أعلى عيني من الدّمع غشاء | أم على الشّمس حجاب من غمام
|
غامض نور الطّرف أم غارت ذكاء | لست أدري غير أني في ظلام
|
ما لنفسي لا تبالي الطّربا | أين ذاك الزّهو ، أين الكلف؟
|
عجبا ماذا دهاها عجبا | فهي لا تشكو ولا تستعطف
|
ليتها ما عرفت ذاك النّبا | فالسّعيد العيش من لا يعرف
|
لا ابتسام الغيد، لا رقص الطّلاء | يتصبّاها ولا شدو الحمام
|
بالكرى عني وبي عنه جفاء | أنا وحدي... أم كذا كلّ الأنام؟
|
لاأرى لي من همومي مهربا | فهي في هذا وذيّاك الطّريق
|
في الرّبى فوق الرّبى تحت الرّبى | في الفضاء الرّحب في الرّوض الأنيق
|
في اهتزاز الغصن في نفح الصّبا | في انسجام الغيث في لمح البروق
|
كلّما أومض برق أو أضاء | بتّ أشكو في الدّجى وقع السّهام
|
في ابتسام الفجر للمرضى شفاء | وابتسام الفجر فيه لي سقام
|
تعتريني هزّة كالكهربا | كلّما حنّ مشوق لمشوق
|
علّمت عيني السّهاد الكوكبا | وفؤادي علّم البرق الخفوق
|
ما دعوت الدّمع إلاّ انسكبا | يا دموعي أنت لي أوفى صديق
|
لم أر كاليأس يغري بالبكاء | لا ولا كالدمع يفشي المستهام
|
فاستعينوا بالبكا يا تعساء | كلّما اشتدت بكم تار الهيام
|
خلت قلبي بالأسى منفردا | وأنا وحدي صريع المحن
|
وتوهّمت الأسى لن يجدا | سكنا في غير قلبي المثخن
|
وظننت الدّهر مهما حقدا | سوف لا يفجعني في وطني
|
فإذا تلك المغاني في شقاء | وإذا كلّ فؤاد في ضرام
|
ذهبت كلّ ظنوني في الهواء | وتوّلت مثل أضغاث المنام
|
لا تأمني إن أنا لمت القضا | ولم الدّهر الّذي أخنى علّي
|
لم تدع فيّ اللّيالي غرضا | والضّنى لم يبق مني غير في
|
لا تسلني: أيّ خطب عرضا | في الحشا وجد وفي المقول عيّ
|
قلّ غربي سالب السّيف المضاء | والشّذى الزّهرة والعقد النّظام
|
وإذا ما غلب اليأس الرّجاء | هانت الشّكوى ولم يجد الكلام
|
بصرت لكن مثلما شاء الكمد | شاعرا من مقلتي أرتجل
|
صدّ ما كان بنفسي عنه صد | وتجافاني الكلام المرسل
|
عقد الحزن لساني فانعقد | أيّ سيف ما اعتراه الفلل؟
|
بي هموم كلّما لاح الضّياء | ضربت فوق عيوني بلثام
|
وشجون كلّما جنّ المساء | قطعت بين جفوني والمنام
|
لا أرى غير خيالات تسير | مهطعات عن يساري واليمين
|
فوق أرض من دماء وسعير | في فضاء من هموم وشجون
|
عجبا ... أين ابتسامات الثّغور | ما لقومي كلّهم باك حزين
|
كلّ ما أسمع نوح وبكاء | كلّ ما أبصر ((صرعى ورمام))
|
زلزلت زلزالها هذي السّماء | أم ترى فضّت عن الموتى الرّجام
|
وقع الأمر الّذي لا يدفع | وجنى الجاني على تلك الرّبوع
|
واحتواها نهم لا يشبع | فاحتوى سكّانها خوف وجوع
|
فهي إمّا دمنة أو بلقع | وهم إمّا قتيل أو صريع
|
إن شكت قالت على الدّنيا السّلام | عبث الإنسان فيها والقضاء
|
آه من جور اللّيالي والطّغام
|
ربّ طفل طاهر ما أثما | مات موت الآثم المجرم
|
كان مّمن يرتجي لو سلما | للعلى لكنّه لم يسلم
|
كوكب ما كاد يبدو في السّما | طالعا حتّى اختفى كالحلم
|
غاض مثال الماء في الأرض العراء | ما عهدت البدر مثواه الرّغام
|
هكذا أودت به ريح الشّتاء | زهرة لم تنفتح عنها الكمام
|
ربّ شيخ أقعدته الحادثات | ومشى ((الأبيض)) في لّمته
|
وثناه الضّعف عن حمل القناة | وعن السّابق في حلبته
|
كان من قبل حلول الكارثات | آمنا كالنّسر في وكنته
|
لاهيا يذكر أيّام الصّباء | ولياليه وفي الثّغر ابتسام
|
حكم العاني عليه بالفناء | وأبى المقدور إلاّ أن يضام
|
وفتى كالغصن ريّان نضير | تحلم الخود به إذ تحلم
|
وتراه للهوى بين البدور | فتراه فوقّهنّ الأنجم
|
ألمعيّ الذّهن والقلب الكبير | ملك في بردتيه ضيغم
|
بات لا يقوى على حمل الرداء | منكباه وهو في العشرين عام
|
ما به عجز ولا داء عياء | غير أنّ الجوع قد هدّ العظام
|
وصغار مثل أفراخ القطا | يتضاغون من الجوع الشّديد
|
وهنت أعصابهم لما سطا | والطّوى يوهن عزمات الأسود
|
أرأيت العقد إمّا انفرطا | هكذا دمعهم فوق الخدود
|
زهقت أرواحهم في شكل ماء | للأسى ، للّه ما أقسى الحمام
|
يا رعى اللّه نفوس الشّهداء | وسقى أحداثهم صوب الغمام
|
أيّها الجالون عن ذاك الحمى | إنّ في ذاك الحمى ما تعلمون
|
ضيم في أحراره واهتضما | ووقفتم من بعيد تنظرون
|
لا؛ ومن شاء لنا أن ننعما | ما كذا يجزي الأب البّر البنون
|
كلكم يا قوم في البلوى سواء | لا أرى في الرّزء لبنانا وشام
|
في ربى لبنان قومي الأصفياء | وبأرض الشّام أحبابي الكرام
|
اللّيالي غاديات رائحه | بالدّواهي وأراكم تضحكون
|
ما اتّعظتم بالسّنين البارحه | لا ولا أنتم غدا متّعظون
|
يا لهول الخطب!.. يا للفادحه | أمة تفنى وأنتم تلعبون
|
فادفنوا أضغانكم يا زعماء | يبعث اللّه من القبر الوئام
|
وابسطوا أيديكم يا أغنياء | أبغض السّحب إلى الصّادي الجهام |