أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا | فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا
|
إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى | حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا
|
وتسعّرت عند الوداع أضالعي | نارا خشيت بحرّها أن أحرقا
|
ما زلت أخشى البين قبل وقوعه | حتى غدوت وليس لي أن أفرقا
|
يوم النوى ، للّه ما أقسى النّوى | لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا
|
رحنا حيارى صامتين كأنّما | للهول نحذر عنده أن ننطقا
|
أكبادنا خفّاقة وعيوننا | لا تستطيع ، من البكا، أن ترمقا
|
نتجاذب النظرات وهي ضعيفة | ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا
|
لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا | كادت مع العبرات أن تتدّفقا
|
يا صاحبي تصبّرا فلربّما | عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا
|
إن كانت الأيّام لم ترفق بنا | فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا
|
أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى | في وسعه أن يجمع المتفرّقا!..
|
ولقد ركبت البحر يزأر هائجا | كالليث فارق شبله بل أحنفا
|
والنفس جازعة ولست ألومها | فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى
|
فلقد شهدت به حكيما عاقلا | ولقد رأيت به جهولا أخرقا
|
مستوفز ما شاء أن يلهو بنا | مترّفق ما شاء أن يتفرّقا
|
تتنازع الأمواج فيه بعضها | بعضا على جهل تنازعنا البقا
|
بينا يراها الطّرف سورا قائما | فاذا بها حالت فصارت خندقا
|
والفلك جارية تشقّ عبابه | شقّا، كما تفري رداء أخلقا
|
تعلو فنحسبها تؤمّ بنا النّسما | ونظنّ. أنّا راكبون محلّقا
|
حتّى إذا هبطت بنا في لجّة | أيقنت أنّ الموت فينا أحدقا
|
والأفق قد غطّى الضباب أديمه | فكأنّما غشي المداد المهرفا
|
لا الشّمس تسطع في الصّباح ، ولا نرى | إمّا استطال اللّيل؛ بدرا مشرقا
|
عشرون يوما أو تزيد قضيتها | كيف التفتّ رأيت ماء مغدقا
|
(نيويورك) يا بنت البخار، بنا اقصدي | فلعلّنا بالغرب ننسى المشرقا
|
وطن أردناه على حبّ العلى | فأبى سوى أن يستكين إلىالشّقا
|
كالعبد يخشى ، بعدما أفنى الصبى | يلهو به ساداته ، أن يعتقا
|
أو كلّما جاء الزمان بمصلح | في أهله قالوا. طغى وتزندقا؟
|
فكأنما لم يكنه ما قد جنوا | وكأنما لم يكفهم أن أخفقا
|
هذا جزاء ذوي النّهى في أمّة | أخذ الجمود على بينها موثقا
|
وطن يضيق الحرّ ذرعا عنده | وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا
|
ما إن رأيت به أديبا موسرا | فيما رأيت، ولا جهولا مملقا
|
مشت الجهالة فيه تسحب ذيلها | تيها، وراح العلم يمشي مطرقا
|
أمسى وأمسى أهله في حالة | لو أنها تعرو الجماد لأشفقا
|
شعب كما شاء التخاذل والهوى | متفرّق ويكاد أن يتمزّقا
|
لا يرتضي دين الآله موفّقا | بين القلوب ويرتضيه مفرقا
|
كلّف بأصحاب التعبّد والتّقى | والشرّ ما بين التعبّد والتّقى
|
مستضعف، إن لم يصب متملقا | يوما تملّق أن يرى متملقا
|
لم يعتقد بالّلم وهو حقائق | لكنّه اعتقد التمائم والرّقى!
|
ولربما كره الجمود وإنما | صعب على الانسان أن يتخلّقا!..
|
وحكومة ما إن تزحزح أحمقا | عن رأسها حتّى تولّي أحنقا
|
راحت تناصبنا العداء كأنما | جئنا فريّا أو ركبنا موبقا
|
وأبت سوى إرهقنا فكأنما | كلّ العدالة عندها أن ترهقا
|
بينا الأحباب يعبثون بها كما | عبث الصّبا سحرا بأغصان النّقا
|
(بغداد) في خطر ( ومصر) رهينة | وغدا تنال يد المطامع (جلّقا)
|
ضعفت قوائمها ولما ترعوي | عن غيّها حتى تزول وتمحقا
|
قيل اعشقوها قلت: لم يبق لنا | معها قلوب كي نحبّ ونعشقا
|
إن لم تكن ذات البنين شفيقة | هيهات تلقى من بينها مشفقا
|
أصبحت حيث النّفس لا تخشى أذى | أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا
|
نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما | جهل بعيد اليوم أن نتشوّقا
|
هذي هي ((الدّنيا الجديدة)) فانظري | فيها ضياء العلم كيف تألّقا
|
إني ضمنت لك الحياة شهيّة | في أهلها والعيش أزهر مونقا |