إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم. وأعوذ بك من وساوس الصدر ومن عذاب القبر ومن شتات الأمر، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
فالوسوسة خطيرة في حياة من يقع فيها فقد تطرق الشيخ فهد العصيمي لخطورتها وحذر من الوقوع فيها ....
إن الله سبحانه وتعالى يقول:{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله).
فالقلب بالنسبة للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود يستخدمها فيما شاء وتتبعه فيما يعقده من العزم فهو ملكها وهو المسؤول عنها.
ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه أجلب عليه بالوساوس والشهوات وزين له ذلك ليصده عن الطريق القويم ونصب له المصائد والحبائل،، فلا نجاة من مصائده ومكائده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى.
ولما كانت مكائد الشيطان كثيرة لإغواء الناس فإنني سأقتصر في هذا البحث على مكيدة من مكائده لعنه الله ألا وهي الوسوسة في الطهارة والصلاة أو فلنقل الوسوسة في العبادات .
إن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل، فمن كيده الذي بلغ به من الجهال ما بلغ الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة
· أولا: الوسواس في الطهارة
لا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس ومن ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء أو في دورات المياه مبالغة في الاستنجاء ويحسن له الشيطان استعمال الكثير ومنهم من يقوم فيمشي وينخنخ ويرفع قدما ويحط أخرى ظنا منه أن هذا العمل يخرج بقايا البول .
ثانيا الوسوسة في الوضوء والغسل :
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء)) رواه احمد وابن خزيمة والترمذي وغيرهم
إن إبليس يأتي إلى المتوضئ الذي يريد أن يتوضأ فيقول: "من أين لك أنك طاهر؟"،، ويقدر له كل احتمال بعيد فمنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك بجمع أربعة أشياء مكروهة الإسراف في الماء وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب والتعاطي على الشريعة إذ لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على ثلاث وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده تارة بالغوص في الماء البارد وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضر ببصره وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه .
وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا قال له : "انغمس في الماء مرارا كثيرا وأشك هل صح لي الغسل أم لا؟"،، فقال له الشيخ: "اذهب فقد سقطت عنك الصلاة"،، قال: "وكيف؟"، قال: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة،، المجنون حتى يفيق،، والنائم حتى يستيقظ،، والصبي حتى يبلغ".،، رواه أحمد وأبو داود والحاكم ومن ينغمس في الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون" .
وهذا الذي ذكره ابن الجوزي يحدث عند بعض الأشخاص فنجد أحدهم إذا ذهب لدورة المياه ليغتسل من جنابة ونحوه يمكث في الاغتسال نصف ساعة أو أكثر يصب عليه دش الماء صبا ويكرر غسل العضو مرات عديدة وبعد أن يخرج يحصل له شك بأن بقعة من جسمه لم يصلها الماء فيبقى متحيرا شاكا وربما يعيد الغسل مرة أخرى وكذلك في الوضوء إذا غسل أحد الأعضاء وليكن رجليه شك هل مسح رأسه وإذا غسل يديه شك هل تمضمض واستنشق وهكذا يعيد غسل العضو أو الأعضاء وإذا لم يلتفت إلى ذلك فإن إبليس يوسوس له بأنه لم يتم وضوءه أو غسله وأنه بالتالي لا تصح صلاته وعبادته ولا يزال به إبليس يوسوس له حتى يعيد ذلك الغسل أو الوضوء .
ثالثا: الوسواس في انتقاض الطهارة:
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال وسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج كمن المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) وفي الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال ((لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ))
وفي المسند وسنن أبى داوود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعره من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)) ولفظ أبي داود ((إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له إنك قد أحدثت فيقل له كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه)).
رابعا: الوسوسة في المبالغة في التشدد في أشياء سهل فيها المبعوث بالحنفية وبيان أن هذا مخالف لما جاءت به الحنفية .
من ذلك التحرج من إتيان المساجد حفاة وإذا بلي أحد الموسوسين بصلاة الجنازة في نعليه قام على عقبيهما كأنه واقف على الجمر حتى لا يصاب فيهما وقد قال عبد الله بن مسعود ((كنا لا نتوضأ من موطئ)) رواه أبو داوود والترمذي والموطأ ما يوطأ في الطريق من أذى . وعن علي رضي الله عنه (( أنه خاض في طين المطر ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل رجليه وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن الرجل يطأ العذرة قال، إن كانت يابسة فليس بشيء وإن كانت رطبة غسل ما أصابه )) وقال عاصم الأحول: (( أتينا أبا العالية فدعونا بوضوء فقال مالكم، ألستم متوضئين ؟، قلنا بلى ولكن هذه الأقذار التي مررنا بها؟ قال هل وطأتم على شيء رطب تعلق بأرجلكم ؟ قلنا لا فقال فكيف بأشد من هذه الأقذار يجف فينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم؟ )).
ومن ذلك أن بعض الموسوسين لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير ويضع عليها المنديل ولا يمشي على الحصير ولا على البساط بل يمشي عليها نقرا كالعصفور!! (( مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير وقد أسود فنضح له بالماء وصلى عليه ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل)). رواه البخاري ومسلم في قصة صلاته صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان بن مالك ومن ذلك إجماع المسلمين على ما سنه لهم النبي صلى الله عليه وسلم من جواز الإستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف مع أن المحل يعرق فينضح على الثوب ولم يأمر بغسله ومن ذلك أنه يعفى عن يسير أرواث البغال والحمير والفرس فقد قال الأوزاعي كانوا يبتلون في ذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد ولا ثوب ومن ذلك الصلاة مع يسير الدم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الثياب التي نسجها المشركون ويصلي فيها، ولما قدم عمر رضي الله عنه الجابية استعار ثوبا من نصراني فلبسه. وتوضأ من جرة نصرانية ومر عمر رضي الله عنه يوما فسقط عليه شيء من ميزاب ومعه صاحب له فقال يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس فقال عمر يا صاحب الميزاب لم تخبرنا ومضى وقال ابن تيميه إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب ولا يعلم ما هو لم تجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو واحتج بقصة عمر رضي الله عنه الآنفة الذكر في الميزاب.
خامسا: الوسوسة في النية:
أن الأعمال بالنيات وأن كل عمل تعبدي يسبقه النية والشيطان له مدخل في ذلك فيأتي فيلبس على المصاب فالعبارات التي أحدثت عند افتتاح الصلاة قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقعهم في طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ بها فتشغله الوسوسة حتى تفوته الجماعة أو وقت الصلاة. قال الإمام الغزالي في كتابه الأحياء (( وإن تم تكبيره فيكون في قلبه بعض التردد في صحة نيته ويغترون بذلك ويظنون أنهم إذا اتعبوا أنفسهم في تصحيح النية وتميزوا عن العامة بهذا الجهد والاحتياط فهم على خير عند ربهم فمنهم من يقول أصلي صلاة كذا ثم يعيد هذا ظنا أنه قد نقض النية والنية لا تنتقض وإن لم يرض اللفظ ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم يرفض فإذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه. وهذا شيء عجيب فمن لم يحصل النية في الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يحصلها في الوقت الضيق ما شغل باله بفوات الركعة، والنية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا فكل عازم على فعل فهو ناويه ولا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقها فلا يمكن عدمها في حال وجودها ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة ولا يكاد العاقل يفعل شيئا من العبادات ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا يحتاج إلى تعب ولا تحصل ولو أراد إخلال أفعاله الاختيارية عن نية لعجز عن ذلك ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق وإن شك في حصول نيته فهو نوع جنون .
فإن علم الإنسان بحال نفسه أمراً يقينيا ومن قام ليصلي صلاة العصر مثلا خلف الإمام ودعاه داع إلى شغل في تلك الحال لقال إنني أريد صلاة العصر ولو قال له قائل في وقت خروجه للصلاة أين ستذهب؟ لقال أريد صلاة العصر مع الإمام فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقيناً؟
بل أن غيره يعلم بنيته بقرائن الأحوال فإنه إذا رأى إنسانا جالس في الصف الأول في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلي فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنه يريد إمامتهم فإن رآه في الصف علم أنه يريد الإتمام، فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال فكيف يجهلها من نفسه مع إطلاعه هو على باطنه. فقبوله من الشيطان أنه ما نوى تصديق له في جهد العيان وإنكار الحقائق المعلومة يقينا ومخالفة للشرع ورغبة عن السنة وعز طريق الصحابة. ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها والموجودة لا يمكن إيجادها لأن من شرط إيجاد الشيء كونه معدوما فإن إيجاد الموجود محال وإذا كان الأمر كذلك فما يحصل له بوقوفه شيء ولو وقف ألف عام، وقيام الإنسان إلى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمن نظم الألفاظ والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذر عليه فمن عرف هذا عرف النية ثم أنه يجوز تقديمها على التكبير بزمان يسير ما لم يفسحها فما وجه هذا التعب في إلصاقها بالتكبير.
سادسا/ الوسوسة في الصلاة
سبق أن ذكرنا أن الموسوس يكبر ثم يقطع التكبير ظنا منه بأنه لم ينو بالإضافة إلى ذلك أنه يوسوس في التكبير فإذا كثر مثلا يشك هل نطق التكبيرة صحيحة؟ يقول الغزالي في كتابه الأحياء يحكي عن الوسوسة في التكبير (( حتى قد يغيرون صيغة التكبير لشدة الاحتياط فيه يفعلون ذلك في الصلاة ثم يغفلون عنه في جميع الصلاة فلا يحضرون قلوبهم ولربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه ا
وهناك الوسوسة في مخارج الحروف فقد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فترى الموسوس يقول الحمد. الحمد أي بإعادة الكلمة وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد. وتارة في إخراج ضاد المغضوب أو الضالين، يقول ابن الجوزي في كتابه ((تلبيس إبليس)): (لقد رأيت من يقول المغضوب فيخرج بصامه مع إخراج الضاد لقوة تشديده وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة) . يقول الغزالي في الأحياء: ((وفرقة أخرى تغلب عليهم الوسوسة في إخراج حروف الفاتحة وسائر الأذكار من مخارجها فلا يزال يحتاط في التشديدات وتصحيح مخارج الحروف في جميع صلاته ولا يهمه غيره ولا يتفكر فيما سواه ذاهلا عن معنى القرآن والاتعاظ به وصرف الفهم إلى أسراره ومثال هؤلاء مثال من حمل رسالة إلى مجلس السطان وأمر أن يؤديها على وجهها فأخذ يؤدي الرسالة ويتأنق في مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو في ذلك غافل عن مقصود الرسالة ومراعاة حرمة المجلس فما أحراه بأن تقام عليه السياسة ويرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل)). انتهى كلام الغزالي في الأحياء.
والتنطع في مخارج الحروف هو أن يتشكك الموسوس هل خرج الحرف ((هـ)) من لفظ الجلالة في الحمد لله وكذلك النون في يوم الدين أو الميم في الرحيم وأحيانا يعيد الآية فيتكرر الخطأ في هذا الموضع من الآية وإذا أعادها مرتين أو ثلاث بدأ يخطر في قلبه قطع الصلاة أو إعادتها مرة أخرى فإذا سلم من ذلك أثناء القراءة يتشكك في ذكر الركوع أو السجود وكذلك تستمر معه الوسوسة أثناء الصلاة. وهذا لاشك من وساوس إبليس فعن سعيد بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فلما سلم قال يرحمك الله أ رأيت هذه الصلاة المكتوبة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديورات{رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}سورة الحديد، وفي إفراد مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك الشيطان يقال له حنـزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ثلاثا و أتفل عن يسارك )) ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .
سابعا/ الرد على ما أحتج به أهل الوسواس:
لقد أفرد ابن القيم في كتابه ((إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان )) فصلا في الجواب عما احتج به أهل الوسواس، من ذلك قولهم إن ما نفعله احتياط لا وسواس قلنا سموه ما شئتم فنحن نسألكم هل هو موافق لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره وما كان عليه أصحابه أو مخالف ؟ فإن زعمتم أنه موافق فبهت وكذب صريح فإذن لابد من الإقرار بعدم موافقته وأنه مخالف له فلا ينفعكم تسمية ذلك احتياطا وهذا نظير من ارتكب محظورا وسماه بغير اسمه كما تسمى الخمر بغير اسمها والربا معاملة والتحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله نكاحا ونقر الصلاة الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فاعله لم يصل وأنه لا تجزئه صلاته ولا يقبلها الله تعالى منه تخفيفا، فهكذا تسمية الغلو في الدين احتياطا وينبغي أن يعلم أن الاحتياط الذي ينفع صاحبه ويثيبه الله عليه الاحتياط في موافقة السنة وترك مخالفتها فالاحتياط كل الاحتياط في ذلك وإلا فما احتاط لنفسه من خرج عن السنة بل ترك حقيقة الاحتياط في ذلك .
أما الجواب على احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وقوله ((الإثم ما حاك في الصدر)) فهذا كله من أقوى الحجج على بطلان الوسواس فإن الشبهات ما يشتبه فيه الحق بالباطل والحلال بالحرام على وجه لا يكون فيه دليل على أحد الجانبين أو تتعارض الإمارتان عنده فلا ترجح في ظنه إحداهما فيشتبه عليه هذا بهذا فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك المشتبه والعدول إلى الواضح الجلي ومعلوم أن غاية الوسواس أن يشتبه على صاحبه هل هو طاعة وقربة أم معصية وبدعة والواضح الجلي هو اتباع طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سنة للأمة قولا وعملا .
سبحانك اللهم وبحمدك، اشهد ان لا اله الا انت، استغفرك واتوب اليك
اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم. وأعوذ بك من وساوس الصدر ومن عذاب القبر ومن شتات الأمر، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
فالوسوسة خطيرة في حياة من يقع فيها فقد تطرق الشيخ فهد العصيمي لخطورتها وحذر من الوقوع فيها ....
إن الله سبحانه وتعالى يقول:{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله).
فالقلب بالنسبة للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود يستخدمها فيما شاء وتتبعه فيما يعقده من العزم فهو ملكها وهو المسؤول عنها.
ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه أجلب عليه بالوساوس والشهوات وزين له ذلك ليصده عن الطريق القويم ونصب له المصائد والحبائل،، فلا نجاة من مصائده ومكائده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى.
ولما كانت مكائد الشيطان كثيرة لإغواء الناس فإنني سأقتصر في هذا البحث على مكيدة من مكائده لعنه الله ألا وهي الوسوسة في الطهارة والصلاة أو فلنقل الوسوسة في العبادات .
إن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل، فمن كيده الذي بلغ به من الجهال ما بلغ الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة
· أولا: الوسواس في الطهارة
لا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس ومن ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء أو في دورات المياه مبالغة في الاستنجاء ويحسن له الشيطان استعمال الكثير ومنهم من يقوم فيمشي وينخنخ ويرفع قدما ويحط أخرى ظنا منه أن هذا العمل يخرج بقايا البول .
ثانيا الوسوسة في الوضوء والغسل :
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء)) رواه احمد وابن خزيمة والترمذي وغيرهم
إن إبليس يأتي إلى المتوضئ الذي يريد أن يتوضأ فيقول: "من أين لك أنك طاهر؟"،، ويقدر له كل احتمال بعيد فمنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك بجمع أربعة أشياء مكروهة الإسراف في الماء وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب والتعاطي على الشريعة إذ لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على ثلاث وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده تارة بالغوص في الماء البارد وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضر ببصره وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه .
وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا قال له : "انغمس في الماء مرارا كثيرا وأشك هل صح لي الغسل أم لا؟"،، فقال له الشيخ: "اذهب فقد سقطت عنك الصلاة"،، قال: "وكيف؟"، قال: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة،، المجنون حتى يفيق،، والنائم حتى يستيقظ،، والصبي حتى يبلغ".،، رواه أحمد وأبو داود والحاكم ومن ينغمس في الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون" .
وهذا الذي ذكره ابن الجوزي يحدث عند بعض الأشخاص فنجد أحدهم إذا ذهب لدورة المياه ليغتسل من جنابة ونحوه يمكث في الاغتسال نصف ساعة أو أكثر يصب عليه دش الماء صبا ويكرر غسل العضو مرات عديدة وبعد أن يخرج يحصل له شك بأن بقعة من جسمه لم يصلها الماء فيبقى متحيرا شاكا وربما يعيد الغسل مرة أخرى وكذلك في الوضوء إذا غسل أحد الأعضاء وليكن رجليه شك هل مسح رأسه وإذا غسل يديه شك هل تمضمض واستنشق وهكذا يعيد غسل العضو أو الأعضاء وإذا لم يلتفت إلى ذلك فإن إبليس يوسوس له بأنه لم يتم وضوءه أو غسله وأنه بالتالي لا تصح صلاته وعبادته ولا يزال به إبليس يوسوس له حتى يعيد ذلك الغسل أو الوضوء .
ثالثا: الوسواس في انتقاض الطهارة:
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال وسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج كمن المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) وفي الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال ((لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ))
وفي المسند وسنن أبى داوود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعره من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)) ولفظ أبي داود ((إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له إنك قد أحدثت فيقل له كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه)).
رابعا: الوسوسة في المبالغة في التشدد في أشياء سهل فيها المبعوث بالحنفية وبيان أن هذا مخالف لما جاءت به الحنفية .
من ذلك التحرج من إتيان المساجد حفاة وإذا بلي أحد الموسوسين بصلاة الجنازة في نعليه قام على عقبيهما كأنه واقف على الجمر حتى لا يصاب فيهما وقد قال عبد الله بن مسعود ((كنا لا نتوضأ من موطئ)) رواه أبو داوود والترمذي والموطأ ما يوطأ في الطريق من أذى . وعن علي رضي الله عنه (( أنه خاض في طين المطر ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل رجليه وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن الرجل يطأ العذرة قال، إن كانت يابسة فليس بشيء وإن كانت رطبة غسل ما أصابه )) وقال عاصم الأحول: (( أتينا أبا العالية فدعونا بوضوء فقال مالكم، ألستم متوضئين ؟، قلنا بلى ولكن هذه الأقذار التي مررنا بها؟ قال هل وطأتم على شيء رطب تعلق بأرجلكم ؟ قلنا لا فقال فكيف بأشد من هذه الأقذار يجف فينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم؟ )).
ومن ذلك أن بعض الموسوسين لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير ويضع عليها المنديل ولا يمشي على الحصير ولا على البساط بل يمشي عليها نقرا كالعصفور!! (( مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير وقد أسود فنضح له بالماء وصلى عليه ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل)). رواه البخاري ومسلم في قصة صلاته صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان بن مالك ومن ذلك إجماع المسلمين على ما سنه لهم النبي صلى الله عليه وسلم من جواز الإستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف مع أن المحل يعرق فينضح على الثوب ولم يأمر بغسله ومن ذلك أنه يعفى عن يسير أرواث البغال والحمير والفرس فقد قال الأوزاعي كانوا يبتلون في ذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد ولا ثوب ومن ذلك الصلاة مع يسير الدم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الثياب التي نسجها المشركون ويصلي فيها، ولما قدم عمر رضي الله عنه الجابية استعار ثوبا من نصراني فلبسه. وتوضأ من جرة نصرانية ومر عمر رضي الله عنه يوما فسقط عليه شيء من ميزاب ومعه صاحب له فقال يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس فقال عمر يا صاحب الميزاب لم تخبرنا ومضى وقال ابن تيميه إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب ولا يعلم ما هو لم تجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو واحتج بقصة عمر رضي الله عنه الآنفة الذكر في الميزاب.
خامسا: الوسوسة في النية:
أن الأعمال بالنيات وأن كل عمل تعبدي يسبقه النية والشيطان له مدخل في ذلك فيأتي فيلبس على المصاب فالعبارات التي أحدثت عند افتتاح الصلاة قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقعهم في طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ بها فتشغله الوسوسة حتى تفوته الجماعة أو وقت الصلاة. قال الإمام الغزالي في كتابه الأحياء (( وإن تم تكبيره فيكون في قلبه بعض التردد في صحة نيته ويغترون بذلك ويظنون أنهم إذا اتعبوا أنفسهم في تصحيح النية وتميزوا عن العامة بهذا الجهد والاحتياط فهم على خير عند ربهم فمنهم من يقول أصلي صلاة كذا ثم يعيد هذا ظنا أنه قد نقض النية والنية لا تنتقض وإن لم يرض اللفظ ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم يرفض فإذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه. وهذا شيء عجيب فمن لم يحصل النية في الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يحصلها في الوقت الضيق ما شغل باله بفوات الركعة، والنية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا فكل عازم على فعل فهو ناويه ولا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقها فلا يمكن عدمها في حال وجودها ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة ولا يكاد العاقل يفعل شيئا من العبادات ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا يحتاج إلى تعب ولا تحصل ولو أراد إخلال أفعاله الاختيارية عن نية لعجز عن ذلك ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق وإن شك في حصول نيته فهو نوع جنون .
فإن علم الإنسان بحال نفسه أمراً يقينيا ومن قام ليصلي صلاة العصر مثلا خلف الإمام ودعاه داع إلى شغل في تلك الحال لقال إنني أريد صلاة العصر ولو قال له قائل في وقت خروجه للصلاة أين ستذهب؟ لقال أريد صلاة العصر مع الإمام فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقيناً؟
بل أن غيره يعلم بنيته بقرائن الأحوال فإنه إذا رأى إنسانا جالس في الصف الأول في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلي فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنه يريد إمامتهم فإن رآه في الصف علم أنه يريد الإتمام، فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال فكيف يجهلها من نفسه مع إطلاعه هو على باطنه. فقبوله من الشيطان أنه ما نوى تصديق له في جهد العيان وإنكار الحقائق المعلومة يقينا ومخالفة للشرع ورغبة عن السنة وعز طريق الصحابة. ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها والموجودة لا يمكن إيجادها لأن من شرط إيجاد الشيء كونه معدوما فإن إيجاد الموجود محال وإذا كان الأمر كذلك فما يحصل له بوقوفه شيء ولو وقف ألف عام، وقيام الإنسان إلى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمن نظم الألفاظ والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذر عليه فمن عرف هذا عرف النية ثم أنه يجوز تقديمها على التكبير بزمان يسير ما لم يفسحها فما وجه هذا التعب في إلصاقها بالتكبير.
سادسا/ الوسوسة في الصلاة
سبق أن ذكرنا أن الموسوس يكبر ثم يقطع التكبير ظنا منه بأنه لم ينو بالإضافة إلى ذلك أنه يوسوس في التكبير فإذا كثر مثلا يشك هل نطق التكبيرة صحيحة؟ يقول الغزالي في كتابه الأحياء يحكي عن الوسوسة في التكبير (( حتى قد يغيرون صيغة التكبير لشدة الاحتياط فيه يفعلون ذلك في الصلاة ثم يغفلون عنه في جميع الصلاة فلا يحضرون قلوبهم ولربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه ا
وهناك الوسوسة في مخارج الحروف فقد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فترى الموسوس يقول الحمد. الحمد أي بإعادة الكلمة وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد. وتارة في إخراج ضاد المغضوب أو الضالين، يقول ابن الجوزي في كتابه ((تلبيس إبليس)): (لقد رأيت من يقول المغضوب فيخرج بصامه مع إخراج الضاد لقوة تشديده وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة) . يقول الغزالي في الأحياء: ((وفرقة أخرى تغلب عليهم الوسوسة في إخراج حروف الفاتحة وسائر الأذكار من مخارجها فلا يزال يحتاط في التشديدات وتصحيح مخارج الحروف في جميع صلاته ولا يهمه غيره ولا يتفكر فيما سواه ذاهلا عن معنى القرآن والاتعاظ به وصرف الفهم إلى أسراره ومثال هؤلاء مثال من حمل رسالة إلى مجلس السطان وأمر أن يؤديها على وجهها فأخذ يؤدي الرسالة ويتأنق في مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو في ذلك غافل عن مقصود الرسالة ومراعاة حرمة المجلس فما أحراه بأن تقام عليه السياسة ويرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل)). انتهى كلام الغزالي في الأحياء.
والتنطع في مخارج الحروف هو أن يتشكك الموسوس هل خرج الحرف ((هـ)) من لفظ الجلالة في الحمد لله وكذلك النون في يوم الدين أو الميم في الرحيم وأحيانا يعيد الآية فيتكرر الخطأ في هذا الموضع من الآية وإذا أعادها مرتين أو ثلاث بدأ يخطر في قلبه قطع الصلاة أو إعادتها مرة أخرى فإذا سلم من ذلك أثناء القراءة يتشكك في ذكر الركوع أو السجود وكذلك تستمر معه الوسوسة أثناء الصلاة. وهذا لاشك من وساوس إبليس فعن سعيد بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فلما سلم قال يرحمك الله أ رأيت هذه الصلاة المكتوبة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديورات{رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}سورة الحديد، وفي إفراد مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك الشيطان يقال له حنـزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ثلاثا و أتفل عن يسارك )) ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .
سابعا/ الرد على ما أحتج به أهل الوسواس:
لقد أفرد ابن القيم في كتابه ((إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان )) فصلا في الجواب عما احتج به أهل الوسواس، من ذلك قولهم إن ما نفعله احتياط لا وسواس قلنا سموه ما شئتم فنحن نسألكم هل هو موافق لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره وما كان عليه أصحابه أو مخالف ؟ فإن زعمتم أنه موافق فبهت وكذب صريح فإذن لابد من الإقرار بعدم موافقته وأنه مخالف له فلا ينفعكم تسمية ذلك احتياطا وهذا نظير من ارتكب محظورا وسماه بغير اسمه كما تسمى الخمر بغير اسمها والربا معاملة والتحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله نكاحا ونقر الصلاة الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فاعله لم يصل وأنه لا تجزئه صلاته ولا يقبلها الله تعالى منه تخفيفا، فهكذا تسمية الغلو في الدين احتياطا وينبغي أن يعلم أن الاحتياط الذي ينفع صاحبه ويثيبه الله عليه الاحتياط في موافقة السنة وترك مخالفتها فالاحتياط كل الاحتياط في ذلك وإلا فما احتاط لنفسه من خرج عن السنة بل ترك حقيقة الاحتياط في ذلك .
أما الجواب على احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وقوله ((الإثم ما حاك في الصدر)) فهذا كله من أقوى الحجج على بطلان الوسواس فإن الشبهات ما يشتبه فيه الحق بالباطل والحلال بالحرام على وجه لا يكون فيه دليل على أحد الجانبين أو تتعارض الإمارتان عنده فلا ترجح في ظنه إحداهما فيشتبه عليه هذا بهذا فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك المشتبه والعدول إلى الواضح الجلي ومعلوم أن غاية الوسواس أن يشتبه على صاحبه هل هو طاعة وقربة أم معصية وبدعة والواضح الجلي هو اتباع طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سنة للأمة قولا وعملا .
سبحانك اللهم وبحمدك، اشهد ان لا اله الا انت، استغفرك واتوب اليك