ما زال يمشي في الأمو بفكره | حتّى تمشّى النّوم في الأجفان
|
وكما يرى الوسنان راء كأنّه | في النّعش ميت هامد الجثمان
|
وعلى جوانب نعشه صفّان | من جند ((ألبرت)) الرّفيع الشّان
|
يبكونه لا شامتين بموته | ليس الشّماتة عادة الشجعان
|
ورأى حواليه جماهير الورى | تستعلرض الملحود في الأكفان
|
وكأنّما كره اختلاط رفاته | في الأرض بالضّعفاء والعبدان
|
أو أنّ مرأى الحشد أقلق روحه | في جسمه فهفا إلى الطّيران
|
ومن العجائب في كرى أنّ الفتى | يغدو به وكأنّه شخصان
|
...
|
أمّ السّماء وقد توهّم أنّه | لا شكّ والجها بلا استئذان
|
ما زال يرقى صاعدا حتى انتهى | حيث الغناء مثالث ومثاني
|
فرمى بناظره فأبصر بابها | فمشى إليه مشية العجلان
|
وأقام يفرعه فأقبل ((بطرس)) | ذو الأمر في الفردوس والسّلطان
|
وأدار فيه لحظه فإذا به | ضيف، ولكن ليس كالضّيفان
|
ما جاءنا بك؟ صاح ((بطرس)) غاضبا | يا شرّ إنسان على الإنسان
|
إذهب فما لك في السّما من موضع | يا أيّها الرّجل الأثيم الجاني
|
ثمّ انثنى للباب يحكم سدّه | والضّيف لم ينبس ببنت لسان
|
ما ذي الفظاظة ؟ قال((وليم)) وانثنى | لليأس كالمصفود في الأقرا
|
وبمثل لمح الطّرف أسرع هابطا | نحو الجحيم يقول ذاك مكاني
|
هيهات يحرم من جهنّم عائد | من جانب الفرّدوس بالحرمان
|
حتّى إذا ما صار دون رتاجها | سميع ((الزّعيم)) يصيح بالأعوان
|
أبني جهنّم أوصدوا أبوابكم | واستعصموا كالطّير بالأوكان
|
كونوا على حذر ففي هذا الضّحى | يأتي إلينا قيصر الألمان
|
إن كنتم لم تعلرفوه فإنّه | رجل بلا قلب ولا وجدان
|
أخشى على أخلاقكم إن زاركم | وهي الحسان تصير غير حسان
|
إيّاكم أن تسمحوا بدخوله | فدخوله خطر على السّكان
|
أمري لكم أصدرته فخذوا به | وحذار ثمّ حذار من عصياني
|
ماذا تراني؟ صاح ((وليم)) باكيا | حتّى الأبالس لا تحبّ تراني
|
ابليس ، يا شيخ الزّبانية الألى | كانوا لأخداني من الأخدان
|
رحماك بي ،فاللّيل قاس برده | والهول يملأ ناظري وجناني
|
بجهنّم، بالسّاكني حجراتها | بمواقد النّيران ، بالنّيران
|
وبكلّ شيطان مريد ماكر | وبكلّ تابع مارد شيطان
|
مر ينفتح باب الجحيم فإنّني | قد كاد يجمد للصقيع لساني
|
يا ليت شعري أين أذهب بعدما | سدّ السّبيل وأوصد البابان
|
مر لي بزاوية أزجّ بمهجتي | فيها، وإن تك من حميم آن
|
هلاّ قبلت تضرّعي؟ فأجابه | إبليس، وهو يروع كالسّرحان
|
لو كنت أعلم ما سكتّ فلا تزد | لا أرى للحيران في الحيران
|
عبثا تحاول أن تصادف عندنا | نزلا، فهذا ليس بالإمكان
|
لا تذكرنّ ليّ الحنان وما جرى | مجراه، إني قد قتلت حناني
|
لا يدخلنّ جهنّما ذو مطمع | بالمجد أو بالأصفر الرّنّان
|
إن كنت تشتاق الإقامة في اللّظى | فالنّار والكبريت كلّ مكان
|
فاجمعهما واصنع لنفسك منهما | ولمن تحبّهم جحيما ثاني
|
وهنا تقهقر ((وليم)) ثمّ اختفى | ما بين ليل حالك ودخان
|
فأفاق مذعورا يقلّب طرفه | للرّعب في الأبواب والحيطان
|
ويقول لا أنساك يا حلمي ولو | نسجت علّي عناكب النّسيان
|
ما راعني أنّي طردت من السّما | أنا قانط من رحمة الدّيّان
|
لكنّ طردي من جهنّم، إنّه | ما دار في خلدي ولا حسباني |