أطار عني النوم صوت في الدجى | كأنه دمدمة الشّلال
|
يصرخ، والريح تردّد الصدى | في أذن الفضاء والتلال
|
يا ليل هنيهة قبالي | تر البرايا وأر الليالي
|
أنا الشادي ، أنا الباكي، | أنا العاري، أنا الكاسي
|
أنا الخمرة والدنّ، | أنا الساقي، أنا الحاسي
|
خلعت ثوبا لم تفصّله يدي | وهمت في الوادي بلا سريال
|
وخلتني انطلقت من سلاسلي | وخلصت ذاتي من الأوحال
|
فلم أزل أرسف في أغلالي | ولم أزل في حندس المحال
|
فما أبكي من الغربة | عن جار وعن خدن
|
فقد يرجع جيراني | وتبقى غربتي عني
|
عرفت في النهار كل مقبل | ومدبر، وما عرفت حالي
|
واستترت عني السهول والربى | تحت الدجى ، والبحر ذو الأهوال
|
لكنما لم تستتر_ آمالي | عني ولا نقصي ولا كمالي
|
ولا ضعفي، ولا عزمي ، | ولا قبحي، ولا حسني
|
فكم أهرب من نفسي | وما لي مهرب مني
|
فقلت من هذا ؟ فقال صحبي | موسوس يهذي من الخيال
|
يأوي إلى الأدغال في نهاره | كأنه جزء من الأدغال
|
وفي الدجى له صراخ عال | كأنه والليل في نضال
|
كأن الليل يوثقه | بأغالا وأمراس
|
ويضرب جسمه العاري | بسوط الظالم القاسي
|
ما أن رآه أحد إلاّ رآه | شاخص الطرف إلى الأعالي
|
كأنما يرقب ركبا صاعدا | أو هابطا وليس غير الآل
|
كأنما يخشى على الهلال | وسائر الشهب من الزوال
|
فصاح الصوت : ما أرجوه | في نفسي وما أحذر
|
فهما رحب الأفق | فنفسي الأفق الأكبر
|
ليس جلال الليل ما أدهشني | وإنما أدهشني جلالي
|
ولا جمال الشهب ما حيّرني | وإنما حيّرني جمالي
|
إن كان بي شوق إلى وصال | فإنّما شوقي إلى خيالي
|
توشّحت الضحى والليل | في أنسي وفي حزني
|
فما زاد الدجى خوفي | ولا زاد الضحى أمني
|
لم هاجر الناس فأصناف الورى | من السلاطين إلى الموالي
|
إلى ذوي العلم ، إلى أهل الغنى | من واصل وهاجر وسال
|
وحاضر وسابق وتال | في قبضتي ((اليمنى)) بلا جدال
|
تلاقى الأحمق الجاهل | والعالم في كفي
|
ومن كان له إلف | ومن كان بلا إلف
|
وفي يدي ((الشمال)) أشكال المنى | وصور اليقين والضلال
|
وكلّ ما لعاقل أو جاهل | من لذة أو ألم قتّال
|
وسائر الأمور والأحوال | وكلّ شيء قال شخص : ذا لي
|
وكان الليل قد أزمع | أن يحدو مطاياه
|
فساد الصمت في الوادي | كأن الموت يغشاه
|
فسرت والفجر دليلي باحثا | في الغاب والسفوح والتلال
|
فلم أجد غير صريع هامد | منطرح في جانب الشّلال
|
((لا شيء)) في قبضته الشمال | وليس في اليمنى سوى ((صلصال)) |