ملحمة الحزن
" دمعة متأججة في رثاء الشيخ أحمد ياسين "
لو أستطيعُ صَمَتُّ يا إخواني
و كتمتُ في جوفي لظى أحزاني
و حبستُ دمعي في العيونِ مُكبَّلاً
كيَدِيَّ في قيدٍ من النيرانِ
لكنَّه قد ثار حين حبستُهُ
بين الجفونِ كثورةِ البركانِ
ما كنتُ صخريَّ المشاعرِ حينما
هجم الأسى بجيوشهِ فغزاني
و كأنَّهُ يدري بأنِّي مُوهنٌ
مِمّا دها كلَّ الورى ، و دهاني
خطبٌ ألمَّ بأُمَّتي ، فتزلزلتْ
من هولِهِ منظومةُ الأكوانِ
خطبٌ ، و كم أعيت خطوبٌ قبلهُ
هجر الكرى جرَّاءها أجفاني
خطبٌ ، و هل بعد ارتحالك شيخنا
و إمامنا (ياسينُ) خطبٌ ثانِ
***
إني نظرتُ إلى الصباحِ رأيتُهُ
مُتوشِّحاً ثوبَ الظلام الجاني
و نظرتُ مُرتقِباً إلى شمس الضُّحى
غابت ، و حلَّ مكانها ليلانِ
و إذا النجومُ بكلِّ ليلٍ صخرةٌ
شُدَّتْ إلى الأوتادِ بالأرسانِ
و رأيتُ عينَ البدرِ تذرفُ دمعها
و الغيمُ جاد بمائهِ الهتَّانِ
و الطير تأبى أن تبُثَّ غناءها
أو أنْ تجودَ بأعذبِ الألحانِ
فسألتُ:ماذا ؟ هل أنا ذات الأنا
و هل الزمان أيا رفاقُ زماني
و هل البسيطةُ لم تزل بمدارها
أم أنها كفَّتْ عن الدورانِ
و سألتُ مَنْ حولي : إصدقٌ ما نما
لمسامعي ، فأصمَّ لي آذاني ؟
باللهِ قولوا أنَّ ما أبصرتُهُ
ضربٌ من التزييفِ و البُهتانِ
بالله قولوا أن أخباراً أتتْ
عبر الأثيرِ تموجُ بالهذيانِ
باللهِ قولوا أنَّ سمعي خانني
ومن الأسى لم تُبصرِ العينانِ
أَوَ ذاكَ ( ياسينُ ) الذي أشلاؤُهُ
كشذورِ دُرٍّ بُعثِرَتْ و جُمانِ
هذي الدماءُ الطاهراتُ عرفتها
أزكى من النسرينِ و الريْحانِ
و الرأسُ مُنتصبٌ كبندٍ شامخٍ
رَكَزَتْهُ فوق الشامخاتِ يدانِ
و العينُ تنظرُ للسماءِ ، كأنّها
ترنو لمقعدها لدى الرحمنِ
و جبينُهُ الوضّاءُ نهرٌ سائبٌ
تجري بِهِ سُفُنُ الرُّؤى بأمانِ
و اللحيةُ البيضاءُ صبحٌ مُسفِرٌ
بثَّ الضيا بضّاً بكلِّ مكانِ
و القلبُ يحتضنُ (السليبَ) ، و نبضُهُ
سمِعتْهُ حين ترنَّمَ الثقلانِ
أرأيتَ غُثرَتَهُ هناك تحرَّقَتْ
شوقاً ، و قد تركتهُ منذ ثوانِ
أرأيتَ مقعدهُ الأبيَّ كمثلِهِ
ليس الأذلَّ كمقعد السلطانِ
يا كم تلازمَ و الشهيدَ أحبّةً
و اليومَ أعجبُ كيف يفترقانِ
كيف استطاع الخِلُّ تركَ خليلهِ
فرداً ، و كان المخلص المتفاني
قولوا بأنِّي واهمٌ و مضلّّلٌ
فيهِ العمى و الجهلُ يصطرعانِ
قولوا بأني مثل سائرِ أمتي
أعمى يسيرُ بموكبِ العميانِ
ما عاد يشغلنا سوى أقواتِنا
و الرقصِ عند معازفٍ و قيانِ
آمنتُ باللهِ العظيمِ حسيبِنا
ما خاب مُلتجِئٌ إلى الديّانِ
هولُ المفاجأةِ العظيمةِ راعني
و صدى الفجيعةِ داخلي أنساني
(ياسينُ) لم يكُ خالداً و مُخلَّداً
إلا بدارِ كرامةٍ و جِنانِ
ملكَ القلوبَ بعطفِهِ فثوى بها
متأنِّقاً كالزهر في البستانِ
***
يا (أحمدُ الياسين) لستَ بميِّتٍ
بل نحنُ ، لكنْ دونما أكفانِ
أنت الشهيدُ ، و إننا يا للأسى
غرقى ببحرِ مذلّةٍ و هوانِ
ما عاد فينا غيرُ صوتِ حناجرٍ
واهٍ برغمِ ضخامةِ الأبدانِ
سقط القناعُ عن الوجوهِ ، فكلُّنا
يا شيخُ نحملُ سحنةَ الإنسانِ
لكنْ إذا حدَّقتَ في قسماتِنا
عربيَّةً في ثوبِ أمريكاني
إنّا غدوْنا كالنعامةِ ، رأسُها
في الطينِ من خزيٍ و من خذلانِ
نجري وراء الغربِ نبغي منهجاً
و أمامنا المنهاجُ في القرآنِ
أخذوا الحضارةَ من معينِ كتابنا
و نروم مجداً في حِمى الرومانِ
السُنَّةُ الغرّاءُ غصنٌ وارِفٌ
و نريدُ ظِلَّ المنهجِ العَلْماني
يا للأسى يا شيخُ من ساساتنا
لاذوا بصمتِ الخانِعِ المتواني
في حِضنِ أمريكا أراهم هُجَّعاً
مستمتعين بلذةِ الأحضانِ
أسيافُهُمْ أضحت دُمَىً أثريّةً
نُقِشَتْ بإتقانٍ علىالجدرانِ
ظَمِئَتْ فما شرِبَتْ دماء عدوها
جاعت فما مُدَّتْ يدٌ بحنانِ
من ليْ بسيفِ اْبنِ الوليدِ أضُمُّهُ
و أجذُّ رأس مُخادعٍ شيطانِ
من لي بجيشِكَ يا (رشيدُ) أقودُهُ
لأَدكَّ حِصنَ مُخنَّثٍ و جبانِ
مَنْ لي برمحٍ سمهريٍّ شامخٍ
من لي بسيفٍ مُصلَتٍ و حِصانِ
سأُعلّم اْبني ، رُبَّما من صُلبِهِ
يأتي (صلاحُ) محطِّم الصُّلبانِ
سأعلمُ ابني أنْ يكونَ مُجاهِداً
بالنفسِ ، لا بمشاعرِ و لسانِ
و أقولُ يا ولدي أبوكَ و جيلُهُ
عجزوا ، فخُذْ ثاراتِ جيلٍ فانِ
***
قتلتك إسرائيلُ ، لا بل ضعفُنا
و كلاهما يا شيخنا سيّانِ
النار تحرقُ و السكوتُ كذالكم
فاعجبْ لصمتٍ حارقٍ أعياني
و اعجب لصاروخٍ يواجهُ مقعداً
يا لاختلال العدلِ و الميزانِ
شارونُ يبني جيشَهُ و عتادَهُ
و نغطُّ في نومٍ لذيذٍ هاني
هم من دمانا أبرياءُ ، و إننا
صُنّاعُ إرهابٍ بكلِّ مكانِ !
إن دُكَّ بُرجٌ، دُمِّرَتْ بغدادُنا
أو مات هِرُّ جِيئَ بالأفغاني
و إذا تعثَّرَ كلبُهُمْ في خطوِهِ
فالعُربُ و الإسلامُ مُتَّهَمانِ
لهم السلاحُ قديمُهُ و حديثُهُ
و لنا الردى أو قبضةُ السجّانِ
خسِئوا ، فإنَّ دماءنا موتٌ لهم
سيروْنَهُ يا شيخُ كلَّ أوانِ
أجسادنا متفجراتٌ أُقِّتَتْ
لتدكَّ حِصن البغي و الطغيانِ
و لسوف نأخذُ ثأرَ كلِّ مجاهِدٍ
بذلَ الدماءَ لنُصرةِ الأوطانِ
***
يا من عبرت بنا حدود خنوعنا
و أضأْتَ قِنديلاً بكلِّ جَنانِ
و زرعتَ في كلِّ القلوبِ محبَّةً
و غرستَ فيها من عظيمِ معانِ
علّمتنا أن الشهادةَ مطلبٌ
ليست تُنالُ براحةٍ و أماني
و بأنّ من رام الخلودَ مضى لهُ
مُتوثِّباً بعزيمةِ الشجعانِ
صليتَ فجركَ ثُمَّ جاوزت المدى
نحو الخلودِ و جنة الرضوانِ
فانعم بصحبةِ أحمدٍ خيرِ الورى
واحصد جزاء البرِّ و الإحسانِ
إن كنت قد فارقتنا في لحظةٍ
فلعلَّ فيها نقطة الغليانِ