- تعريف :
معنى كلمة معالم جمع ومفردها " مَعَلَمْ " .
والمعلم : هو العلامة التي يُهتدَى بها سواء كان هذا الاهتداء :
أ- مادياً : مثل العلامة التي توضع على الطريق ليُهتَدى بها السائرون .
ب- أو اهتداء معنوياً : مثل النظريات العلمية التي يتعهدها الباحثون حتى تصبح حقائق عامة .
2- تعريف الحضارة :
فهي في الاشتقاق اللغوي مأخوذة من " تحضر " بمعنى البعد عن الحياة البدائية .
فيقال حضارة وحاضرة أي المدن والقرى والأرياف سميت بذلك لأن سكانها استقروا بالحواضر وابتعدوا عن حياة البادية وأخذوا بأسباب الحياة الراقية في المدينة .
وخير تعريف للحضارة هو كل ما قام به الإنسان وما حققه من أعمال ومنشآت وما جاء به من أفكار ومعتقدات تنبئ عن نضجه العقلي ورقي سلوكه الاجتماعي .
وكلمة الحضارة ترجمة لكلمة Givilization في اللغات الأوروبية وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Givitas ومعناها التمدن .
وتشير الكلمة إلى الحالة الاجتماعية التي يجب أن يكون عليها المواطن الروماني الذي كان يتمتع بحقوق سياسية واجتماعية لا يسمح بها لغيره من الشعوب التي كانت في نظرهم بربرية أي الهمج غير المتحضرين لأنهم يختلفون في عاداتهم وأساليب حياتهم عن الشعوب الرومانية .
مظاهر الحضارة :
للحضارة مظهران :
أ- مادي : ويتمثل في كل ما ينجزه الإنسان من مظاهر عمرانية كالعمارة – وأدوات الزراعة – الصناعة ، وهي أعمال توفر له العيش والسلامة والراحة وتحقيق المجال : مثل الفنون التشكيلية وغيرها .
ب- معنوي : وهو مظهر عقلي روحي وتندرج تحته الكثير من المأثورات التي لا حصر لها كالدين والأخلاق والعادات والتقاليد والقانون ونظم الإدارة الحكومية والعلوم والفنون .
مقومات الحضارة :
أ- البيئة : أن للبيئة تأثير على الفرد والجماعات فسكان السهول طريقة حياتهم تختلف عن سكان الهضاب والجبال وأيضاً سكان المناطق الاستوائية وذلك من حيث المسكن والعادات والتقاليد .
ب- الفرد : لو أمعنا النظر في تاريخ البشرية في مرحلتها البدائية أي المراحل الأولى للإنسان لظهرت لنا حقيقة هامة أن كل اكتشاف صغير أو كبير فإن البشرية تدين به للفرد الذي توصل إليه خلال محاولاته حتى عم استعماله بين قومه وانتقل بعد ذلك منهم إلى الآخرين . وأن كل اختراع مهما كان فإن أساسه يقوم على اختراع يسبقه أبسط منه . مثال على ذلك لولا اختراع السومريون للعجلة لما بنيت عليها تلك الاختراعات الأخرى التي نشاهدها في عجلة السيارة . مثال آخر ولولا اختراع نيوتن لنظرية الجاذبية ما توصل " انيشتن " للنظرية النسبية التي لولاها ما تمكن العالم اليوم من تفجير الذرة وإطلاق الأقمار الصناعية التي كانت فتحاً للعلماء في تاريخ البشرية .
وهناك نقطة هامة يجب التعرف عليها وهي أن كل الحضارات التي سبقت الحضارة الإسلامية المعاصرة لها لم تحقق للإنسانية الحضارة المثلى فإذا اكتملت في جانب أهملت جوانب أخرى وافت الحضارة الحديثة إهمالها للجانب الروحي لدى الإنسان وتركيزها على الجانب المادي الذي يؤدي إلى نتائج حضارية ناقصة .
وبذلك نكون مبالغين في القول بأن الحضارة الإسلامية هي الحضارة المثلى للإنسانية لأنها ذات أسس تلبي كل احتياجات الإنسان بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر لأن أسس الحضارة الإسلامية مستمدة من العقيدة السمحة لقوله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً } .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ] .
لأن قيام الحضارة الإسلامية لم تكن ثمرة تقاليد وعادات ولا وليدة تيارات فكرية متوارثة بل هي وليدة الدين الإسلامي وأسسه الخالدة التي تعتبر جوهر الحضارة الإسلامية وفي مقدمتها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهي حضارة أخذ وعطاء شأنها شأن الحضارات الأخرى ولكن لها جوهرها وشخصيتها المتميزة .
إذاً تعريف الحضارة الإسلامية هي كل ما أنتج أو اقتبس من تراث مادي أو معنوي تكسوه الصبغة الإسلامية ويسير وفق الشريعة الإسلامية الصحيحة .
خصائص الحضارة الإسلامية :
1- قامت على أساس الوحدانية المطلقة في العقيدة : فهي أول حضارة تنادي بالإله الواحد الذي لا شريك له في حكمه وملكه وهو الذي يستحق العبادة قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } ، وهو الذي يعز ويذل وكل شيء في السماوات والأرض تحت قدرته وفي متناول قبضته ونتيجة ذلك رفع مستوى الإنسان وتحريره من طغيان الحكام ورجال الدين مهما كانت قوتهم وتصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتوجه لله عز وجل . وبذلك أثرت العقيدة الإسلامية في الحضارة الإسلامية وهو خلوها من مظاهر الوثنية سواء في الفن أو الشعر أو الأدب وهو سر إعراض الحضارة الإسلامية ممن ترجمه "الالياذه" وروائع الأدب اليوناني الوثني وتقصير الحضارة الإسلامية في فن النحت والتصوير مع إبداعها في فن النقش والحفر والزخرفة لأن الإسلام أعلن الحرب على الوثنية ومظاهرها ، وبذلك لم يسمح لحضارته أن تقوم على مظاهر الوثنية مثل التماثيل والنحت وغيره .
2- أنها عالمية الأفق والرسالة :
أعلن القرآن الكريم وحدة النوع الإنساني رغم تنوع عراقته ومنابته ومواطنه في قوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } . فالقرآن حين أعلن الوحدة الإنسانية العالمية على صعيد الخير والرحمة والكرامة جعل حضارته عقداً تنتظم فيه جميع العبقريات لكل الشعوب والأمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلامية فكل حضارة تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمة واحدة ولكن الحضارة الإسلامية تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا صرحها في جميع الأمم والشعوب فالقادة وعلماء الفكر ورجال السياسة ممن اختلفت أصولهم وأوطانهم ولكن جميعهم مسلمون .
كما أن معظم الحضارات البشرية تقف ضمن حدود ضيقة سواء فكرية أو نفسية ومادية لأن أساسياتها غير شاملة لكل الجوانب فلو اهتمت بالجانب الروحي أهملت الجانب العلمي أو النفسي ولو اهتمت بالجانب المادي أهملت الجانب الخلقي والروحي وهكذا لأنها سجينة الدوائر العنصرية والوطنية ، أما الحضارة الإسلامية مفتوحة الحدود والدوائر شاملة لكل جوانب الحياة النفسية والمادية فهي حضارة لا تحدها حدود ضيقة فكرية أو نفسية بل تحمل في جوانبها الحق والرحمة والخير والسعادة ليس للإنسان فقط بل حتى الحيوان والنبات ومثال ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي أدخلت النار لأنها حبست هرة دون طعام أو ماء كما أن الحضارة الإسلامية لا تحدها حدود مكانية أو زمانية فكل مكان في الأرض هدف لإقامة حضارة إسلامية .
3- أنها جعلت للمبادئ الأخلاقية المحل الأول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها : لم تتخلى عن هذه المبادئ ولم تجعلها وسيلة لمنفعة دولة أو جماعة أو أفراد فهي تدخل في الحكم والعلم والتشريع والحرب والسلم والاقتصاد والأسرة فقد روعيت المبادئ الأخلاقية تشريعاً وتطبيقاً حتى بلغت شأناً عظيماً لم تبلغه أي حضارة من حضارات الأمم قديماً وحديثاً حتى تركت أثار عظيمة تستحق الإعجاب لأنها كفلت سعادة الإنسانية .
4- أنها تؤمن بالعلم في أصدق أصوله : لأنها تخاطب العقل معاً لأن الإسلام ليس دين هداية فقط ولكن هداية وعلم وأثارت العاطفة والفكر في وقت واحد ، وسر ذلك أنها أنشأت نظاماً في الدولة قائماً على الحق والعدل مرتكز على الدين والعقيدة دون أن يكون الدين عائقاً أمام العلم أو في رقي الدولة وتطور الحضارة لأن العقيدة الإسلامية كانت أكبر عامل في رقي وتقدم الحضارة الإسلامية فمن منابر المساجد انطلقت أشعة العلم والعلماء إلى مشارق الأرض ومغاربها لأن الحضارة الإسلامية هي الوحيدة التي لم تفصل الدين عن العلم لأن أول سورة نزلت على الرسول كانت تقترن القراءة بالقلم وأمرنا الله أول شيء أن نتعلم القراءة والكتابة حتى نتفهم أمور ديننا ودنيانا قال تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } .
5- التسامح الديني : وهذه السمة لم تعرفها أي حضارة من حضارات الأمم فقد عاشت أمم كثيرة داخل الدولة الإسلامية وحضارتها بأديان مختلفة أطلق عليهم ( أهل الذمة ) أي لهم ذمة الله وذمة الرسول وأن يعيشوا بأمان في كنف المسلمون وذلك بتأمين دماؤهم وأموالهم وكنائسهم دون أن يتعرض لها أحد مقابل جزية يؤدونها كما التحق الكثير منهم في مناصب الدولة باستثناء بعض المراكز مثل الخلافة والقضاء والوزارة والحسبة وتولوا مناصب أخرى مثل الدواوين والكتبة وغيرها ، ونتيجة ذلك دخول أعداد كبيرة في الإسلام بعد أن عاشوا في المجتمع الإسلامي وتعرفوا على العقيدة الصحيحة .
المجتمع الإسلامي
مقوماته – عناصره – عاداته وتقاليده
وأثر الإسلام على تكوين المجتمع الإسلامي
وتفجير طاقاته الحضارية
لم يهتم المؤرخون المسلمون بدراسة المجتمع الإسلامي بقدر اهتمامهم بتتبع أخبار الفتوحات والأحوال السياسية للدولة الإسلامية . فلا بد على دارسي المجتمع الإسلامي أن يستنبط حقائق هذا المجتمع من كتب السير والتاريخ والكتب الأخرى .
كان المجتمع الإسلامي بالمدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية يتكون من الجماعة الدينية التي آمنت برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم المهاجرين والأنصار وأصبح الدين الإسلامي هو حجر الزاوية في تكوين هذا المجتمع الجديد الذي يقوم على الرابطة الروحية وليس على العصبية القبلية كما كان الحال في الجاهلية أو قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المنفذ الأول لأوامر الله عز وجل فهو المرجع الأول والأخير لهذا المجتمع الجديد وكان يجمع بين السلطتين الروحية الدينية والزمنية السياسية وأصبح مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم :
1- مركز تجمع المسلمين خمس مرات بين اليوم والليلة تزول بينهم الفوارق الطبقية : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } .
2- كما أنه برلمان لعقد المجالس التنفيذية والمشاورات الحربية واتخاذ القرارات .
3- مكان لاستقبال الوفود والأمراء .
4- مدرسة لتفهم المسلمين أمور دينهم .
5- مركز لتوجيه الجيوش .
6- داراً للقضاء .
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقيام الفتوحات الإسلامية في عهد دولة الخلفاء الراشدين امتزج العرب بغيرهم من الأمم الأخرى وكان للإسلام أثره في هذا الامتزاج . فقد منح الإسلام الأمم الأخرى التي تسكن المناطق المفتوحة المثل العليا مما أدى إلى استعدادهم للتضحية بأنفسهم في سبيل الإسلام لأنهم تركوا لهم الحرية الدينية دون ضغط أو إرهاب . وكانت الدولة التي أسسها العرب قد قامت باسم الدين التي اشتقت منه نظمها السياسية والإدارية والاجتماعية وظهر المجتمع الإسلامي الذي كان من أبرز مقوماته الرابطة بين جميع العناصر المختلفة .
أهم عناصر المجتمع الإسلامي :
1- العرب الفاتحون : خرجت الجيوش الإسلامية من المدينة المنورة لفتح بلاد فارس والروم وكانت هذه الجيوش من عناصر مختلفة من القبائل العربية ولما تم النصر للعرب ودانت لهم الأمصار بدأت مرحلة الاستقرار في حيات العرب التي تمثلت في بناء المدن مثل البصرة 17هـ - الكوفة 16هـ - الفسطاط 20هـ . وكانت هذه المدن في بداية أمرها بمثابة معسكرات للجيش العربي واشترط عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدم بناء المدن في أماكن بعيدة عن المدينة المنورة . ويتضح ذلك عندما رفض أن تكون الإسكندرية عاصمة مصر عندما كان عمرو بن العاص والي على مصر . كما اشترط عدم اختلاط العرب بأهالي البلاد المفتوحة حتى لا ينشغلوا عن الجهاد بسبب الاستقرار والتحضر والأخذ على الراحة . وبذلك حافظت القبائل العربية على عاداتها وتقاليدها القبلية ولكن في العهد الأموي سنة 40هـ حتى 132هـ سكنوا المدن واختلطوا بغيرهم من أهالي البلاد المفتوحة وتزوجوا من السبايا وسكنوا البيوت والقصور وتعرفوا على أنواع من الأطعمة واللباس .
2- الموالي : كلمة مولى تحمل عدة معاني في اللغة العربية ولكن الذي يهمنا من هذه الكلمة التي اتفق عندها المؤرخون الموالي هم المسلمون غير العرب وكانوا في الأصل أسرى حرب وأصبحوا في منزلة الرقيق ثم أسلموا واعتقوا وقد تكاثروا في الدولة العربية الإسلامية بالأسر والإهداء حتى فاق عددهم الأحرار من العرب في بعض المدن لدرجة أنه تم خطبة بنات الموالي إلى أسيادهم . وكان للموالي فضل كبير في الحضارة الإسلامية وذلك بترحيب الموالي بالعرب عاملاً مهماً في تسهيل فتح المناطق كما أنهم حملوا أعباء الحرف والمهن التي كان العرب يأنفون الاشتغال بها مثل النهضة الزراعية والصناعية والتجارية كما كان لهم نصيب وافر في الاشتغال بالوظائف العامة والفلاسفة وغيرهم . ولم يكن للعرب رغبة في اشتراك مواليهم في الحروب السياسية فأدت هذه السياسة إلى ردود أفعال قوية من قبل الموالي عرفت بالشعوبية وهي حركة اجتماعية وفكرية حاول خلالها الموالي التعقب لأصلهم ولم تقتصر حركاتهم على الجوانب الفكرية بل تعداها إلى الحركات والثورات المسلحة ضد الدولة الأموية مثل الانضمام لحركة المختار بن أبي عبيد الثقفي وعبد الرحمن بن الأشعث وغيرهم واستغل العباسيون تذمر الموالي في العهد الأموي فنشط الدعاة بإقناع الموالي لمساندة الدعوة العباسية وبذلك ناصروهم في خراسان حتى تمكنوا من القضاء على العهد الأموي سنة 132هـ . وبذلك قامت الدولة العباسية على أكتاف الفرس والموالي الذي ازداد نفوذهم السياسي والحضاري في العصر العباسي الأول ولم يلبثوا أن تركوا بصماتهم في المجتمع الإسلامي من حيث مظاهر الترف وبناء القصور والأزياء والملابس وألوان الأطعمة ومجالس الترف . ثم ظهر عنصر جديد من الموالي وهم الأتراك في النصف الأول من القرن الثالث الهجري وازداد نفوذهم في عصر الخليفة المعتصم حاملين دماء جديدة وعادات وتقاليد خاصة لها أثر في المجتمع فامتلأت قصور الخلفاء والأمراء ورجال الدولة بالجواري حتى أن هؤلاء الموالي من الأتراك استأثروا بالسلطة وأصبح لهم سيطرة على الخلفاء الذين فشلوا في الحد من نفوذهم .
3- أهل الذمة : الذمة في اللغة ( العهد – الأمان – الضمان ) . وأهل الذمة هم المستوطنين في بلاد الإسلام من غير المسلمين وهم اليهود والنصارى وسموا بذلك لدفعهم الجزية فأمنوا دمائهم وأعراضهم وأموالهم .
ومن تعاليم الإسلام إذا فتح المسلمون أرضاً فعلى أهلها أن يسلموا فإن امتنعوا يدفعوا جزية.
وكانت معاملتهم تتصف بالتسامح والعطف والكرم فلهم الحرية الدينية والجنائية والمدنية .
وكانوا يدفعون عشر التجارة كما أنهم معفون من الصدقات ولا تؤخذ الجزية على الصبيان وكبار السن والنساء والمساكين والرهبان وكانت لهذه المعاملة أثر كبير في دخول أعداد كبيرة في الإسلام .
وقد تمتع أهل الذمة بحقوقهم في العهد الأموي لأن الأمويين كانوا بعيدين عن روح التعصب الديني فواصلت الدولة معهم التسامح من حيث بناء الكنائس وحرص الأمويون على حماية أهل الذمة مقابل الجزية والخراج .
أما في العصر العباسي فحافظت على علاقاتها مع أهل الذمة واستفادت منهم في النظم الإدارية والمالية والثقافية ولم تتدخل الدولة في شئونهم أو أعيادهم كما كان لهم دور بارز في الشئون الاقتصادية .
4- الرقيق :
كان الرق مألوفاً في العصور القديمة قبل ظهور الإسلام وتعددت مصادر الرقيق في المجتمع الإسلامي وذلك تسترق ما يقع في أيديها من أسرى الحروب ولكن إذا أسلموا يطلقوا سراحهم ومن مصادر الرق الربا أي تراكم الديون الذي يعجز صاحبه عن تسديد دينه وأيضاً القمار وقد حرم ذلك الإسلام ولم يكن في الشريعة الإسلامية نص يأمر باسترقاق الناس فالإسلام أول دين أمر بالقضاء على الرق وحث الإسلام على الأجر والثواب لمن أعتق عبداً أو أمة كما أن العتق كفارة عن الإيمان وقد خصص الإسلام جزءاً من أموال الناس لتحرير الرق وفك رقابهم بشرائهم والعتق كفارة في رمضان .
نتائج الاندماج والامتزاج :
1- ساعدت عوامل المزج على ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وكان سبب تطورها .
2- اعتناق الشعوب المفتوحة للإسلام فابتعدت عن عناصرها السابقة وتوجهت لإبراز الحضارة الإسلامية .
3- التعريب أي جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية لإدارة الدولة والعلم والمعرفة والتعامل مع الدولة العربية .
4- رغبة الأنظمة السياسية في الدولة الأموية والعباسية في الاستعانة بالعناصر غير العربية في الجهود الإدارية والعلمية .
5- التنافس العلمي بين مراكز الدولة الإسلامية مثل بغداد ، القاهرة ، قرطبة ، الأمر الذي ترك أثره الواضح في تشجيع العلوم والمعارف واستقطاب العلماء .
6- الاستفادة من تراث الأمم الماضية .
العادات والمظاهر الاجتماعية :
1- الأعياد الإسلامية : لقد بلغت الأعياد الإسلامية أكثر من عشرة أعياد وهذه الأعياد لا تستند إلى أساس القرآن والسُنة إلا عيدين فقط وقد أقرهما الإسلام واحتفل بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أ- عيد الفطر . ب- عيد الأضحى .
ويبدو الاحتفال بهذين العيدين بصلاة العيد حيث يجتمع المسلمون في المدينة في مكان واحد فسيح وكان الخليفة يؤمهم ويلقي عليهم خطبة العيد ثم ينصرف المسلمون إلى منازلهم ويتقربون إلى الله بالأضاحي في عيد الأضحى أما عيد الفطر فيتصدقون بالزكاة .
ومن مظاهر الأعياد لبس الملابس الجديدة والتصدق على الفقراء والتزاور بين الناس ويقومون ببعض التسلية ترويحاً عن النفس وعمل بعض الأطعمة الخاصة بالعيد .
2- حفلات الزواج ك اتصفت هذه الحفلات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالبساطة وأيضاً في عهد الخلفاء الراشدين ولكن مع مرور الزمن أخذت تتطور حتى أصبحت في العصر العباسي من أكثر المظاهر التي تدل على البذخ والترف والغنى مثل زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل وزواج الخليفة المعتصم بالله من قطر الندى بنت خماوريه حيث وصفت بما يفوق الخيال .
جوانب الحضارة الإسلامية :
تنقسم الحضارة الإسلامية إلى قسمين :
أ- جانب معنوي ويشتمل على الحياة الفكرية والنظم الإسلامية .
ب- جانب مادي ويشتمل على العمارة والصناعات الإسلامية .
أ- الجانب المعنوي :
ويشتمل على الأسس والأصول المكونة لهذه الحضارة وهي تعاليم الشريعة الإسلامية التي هي أساس لمنبع هذه الحضارة الخالدة وأن يكون جوهر الجانب المعنوي من عند الله سبحانه وتعالى وأول فرع من فروع الجانب المعنوي :
1- الحياة الفكرية :
لقد كان اهتمام المسلمين بالعلم والعلماء نابع من إتباعهم لتعاليم القرآن الكريم وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم لأن أول آية نزلت على الرسول تدعوا إلى القراءة والتعليم قـال تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } .
وهناك أقوال كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم يحث أمته على العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ طلب العلم فريضة على كل مسلم ] وقوله : [ من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ] وبذلك عمل المسلمون على طلب العلم وحملوا مشعل قيادة البشرية نحو حضارة إسلامية سامية وأول هذه العلوم :
أ- العلوم الشرعية :
1- القرآن الكريم :
نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً أي على دفعات خلال ثلاث وعشرين سنة وحُفظ القرآن في صدور أصحابه الكرام كما دون على جريد النخل وبعض الرقاع والعظام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمراجعته مع أصحابه مع أصحابه وعلمهم ترتيب آياته العظيمة .
وبعد وفاته كانت أكبر فتنة في الجزيرة العربية فتنة المرتدين التي قضى عليها أبي بكر الصديق رضي الله عنه واستشهد فيها الكثير من الصحابة فخشى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ضياع القرآن فأتفق مع أبي بكر على جمع القرآن وبعد التشاور تم تكليف زيد بن ثابت أحد كتاب الوحي بهذه المهمة فجمعه من الرقاع وجريد النخل والعظام وصدور الرجال وكتبه على الجلد المدبوغ وكانت مهمة صحبة أصعب من ثقل الجبال كما وصفها زيد بن ثابت .
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه عمل مصحف بقراءة واحدة خوفاً من اختلاف القراءات وأرسل لكل منطقة من الأمصار الإسلامية مصحف لقول الله عز وجل : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .
وقد انضبط المجتمع والأمة الإسلامية وفق القوانين المنزلة في القرآن الكريم والقواعد التي شيد المسلمون حضارتهم على أساسها . وقد طور المسلمين نظمهم السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية فقد وجد المسلمون في القرآن كل ما يحتاجونه في إدارة شؤونهم وبناء مجتمعهم وتحديد علاقة الأفراد بالدولة وعلاقة الدولة برعاياها .
كما نظم الإسلام القوانين التي تضبط سلوك الفرد والجماعة في حالة السلم والحرب . كما ضمن الإسلام العدالة لكل الناس سواء كان مسلماً أو ذمياً .
2- السُنة النبوية :
هي ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل وللحديث النبوي مكانة عظيمة عند المسلمين فهو في المرتبة الثانية بعد القرآن ولم يدون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يلتبس بالقرآن الكريم . وبذلك اعتمد الصحابة على حفظه ولكن بعد وفاته ودخول الدولة الإسلامية في مراحل سياسية مختلفة وظهور الفرق الدينية تجرأ البعض على افتراء الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك هدفهم تفرق وحدة المسلمين والكيد للإسلام فوفق الله علماء المسلمين في جمع الأحاديث وميزوا بين الحديث الصحيح من الضعيف والموضوع وقسموه إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع .
ومن أشهر رواة الحديث عائشة وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم .
ولقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أمور دينهم ودنياهم فكانت أقواله وأفعاله تطبيقاً عملياً للإسلام .
وبذلك أصبحت السُنة النبوية مصدراً أصيلاً من مصادر التشريع كما اعتبرها المؤرخون مصدر من مصادر الحضارة الإسلامية وكانت المدينة المركز الأول للحضارة الإسلامية لأنها شهدت مولد الأمة ومنها انبثق الإسلام حتى امتد إلى مشارق الأرض ومغاربها . وبذلك فرض الإسلام سيادته الحضارية فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً في حركة اضمحلت أمامها كل المفاهيم والقيم القديمة .
3- الفقه :
أطلق أول الأمر كاصطلاح على حفظه القرآن الكريم ورواة الأحاديث والمفسرين كل هؤلاء عرفوا باسم الفقهاء ولكن بعد أن شاع استعمال الفقه وشئون الفتوى واستنباط الأحكام عرف الفقه من فقـه وتفقه بمعنى علـم وتفهم وهو علـم استنباط الأحكـام الشرعية من القرآن والسُنة.
وكان ظهور الفقه عند اتساع الدولة الإسلامية فظهرت المشاكل الدينية التي تستوجب الاجتهاد والفتوى وظهرت عدة دراسات فقهية يمكن أن نطلق عليها اسم مذاهب لأنها جميعاً تسير وفق القرآن والسُنة .
ومن أشهر الفقهاء :
أ- أبو حنيفة .
ب- مالك بن أنس صاحب الموطأ وهو أول كتاب ظهر في الفقه الإسلامي .
ج- والإمام الشافعي الذي صاحب مالك بالحجاز ثم ارتحل إلى العراق والشام واستقر به المقـام بمصر والشافعي أول من تكلم في أصول الفقه وأشهر كتبه ( الرسالـة الأم ).
د- أحمد بن حنبل .
وكانت هناك المذاهب الفقهية : المذهب الحنفي – المذهب الشافعي – المذهب الحنبلي – المذهب المالكي .
2- العلوم العربية :
لم تقتصر عناية المسلمين على العلوم الشرعية من قرآن وحديث وفقه بل امتد اهتمامهم باللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم خاصة بعد أن شاع اللحن والتحريف نتيجة لدخول أعداد كبيرة من الشعوب غير العربية في الإسلام وخشي المسلمين أن يمتد هذا اللحن والتحريف إلى القرآن الكريم فظهر ما يعرف بـ :
أ- علم النحو :
وأول من وضع قواعد النحو " أبو الأسود الدؤلي " وذلك بناء على طلب زياد بن أبية والي مدينة البصرة في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان وذلك بأن يضع طريقة لإصلاح الألسن من اللحن والتحريف في اللغة العربية وبذلك قام بالتشكيل وذلك بوضع الضمة والكسرة والفتحة والتنوين على الحروف وقد وضعها على شكل نقط تميز الفتحة من الضمة من الكسرة من الجر .
ثم تلى أبي الأسود الدؤلي عالمان جليلان هم :
1- نصر بن عاصم الليثي .
2- يحيى بن يعمر العدواني .
وهما من التابعين وعاشوا في البصرة وقاما بإصلاح عظيم وهو إصلاح " الأعجام في المصاحف " وهو وضع النقط على حرف الباء والتاء والجيم والخاء .. الخ وكان ذلك في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بتشجيع من الحجاج بن يوسف الثقفي والي بني أمية على العراق .
وظل الأمر على ذلك حتى جاء الإصلاح الثالث على يد العالم الجليل " الخليل بن أحمد الفراهيدي " صاحب كتاب " العين " فوضع الشكل بالطريقة السائدة حتى يومنا هذا وكان ذلك في العصر العباسي الأول وبذلك استطاع أن يسد الثغرات في الكتابة العربية ثم انتشرت مدارس النحو في العالم الإسلامي وكان أشهرها :
مدرسة الكوفة – مدرسة البصرة – مدرسة الحجاز .
ب- الأدب :
وتعريفه هو ما يتحلى به الإنسان من صفات وأخلاق تعود عليه في مجتمعه بالاحترام والتقدير .
ولما كانت المعارف على أنواعها أجمل ما يتحلى به المرء وسبباً هاماً من أسباب محامده الأخلاقية أصبح لكل عالم أديباً ضيق مدلول الأدب على النثر والشعر .
فالأدب العربي هو مجموعة الآثار الكتابية التي أنتجتها قرائح العرب على مر العصور وألبستها من الجمال الفني أروع لباس .
وكان من أبرز النشاط الأدبي :
1- الشعر : وقد اعتقد المستشرقين أن الإسلام قلل من أهمية الشعر حتى لا يطغى على القرآن ولكن اعتقادهم لا أساس له من الصحة لأن القرآن ليس من الشعر في شيء وإذا كان القرآن قد قلل مـن شأن الشعراء وذلك أنهم كانوا أعداء الإصلاح ودعاة للفوضى لقوله تعالى : { والشعراء يتبعهم الغاون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون } . أما الشعراء الذين ساندوا الدعوة الإسلامية وناصروها فقد أحلهم الإسلام في المكان اللائق بهم من الشرف والكرامة وشجعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجزل لهم العطايا واعتبر هذا نوعاً من الجهاد في سبيل الله والانتصار للحق ومثال ذلك :
1- حسان بن ثابت .
2- وكعب بن مالك .
3- وكعب بن زهير .
4- وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم .
وكان شعرهم يعرف " بشعر الدعوة الإسلامية " .
وفي العهد الأموي تعددت الأغراض التي يقال فيها الشعر مثل شعر الغزل وأشهر الشعراء :
1- عمر بن أبي ربيعة .
2- وجميل بن معمر .
والشعر السياسي نتيجة لظهور الفرق والأحزاب المختلفة مثل الشيعة والخوارج والمعتزلة وغيره واتخذت هذه الفرق من الشعر وسيلة لنشر مبادئها وأشهرهم أعشى همذان – أعشى ربيعة – النابغة الشيباني – كعب بن جميل .
وفي العصر العباسي زادت الأغراض الشعرية فظهروا شعراء نهجوا في الشعر مناهج جديدة في الأساليب والموضوعات والمعاني التي تتناسب وحياة الترف التي كانت سائدة في ذلك العصر مثل الشعر في الخمر والصيد والغزل وأشهر الشعراء :
1- أبو العتاهية .
2- أبو نواس .
3- أبو تمام .
4- أبو فراس الحمداني البحتري .
5- بشار بن برد .
ج- النثر :
وكان من أبرز مظاهر الخطابة وكانت في صدر الإسلام أما في العهد الأموي فكانت لها عدة اتجاهات فكانت وسيلة من وسائل الدعاية والإعلان فيلجأ إليها القائد أو الوالي لإثارة الحماس العسكري في جنوده لبث الروح الوطنية وأشهرهم :
زياد بن أبية - الحجاج بن يوسف الثقفي - عتبة بن أبي سفيان - وقطري بن الفجأة - ومن الخلفاء معاوية بن أبي سفيان .
أما في العصر العباسي فقد اختلفت الخطابة فظهر ما يعرف بالنثر أو الكتابة الفنية واشتهر عدد من الكتاب مثل :
1- عبد الله بن المقفع وكتابه كليلة ودمنة .
2- وعبد الحميد الكاتب الذي يعتبر من أشهر صناعة الكتابة لأنه أحدث أساليب فنية جديدة في الكتابة لم تكن معروفة من قبل ولم يترك كتاب معين وإنما ترك مجموعة من الرسائل المشهورة والمنتشرة في كتب التاريخ والأدب .
3- عمرو بن بحر الجاحظ الذي عرف بحرية الفكر وكان من أشهر كتبه البيان والتبيين والبخلاء ، وكتاب الحيوان .
4- بديع الزمان الهمذاني .
5- ابن العميد .
6- أحمد حسن الزيات .
3- العلوم الاجتماعية :
أ- علم الاجتماع :
ويقصد به " الاجتماع الإنساني " الذي يربط البشر بالأرض أي البيئة الطبيعية وصلة البشر بعضهم بالبعض " البيئة الاجتماعية .
والاجتماع الإنساني ضروري للإنسان لأن الإنسان اجتماعي بطبعه لا غنى له عن الآخرين لأن احتياجاته كثيرة من حيث الصناعات المختلفة وآلات المتعددة مستحيل أن تكون له قدرة في الحصول عليها وحده فلابد من اجتماع القدرات الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل عليها من حيث الأكل والشرب أو من حيث الدفاع عن النفس فلابد من الاستعانة بأبناء جنسه في كل مجالات الحياة .
أما تعريف علم الاجتماع كعلم فله قواعده وأسسه وقد أسسه ابن خلدون فهو أبو زيد بن عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ولد في تونس 732هـ وتلقى تعليمه على يد والده وبعض علماء تونس فحفظ القرآن وقرأ الفقه والتفاسير والحديث واللغة والنحو ثم توسع في الأدب والتاريخ والمنطق وعلم النفس التحق ابن خلدون عند سلطان مراكش أبي الحسن المديني وتولى وظيفة ديوان الرسائل ثم تغلب في عدد من الوظائف واتصل بملوك المغرب وتونس ثم اتجه سنة 784هـ إلى مصر وتولى قضاء المالكية ثم اتجه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ثم عاد إلى مصر .
وتولى التدريس والقضاء وكان أحد أفراد الوفد المملوكي إلى " تيمورلنك " من قبل سلطان المماليك " فرج بن برقوق " وقد أعجب به تيمورلنك فأكرمه وأعاده إلى مصر ثم تولى القضاء مرة أخرى حتى توفي في القاهرة سنة 808هـ .
وقد ألف عدة كتب في الحساب والمنطق ولكن أشهر كتبه الكتاب التاريخي " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر " والذي يهمنا من هذا الكتاب الجزء الأول الذي يعرف " بمقدمة ابن خلدون " الذي وضع فيه أسس وقواعد علم الاجتماع .
ب- التاريخ :
لم يكن للعرب في الجاهلية معرفة بتدوين التاريخ لأنهم كانوا أميون وقد ذكر القرآن ذلك فكانوا يتداكرون أيامهم ووقائعهم الحربية عن طريق الرواية الشفهية على هيئة أشعار وقصائد أو أخبار يرويها الخلف عن السلف .
ولما ظهر الإسلام وقامت الدولة الإسلامية أصبحت الحاجة ماسة إلى معرفة سيرة الرسول فأنكب رجال من المسلمين إلى جمع أخبار السيرة النبوية وتدوينها فكان ذلك بداية التاريخ وكان نوعاً من أنواع الحديث متأثر بطريقة الحديث في جمع الرواية ونقدها سواء من حيث المتن أو من حيث السند .
ثم تضافرت عدة عوامل أدت إلى معرفة العرب بالبحث التاريخي وهي :
1- رغبة الخلفاء منذ العصر الأموي في الوقوف على أخبار الملوك والحكام السابقين للإسلام .
2- اهتمام المسلمين بجمع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده وأصبحت هذه السيرة هي الأساس التي بنيت عليه كتب السير والمغازي فيما بعد .
3- ضرورة تحري أنساب العرب المسلمين لتحديد عطاء كل مسلم .
4- شرح ما ورد في الشعر العربي ومعرفة الأشخاص والأماكن التي ورد ذكرها في كتب الديانات السابقة للإسلام .
5- حرص الشعوب الغير عربية في الأمصار الإسلامية على تدوين أخبار أسلافها .
وكان أول من وضع كتاباً في التاريخ " عبيد بن شربه " صاحب معاوية بن أبي سفيان وسماه " كتاب الملوك وأخبار الماضيين " .
وأول من ألف في السيرة النبوية " عروة بن الزبير " ومن علماء التاريخ " وهب بن منبه " و " كعب بن الأحبار " وهما يهوديان من اليمن . وأخبارهما غير موثوق فيها لدخول بعض الإسرائيليات في التاريخ الإسلامي .
وكان يطلق على كل من اشتغل في القصص أو التاريخ " أخباري " والذي يعمل على الحديث " المحدث " وهكذا .
ثم ظهر رجال جمعوا بين الإخباري والمحدث مثل ابن إسحاق صاحب السيرة المشهورة .
الواقدي صاحب المغازي .
ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى .
أما المتخصصون في الأخبار مثل محمد بن السائب الكلبي .
ثم ظهر متخصصون كتبوا عن مصر من أمصار الدولة الإسلامية :
أبو مخنف كتب عن العراق .
المدائني أخبار خراسان والهند وفارس .
الواقدي أخبار الحجاز والسيرة النبوية وفتوح الشام .
ابن عبد الحكم أخبار وفتوح مصر .
ج- الجغرافية :
لفظ الجغرافية يعد دخيلاً في اللغة العربية ويعني رسم الأرض أم اسم هذا العلم في اللغة العربية هو " تقويم البلدان " ولقد شجع الإسلام الكتابة الجغرافية لعدة أسباب :
1- الحج : إن فريضة الحج كان لها أثر دفعت الكتاب والمؤرخون والرحالة إلى تدوين ملاحظاتهم ومشاهداتهم أثناء سيرهم في البلدان المختلفة في الذهاب والإياب وأشهرهم : ابن جبير – ابن بطوطة – ناصر خسرو – البناني .
2- طلب العلم : كان المسلمون ينتقلون من قطر إلى آخر في سبيل طلب العلم أو المعرفة وكان طلاب العلم هم علماء يحرصون على تدوين مشاهداتهم ليطلع عليها الخلف للإفادة . وقد ظهرت المؤلفات الجغرافية القليلة ولكنها تمثل تراثاً جغرافياً ضخماً وأشهرها :
ابن خرداذبه : المسالك والممالك .
وجعفر المروزي : المسالك والممالك .
والمقديسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم .
بن حوقل : المسالك والممالك " صورة الأرض " .
الاصطخري : المسالك والممالك .
المسعودي : التنبيه والإشراف .
ياقوت الحموي : معجم البلدان .
البكري : معجم ما استعجم .
الإدريسي : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق .
معنى كلمة معالم جمع ومفردها " مَعَلَمْ " .
والمعلم : هو العلامة التي يُهتدَى بها سواء كان هذا الاهتداء :
أ- مادياً : مثل العلامة التي توضع على الطريق ليُهتَدى بها السائرون .
ب- أو اهتداء معنوياً : مثل النظريات العلمية التي يتعهدها الباحثون حتى تصبح حقائق عامة .
2- تعريف الحضارة :
فهي في الاشتقاق اللغوي مأخوذة من " تحضر " بمعنى البعد عن الحياة البدائية .
فيقال حضارة وحاضرة أي المدن والقرى والأرياف سميت بذلك لأن سكانها استقروا بالحواضر وابتعدوا عن حياة البادية وأخذوا بأسباب الحياة الراقية في المدينة .
وخير تعريف للحضارة هو كل ما قام به الإنسان وما حققه من أعمال ومنشآت وما جاء به من أفكار ومعتقدات تنبئ عن نضجه العقلي ورقي سلوكه الاجتماعي .
وكلمة الحضارة ترجمة لكلمة Givilization في اللغات الأوروبية وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Givitas ومعناها التمدن .
وتشير الكلمة إلى الحالة الاجتماعية التي يجب أن يكون عليها المواطن الروماني الذي كان يتمتع بحقوق سياسية واجتماعية لا يسمح بها لغيره من الشعوب التي كانت في نظرهم بربرية أي الهمج غير المتحضرين لأنهم يختلفون في عاداتهم وأساليب حياتهم عن الشعوب الرومانية .
مظاهر الحضارة :
للحضارة مظهران :
أ- مادي : ويتمثل في كل ما ينجزه الإنسان من مظاهر عمرانية كالعمارة – وأدوات الزراعة – الصناعة ، وهي أعمال توفر له العيش والسلامة والراحة وتحقيق المجال : مثل الفنون التشكيلية وغيرها .
ب- معنوي : وهو مظهر عقلي روحي وتندرج تحته الكثير من المأثورات التي لا حصر لها كالدين والأخلاق والعادات والتقاليد والقانون ونظم الإدارة الحكومية والعلوم والفنون .
مقومات الحضارة :
أ- البيئة : أن للبيئة تأثير على الفرد والجماعات فسكان السهول طريقة حياتهم تختلف عن سكان الهضاب والجبال وأيضاً سكان المناطق الاستوائية وذلك من حيث المسكن والعادات والتقاليد .
ب- الفرد : لو أمعنا النظر في تاريخ البشرية في مرحلتها البدائية أي المراحل الأولى للإنسان لظهرت لنا حقيقة هامة أن كل اكتشاف صغير أو كبير فإن البشرية تدين به للفرد الذي توصل إليه خلال محاولاته حتى عم استعماله بين قومه وانتقل بعد ذلك منهم إلى الآخرين . وأن كل اختراع مهما كان فإن أساسه يقوم على اختراع يسبقه أبسط منه . مثال على ذلك لولا اختراع السومريون للعجلة لما بنيت عليها تلك الاختراعات الأخرى التي نشاهدها في عجلة السيارة . مثال آخر ولولا اختراع نيوتن لنظرية الجاذبية ما توصل " انيشتن " للنظرية النسبية التي لولاها ما تمكن العالم اليوم من تفجير الذرة وإطلاق الأقمار الصناعية التي كانت فتحاً للعلماء في تاريخ البشرية .
وهناك نقطة هامة يجب التعرف عليها وهي أن كل الحضارات التي سبقت الحضارة الإسلامية المعاصرة لها لم تحقق للإنسانية الحضارة المثلى فإذا اكتملت في جانب أهملت جوانب أخرى وافت الحضارة الحديثة إهمالها للجانب الروحي لدى الإنسان وتركيزها على الجانب المادي الذي يؤدي إلى نتائج حضارية ناقصة .
وبذلك نكون مبالغين في القول بأن الحضارة الإسلامية هي الحضارة المثلى للإنسانية لأنها ذات أسس تلبي كل احتياجات الإنسان بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر لأن أسس الحضارة الإسلامية مستمدة من العقيدة السمحة لقوله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً } .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ] .
لأن قيام الحضارة الإسلامية لم تكن ثمرة تقاليد وعادات ولا وليدة تيارات فكرية متوارثة بل هي وليدة الدين الإسلامي وأسسه الخالدة التي تعتبر جوهر الحضارة الإسلامية وفي مقدمتها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهي حضارة أخذ وعطاء شأنها شأن الحضارات الأخرى ولكن لها جوهرها وشخصيتها المتميزة .
إذاً تعريف الحضارة الإسلامية هي كل ما أنتج أو اقتبس من تراث مادي أو معنوي تكسوه الصبغة الإسلامية ويسير وفق الشريعة الإسلامية الصحيحة .
خصائص الحضارة الإسلامية :
1- قامت على أساس الوحدانية المطلقة في العقيدة : فهي أول حضارة تنادي بالإله الواحد الذي لا شريك له في حكمه وملكه وهو الذي يستحق العبادة قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } ، وهو الذي يعز ويذل وكل شيء في السماوات والأرض تحت قدرته وفي متناول قبضته ونتيجة ذلك رفع مستوى الإنسان وتحريره من طغيان الحكام ورجال الدين مهما كانت قوتهم وتصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتوجه لله عز وجل . وبذلك أثرت العقيدة الإسلامية في الحضارة الإسلامية وهو خلوها من مظاهر الوثنية سواء في الفن أو الشعر أو الأدب وهو سر إعراض الحضارة الإسلامية ممن ترجمه "الالياذه" وروائع الأدب اليوناني الوثني وتقصير الحضارة الإسلامية في فن النحت والتصوير مع إبداعها في فن النقش والحفر والزخرفة لأن الإسلام أعلن الحرب على الوثنية ومظاهرها ، وبذلك لم يسمح لحضارته أن تقوم على مظاهر الوثنية مثل التماثيل والنحت وغيره .
2- أنها عالمية الأفق والرسالة :
أعلن القرآن الكريم وحدة النوع الإنساني رغم تنوع عراقته ومنابته ومواطنه في قوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } . فالقرآن حين أعلن الوحدة الإنسانية العالمية على صعيد الخير والرحمة والكرامة جعل حضارته عقداً تنتظم فيه جميع العبقريات لكل الشعوب والأمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلامية فكل حضارة تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمة واحدة ولكن الحضارة الإسلامية تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا صرحها في جميع الأمم والشعوب فالقادة وعلماء الفكر ورجال السياسة ممن اختلفت أصولهم وأوطانهم ولكن جميعهم مسلمون .
كما أن معظم الحضارات البشرية تقف ضمن حدود ضيقة سواء فكرية أو نفسية ومادية لأن أساسياتها غير شاملة لكل الجوانب فلو اهتمت بالجانب الروحي أهملت الجانب العلمي أو النفسي ولو اهتمت بالجانب المادي أهملت الجانب الخلقي والروحي وهكذا لأنها سجينة الدوائر العنصرية والوطنية ، أما الحضارة الإسلامية مفتوحة الحدود والدوائر شاملة لكل جوانب الحياة النفسية والمادية فهي حضارة لا تحدها حدود ضيقة فكرية أو نفسية بل تحمل في جوانبها الحق والرحمة والخير والسعادة ليس للإنسان فقط بل حتى الحيوان والنبات ومثال ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي أدخلت النار لأنها حبست هرة دون طعام أو ماء كما أن الحضارة الإسلامية لا تحدها حدود مكانية أو زمانية فكل مكان في الأرض هدف لإقامة حضارة إسلامية .
3- أنها جعلت للمبادئ الأخلاقية المحل الأول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها : لم تتخلى عن هذه المبادئ ولم تجعلها وسيلة لمنفعة دولة أو جماعة أو أفراد فهي تدخل في الحكم والعلم والتشريع والحرب والسلم والاقتصاد والأسرة فقد روعيت المبادئ الأخلاقية تشريعاً وتطبيقاً حتى بلغت شأناً عظيماً لم تبلغه أي حضارة من حضارات الأمم قديماً وحديثاً حتى تركت أثار عظيمة تستحق الإعجاب لأنها كفلت سعادة الإنسانية .
4- أنها تؤمن بالعلم في أصدق أصوله : لأنها تخاطب العقل معاً لأن الإسلام ليس دين هداية فقط ولكن هداية وعلم وأثارت العاطفة والفكر في وقت واحد ، وسر ذلك أنها أنشأت نظاماً في الدولة قائماً على الحق والعدل مرتكز على الدين والعقيدة دون أن يكون الدين عائقاً أمام العلم أو في رقي الدولة وتطور الحضارة لأن العقيدة الإسلامية كانت أكبر عامل في رقي وتقدم الحضارة الإسلامية فمن منابر المساجد انطلقت أشعة العلم والعلماء إلى مشارق الأرض ومغاربها لأن الحضارة الإسلامية هي الوحيدة التي لم تفصل الدين عن العلم لأن أول سورة نزلت على الرسول كانت تقترن القراءة بالقلم وأمرنا الله أول شيء أن نتعلم القراءة والكتابة حتى نتفهم أمور ديننا ودنيانا قال تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } .
5- التسامح الديني : وهذه السمة لم تعرفها أي حضارة من حضارات الأمم فقد عاشت أمم كثيرة داخل الدولة الإسلامية وحضارتها بأديان مختلفة أطلق عليهم ( أهل الذمة ) أي لهم ذمة الله وذمة الرسول وأن يعيشوا بأمان في كنف المسلمون وذلك بتأمين دماؤهم وأموالهم وكنائسهم دون أن يتعرض لها أحد مقابل جزية يؤدونها كما التحق الكثير منهم في مناصب الدولة باستثناء بعض المراكز مثل الخلافة والقضاء والوزارة والحسبة وتولوا مناصب أخرى مثل الدواوين والكتبة وغيرها ، ونتيجة ذلك دخول أعداد كبيرة في الإسلام بعد أن عاشوا في المجتمع الإسلامي وتعرفوا على العقيدة الصحيحة .
المجتمع الإسلامي
مقوماته – عناصره – عاداته وتقاليده
وأثر الإسلام على تكوين المجتمع الإسلامي
وتفجير طاقاته الحضارية
لم يهتم المؤرخون المسلمون بدراسة المجتمع الإسلامي بقدر اهتمامهم بتتبع أخبار الفتوحات والأحوال السياسية للدولة الإسلامية . فلا بد على دارسي المجتمع الإسلامي أن يستنبط حقائق هذا المجتمع من كتب السير والتاريخ والكتب الأخرى .
كان المجتمع الإسلامي بالمدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية يتكون من الجماعة الدينية التي آمنت برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم المهاجرين والأنصار وأصبح الدين الإسلامي هو حجر الزاوية في تكوين هذا المجتمع الجديد الذي يقوم على الرابطة الروحية وليس على العصبية القبلية كما كان الحال في الجاهلية أو قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المنفذ الأول لأوامر الله عز وجل فهو المرجع الأول والأخير لهذا المجتمع الجديد وكان يجمع بين السلطتين الروحية الدينية والزمنية السياسية وأصبح مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم :
1- مركز تجمع المسلمين خمس مرات بين اليوم والليلة تزول بينهم الفوارق الطبقية : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } .
2- كما أنه برلمان لعقد المجالس التنفيذية والمشاورات الحربية واتخاذ القرارات .
3- مكان لاستقبال الوفود والأمراء .
4- مدرسة لتفهم المسلمين أمور دينهم .
5- مركز لتوجيه الجيوش .
6- داراً للقضاء .
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقيام الفتوحات الإسلامية في عهد دولة الخلفاء الراشدين امتزج العرب بغيرهم من الأمم الأخرى وكان للإسلام أثره في هذا الامتزاج . فقد منح الإسلام الأمم الأخرى التي تسكن المناطق المفتوحة المثل العليا مما أدى إلى استعدادهم للتضحية بأنفسهم في سبيل الإسلام لأنهم تركوا لهم الحرية الدينية دون ضغط أو إرهاب . وكانت الدولة التي أسسها العرب قد قامت باسم الدين التي اشتقت منه نظمها السياسية والإدارية والاجتماعية وظهر المجتمع الإسلامي الذي كان من أبرز مقوماته الرابطة بين جميع العناصر المختلفة .
أهم عناصر المجتمع الإسلامي :
1- العرب الفاتحون : خرجت الجيوش الإسلامية من المدينة المنورة لفتح بلاد فارس والروم وكانت هذه الجيوش من عناصر مختلفة من القبائل العربية ولما تم النصر للعرب ودانت لهم الأمصار بدأت مرحلة الاستقرار في حيات العرب التي تمثلت في بناء المدن مثل البصرة 17هـ - الكوفة 16هـ - الفسطاط 20هـ . وكانت هذه المدن في بداية أمرها بمثابة معسكرات للجيش العربي واشترط عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدم بناء المدن في أماكن بعيدة عن المدينة المنورة . ويتضح ذلك عندما رفض أن تكون الإسكندرية عاصمة مصر عندما كان عمرو بن العاص والي على مصر . كما اشترط عدم اختلاط العرب بأهالي البلاد المفتوحة حتى لا ينشغلوا عن الجهاد بسبب الاستقرار والتحضر والأخذ على الراحة . وبذلك حافظت القبائل العربية على عاداتها وتقاليدها القبلية ولكن في العهد الأموي سنة 40هـ حتى 132هـ سكنوا المدن واختلطوا بغيرهم من أهالي البلاد المفتوحة وتزوجوا من السبايا وسكنوا البيوت والقصور وتعرفوا على أنواع من الأطعمة واللباس .
2- الموالي : كلمة مولى تحمل عدة معاني في اللغة العربية ولكن الذي يهمنا من هذه الكلمة التي اتفق عندها المؤرخون الموالي هم المسلمون غير العرب وكانوا في الأصل أسرى حرب وأصبحوا في منزلة الرقيق ثم أسلموا واعتقوا وقد تكاثروا في الدولة العربية الإسلامية بالأسر والإهداء حتى فاق عددهم الأحرار من العرب في بعض المدن لدرجة أنه تم خطبة بنات الموالي إلى أسيادهم . وكان للموالي فضل كبير في الحضارة الإسلامية وذلك بترحيب الموالي بالعرب عاملاً مهماً في تسهيل فتح المناطق كما أنهم حملوا أعباء الحرف والمهن التي كان العرب يأنفون الاشتغال بها مثل النهضة الزراعية والصناعية والتجارية كما كان لهم نصيب وافر في الاشتغال بالوظائف العامة والفلاسفة وغيرهم . ولم يكن للعرب رغبة في اشتراك مواليهم في الحروب السياسية فأدت هذه السياسة إلى ردود أفعال قوية من قبل الموالي عرفت بالشعوبية وهي حركة اجتماعية وفكرية حاول خلالها الموالي التعقب لأصلهم ولم تقتصر حركاتهم على الجوانب الفكرية بل تعداها إلى الحركات والثورات المسلحة ضد الدولة الأموية مثل الانضمام لحركة المختار بن أبي عبيد الثقفي وعبد الرحمن بن الأشعث وغيرهم واستغل العباسيون تذمر الموالي في العهد الأموي فنشط الدعاة بإقناع الموالي لمساندة الدعوة العباسية وبذلك ناصروهم في خراسان حتى تمكنوا من القضاء على العهد الأموي سنة 132هـ . وبذلك قامت الدولة العباسية على أكتاف الفرس والموالي الذي ازداد نفوذهم السياسي والحضاري في العصر العباسي الأول ولم يلبثوا أن تركوا بصماتهم في المجتمع الإسلامي من حيث مظاهر الترف وبناء القصور والأزياء والملابس وألوان الأطعمة ومجالس الترف . ثم ظهر عنصر جديد من الموالي وهم الأتراك في النصف الأول من القرن الثالث الهجري وازداد نفوذهم في عصر الخليفة المعتصم حاملين دماء جديدة وعادات وتقاليد خاصة لها أثر في المجتمع فامتلأت قصور الخلفاء والأمراء ورجال الدولة بالجواري حتى أن هؤلاء الموالي من الأتراك استأثروا بالسلطة وأصبح لهم سيطرة على الخلفاء الذين فشلوا في الحد من نفوذهم .
3- أهل الذمة : الذمة في اللغة ( العهد – الأمان – الضمان ) . وأهل الذمة هم المستوطنين في بلاد الإسلام من غير المسلمين وهم اليهود والنصارى وسموا بذلك لدفعهم الجزية فأمنوا دمائهم وأعراضهم وأموالهم .
ومن تعاليم الإسلام إذا فتح المسلمون أرضاً فعلى أهلها أن يسلموا فإن امتنعوا يدفعوا جزية.
وكانت معاملتهم تتصف بالتسامح والعطف والكرم فلهم الحرية الدينية والجنائية والمدنية .
وكانوا يدفعون عشر التجارة كما أنهم معفون من الصدقات ولا تؤخذ الجزية على الصبيان وكبار السن والنساء والمساكين والرهبان وكانت لهذه المعاملة أثر كبير في دخول أعداد كبيرة في الإسلام .
وقد تمتع أهل الذمة بحقوقهم في العهد الأموي لأن الأمويين كانوا بعيدين عن روح التعصب الديني فواصلت الدولة معهم التسامح من حيث بناء الكنائس وحرص الأمويون على حماية أهل الذمة مقابل الجزية والخراج .
أما في العصر العباسي فحافظت على علاقاتها مع أهل الذمة واستفادت منهم في النظم الإدارية والمالية والثقافية ولم تتدخل الدولة في شئونهم أو أعيادهم كما كان لهم دور بارز في الشئون الاقتصادية .
4- الرقيق :
كان الرق مألوفاً في العصور القديمة قبل ظهور الإسلام وتعددت مصادر الرقيق في المجتمع الإسلامي وذلك تسترق ما يقع في أيديها من أسرى الحروب ولكن إذا أسلموا يطلقوا سراحهم ومن مصادر الرق الربا أي تراكم الديون الذي يعجز صاحبه عن تسديد دينه وأيضاً القمار وقد حرم ذلك الإسلام ولم يكن في الشريعة الإسلامية نص يأمر باسترقاق الناس فالإسلام أول دين أمر بالقضاء على الرق وحث الإسلام على الأجر والثواب لمن أعتق عبداً أو أمة كما أن العتق كفارة عن الإيمان وقد خصص الإسلام جزءاً من أموال الناس لتحرير الرق وفك رقابهم بشرائهم والعتق كفارة في رمضان .
نتائج الاندماج والامتزاج :
1- ساعدت عوامل المزج على ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وكان سبب تطورها .
2- اعتناق الشعوب المفتوحة للإسلام فابتعدت عن عناصرها السابقة وتوجهت لإبراز الحضارة الإسلامية .
3- التعريب أي جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية لإدارة الدولة والعلم والمعرفة والتعامل مع الدولة العربية .
4- رغبة الأنظمة السياسية في الدولة الأموية والعباسية في الاستعانة بالعناصر غير العربية في الجهود الإدارية والعلمية .
5- التنافس العلمي بين مراكز الدولة الإسلامية مثل بغداد ، القاهرة ، قرطبة ، الأمر الذي ترك أثره الواضح في تشجيع العلوم والمعارف واستقطاب العلماء .
6- الاستفادة من تراث الأمم الماضية .
العادات والمظاهر الاجتماعية :
1- الأعياد الإسلامية : لقد بلغت الأعياد الإسلامية أكثر من عشرة أعياد وهذه الأعياد لا تستند إلى أساس القرآن والسُنة إلا عيدين فقط وقد أقرهما الإسلام واحتفل بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أ- عيد الفطر . ب- عيد الأضحى .
ويبدو الاحتفال بهذين العيدين بصلاة العيد حيث يجتمع المسلمون في المدينة في مكان واحد فسيح وكان الخليفة يؤمهم ويلقي عليهم خطبة العيد ثم ينصرف المسلمون إلى منازلهم ويتقربون إلى الله بالأضاحي في عيد الأضحى أما عيد الفطر فيتصدقون بالزكاة .
ومن مظاهر الأعياد لبس الملابس الجديدة والتصدق على الفقراء والتزاور بين الناس ويقومون ببعض التسلية ترويحاً عن النفس وعمل بعض الأطعمة الخاصة بالعيد .
2- حفلات الزواج ك اتصفت هذه الحفلات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالبساطة وأيضاً في عهد الخلفاء الراشدين ولكن مع مرور الزمن أخذت تتطور حتى أصبحت في العصر العباسي من أكثر المظاهر التي تدل على البذخ والترف والغنى مثل زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل وزواج الخليفة المعتصم بالله من قطر الندى بنت خماوريه حيث وصفت بما يفوق الخيال .
جوانب الحضارة الإسلامية :
تنقسم الحضارة الإسلامية إلى قسمين :
أ- جانب معنوي ويشتمل على الحياة الفكرية والنظم الإسلامية .
ب- جانب مادي ويشتمل على العمارة والصناعات الإسلامية .
أ- الجانب المعنوي :
ويشتمل على الأسس والأصول المكونة لهذه الحضارة وهي تعاليم الشريعة الإسلامية التي هي أساس لمنبع هذه الحضارة الخالدة وأن يكون جوهر الجانب المعنوي من عند الله سبحانه وتعالى وأول فرع من فروع الجانب المعنوي :
1- الحياة الفكرية :
لقد كان اهتمام المسلمين بالعلم والعلماء نابع من إتباعهم لتعاليم القرآن الكريم وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم لأن أول آية نزلت على الرسول تدعوا إلى القراءة والتعليم قـال تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } .
وهناك أقوال كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم يحث أمته على العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ طلب العلم فريضة على كل مسلم ] وقوله : [ من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ] وبذلك عمل المسلمون على طلب العلم وحملوا مشعل قيادة البشرية نحو حضارة إسلامية سامية وأول هذه العلوم :
أ- العلوم الشرعية :
1- القرآن الكريم :
نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً أي على دفعات خلال ثلاث وعشرين سنة وحُفظ القرآن في صدور أصحابه الكرام كما دون على جريد النخل وبعض الرقاع والعظام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمراجعته مع أصحابه مع أصحابه وعلمهم ترتيب آياته العظيمة .
وبعد وفاته كانت أكبر فتنة في الجزيرة العربية فتنة المرتدين التي قضى عليها أبي بكر الصديق رضي الله عنه واستشهد فيها الكثير من الصحابة فخشى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ضياع القرآن فأتفق مع أبي بكر على جمع القرآن وبعد التشاور تم تكليف زيد بن ثابت أحد كتاب الوحي بهذه المهمة فجمعه من الرقاع وجريد النخل والعظام وصدور الرجال وكتبه على الجلد المدبوغ وكانت مهمة صحبة أصعب من ثقل الجبال كما وصفها زيد بن ثابت .
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه عمل مصحف بقراءة واحدة خوفاً من اختلاف القراءات وأرسل لكل منطقة من الأمصار الإسلامية مصحف لقول الله عز وجل : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .
وقد انضبط المجتمع والأمة الإسلامية وفق القوانين المنزلة في القرآن الكريم والقواعد التي شيد المسلمون حضارتهم على أساسها . وقد طور المسلمين نظمهم السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية فقد وجد المسلمون في القرآن كل ما يحتاجونه في إدارة شؤونهم وبناء مجتمعهم وتحديد علاقة الأفراد بالدولة وعلاقة الدولة برعاياها .
كما نظم الإسلام القوانين التي تضبط سلوك الفرد والجماعة في حالة السلم والحرب . كما ضمن الإسلام العدالة لكل الناس سواء كان مسلماً أو ذمياً .
2- السُنة النبوية :
هي ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل وللحديث النبوي مكانة عظيمة عند المسلمين فهو في المرتبة الثانية بعد القرآن ولم يدون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يلتبس بالقرآن الكريم . وبذلك اعتمد الصحابة على حفظه ولكن بعد وفاته ودخول الدولة الإسلامية في مراحل سياسية مختلفة وظهور الفرق الدينية تجرأ البعض على افتراء الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك هدفهم تفرق وحدة المسلمين والكيد للإسلام فوفق الله علماء المسلمين في جمع الأحاديث وميزوا بين الحديث الصحيح من الضعيف والموضوع وقسموه إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع .
ومن أشهر رواة الحديث عائشة وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم .
ولقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أمور دينهم ودنياهم فكانت أقواله وأفعاله تطبيقاً عملياً للإسلام .
وبذلك أصبحت السُنة النبوية مصدراً أصيلاً من مصادر التشريع كما اعتبرها المؤرخون مصدر من مصادر الحضارة الإسلامية وكانت المدينة المركز الأول للحضارة الإسلامية لأنها شهدت مولد الأمة ومنها انبثق الإسلام حتى امتد إلى مشارق الأرض ومغاربها . وبذلك فرض الإسلام سيادته الحضارية فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً في حركة اضمحلت أمامها كل المفاهيم والقيم القديمة .
3- الفقه :
أطلق أول الأمر كاصطلاح على حفظه القرآن الكريم ورواة الأحاديث والمفسرين كل هؤلاء عرفوا باسم الفقهاء ولكن بعد أن شاع استعمال الفقه وشئون الفتوى واستنباط الأحكام عرف الفقه من فقـه وتفقه بمعنى علـم وتفهم وهو علـم استنباط الأحكـام الشرعية من القرآن والسُنة.
وكان ظهور الفقه عند اتساع الدولة الإسلامية فظهرت المشاكل الدينية التي تستوجب الاجتهاد والفتوى وظهرت عدة دراسات فقهية يمكن أن نطلق عليها اسم مذاهب لأنها جميعاً تسير وفق القرآن والسُنة .
ومن أشهر الفقهاء :
أ- أبو حنيفة .
ب- مالك بن أنس صاحب الموطأ وهو أول كتاب ظهر في الفقه الإسلامي .
ج- والإمام الشافعي الذي صاحب مالك بالحجاز ثم ارتحل إلى العراق والشام واستقر به المقـام بمصر والشافعي أول من تكلم في أصول الفقه وأشهر كتبه ( الرسالـة الأم ).
د- أحمد بن حنبل .
وكانت هناك المذاهب الفقهية : المذهب الحنفي – المذهب الشافعي – المذهب الحنبلي – المذهب المالكي .
2- العلوم العربية :
لم تقتصر عناية المسلمين على العلوم الشرعية من قرآن وحديث وفقه بل امتد اهتمامهم باللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم خاصة بعد أن شاع اللحن والتحريف نتيجة لدخول أعداد كبيرة من الشعوب غير العربية في الإسلام وخشي المسلمين أن يمتد هذا اللحن والتحريف إلى القرآن الكريم فظهر ما يعرف بـ :
أ- علم النحو :
وأول من وضع قواعد النحو " أبو الأسود الدؤلي " وذلك بناء على طلب زياد بن أبية والي مدينة البصرة في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان وذلك بأن يضع طريقة لإصلاح الألسن من اللحن والتحريف في اللغة العربية وبذلك قام بالتشكيل وذلك بوضع الضمة والكسرة والفتحة والتنوين على الحروف وقد وضعها على شكل نقط تميز الفتحة من الضمة من الكسرة من الجر .
ثم تلى أبي الأسود الدؤلي عالمان جليلان هم :
1- نصر بن عاصم الليثي .
2- يحيى بن يعمر العدواني .
وهما من التابعين وعاشوا في البصرة وقاما بإصلاح عظيم وهو إصلاح " الأعجام في المصاحف " وهو وضع النقط على حرف الباء والتاء والجيم والخاء .. الخ وكان ذلك في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بتشجيع من الحجاج بن يوسف الثقفي والي بني أمية على العراق .
وظل الأمر على ذلك حتى جاء الإصلاح الثالث على يد العالم الجليل " الخليل بن أحمد الفراهيدي " صاحب كتاب " العين " فوضع الشكل بالطريقة السائدة حتى يومنا هذا وكان ذلك في العصر العباسي الأول وبذلك استطاع أن يسد الثغرات في الكتابة العربية ثم انتشرت مدارس النحو في العالم الإسلامي وكان أشهرها :
مدرسة الكوفة – مدرسة البصرة – مدرسة الحجاز .
ب- الأدب :
وتعريفه هو ما يتحلى به الإنسان من صفات وأخلاق تعود عليه في مجتمعه بالاحترام والتقدير .
ولما كانت المعارف على أنواعها أجمل ما يتحلى به المرء وسبباً هاماً من أسباب محامده الأخلاقية أصبح لكل عالم أديباً ضيق مدلول الأدب على النثر والشعر .
فالأدب العربي هو مجموعة الآثار الكتابية التي أنتجتها قرائح العرب على مر العصور وألبستها من الجمال الفني أروع لباس .
وكان من أبرز النشاط الأدبي :
1- الشعر : وقد اعتقد المستشرقين أن الإسلام قلل من أهمية الشعر حتى لا يطغى على القرآن ولكن اعتقادهم لا أساس له من الصحة لأن القرآن ليس من الشعر في شيء وإذا كان القرآن قد قلل مـن شأن الشعراء وذلك أنهم كانوا أعداء الإصلاح ودعاة للفوضى لقوله تعالى : { والشعراء يتبعهم الغاون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون } . أما الشعراء الذين ساندوا الدعوة الإسلامية وناصروها فقد أحلهم الإسلام في المكان اللائق بهم من الشرف والكرامة وشجعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجزل لهم العطايا واعتبر هذا نوعاً من الجهاد في سبيل الله والانتصار للحق ومثال ذلك :
1- حسان بن ثابت .
2- وكعب بن مالك .
3- وكعب بن زهير .
4- وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم .
وكان شعرهم يعرف " بشعر الدعوة الإسلامية " .
وفي العهد الأموي تعددت الأغراض التي يقال فيها الشعر مثل شعر الغزل وأشهر الشعراء :
1- عمر بن أبي ربيعة .
2- وجميل بن معمر .
والشعر السياسي نتيجة لظهور الفرق والأحزاب المختلفة مثل الشيعة والخوارج والمعتزلة وغيره واتخذت هذه الفرق من الشعر وسيلة لنشر مبادئها وأشهرهم أعشى همذان – أعشى ربيعة – النابغة الشيباني – كعب بن جميل .
وفي العصر العباسي زادت الأغراض الشعرية فظهروا شعراء نهجوا في الشعر مناهج جديدة في الأساليب والموضوعات والمعاني التي تتناسب وحياة الترف التي كانت سائدة في ذلك العصر مثل الشعر في الخمر والصيد والغزل وأشهر الشعراء :
1- أبو العتاهية .
2- أبو نواس .
3- أبو تمام .
4- أبو فراس الحمداني البحتري .
5- بشار بن برد .
ج- النثر :
وكان من أبرز مظاهر الخطابة وكانت في صدر الإسلام أما في العهد الأموي فكانت لها عدة اتجاهات فكانت وسيلة من وسائل الدعاية والإعلان فيلجأ إليها القائد أو الوالي لإثارة الحماس العسكري في جنوده لبث الروح الوطنية وأشهرهم :
زياد بن أبية - الحجاج بن يوسف الثقفي - عتبة بن أبي سفيان - وقطري بن الفجأة - ومن الخلفاء معاوية بن أبي سفيان .
أما في العصر العباسي فقد اختلفت الخطابة فظهر ما يعرف بالنثر أو الكتابة الفنية واشتهر عدد من الكتاب مثل :
1- عبد الله بن المقفع وكتابه كليلة ودمنة .
2- وعبد الحميد الكاتب الذي يعتبر من أشهر صناعة الكتابة لأنه أحدث أساليب فنية جديدة في الكتابة لم تكن معروفة من قبل ولم يترك كتاب معين وإنما ترك مجموعة من الرسائل المشهورة والمنتشرة في كتب التاريخ والأدب .
3- عمرو بن بحر الجاحظ الذي عرف بحرية الفكر وكان من أشهر كتبه البيان والتبيين والبخلاء ، وكتاب الحيوان .
4- بديع الزمان الهمذاني .
5- ابن العميد .
6- أحمد حسن الزيات .
3- العلوم الاجتماعية :
أ- علم الاجتماع :
ويقصد به " الاجتماع الإنساني " الذي يربط البشر بالأرض أي البيئة الطبيعية وصلة البشر بعضهم بالبعض " البيئة الاجتماعية .
والاجتماع الإنساني ضروري للإنسان لأن الإنسان اجتماعي بطبعه لا غنى له عن الآخرين لأن احتياجاته كثيرة من حيث الصناعات المختلفة وآلات المتعددة مستحيل أن تكون له قدرة في الحصول عليها وحده فلابد من اجتماع القدرات الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل عليها من حيث الأكل والشرب أو من حيث الدفاع عن النفس فلابد من الاستعانة بأبناء جنسه في كل مجالات الحياة .
أما تعريف علم الاجتماع كعلم فله قواعده وأسسه وقد أسسه ابن خلدون فهو أبو زيد بن عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ولد في تونس 732هـ وتلقى تعليمه على يد والده وبعض علماء تونس فحفظ القرآن وقرأ الفقه والتفاسير والحديث واللغة والنحو ثم توسع في الأدب والتاريخ والمنطق وعلم النفس التحق ابن خلدون عند سلطان مراكش أبي الحسن المديني وتولى وظيفة ديوان الرسائل ثم تغلب في عدد من الوظائف واتصل بملوك المغرب وتونس ثم اتجه سنة 784هـ إلى مصر وتولى قضاء المالكية ثم اتجه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ثم عاد إلى مصر .
وتولى التدريس والقضاء وكان أحد أفراد الوفد المملوكي إلى " تيمورلنك " من قبل سلطان المماليك " فرج بن برقوق " وقد أعجب به تيمورلنك فأكرمه وأعاده إلى مصر ثم تولى القضاء مرة أخرى حتى توفي في القاهرة سنة 808هـ .
وقد ألف عدة كتب في الحساب والمنطق ولكن أشهر كتبه الكتاب التاريخي " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر " والذي يهمنا من هذا الكتاب الجزء الأول الذي يعرف " بمقدمة ابن خلدون " الذي وضع فيه أسس وقواعد علم الاجتماع .
ب- التاريخ :
لم يكن للعرب في الجاهلية معرفة بتدوين التاريخ لأنهم كانوا أميون وقد ذكر القرآن ذلك فكانوا يتداكرون أيامهم ووقائعهم الحربية عن طريق الرواية الشفهية على هيئة أشعار وقصائد أو أخبار يرويها الخلف عن السلف .
ولما ظهر الإسلام وقامت الدولة الإسلامية أصبحت الحاجة ماسة إلى معرفة سيرة الرسول فأنكب رجال من المسلمين إلى جمع أخبار السيرة النبوية وتدوينها فكان ذلك بداية التاريخ وكان نوعاً من أنواع الحديث متأثر بطريقة الحديث في جمع الرواية ونقدها سواء من حيث المتن أو من حيث السند .
ثم تضافرت عدة عوامل أدت إلى معرفة العرب بالبحث التاريخي وهي :
1- رغبة الخلفاء منذ العصر الأموي في الوقوف على أخبار الملوك والحكام السابقين للإسلام .
2- اهتمام المسلمين بجمع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده وأصبحت هذه السيرة هي الأساس التي بنيت عليه كتب السير والمغازي فيما بعد .
3- ضرورة تحري أنساب العرب المسلمين لتحديد عطاء كل مسلم .
4- شرح ما ورد في الشعر العربي ومعرفة الأشخاص والأماكن التي ورد ذكرها في كتب الديانات السابقة للإسلام .
5- حرص الشعوب الغير عربية في الأمصار الإسلامية على تدوين أخبار أسلافها .
وكان أول من وضع كتاباً في التاريخ " عبيد بن شربه " صاحب معاوية بن أبي سفيان وسماه " كتاب الملوك وأخبار الماضيين " .
وأول من ألف في السيرة النبوية " عروة بن الزبير " ومن علماء التاريخ " وهب بن منبه " و " كعب بن الأحبار " وهما يهوديان من اليمن . وأخبارهما غير موثوق فيها لدخول بعض الإسرائيليات في التاريخ الإسلامي .
وكان يطلق على كل من اشتغل في القصص أو التاريخ " أخباري " والذي يعمل على الحديث " المحدث " وهكذا .
ثم ظهر رجال جمعوا بين الإخباري والمحدث مثل ابن إسحاق صاحب السيرة المشهورة .
الواقدي صاحب المغازي .
ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى .
أما المتخصصون في الأخبار مثل محمد بن السائب الكلبي .
ثم ظهر متخصصون كتبوا عن مصر من أمصار الدولة الإسلامية :
أبو مخنف كتب عن العراق .
المدائني أخبار خراسان والهند وفارس .
الواقدي أخبار الحجاز والسيرة النبوية وفتوح الشام .
ابن عبد الحكم أخبار وفتوح مصر .
ج- الجغرافية :
لفظ الجغرافية يعد دخيلاً في اللغة العربية ويعني رسم الأرض أم اسم هذا العلم في اللغة العربية هو " تقويم البلدان " ولقد شجع الإسلام الكتابة الجغرافية لعدة أسباب :
1- الحج : إن فريضة الحج كان لها أثر دفعت الكتاب والمؤرخون والرحالة إلى تدوين ملاحظاتهم ومشاهداتهم أثناء سيرهم في البلدان المختلفة في الذهاب والإياب وأشهرهم : ابن جبير – ابن بطوطة – ناصر خسرو – البناني .
2- طلب العلم : كان المسلمون ينتقلون من قطر إلى آخر في سبيل طلب العلم أو المعرفة وكان طلاب العلم هم علماء يحرصون على تدوين مشاهداتهم ليطلع عليها الخلف للإفادة . وقد ظهرت المؤلفات الجغرافية القليلة ولكنها تمثل تراثاً جغرافياً ضخماً وأشهرها :
ابن خرداذبه : المسالك والممالك .
وجعفر المروزي : المسالك والممالك .
والمقديسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم .
بن حوقل : المسالك والممالك " صورة الأرض " .
الاصطخري : المسالك والممالك .
المسعودي : التنبيه والإشراف .
ياقوت الحموي : معجم البلدان .
البكري : معجم ما استعجم .
الإدريسي : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق .