المُبتَلَى
أنا المُبتَلَى بِالقَصِيدَةْ .
فَهَل مِن مُدَاوٍ لِمِثلِ ابتِلائِي ؟
و هَل مِن طَبِيبٍ يُخَلِّصُنِي مِن عَنَائِي و دَائِي ؟
و هل يَعلَمُ النَّاقِمُونَ
بأنِّي سَكَبتُ المَشَاعِرَ
لا لأُتاجِرَ
لا ، أو أُرائِي .
و لا بِعتُ شِعرِي بِبَخسٍ لأُرضِيَ ذا صَولَجَانٍ
و لا فِي المَراقِصِ عَلَّقتُ صَوتَ قَصِيدِيَ
فَوقَ حَنَاجِرِ أَهلِ البِغاءِ .
و مَا كُنتُ أَسعَى إِلى شُهرَةٍ
تَرفَعُ اسميَ فَوقَ رُؤُوسِ البَرَايَا
و تَنقُشُهُ فَوقَ نَجمِ السَّماءِ .
فَلِمْ تَقطَعُونَ وَرِيدَ حُروفي ؟
و لِمْ تَركُضُونَ وَرَائِي ؟
و مَا كُنتُ غيرَ امرِئٍ مُبتَلىً بالقصيدةْ .
أُفَتِّشُ في بَحرِهَا عَن مَعَانٍ جَدِيدَةْ .
و أرسُمُهَا وَطَناً ـ لا حُدودَ لَهُ ـ
أو خَريِدَةْ .
و أجعَلُهَا شَوكَةً في حُلُوقِ المُغَاليِنَ
أو جَمرَةً في جُفُونِ المُرائي .
أَنَا شَاعِرٌ يَزرَعُ القَمحَ ،
قَمحَ البَشَائِرِ
يَروِيهِ مَاءَ المَشَاعِرِ
فِي تُربَةِ الفُقَراءِ
فَتَنمُو سَنَابِلُهُ فِي القُلُوبِ
و تَنثُرُ فِي ذا الفَضَاءِ طُيُوبِي
و تَبعَثُ فِي النَّفسِ مَيْتَ الرَّجاءِ
أَنَا شَاعِرٌ
صَدقَ الشِّعرَ وَعدا
أَخَذتُ عَلَى عَاتِقِي أَن أَكُونَ
لِرَوضِ القَصَائدِ وَرداً و وِردا
فَيَجرِي لِوديَانِهَا عَذبُ مَائِي .
و لَم يَخلَعِ الشِّعرُ فَوقِيَ
أَردِيَةً مِن ثَرَاءِ
فَلِم تَقطَعُونَ وريدَ حُرُوفِي ؟
و لِمْ تَركضُونَ وَرَائِي ؟
خُذُوا كُلَّ هَذِي الدَّوَاوِينِ عَنِّي
خُذُوا كُلَّ فَنِّي
خُذُوا قَلَمِي ، وَرَقِي ،
هَذِه الكُتْبَ نبعَ العطاءِ
خُذُوا ما تَشَاءُونَ مِنِّي
و لَن تَستَطِيعُوا سَبِيِلاً إِلَى كِبرِيَائِي
أنا المُبتَلَى بِالقَصِيدَةْ .
و ذاتَ صباحٍ فَتَحتُ الجَرِيدةْ .
أُفَتِّشُ فيها عَنِ اْسمِي و رَسمِي
فَمَا أَبصَرَت مُقلَتِي غيرَ صُورَةْ .
نَعَم صُورَتِي عُلِّقَت
فوقَ بابِ الحَوادِثِ
تَرشقُها أَسهُمُ الأصدِقاءِ
يُرِيِقُونَ فَوقَ السُّطُورِ دِمائِي
يُبِيحونَ لحمي
و عَظمِي
و حُلمي
و ما قَد تَبَقَّى مِنَ المُبتَلَى بِالغِنَاءِ
و يَبتَدِعُونَ قَصَائِدَ
تُدمِي القُلوبَ
تُحِيلُ دُمُوعَ المآقي دَماً في رِثائي
فَيَا لَبَلائِي
و تأتِي الرَّسَائِلُ مُثقَلَةً بالدُّمُوعِ الغَزِيرَةْ .
تُزَيِّنُ صَدرَ الجَريدَةْ
و تَنعَى بِكُلِّ الأَسَى مُبتَلَىً بالقصيدةْ .