة بغداد لم يعد شيخ من شيوخ القبائل بل خلفاً لملوك فارس فأقام الخلفاء العباسيون في العصر الأول من عهد المنصور على الطراز الكسروي الساساني فخضع العرب للنفوذ الفارسي وشاعت الأفكار والآراء الفارسية التي مهدت الطريق لعهد جديد ازدهرت فيه العلوم والدراسات الفارسية بحيث لم يبقى من العربية غير الإسلام واللغة .
ثم ظهر منصب جديد في الدولة وهو منصب الوزارة وهي جهاز مركزي شامل للدولة .
وقد اتخذ الخلفاء وزراء لهم بدل نواب وذلك لتقوية هيبتهم كملوك وسلطتهم كأئمة . وأول من شغل منصب الوزارة " خالد بن برمك " وكان صديقاً حميماً للخليفة المنصور وبرز من أسرته وزراء كثيرون أثروا ثراء فاحشاً وأنفقوا في المنشآت العامة والخاصة أموالاً طائلة شقوا الترع وأنشئوا القصور والمساجد والمباني العامة حتى أنه ينسب لحفيد خالد الفضل بن يحيى إدخال المصابيح إلى المساجد في شهر رمضان .
وكان جعفر البرمكي مشهوراً بفصاحة اللسان والمقدرة الأدبية وحُسن الخط وابتكار الأزياء الجديدة في بغداد كلها . وهكذا ارتفع شأن أسرة البرامكة ووزرائها حتى أطلق عليهم " أهل الكرم " و " أهل القلم " .
وبموت الخليفة المنصور وهو في طريق الحج فقدت أسرة البرامكة أكبر نصير لها وأن حظيت بعطف من ابنه المهدي الذي عهد إلى يحيى بن خالد أمر تربية ابنه " هارون الرشيد " .
ولكن في خلافة الرشيد حان الوقت للتخلص من تسلط البرامكة ونفوذهم .
فقتل هارون جعفر وشق جثته نصفين علق كل نصف على أحد جسور بغداد بينما علق رأسه على جسر آخر .
ولعل شناعة هذه الحادثة أدت إلى تعدد أراء المؤرخين في أسباب نكبة البرامكة .
1- لوجود علاقة عاطفية بين جعفر وأخت العباس .
2- تسلط البرامكة على الدولة ومحاولتهم إقصاء الخليفة وعزله عن رعيته .
أما بقية الأسرة فيحيى سجن وهو الأب العجوز وابنه الفضل وبقية الأسرة .
وصودرت أموالهم من ضياع وقصور وغيره .
المهم أن بغداد استمرت بدون البرامكة في طريق الرقي والازدهار ولم يمضي على تأسيسها سوى نصف قرن حتى أضحت مركزاً عالمياً في الثروة لا ينافسها سوى بيزنطة " القسطنطينية " عاصمة الدولة الرومانية الشرقية .
فقصر بغداد يشغل ثلث مدينة بغداد ويمتلئ بالجواري والغلمان وكانت زوجة الرشيد وابنة عمه السيدة زبيدة التي أنشأت عين زبيدة بمكة أثناء أداءها فريضة الحج ، وكانت تستعمل الأواني الذهبية والفضية على موائدها وتنتعل الأحذية المرصعة بالأحجار الكريمة .
وقد بلغ البذخ في البلاط العباسي أقصى درجاته أثناء الاحتفال بتنصيب الخليفة أو الاحتفال بالزواج والإسراف والبذخ فيه كزواج المأمون من يوران بنت الحسن بن سهل .
وكان يفسد إلى أسواق بغداد الخزف والحرير والمسك من الصين والطيب والمعادن من الهند والياقوت والنسيج والرقيق من بلاد الترك . والعسل والشمع والغراء من السويد والنرويج .
وكان لبضائع الصين سوق خاص .
وكانت الأقاليم والأمصار ترسل القوافل سواء براً من وسط آسيا أو بحراً من المحيط الهندي إلى الخليج العربي .
ويرد الأرز والحبوب والكتان المنسوج من مصر والزجاج والتحف المعدنية والفاكهة من الشام واللؤلؤ من جزيرة العرب والحرير والعطور من فارس .
ومن بغداد قام العرب بتصدير المنسوجات والجواهر والمرايا المعدنية والعطور إلى أوروبا وأفريقيا .
وسكوا الدنانير الذهبية والدراهم الفضية الإسلامية .
وبذلك لعبت التجارة دوراً هاماً في بغداد إذ كان لكل تجارة سوق خاصة .
النهضة الثقافية في بغداد :
شهدت بغداد أكبر وأعظم يقظة فكرية في الإسلام بل شهدت إحدى الحركات الثقافية العظيمة في العالم بأسره ويرجع بعض المؤرخين أن أسباب هذه اليقظة إلى :
1- مؤثرات خارجية بعضها هندي أو فارسي أو سرياني ومعظمها يوناني .
2- أصبح العربي في العصر العباسي وريث حضارة الشعوب العريقة التي احتواها أو سيطر عليها أو جاورها أو اتصل بها .
رغم اهتمام العرب قبل الإسلام بالنجوم إلا أن الاهتمام العلمي بالفلك لم يظهر إلا في العصر العباسي وكان الفزاري أول فلكي في الإسلام .
حين وضع العالم الخوارزمي جداوله الفلكية استناداً إلى كتاب الفزاري .
فجمع ما استنبطه اليونان والهنود في علم الفلك وزاد عليه أمور جديدة .
وقد تم للعباسيين إنشاء أول إرصاد فلكية منظمة استخدم فيها الآلات الدقيقة التي صنعها المسلمون في منطقة " جنديسابور " .
وأسس الخليفة المأمون مرصداً في بغداد وآخر في ضواحي دمشق .
وأدخلت أدوات القياس مثل الاصطرالب والمزولة والكرة الفلكية .
أما التراث الفكري اليوناني فكان أشد العوامل الأجنبية تأثيراً في الحياة الثقافية البغدادية .
وقد بلغ هذا التأثير في عهد الخليفة المأمون وهو صاحب النزعات الفكرية الحرة .
وأنشأ المأمون دار الحكمة في بغداد لتكون معهداً علمياً ومدرسة للترجمة وخزانة للكتب فكانت أعظم المعاهد الثقافية التي أنشأت بعد متحف الإسكندرية .
ولم يكد عصر الترجمة ينتهي حتى كانت كتب فلاسفة اليونان قد أصبحت في متناول القارئ العربي .
في وقت كانت أوروبا لا تعلم شيء عن علوم اليونان وأفكارهم وبينما كان علماء وطلبة العرب يترددون على دار الحكمة كان شارلمان ملك فرنسا فشارلمان ورجال بلاطه الذي عاصر الخليفة هارون الرشيد يحاولون إتقان كتابة أسمائهم .
وبينما كان عميد وشيخ المترجمين حسين بن إسحاق ينعم لحمام دافئ بعد يوم شاق من العمل كان الأساتذة والطلاب في جامعة أكسفورد يستنكرون الاستحمام ويعتبرونه من ملذات الحياة التي يجب الترفع عنها . أو التشبه بها كالعرب أصحاب الحمامات النظيفة ذات الزخارف المبهجة .
وقد تبع دور الترجمة في بغداد في الحركة الثقافية والفكرية دور الابتكار والإبداع وأصبحت اللغة العربية هي لغة الإمبراطورية العباسية التي امتدت من آسيا الوسطى شرقاً إلى الشمال الأفريقي غرباً .
ولعل أشهر مبتكرات العرب في ميدان الطب والكيمياء والفلك والرياضيات والجغرافيا فضلاً عن التاريخ والفقه والأدب .
ولم يكن الطبيب في بغداد مجرد عالم بفن الطب والتشريح فقط وإنما أضافوا إلى علمهم معرفة ما وراء الطبيعة وأصول الفلسفة والحكمة .
وتقدموا علماء العرب في علم الصيدلة والعلاج بشتى أنوا العقاقير وهم أقدم من أسس مدرسة للصيدلة ورسائل في علم العقاقير .
وكان يفرض على الصيادلة اجتياز اختبار خاص بهم في عهد المأمون وغيره .
كما كانت بغداد تهتم بإرسال البعثات الطبية إلى الأرياف من قبل وزارة بغداد لمعالجة المرضى والمعوزين وتفقد المرضى المسجونين .
وقد أنشأ هارون الرشيد أول مستشفى في الإسلام ثم أخذت المستشفيات تنتشر في أنحاء الدولة الإسلامية وكان بها أجنحة خاصة بالنساء .
وكان لكل مستشفى مستوصف خاص به في الحارة وأن بعضها مجهزاً بمكتبات يقوم الأطباء بتدوين بعض الموضوعات الطبية وقد أنجبت بغداد أشهر الأطباء مثل :
1- الرازي .
2- ابن سينا .
ولا تزال تزدان بصور في القاعة الكبرى في مدرسة الطب بباريس وكان الرازي من أكثر الأطباء ابتكاراً وإنتاجاً فشغل منصب رئيس الأطباء في مستشفى بغداد .
وأهم مؤلفاته في الكيمياء " كتاب الأسرار " وترجم إلى اللغة اللاتينية وظل في أوروبا مرجع لعلم الكيمياء .
كما وضع رسالة في الجدري والحصبة .
وأشهر كتبه " الحاوي " وترجم إلى اللاتينية عن طريق رعاية ملوك صقلية التومانديين وهي موسوعة طبية حوت الكثير من العلوم والمعارف المستقاة من مصادر يونانية وفارسية وهندية مع إضافة العرب عليها .
وهكذا سيطرت أفكار الرازي ومؤلفاته الطبية على العقول والأكاديميات الأوروبية قروناً عديدة .
ثم يأتي ابن سيناء من بعده في الشهرة وتعددت مؤلفاته حتى بلغت المائة وأشهرها القانون في الطب بحيث أصبح مرجعاً تعتمد عليه دور العلم في أوروبا وأصبح مرجع طلاب العلم في الشرق والغرب .
ولقد اهتم علماء بغداد بعلم الكيمياء وأدخل عليه العرب " التجربة الموضوعية " وكان جبر بن حيان من ألمع علماء الكيمياء الذين نادوا بأهمية البحث التجريبي .
وحسن جابر بن حيان :
أساليب التبخر والصهر والتبلور .
نجح في تحضير حامض الكبريتيك والنتريك ومن خليطهما أنتج الماء الملكي لإذابة الذهب والفضة .
عدل نظريات أرسطو في تركيب المعادن .
وترجمة مؤلفاته إلى اللاتينية وأصبحت مصدراً للثقافة والفكر الأوروبي .
وكان أشهر الفلكيين العالم الكندي فيلسوف العرب فكان عالماً ملكياً وكيميائياً وطبيباً وعارف بأصول الموسيقى .
ولقي علم الجغرافية اهتمام كبير في بغداد في العصر العباسي تحت تأثير الحوافز الدينية وأهمها الحج واتجاه القبلة في المساجد .
كما أن علم الفلك الذي يتطلب معرفة خطوط الطور والعرض لكل موضع دفع علماء الفلك للعناية بالجغرافية .
كما أن تجار المسلمين وصلوا من بغداد إلى الصين مارين بسمرقند وتركستان حتى روسيا عن طريق الفلجا وكان للاختبار التي عاد بها هؤلاء التجار أثره باهتمام الباحثين في معرفة أسرار البلدان والأقاليم .
فنقلوا علماء بغداد جغرافية بطليموس إلى العربية وبذلك اعتمد العالم الخوارزمي في رسم صورة الأرض وهي أول خريطة في الإسلام .
ويتضح أن للثقافة العربية في العصر العباسي ناحيتان هامتان :
1- ناحية رئيسية ترتبط بدراسة القرآن والحديث والفقه .
2- وناحية لغوية ترتبط بدراسة علم النحو والأدب شعراً ونثراً .
وأن التوسع في حركة الترجمة جعل اللغة العربية مطيعة للتعبير عن المصطلحات العلمية والأدبية وبذلك أصبحت لغة العلم والفلسفة .
والأهم من ذلك أن السيطرة العربية في الميدان الثقافي أدت إلى اضمحلال اللغات المحلية كالسريانية واليونانية واللاتينية في دار السلام مدينة بغداد .
وخوفاً من اللحن لابد من ضبط اللسان العربي وفق قواعد النحو وتحاشياً عن الخطأ فنهضت حركة وضع المعاجم اللغوية بعد الرجوع إلى أعراب البادية وهنا ظهرت [ المترادفات ] حتى ألف صاحب القاموس كتاب اسمه [ الروض المسلوف فيما له اسمان إلى العرف ] .
أما الأدب في اللغة في العصر العباسي والذي تأثر بالأدب الفارسي فزال عن الأدب العربي:
1- الإيجاز .
2- والاقتصاد اللفظي .
3- وبساطة العبارة وحل محلها :
أسلوب الزخرفة اللفظية .
الميل إلى السجع والمحسنات البديعية .
وكانت ثمرته كتاب ألف ليلة وليلة وهي قصص فارسية قديمة نقلها ابن المقفع إلى العربية في عهد الخليفة المنصور .
إلا أن الرائيين أضافوا إليها قصص أخرى وجعلوا بطلتها شهرزاد .
ومع مرور الزمن ألحقت بها قصص هندية ويونانية ومصرية وتطرقوا إليها بنوادر وغراميات من بلاط الخليفة هارون الرشيد .
وأشهر شعراء العصر العباسي :
أبو نواس وهو ابن عساله فارسية قضى شبابه في البصرة والكوفة بعد موت والده العربي وتمكن من اللغة العربية في جميع فروعها .
وكانت له موهبة أصيلة في الشعر الغنائي وكان يمثل دور النديم في البلاط العباسي والمجتمع البغدادي .
ولكن ظهر الشاعر [ أبو العتاهية ] الذي ردع المجتمع البغدادي الذي انغمس في الترف والملذات وكان شاعراً زاهداً توفي ببغداد سنة 211هـ .
1- المدينة المنورة :
كانت المدن الإسلامية مراكز الإشعاع الفكري والحضاري للمسلمين .
وقد أسهمت المدن بدور أساسي في إيصال الحضارة الإسلامية إلى الشرق والغرب .
وفي المدينة المنورة استقر الإسلام والمسلمون واستكمل الوحي رسالته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وألف الإسلام بين قلوب أهلها وبني النبي صلى الله عليه وسلم فيها الدولة الإسلامية ومنها خرج مجاهداً غازياً في سبيل الله وفيها صعدت روحه إلى بارئها حيث ضم ثراها رفاته الطاهر .
كانت الهجرة إلى يثرب نقطة تحول في تاريخها كما كانت تحديداً عملياً لقيام الدولة الإسلامية فيثرب قبل الإسلام كانت واحدة من المراكز الحضارية في إقليم الحجاز لها وضعها الاقتصادي الذي نافست به مكة والطائف كما كان لها ثقلها السياسي ومن ثم كان الصراع بينها وبين جيرانها على الزعامة السياسية لإقليم الحجاز .
كذلك كان التكوين البشري في يثرب يختلف عما أصبح عليه بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فقد سكنها مع الأوس والخزرج القبائل اليهودية التي وصلت إلى يثرب بعد زوال دولتهم في فلسطين .
أما الأوس والخزرج فقد هاجروا إليها واستقروا فيها من اليمن بعد اضطراب أحوالها عقب تهدم سد مآرب .
عاشت القبائل العربية الأوس والخزرج فترات عصبية في يثرب فقد كانوا موالي لليهود وقد وقعت الكثير من الحروب بين الأوس والخزرج وكان السبب في هذه الحروب اليهود .
وكان وصول النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه إلى يثرب نهاية للمعاناة والحروب وبداية لمرحلة جديدة يعمها الهدوء والاستقرار فكان أهلها يتطلعون إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه على الحماية والنصر .
ويبدوا أن أهل يثرب من الأوس والخزرج قد سئموا الحروب والحياة غير المستقرة فلم تعرف يثرب قبل الإسلام أي نوع من أنواع الاستقرار السياسي أو التنظيم الإداري ذلك أن الحروب المستمرة والتنافر في عناصر السكان والتنافس بينها وبين المراكز التجارية المجاورة أدى إلى تدهور الأوضاع فيها والتي ستنتهي بوصول المسلمين إليها واستقرار الإسلام فيها .
وفيها أسس الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده ومنه سرت إشعاعات الحضارة الإسلامية فتحولت يثرب إلى مدينة إسلامية اتخذها المسلمون قاعدة لهم وفيها وضع الرسول أسس البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة الإسلامية ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار وأصدر دستور المدينة المنورة ووضع نواة النظم الإدارية للدولة الإسلامية كما أرسى قواعد الاقتصاد الإسلامي .
وكان تأسيس المسجد النبوي في المدينة المنورة إيذاناً بتحويلها إلى مدينة إسلامية ومن ثم أصبح بناء المسجد الأصلي في إقامة المدن والعواصم الإسلامية وعلى غرار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بنيت مساجد المسلمين في الأقاليم التي فتحتها جيوش المسلمين .
والمسجد النبوي بسيط في بنائه ويشتمل على رحبة واسعة تحيط به أربعة جدران وأقام لهم مظلة ثم جعل بالمسجد سواري من جذوع النخل .
واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجده مكاناً للقاء المسلمين وجامعة يتعلمون فيها أمور دينهم وأحوال دنياهم وفيه كان رسول الله يتلقى الوحي فيعلم المسلمين ما ألقى إليه من ربه .
وفي المسجد النبوي كانت تعقد المعاهدات وتمضي العهود ويعلن الجهاد وتقلد الرايات وينظر في المظالم وتستقبل الوفود .
وفي المسجد اتخذ المسلمون الآذان نداء للصلاة ودليلاً رسوخ قدم الإسلام وظهوره في المدينة ثم في المسجد فرضت الزكاة وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام .
وعاشت المدينة عصراً من الاستقرار السياسي ، كما شهدت فترة من الرخاء الاقتصادي فقد أصبحت رؤوس الأموال ومصادر الدخل في أيدي أهلها خاصة بعد إجلاء اليهود وتهيأت للدفاع عن دين الإسلام بل أخذت على عاتقها حماية هذا الدين ونشره خارج الجزيرة العربية .
وظلت مدينة الرسول عاصمة للخلافة الإسلامية وحاضره للمسلمين خلال عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين ثم حدثت فتنة عثمان التي انتهت بقتله ثم كان الخليفة علي رضي الله عنه ولما غادرها إلى العراق فارقتها الخلافة وزال عنها مقر الحكم إلى دمشق ومنها إلى بغداد .