أبعدك يعرف الصّبر الحزين | وقد طاحت بهجته المنون ؟
|
رمتك يد الزمان بشرّ سهم | فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
|
رماك و أنت حبّه كلّ قلب | شريف ، فالقلوب له رنين
|
و لم يك للزمان عليك ثار | و لم يك في خلالك ما يشين
|
و لكن كنت ذا خلق رضيّ | على خلق لغيرك لا يكون
|
و كنت تحيط علما بالخفايا | و تمنع أن تحيط بك الظنون
|
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا | فعندك سرّه الخافي مبين
|
حكيت البدر في عمر و لكن | ذكاؤك لا تكوّنه قرون
|
عجيب أن تعيش بنا الأماني | و أنّا للأماني نستكين
|
و ما أرواحنا إلاّ أسارى | و ما أجسادنا إلاّ سجون
|
و ما الكون مثل الكون فان | كما تفنى الدّيار كذا القطين
|
لقد علقتك أسباب المنايا | وفيّا لا يخان و لا يخون
|
أيدري النعش أيّ فتى يواري | و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
|
فتى جمعت ضروب الحسن فيه | و كانت فيه للحسنى فنون
|
فبعض صفاته ليث و بدر | و بعض خلاله شمم و لين
|
أمارات الشّباب عليه تبدو | و في أثوابه كهل رزين
|
ألا لا يشمت الأعداء منّا | فكلّ فتى بمصرعه رهين
|
...
|
أيا نور العيون بعدت عنّا | و لمّا تمتليء منك العيون
|
و عاجلك الحمام فلم تودّع | و بنت و لم يودّعك القرين
|
و ما عفت الوداع قلى و لكن | أردت و لم يرد دهر ضنين
|
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي | نعيّك بعد ما طال السّكون
|
و لهف شقيقك النّائي بعيدا | إذا ما جاءه الخبر اليقين
|
ستبكيك الكواكب في الدّياجي | كما تبكيك في الرّوض الغصون
|
و يبكي أخوة قد غبت عنهم | و أمّ ثاكل و أب حزين
|
فما تندى لنا أبدا ضلوع | عليك ، و ما تجفّ لنا شؤون
|
قد ازدانت بك الفتيان طفلا | كما يزدان بالتّاج الجبين
|
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا | فما في الدهر بعدك ما يزين
|
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء | و كنت لنا المعين فلا معين
|
أبعدك ، يا أخي ، أبغي عزاء | إذا شلّت يساري و اليمين ؟
|
يهون الرزء إلاّ عند مثلي | بمثلك فهو رزء لا يهون
|
عليك تقطّع الحسرات نفسي | و فيك أطاعني الدّمع الحرون
|
فملء جوانحي حزن مذيب | و ملء محاجري دمع سخين
|
و ما أبقى المصاب على فؤادي | فأزعم أنّه دام طغين
|
يذود الدمع عين عيني كراها | و تأبى أن تفارقه الجفون
|
لقد طال السّهاد و طال ليلي | فلا أدري الرّقاد متى يكون
|
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي | عليك أسى لذلك ما يبين
|
جزاك الله عنّا كلّ خير | و جاد ضريحك الغيث الهتون |