إطلالة على العام الجديد
العيشُ في تِلـكَ الحيـاةِ مُحَيِّـرُ
و هُمُومُها في كُـلِّ يـومٍ تَكْبُـرُ
تَربُو اْلهُمُومُ تصيـرُ بُنْيانـاً علـى
صَدْرِي ، و ناراً في الفُؤادِ تَسَعَّـرُ
مَا إِنْ يفيقَ اْلعَقْلُ مِـنْ أَحْدَاثِهَـا
حَتَّى يَرَىَ أُخْرَىَ تَهِـلُّ و تَظْهَـرُ
عَـامٌ يَـرُوحُ و تَنْقَضِـي أَيّامُـهُ
و يَجِيءُ آَخَـرُ بِاْلخَفَايَـا يَزْخَـرُ
عامٌ مَضَى و اْلقَتْلُ تَرْعَـى خَيْلُـهُ
فِينَا ، و أَشَْبـاحُ المَنَايـا تَسْكَـرُ
و نَظَلُّ نَرنُـو لِلْجَدِيـدِ ، لَعلَّـهُ
يَمْحُو خَطَايَـا سَابِقِيـهِ و يَغْفِـرُ
فيخيبُ ظنُّ مُؤَمِّـلٍ ، و يَخُونُـهُ
سَعيٌ ، و كَمْ ضَلَّ الطريقَ مُفَكِّـرُ
***
عامٌ مَضَى،و جَحَافِلُ اْلتَّخْرِيبِ فِي
أَرْضِ اْلعِرَاقِ،و لَيْسَ فِيِنَا مُنْكِـرُ
جَاءَتْ كَأَسْرَابِ الجَرَادِ ، سِلاحُهَا
جُـوعٌ يُمَزِّقُهَـا و حِقـدٌ أغْبَـرُ
و يَقُودُهَا بُـوشُ اْلـذي إِرْهَابُـهُ
مَا كَانَ يَجْهَلُـهُ لَبِيـبٌ مُبْصِـرُ
حَرْبٌ لأَجْلِ صَلِيبِـهِ قَـدْ شَنَّهَـا
و لَهَا يُكَرِّسُ جُهْـدَهُ و يُسَخِّـرُ
ضَجَّتْ بِهَا اْلبَيْدَاءُ و البحرُ اْشتَكَى
و اْلتَاعَتْ اْلدُّنْيَـا و أنَّ اْلأَخْضَـرُ
حَربٌ على اْلإِرْهَابِ ، ذَاكَ شِعَارُهَا
و المُسْلِمُونَ لَهَـا وَقُـودٌ أَحْمَـرُ
بالأمسِ " جَيْحُونَ" اْستُبيحَ وَقَارُهُ
و اليومَ دَنَّسَ دِجلَـةَ اْلمُسْتَعْمِـرُ
و غَداً إِلَى اْلنِّيلِ اْلعظيـمِ مَسِيـرُهُ
يسبي الحرائِرَ في البـلادِ و يأسِـرُ
حتَّى إذا الأنهـارُ غربـاً حُوِّلَـتْ
أو غِيِضَ مَنْهَلُنَا و جَـفَّ اْلمَصْـدَرُ
قِيِلَ اْخسَئوا يا حَالِمِيـنَ بِشَرْبـةٍ
فَاْلمَـاءُ مِـنْ فَضَلاتِنَـا يَتَقَـطَّـرُ
***
أواهُ يا قدسَ اْلعُرُوبَـةِ كَـمْ بِنَـا
مِنْ حَسْرَةٍ بَيْـنَ اْلحنايـا تَنْحَـرُ
شَارُونُ دَنَّسَ حُرْمَةَ اْلأقْصَى،و لَمْ
يَأْلُ اْلجُهُودَ و رَاحَ مِنَّـا يَسْخَـرُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْكَ يَا عَامَ اْلأسَـى
يُخْتَارُ مِنْ بَيْـنِ اْلدِّمَـاءِ اْلأَطْهَـرُ
عَيْنُ "الأبتْشـي" تَنْتَقِـي بِبَرَاعَـةٍ
أَهْدَافَهَا و مِـنَ الفَضَـاءِ تُفَجِّـرُ
القـردُ يَفْعَلُهَـا و يَدْعَـمُ فِعْلَـهُ
فِي بيتِـهِ المُسْـوَدِّ ذِئْـبٌ أَزْعَـرُ
و نُسَاقُ خَلْفَهُمَا لِسِلْـمٍ زَائِـفٍ
و نَقُولُ بِالسِّلْمِ (اْلسَّلِيِبُ) يُحَـرَّرُ
أوَ ما دَروْا أن الحُقُوقَ تَضِيـعُ إِنْ
أَصْحَابُهَا عَنْهَا غَفَـوْا أَوْ أَدْبَـرُوا
و بِغَيْرِ حَدِّ اْلسَّيْفِ لَيْسَ يُعِيدُهَـا
قَلْـمٌ يُوَقِّـعُ خَانِعـاً أَوْ دَفْـتَـرُ
و بـلا رُدَيْنِـيٍّ فَلَيْـسَ يَهَابُنَـا
مَنْ كانَ يَجْهَرُ بِاْلخَنَـا أَوْ يُضْمِـرُ
***
يا أَيُّهَـا اْلعَـامُ الجديـدُ تَرَفُّقـاً
بِقُلُوبِنَـا ، إنَّ اْلقُلُـوبَ تَفَـطَّـرُ
ماذا تُخَبِئُ تَحْتَ طِمْـرَيْ قَـاِدمٍ
غَيْرَ اْلأَسَى و نُيوبِ لَيْـثٍ يَـزأَرُ
خَمْسُونَ أَعْلَنَتِ اْلمَجِيءَ فَأَرْسَلَـتْ
جُنْـداً تُسَابِقُهَـا إِلـيَّ و تُنـذِرُ
و النَّفْسُ فِي غَيٍّ تَتُـوُقُ لِصَبْـوَةٍ
و لَقَدْ تُسافِرُ في الضَّلالِ و تُبحِـرُ
لَوْلا هِدَاَيَةُ خَالِـقِ الدُّنْيـا لَمَـا
كَفَّتْ ، فَفَاضَتْ بِاْلغِوَايـةِ أَنْهُـرُ
خَمْسُونَ تَرْسُمُ للضياعِ خريطـةً
فوق الوجوهِ و بالدِّمَـاءِ تُسَطِّـرُ
مَرَّتْ أَمَامَ اْلعَيْـنِ مـرَّ غَمَامَـةٍ
حَدَّقْتُ فيهـا شَاخِصـاً أَتَذَكَّـرُ
فَرَأَيْتُ ما يُدمِي اْلعُيوُنَ مِنَ اْلبُكـا
و يُذِيِبُ قَلْـبَ جلامِـدٍ فَتَفَجَّـرُ
كمَْ فِي بِـلادِ المُسْلِمِيـنَ مُشَـرَّدٍ
كَمْ دَمْعَةٍ فَـوْقَ اْلخُـدودِ تحـدَّرُ
كَمْ مِنْ أَسِيرٍ خَلْفَ جُدْرَانِ اْلأَسَى
سَجَّانُـهُ المُتَجَـبِّـرُ اْلمُسْتَكْـبِـرُ
ما ذَنْبُ طِفْلٍ فِي حَدِيقَـةِ بَيْتِـهِ
يَأْتِيِـهِ مَـوْتٌ غَـادِرٌ و مُدَبَّـرُ
ما ذَنْبُ سَيِّـدَةٍ تُهَدْهِـدُ طِفْلَهَـا
تَدْمَى لَهَا عَيْنٌ و سَـاقٌ تُكسـرُ
ماذا عليكَ و أَنْتَ تُوِقـدُ شَمْعَـةً
يا عَامُ بِاْلفَـرَجِ القَرِيِـبِ تُبَشِّـرُ
قَدْ زَادَ شَوْقِي لِلسَّـلامِ و لَهْفَتِـي
لِلْخَيْرِ فِي اْلدُّنْيـا أَعَـمُّ و أَكْبَـرُ
و خَلاصُنَا اْلإِسْلامُ يَجْمَعُ شَمْلَنَـا
فَهُوَ اْلأَمَانُ ، هُوَ اْلرَّبيـعُ المُزْهِـرُ
***
رباه :قلبي مُذْ عَرَفْتُ إلى الهُـدَى
درَْبِي ، بِذِكْرِكَ يـا إلهـي مُقْمِـرُ