رآني اللّه ذات يوم | في الأرض أبكي من الشقاء |
فرقّ، واللّه ذو حنان | على ذوي الضرّ والعناء |
وقال: ليس التراب دارا | للشعر، فارجع إلى السماء! |
وشاد فوق السّماك بيتي | ومدّ ملكي على الفضاء |
فالتفّت الشهب حول عرشي | وسار في طاعتي الضياء |
وصرت لا ينطوي صباح | إلا بأمري ولا مساء |
ولا تسوق الغيوم ريح | إلاّ ولي فوقها لواء |
فالأمر بين النجوم أمري | لي الحكم فيها ولي القضاء |
... | |
لكنّني لم أزل حزينا | مكتئب الروح في العلاء |
فاستغرب اللّه كيف أشقى | في عالم الوحي والسّناء |
وقال: ما زال آدميّا | يصبو إلى الغيد والطّلاء |
ومسّ روحي واستلّ منها | شوقي إلى الخمر والنساء |
وظنّ أنّي انتهى بلائي | فلم يزدني سوى بلاء |
واشتدّ نوحي وصار جهرا | وكان من قبل في الخفاء |
وصار دمعي سيول نار | وكان قبلا سيول ماء |
... | |
يا أيّها الشاعر المعنّى | حيّرني داوّك العياء |
هل تشتهي أن تكون طيرا؟ | فقلت: كلاّ، ولا غناء! |
هل تشتهي أن تكون نجما؟ | أجبت : كلاّ ولا بهاء! |
هل تبتغي المال؟ قلت: كلاّ | ما كان من مطلبي الثراء |
ولا قصورا ، ولا رياضا | ولا جنودا ولا إماء |
وليس ما بي ، يا ربّ، داء | ولا احتياجي إلى دواء |
ولا حنيني إلى القناني | ولا اشتياقي إلى الظباء |
ولا أريد الذي لغيري | ذا حكمة كان أم مضاء |
لكن أمنية بنفسي | يسترها الخوف والحياء! |
فقال: يا شاعرا عجيبا | قل لي إذن ما الذي تشاء؟ |
فقلت: يا ربّ، فصل صيف | في أرض لبنان أو شتاء |
فإّنني هنها غريب | وليس في غربة هناء! |
فاسضحك اللّه من كلامي | وقال: هذا هو الغباء |
لبنان أرض ككلّ أرض | وناسه والورى سواء |
وفيه بؤسى وفيه | نعمى وأردباء وأتقياء |
فأي شيء تشتاق فيه؟ | فقلت: ما سرّني وساء |
تحنّ نفسي إلى السواقي ، | إلى الأقاحي، إلى الشّذاء |
الى الروابي تعرى وتكسي، | إلى العصافير والغناء |
الى العناقيد ، والدوالي، | والماء، والنور، والهواء! |
فأشرف اللّه من علاه | يشهد ((لبنان)) في المساء |
فقال: ما أنت ذو جنون | وإنّما أنت ذو وفاء |
فإنّ لبنان ليس طودا، | ولا بلادا،لكن سماء! |